عدد رقم 2 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
تأملات في رسالة تيموثاوس الثانية 2  


المقارنة مع رسالة تيموثاوس الأولى

   فهمنا أنه لا بد لكي ندخل إلى رسالة تيموثاوس الثانية أن نضعها أولاً في مقارنة مع رسالة تيموثاوس الأولى، وهذا أمر طبيعي، فرسالة تسالونيكي الثانية تُفهم في ضوء الأولى، وكذلك رسالة بطرس الرسول الثانية، ورسالتي يوحنا الرسول الثانية والثالثة.

  يظهر بكل جلاء لمن يطالع الرسالة الأولى إلى تيموثاوس أن السلطان الرسولي في إدارة شؤون كنيسة الله كان حاضرًا في الرسالة بقوة، وكان معترفًا به لدى الكنيسة الأولى بل وكانت تهابه.  فلقد أسلم بولس الرسول هيمينايس والإسكندر للشيطان لكي يؤدبا حتى لا يجدفا (1تي1: 20).  أما تيموثاوس فقد حملت الرسالة له تفويضًا شخصيًّا من الرسول بأن يتصرف في بيت الله، لا بحسب ما يتراءى له بل بحسب الترتيب المُعلن في الرسالة لبيت الله (1تي3: 15)، وبموجب هذا التفويض لم يكن لتيموثاوس أن يسمح لأحد حتى لو كان شيخًا أن يستهين به بدعوى أنه صغير السن (1تي4: 12)، ليس من قبيل الحفاظ على الكرامة الشخصية، لكن من قبيل الحفاظ على هيبة السلطان الرسولي لأنه من الله.  كما كان له أن يوبخ شيوخًا أمام الجميع لكي يكون عند الباقين خوف (1تي5: 20).  وكان مسؤولاً عن إقامة الشيوخ لوظيفة الأسقف (1تي5: 22).

ما هو السلطان الرسولي؟ وما هو الهدف منه؟

  إن مسألة السلطان في إدارة الشأن الداخلي في كنيسة الله من الأهمية بمكان حتى نتوقف أمامها مليًّا.  لقد تكلم المسيح في ثلاث مناسبات مختلفة عن مسألة السلطان بوجه عام، أي ليس فقط ما يتعلق بإدارة الشأن الداخلي في كنيسة الله.  على أن هذه الثلاث مناسبات لا تكلمنا عن نوع واحد من السلطان، لكن في كل مرة نجد نوعًا مختلفًا.  والسلطان الرسولي الذي نقرأ عنه في رسالة تيموثاوس الأولى مرتبط بواحد من هذه الأنواع من السلطان.  لذا سأكتفي بالإشارة المقتضبة إلى النوعين الآخرين، ثم سأتناول بنوع من التفصيل النوع المتعلق برسالة تيموثاوس الأولى.

   المناسبة الأولى في (مت16: 19): في هذه المناسبة أعطى المسيح لبطرس الرسول دون غيره سلطانًا بفتح باب الإيمان والدخول في العلاقة الرسمية مع الله (ملكوت السماوات)، لمن كانوا خارج هذه العلاقة رسميًّا تحت الناموس، وأعني بهم الأمم.  فلقد شرح بطرس نفسه معنى هذا السلطان قائلاً: أيها الرجال الإخوة، أنتم تعلمون أنه منذ أيام قديمة اختار الله بيننا أنه بفمي يسمع الأمم كلمة الإنجيل ويؤمنون (أع15: 7).  أي أن بطرس هو المكلف بتوصيل الإنجيل للأمم والإقرار الرسمي بقبولهم له.  فإذا وصل الإنجيل اليوم إلى بلد ما، هذا لا يعني أنها قبل ذلك كانت مستبعدة من الدخول في علاقة رسمية مع الله، لكن كان هذا هو الحال مع الأمم آنذاك، فقد كانوا مستبعدين من الدخول في تلك العلاقة الرسمية مع الله، إلا إذا تهودوا تحت مظلة الناموس.  أما الآن فقد انفتح الباب رسميًّا أمامهم، ولم يكن يصلح أن الله يترك مسألة الاعتراف بإيمانهم للحس الروحي للمؤمنين من اليهود، لأن هذا أمر حساس وخطير، فقد منح هذا السلطان لشخص سبق وعيَّنه لهذه المهمة أمام الجميع، وهو بطرس الرسول، ليعلن رسميًّا دخول الأمم في علاقة مع الله.

