عدد رقم 2 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
طابع الشركة في سفر النشيد  


قارئي المبارك:  في كل صباح مشرق صافٍ، تنعطف الشمس على البشر بالإشراق،  فتنسحب أمامها أجمل النجوم، المرصعة السماء، بكل وقار وإجبار.  فليس أمامها إلا الاختفاء، آخذة معها سحبها، وظلالها الكثيفة.  وهكذا، في استمرار الشركة مع الله، إذ يسطع مجد المسيح، وحده في القلب؛ شمس البر والشفاء في أجنحتها، تختفي كل نجوم الشهوات، وكل سحب الظروف وأفكار المحيطين، المعطلة تمتعنا بالعريس.  ويملأ فرح المسيح القلب، وتغمر الشركة نفوسنا.  وصفاؤها البلوري هو قوتنا.  هنا نصل إلى أرض اليمامة.  أو قل: صوت اليمامة (نش 2: 12) المسموع في أرضنا؛ قلوبنا الجيدة.

 

أولاً: شركة النشيد تحتاج لتدريب

 

وسفر النشيد هو لغة المحبة، بين النفس المدربة وعريس النفس الغالي.  ونادرًا ما يكون هو لسان حال مؤمن في بداية مشوار الإيمان؛ أو قل: فور توبته.  فعادة فور توبة الخاطي يكون في حاجة ماسة، لفهم أسس العلاقة الصحيحة مع الله، ولإدراك غفران خطاياه، وفهم حياة التوبة للمؤمن.  والشركة مع الرب عادة لا تتوطد إلا بعد إدراك هذه المسائل.  ورغم أهمية هذه البركات، فسفر النشيد لا يتطرق لها بوضوح.   فهذه المسائل سويت تمامًا بالنسبة للعروس.  لقد قطعت قسطًا من التدريب مع النعمة، قبل اختبار مشاعرها في سفر النشيد. 

فالسفر ليس اختبار رفقة في بداية مشوارها يوم تركت أرض ما بين النهرين.  لكنه اختبارها وهي عبر الصحراء في طريقها لإسحاق.  وليس اختبار راعوث وهي في أرض موآب خارجة مع نعمي، ولسان حالها: «إِلهُكِ إِلهِي» (را1: 16)، ولا اختبارها وهي تلتقط في حقل بوعز.  إنه اختبار راعوث بداية من وجودها عند قدمي بوعز.  يوم اغتسلت، وتدهنت، ولبست ثيابها، ونزلت وكشفت ناحية رجليه (را3: 14).

وشركة النشيد، هي الشركة في قدس الأقداس.  ولا نصل إليها إلا مرورًا بمذبح النحاس وراحتنا على كمال عمل المسيح على الصليب، ثم المرحضه والاغتسال.  والشركة الجميلة مع الله، عند مائدة خبز الوجوه، أو قل: التغذي بالمسيح في ظروفنا.  والمرور بالمنارة، نور الحياة الأبدية.  ومذبح الذهب؛ سجودنا لرب البشرية.

فوجود راعوث في بيدر بوعز (قدس الأقداس)، ما كان ممكنًا أن يسبق وجودها على مائدته (صورة لمائدة خبز الوجوه)، ولا سجودها له في حقله (مذبح الذهب).  والتقاطها في حقله؛ وتعرفها عليه؛ صوره لشركة النفس مع إنجيل ربنا يسوع المسيح، والالتقاط منه، كان لا بد أن يسبق كليهما.

ثانيًا: دفء شركة النشيد

 

(1) شركة في أعماق العواطف الإلهية: سفر النشيد هو قدس أقداس العهد القديم.  وينفرد بإعلان صورة خاصة للشركة مع الله، في أعماقها العاطفية.  ولهذا يبدأ وينتهي، بالعروس في حضن عريسها، شماله تحت رأسها، ويمينه تعانقها.  ومن بداية السفر، يجدها العريس قادرة على استقبال العواطف الإلهية، أو قل: محبة المسيح الفائقة المعرفة.  لهذا هتفت فورًا: «أَسْنِدُونِي بِأَقْرَاصِ الزَّبِيبِ. أَنْعِشُونِي بِالتُّفَّاحِ، فَإِنِّي مَرِيضَةٌ حُبًّا» (2: 5).  وينتهي السفر وهي في حضنه، بعد أن سقته من سلاف رمانها (ثمارها القلبية)، فرأى من تعب نفسه وشبع.  وإذ نراها خارجة من برية الضيق والألم، لم تستطع السير بمفردها، ولا معه، لكنها مستندة على حبيبها (نش8: 2-5).  هنا الإحساس بالعجز التام، والتشبث بالعريس لشدة الاحتياج.  ولسان حالها مع يعقوب: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي» (تك32: 26).  ما أمجد تأثيرات الشركة في الأعماق.  

وطوبى لمفديي النعمة، بذهنهم الروحي، القادر على التمتع بهذه المقدسات: (1) نتاج الراحة الفكرية والقلبية، على فاعلية الدم في الأقداس.  (2) ونتاج البصيرة الروحية.  (3) حينما توجد إرادة مكرسة، طالبة الشركة داخل الحجاب، حيث التابوت.  صورة للاختلاء بالعريس، بعيدًا عن كل ضوضاء.  (4) هنا التمتع ليس بمن كان التابوت رمزًا له فقط، بل أيضًا بالبخور العطر، المالئ الأقداس؛ صورة لكمالات ابن الله الإنسانية. 

