عدد رقم 3 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
هل كان ناسوت المسيح القدوس قابلاً للخطأ؟  

صورة كتابية

أَجُورَ ابْنِ مُتَّقِيَةِ مَسَّا ... نبوته ورباعياته

(أمثال 30)

 إن ”أَجُورَ ابْنِ مُتَّقِيَةِ مَسَّا“ في نبوته ورباعياته السبعة يعبر لنا عن فكر الله من جهة جهل الإنسان الطبيعي (ع4)، وفساده الأدبي (ع11-14)، وعجزه عن إدراك وتعلّم الأمور الإلهية، ويُنبئنا بنتيجة خراب الإنسان والقضاء الإلهي عليه (ع15، 16)، لولا أن الله تداخل بنفسه ليُظهر كمال عمل نعمته في القلوب الخاضعة له، لكي تأتي بالثمر الكثير، ولكي تحلّ البركة الوافرة.  فهو يتحدث لنا عن الحلّ الإلهي لمشكلة الإنسان الخاطئ، الجاهل والفاسد أدبيًا، في صورة رمزية جميلة:

«ثَلاَثَةٌ عَجِيبَةٌ فَوْقِي وَأَرْبَعَةٌ لاَ أَعْرِفُهَا: طَرِيقَ نَسْرٍ فِي السَّمَاوَاتِ، وَطَرِيقَ حَيَّةٍ عَلَى صَخْرٍ، وَطَرِيقَ سَفِينَةٍ فِي قَلْبِ الْبَحْرِ، وَطَرِيقَ رَجُلٍ بِفَتَاةٍ» (ع18، 19)

في ع18 تستلفت نظرنا كلمتان: الأولى «عَجِيبَة»، وهي تذكرنا بمن قيل عنه أنه «عَجِيب» (قض13: 8؛ إش9: 6).  والكلمة الثانية «لا أَعْرفُهَا»، وهي تُشير إلى أمور فائقة المعرفة؛ إنها تُذكّرنا بمحبة المسيح التي بها أحب الكنيسة «مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ» (أف3: 19)، وذلك الِسِرِّ «الَّذِي فِي أَجْيَالٍ أُخَرَ لَمْ يُعَرَّفْ بِهِ بَنُو الْبَشَرِ» (أف3: 4، 5).

وع19 يعرض لنا في صورة رباعية نبوية تصويرية جميلة، الرب يسوع المسيح كالحلّ الشافي والبلسان الناجع لحالة الإنسان الخاطئ الذي تتهدده وتنتظره الدينونة الأبدية.

(1) «طَرِيقَ نَسْرٍ فِي السَّمَاوَاتِ»: تجسد المسيح:

طَرِيقَ نَسْرٍ فِي السَّمَاوَاتِ يكلمنا عن الرب من السماء، أو السماوي الذي نزل إلى الأرض، في ناسوت قدوس تفرد به، قال عنه الملاك للمطوبة مريم: «القدوس المولود منك يُدعى ابن الله» (لو1: 35).  هذا الناسوت تكوَّن بطريقة معجزية فريدة بواسطة الروح القدس.  وفي مزمور 40 نقرأ قوله للآب: «بذبيحة وتقدمة لم تسر.  أذنيَّ فتحت»، والتي تُرجمت في الترجمة السبعينية «هيأت لي جسدًا» (عب10: 5).  لهذا فهو يختلف عن آدم قبل السقوط وهو في حالة البراءة، وبالطبع يختلف عن سائر البشر، نسل آدم الساقط، في إنسانيته القدوسة.  لذلك يقول كاتب العبرانيين: «فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم، اشترك هو أيضًا كذلك فيهما» (عب2: 14).  أي أخذ فقط اللحم والدم كإنسان، ولم يأخذ الخطية الموروثة من آدم.  وحصل على الكفاية والقدرة لتحمل الألم والموت في الناسوت الذي اتخذه، والجسد الذي تهيأ له.

(2) «طَرِيقَ حَيَّةٍ عَلَى صَخْر»: تجربة المسيح في البرية:

عندما صار الكلمة جسدًا وحلَّ بيننا (يو1: 14)، سمح الروح القدس للشيطان أن يُجربه ليتبرهن كماله المطلق، وأنه ناسوت قدوس غير قابل للخطأ.  وقد أفرغ الشيطان كل ما في جعبته، عسى أن يجد فيه منفذًا فيدخل إليه (مت4: 1-11)، ومع أنه نجح في تجربته مع آدم، ولمدة 4000 سنة اكتسب خبرات مهولة مع الإنسان الذي صار عبدًا له، لكن الحية القديمة إبليس (رؤ20: 2) وجدت شخص المسيح صخرًا كاملاً (تث32: 4؛ 1كو10: 4)، وليس به أي ثغرة (يو14: 30).  إنه «الإنسان الثاني، الرب من السماء».  فهو نوع مختلف ومن مصدر مختلف.  إن الحية تترك أثرًا على التراب أو على الرمل، لكنها لا تترك أي أثر على الصخر.  ولمدة أربعين يومًا في البرية، كان الرب يُجرَّب من إبليس.  ورقم 40 هو رقم الاختبار الكامل الكافي لإظهار حقيقة الشخص الذي يُجرَّب.  وكانت تجربة الرب جزءًا من الطريق المفروضة عليه لإظهار كماله كإنسان، وما هو في حقيقة شخصه كالقدوس، وأنه لم يكن فيه شيء يتجاوب مع التجربة، لأنه ليس فيه خطية (1يو3: 5).  لقد وُلد قدوسًا وعاش قدوسًا، «لم يعرف خطية» و«لم يفعل خطية»، وقد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السماوات (عب7: 26).  لقد جُرِّب في كل شيء مثلنا، بلا خطية (عب4: 15).  وهكذا تبرهن – كما تبرهن في كل حياته على الأرض – كيف كان أهلاً لأن يكون «حَمَل اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ» (يو1: 29)، وثبت أنه مؤهل تمامًا لأن يحمل الخطايا، ويواجه دينونة الله القدوس البار.

(3) «طَرِيقَ سَفِينَةٍ فِي قَلْبِ الْبَحْرِ»: آلام المسيح الكفارية:

السفينة في قلب البحر إشارة إلى آلام المسيح الكفارية على الصليب تحت تيارات ولجج العدل الإلهي، عندما دخلت إلى نفسه القدوسة كل مياه الدينونة الغير محدودة، وعندما كان في أعماق المياه الغامرة التي لا يعرف أعماقها إلا الله (مز42: 7؛ 69: 1، 2؛ يون2: 3).

(4) «طَرِيقَ رَجُلٍ بِفَتَاةٍ»: محبة المسيح للكنيسة:

وهذه هي أعظم الأربعة لأن «هَذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلَكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ» (أف5: 32).  إن العبد العبراني كان له الحق أن يخرج حرًا مجانًا (خر21)، ومع ذلك، حُبًّا في امرأته وأولاده، فضَّل العبودية على الحرية الشخصية لكي يوجد مع امرأته ويضم أولاده إلى صدره.  وما هي المحبة المُبينة في الرمز بالمقابلة مع محبة المسيح للكنيسة التي قادته إلى الصليب؟ إنها «مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ» (أف3: 19)، وهذه هي المحبة التي يتعهد بها كنيسته كل الطريق «مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ» (أف5: 26، 27).  ونحن لن نستطيع أن نفهم وندرك عمق هذه المحبة، ولكنها سوف تكون سبب تعجبنا، ومدعاة لسجودنا وتعبدنا إلى أبد الآبدين.


 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com