   المناسبة الثانية في (يو20: 21 - 23): وهو سلطان منحه المسيح للاثني عشر رسولاً فقط، وهو حسبما أفهم، سلطان متعلق بإعلان غفران الخطايا من عدمه، طبقًا للموقف المعلن الذي يتخذه الشخص الذي يسمع الإنجيل، من المسيح.

   المناسبة الثالثة في (مت18: 15 - 20): وهو سلطان منحه المسيح للكنيسة المجتمعة إلى اسمه، وبموجب هذا السلطان تُصدِر الكنيسة أحكامها الكنسية باسم الرب حتى تفصل في شتى أنواع القضايا المتعلقة بها داخليًّا.  أي أن حدود هذا السلطان لا تتسع لتشمل من هم خارج الكنيسة، لكن تحكم فيما يتعلق بمن هم داخلها فقط (1كو5: 9 - 13).  وأراد المسيح في هذا الفصل أن يوضح أن الكنيسة ملزمة أن تتخذ أحكامًا رادعة ضد كل أنواع الخطأ، حتى بما في ذلك تلك التي تبدو صغيرة كالخطأ الشخصي بين المؤمن وأخيه في الكنيسة، فهيبة الحضور الإلهي المقدس التي للمسيح الموجود وسط كنيسته دائمًا، إنما هو عينة مصغرة من بهاء وجوده كالملك الذي سيحكم العالم في ملكوته الألفي العتيد، والذي فيه ستكون أحكام البر الإلهي هي المُفعَّلة للفصل في كل صغيرة وكبيرة.  نعم فإن في الملكوت العلني للمسيح سيكون القضاء على الأشخاص المخطئين بإبادتهم نهائيًّا، أما الآن حيث الملك غائب، فالعالم تحت رئاسة الشرير، والكنيسة عليها فقط أن تحكم داخل دائرتها الضيقة، وحدود سلطانها في الحكم هو العزل من الشركة الكنسية.  فهو سلطان محدود من جهة اتساعه إذ يشمل المؤمنين فقط، ومحدود أيضًا من جهة طبيعته حيث أن أقصى ما يمكن أن يُحكم به هو العزل الكنسي من الشركة.  لكنه في النهاية عينة مصغرة تعبر عن طبيعة الإله القدوس الحاضر في وسطنا والذي سيأخذ الحكم على العالم مستقبلاً ليكون متوافقًا مع بره.

  وهنا يأتي السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: إن السلطان الرسولي الذي قرأنا عنه في رسالة تيموثاوس الأولى مختص أيضًا بالشأن الداخلي للكنيسة، فهل سلب المسيح ذلك السلطان من الكنيسة المجتمعة إلى اسمه ومنحه للرسل فقط؟ هل كانت الكنيسة لا تتمتع بالمستوى الروحي الذي يؤهلها لممارسة هذا السلطان فسحبه منها كتأديب أو عقاب؟ وإذا كان كل ذلك كذلك، فهل انتقل السلطان الرسولي إلى آخرين يخلفونهم حتى الآن؟ وإن لم يكن كذلك، فكيف تفصل الكنيسة في قضاياها الخاصة حاليًّا؟