(2) شركة سرور ومحبة: وسفر النشيد لا يصور محبة العريس لعروسه فقط؛ بل أيضًا سروره بها.  فقد مدحها بقصائده الشعرية الثلاث (4: 1-5؛ 6: 4-1؛ 7: 1-9) والأربع (4: 9-14).  ولفها في حضنه مرة واثنتين (2: 6؛ 8: 3).  كما أنه أجاب أشواق قلبها يوم طلبت تقبيلها، فأدخلها فورًا إلى حجاله، وبحبه غمرها.  وإذ سألت عن مكان رعايته لغنمه (1: 7)، نصحها بأن تخرج على آثار الغنم (1: 8).  وبعد التدريب أدركت تمامًا أنه بين السوسن يرعى؛ «الراعي بين السوسن».  كما أنه سهران على تدريبها.  فإذ طلبته على الفراش، لم يعلن نفسه.  ولكن إذ خرجت باحثة عنه، في المدينة، أعلن لها ذاته، بعد قليل «فَمَا جَاوَزْتُهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً حَتَّى وَجَدْتُ مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي» (3: 4).  ومرة ثانية، إذ نامت، ولم تفتح، سمح بتأديبها «ضَرَبُونِي. جَرَحُونِي. حَفَظَةُ الأَسْوَارِ رَفَعُوا إِزَارِي عَنِّي» (5: 7). وأخيرًا يتابع نموها، حتى يكمل نُضجها «أَنَا سُورٌ وَثَدْيَايَ كَبُرْجَيْنِ. حِينَئِذٍ كُنْتُ فِي عَيْنَيْهِ كَوَاجِدَةٍ سَلاَمَةً» (8: 10).

قارئي المبارك: ما أكثر سرور واستمتاع المسيح بقديسيه!.  فهو لم يُخلصنا بدمه فقط، لكننا شبعه، وتعب يديه؛ وفخر تدريبه.  لهذا يتغنى بنا في يو17: «الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي» سبع مرات (17: 2، 6(مرتين)، 9، 11، 12، 24).  ومحبة المسيح تجلت، في تدبير النعمة، بشكل أسمى من أي وقت آخر «يَسُوعُ.... إِذْ ... أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ، أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى» (يو13: 1).  ونحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً، أي لِمَا احتمله من آلام، وعار وموت الصليب.  وهو يقدر محبتنا هذه له (يو14: 21).  ليتنا نعي هذه العواطف المتبادلة، بين المسيح وقديسيه، بلا أي تحفظ.  بل باكتفاء وشبع وسرور، لكل طرف بالآخر.

(3) شركة إيمانية في الأعماق: وشركة النشيد، هي شركة إيمان قانع بالسيد تمامًا، أمسكه ولم يرخه (نش3: 4)؛ فهو لن يبرح أجواء الشركة إطلاقًا.  ويوم يُطلب منه الدخول للأعماق «هَلُمِّي مَعِي مِنْ لُبْنَانَ يَا عَرُوسُ، مَعِي مِنْ لُبْنَانَ» (4: 8)، فهو مستعد، طالما هناك كلمة من السيد.  ولسان حاله «عَلَى كَلِمَتِكَ أُلْقِي الشَّبَكَةَ» (لو5: 5).  وطالما تكلم السيد، فالسيد هناك «هَلُمِّي مَعِي»؛ وهو قائد المسيرة.  وطالما سمعنا القول: «إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ» (خر3: 12) فلماذا نجزع؟!  وهذا حال العروس في نشيد4، في الأعماق، على قمم جبل الشيخ (جبل حرمون).  هناك تعلمت النفس التعلق القلبي بالإله، فنعمت بمدحه: «قَدْ سَبَيْتِ قَلْبِي يَا أُخْتِي الْعَرُوسُ. قَدْ سَبَيْتِ قَلْبِي بِإِحْدَى عَيْنَيْكِ، بِقَلاَدَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ عُنُقِكِ» (4: 9).  وهناك تحولت حياتها الداخلية، إلى جنة في عيني عريسها «أُخْتِي الْعَرُوسُ جَنَّةٌ مُغْلَقَةٌ» (4: 12).  ممتلئة بالثمار (10 ثمار وعطور) «أَغْرَاسُكِ (1) فِرْدَوْسُ رُمَّانٍ مَعَ أَثْمَارٍ نَفِيسَةٍ،(2) فَاغِيَةٍ (3) وَنَارِدِينٍ.  (4) نَارِدِينٍ (5) وَكُرْكُمٍ. (6) قَصَبِ الذَّرِيرَةِ (7) وَقِرْفَةٍ، (8) مَعَ كُلِّ عُودِ اللُّبَانِ( 9) مُرٌّ (10) وَعُودٌ مَعَ كُلِّ أَنْفَسِ الأَطْيَابِ» (4: 13، 14).

  وفي الأعماق تترك النفس كل شيء حتى بركات النعمة، إلا العريس «تَرَكُوا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعُوهُ» (لو5: 11).  وهنا العروس في نش4، لا تطلب شيئًا، إلا أن يأتي الحبيب إلى جنته ويقتطف ثمره النفيس.  هنا أعماق شركة النشيد.  وهنا حلول المسيح بالإيمان في القلب (أف3: 17).  وهنا تنقية القلب، ليأتي بثمر أكثر (يو15: 2).

وللحديث بقية إذا شاء الرب

                                     

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com