   وللإجابة نقول: إن الكنيسة التي أسسها المسيح، والتي نعرفها من خلال كلمة الله، لا نجد فيها أي تميز لفئة دون الأخرى، فعلاقة كل واحد فيها بالآخر محكومة بذلك المبدأ الذي قاله المسيح، وأعني: «وأنتم جميعًا إخوة» (مت23: 12-7).  وقد شبهها الرسول بولس بالجسد الواحد حيث جميع المؤمنين أعضاء فيها ولا تميز إلا للرأس، وهو المركز الخاص بالمسيح (أف1: 23،22).  وشبهها أيضًا بطرس الرسول بالبيت الروحي حيث المؤمنون كحجارة حية معتبرًا نفسه أحد هذه الأحجار مثلما علَّمه المسيح قبل ذلك (مت16: 18 و1بط2: 5،4).  مما يعني أن لا تميز لحجر عن آخر، حتى إن بطرس الرسول نفسه لا يزيد عن كونه أحد هذه الأحجار.  وأخيرًا يخبرنا يوحنا الرسول أن امتيازي المُلك والكهنوت أُعطيا بالتساوي لجميع أولاد الله إذ قد أحبهم المسيح وغسَّلهم من خطاياهم بدمه، وجعلهم ملوكًا وكهنة لله أبيه (رؤ1: 5).  لكن لما كانت النواة الأولى للكنيسة تتألف من المؤمنين القادمين من اليهود، ثم انضم إليهم المؤمنون من الأمم فيما بعد، ومع الوضع في الاعتبار أن الذي يسلك بإخلاص وطاعة لكلمة الله - والتي لم تكن تحتوي وقتها سوى أسفار العهد القديم فقط – لا بد أنه سيعترف بأن هناك تميز لليهود عن الأمم، لأن العهد القديم يشهد بذلك، انظر (تك13: 14 - 16 و خر19: 3 - 6).  فكان من الصعب على قارئ العهد القديم أن يتقبل فكرة أن كنيسة الله يتساوى فيها اليهودي بالأممي.  بالطبع إن التميز بين اليهود والأمم لم يلغِه الله بخصوص سياساته في الأرض، لكن لأن الكنيسة لا تنتمي إلى الأرض (أف1: 4،3) فما يتعلق بمبادئ وضعها الله نفسه لحكم ما هو أرضي، لا تصلح أن تحكمها.  ذلك لأننا نرى أن في تدبير المُلك – وهو تدبير يخص الأرض – سيكون هناك تميز بين اليهود والأمم.  فعلى سبيل المثال نقرأ ما ورد في (إش61: 4 - 6).  ولما كان إدراك المؤمنين في الكنيسة الأولى غير قادر على استيعاب عدم وجود هذا التميز، مما تسبب في ظهور قضايا كنسية عديدة ناشئة عن هذه المشكلة، رأى الرب في حكمته أن يمنح سلطانًا استثنائيًّا للرسل أن يحكموا هم في القضايا الكنسية، وأن يقوموا بوضع أيديهم على بعض الشيوخ للقيام بخدمتهم الراعوية، لا سيما إذا كانوا من الأمم حتى لا يكونوا محتقرين من اليهود.  كما أن الرسول بولس أيضًا قام بتفويض تيموثاوس في كنيسة أفسس، وتيطس في كنائس كريت ليقوموا بالفصل في هذه الأمور.  ويتضح من افتتاحية رسالتي تيموثاوس الأولى وتيطس أن السبب الذي لأجله منحهم هذا التفويض هو ظهور المشاكل الناتجة عن انضمام اليهود للكنيسة (1تي1: 3 - 8 و تي1: 5 - 16).

   إذًا لم يكن انخفاض المستوى الروحي للكنيسة هو ما دعا لوجود السلطان الرسولي، لكن عدم اكتمال أسفار العهد الجديد مما أدى لعدم قدرة المؤمنين على استيعاب ماهية الكنيسة، نظرًا لما يبدو من تناقض ظاهري بين ما ينادي به الرسول بولس، وما هو مسجل في العهد القديم.  ورغبة المؤمنين من اليهود في التسلط على إخوتهم من الأمم.  كل هذه العوامل استدعت هذا السلطان الاستثنائي.  كما أن هذا السلطان تم تفويض اثنين فقط للقيام به، وهما تيموثاوس وتيطس.  وهذا التفويض مدون في رسالتين كتبهما الرسول بولس مسوقًا من الروح القدس كأسفار الوحي المقدس.  لكن أن يخلف الرسل آخرون يدَّعون بأنهم استلموا السلطان الرسولي منهم، فإن البينة على من ادَّعى.  إذًا عليهم تقديم رسالة موحى بها من الله بموجبها تم تسليمهم هذا السلطان، وإن لم يكن – وهذا هو الواقع – فإن هذا محض ادعاء.  بل إننا نمتلك شهادتين في العهد الجديد تقولان بأن السلطان الرسولي كان في طريقه للزوال حتى قبل انتهاء العصر الرسولي.  فها هو بولس يشهد بأن ذئابًا خاطفة لا تشفق على الرعية مزمعة أن تدخل بين المؤمنين.  فلو أن السلطان الرسولي باقٍ، أو هناك من سيخلفه، لكان قد كلَّفه بعدم السماح لهؤلاء بالدخول في الكنيسة.  لكنه يقول أنهم سيستطيعون الدخول، ولكن بعد ذهابه.  قال هذا وهو يستودعهم، لا إلى من سيخلفه في ممارسة السلطان الرسولي، لأنه لا يوجد مثل هذا، لكن إلى الله وإلى كلمة نعمته.  مما يعني أن الأمور ستعود إلى وضعها الطبيعي بعد انتهاء العصر الرسولي.  والوضع الطبيعي الذي أعنيه هو أن تقوم الكنيسة المجتمعة إلى اسم الرب بالحكم في كل أمورها الخاصة وفقًا إلى مرجعية وحيدة تستند إليها وهي كلمة الله (أع20: 28 - 32).  والشهادة الثانية قدمها لنا يوحنا الرسول عندما رأى شرور ديوتريفوس الذي يحب أن يكون الأول في الكنيسة، وفوق هذا يطرد أناسًا من الكنيسة، ويتكلم بأقوال خبيثة أمام الرسل.  إلا أن الرسول اكتفى بالقول إنه إذا جاء سيذكره بتلك الأعمال لتوبيخه.  لكننا لم نقرأ مثلاً أنه توعده بتسليمه للشيطان أو عزله من الشركة، أو ما إلى ذلك من استحقاقات السلطان الرسولي (3يو 10،9).  ولم يكن هذا تقصيرًا منه بالطبع، لكنه من قبيل الخضوع للرب الذي سبق ومنح السلطان للحكم على مثل هذا للكنيسة المجتمعة إلى اسمه دون سواها.  نعم فلقد كان الرسل أنفسهم يدركون أن هذا هو الوضع الذي ينبغي أن يكون بناءً على ما قاله المسيح بنفسه (مت18: 18)، وأن السلطان الرسولي كان استثناءًا من أجل ضرورة وحيدة، وهي المشاكل الناتجة عن الخلط – الذي كان يتم بدوافع مقدسة لو ظاهريًّا – بين نظام العهد القديم وبين كنيسة الله وترتيبها.  أما الادعاء بأن هناك ضرورة أخرى تستدعي وجود أي سلطان استثنائي يقوِّض سلطان الكنيسة المحلية المجتمعة إلى اسم الرب حسب الترتيب الكتابي فهو مرفوض تمامًا.

   أكتفي هنا بهذا القدر، وفي المقال القادم بمعونة الرب سأوضح لماذا استفضنا في الحديث عن السلطان الرسولي في رسالة تيموثاوس الأولى، وعلاقة ذلك برسالة تيموثاوس الثانية موضوع دراستنا.

  

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com