عدد رقم 2 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الفرق بين العبادة في العهد القديم والعهد الجديد (2)  

   رأينا في المرة السابقة أن السجود اليهودي في العهد القديم كان سجودًا جسديًا رمزيًا في الهيكل الأرضي في أورشليم، وكان محصورًا في سبط لاوي ونسل هارون الذكور، وكان يعتمد على الحواس الطبيعية، وكانت الذبائح حيوانية، والتقدمات كلها كانت مادية حرفية مثل الدقيق واللبان والزيت والبخور والسكيب من الخمر، والتقديس كان بواسطة رش الدم الحرفي، والاغتسال بالماء الحرفي، وكلها تتبع المنظومة الرمزية في العهد القديم.

   أما الآن، في تدبير النعمة، فالسجود روحي، والهيكل هو البيت الروحي المُكوَّن من جميع المؤمنين الذين يسكن فيهم الروح القدس، والكهنة هم المؤمنون الذين تقدسوا مرة بدم المسيح وأصبحوا هم الساجدون الحقيقيون، والتطهير الأدبي بماء الكلمة، والذبائح روحية، والسجود للآب بقوة الروح القدس، ويُقدَّم في الأقداس السماوية طبقًا لإعلانات العهد الجديد.

   ونتابع دراستنا في هذا البحث لنعرف صحة الأمور التي تعلمناها ونمارسها، والأساس الكتابي لها:

3- (غل5: 2 – 4) «ها أنا بولس أقول لكم: إنه إن اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئًا! لكن أشهد أيضًا لكل إنسان مُختتن أنه مُلتزم أن يعمل بكل الناموس».  لقد دخل معلمون كذبة وحاولوا تهويد المسيحية حتى في أيام الرسل، وأوهموا المؤمنين في غلاطية أنهم إن لم يختتنوا، طبقًا لناموس موسى، فلا يمكن أن يخلصوا.  واعتبروا أن عمل المسيح الكفاري في الجلجثة وحده ليس كافيًا للخلاص، ولا بد من جانبهم أن يحفظوا طقوس الناموس وفرائضه، وبالأخص فريضة الختان التي كانت علامة تُميِّز اليهودي عن الأممي.  وبالأسف فإن المؤمنين في غلاطية انحازوا إلى هذا الفكر، وتحولوا عن إنجيل نعمة الله إلى إنجيل آخر، وعادوا إلى الناموس الذي لم يكمل شيئًا.  لقد تجاهلوا أنه بعد أن جاء المسيح وأكمل عمل الصليب، وانشق حجاب الهيكل، فقد نحى الله النظام القديم كلية وأسس وضعًا جديدًا.  «ينزع الأول لكي يثبت الثاني» (عب10: 9).  فكيف يعودون إلى منظومة العهد القديم مرة أخرى؟  لقد وبخهم بولس قائلاً: «كيف ترجعون إلى الأركان الضعيفة الفقيرة ... أخاف أن أكون قد تعبت فيكم عبثًا»! (غل4: 9، 10).  ونحن نعلم أن كنائس غلاطية كانوا من الأمم أصلاً وليسوا يهودًا تحت فرائض الناموس.  وهنا الرسول بولس يؤكد أولاً: أن الشخص الذي يعتمد على فرائض الناموس (مثل فريضة الختان) في علاقته بالله، فإنه سيخسر كل الامتيازات التي حصلها المسيح بعمل صليبه، ولن ينفعه المسيح شيئًا، وكأن كل ما عمله قد صار باطلاً، وكأنه مات بلا سبب.  ثانيًا: أن الذي أصر على ممارسة فريضة الختان طبقًا للناموس فهو مُلتزم أن يعمل بكل الناموس، فهو لا يتجزأ.  إما أن يلتزم بمنظومة العهد القديم بالكامل أو يتركها بالكامل.  ولا يصلح أن يأخذ منها شيئًا واحدًا أو أكثر حسب استحسانه.  وهذه المنظومة تتضمن هيكلاً أرضيًا، مذبحًا ماديًا، كاهنًا أرضيًا له ثياب مُميَّزة، ذبائح حيوانية متكررة تُقدَّم للحصول على الغفران، بخورًا حرفيًا، زيتًا حرفيًا، سكيبًا من خمر، رش دم حرفيًا، غسلات للتطهير، مواسم وأعياد يهودية، فرقًا للغناء والتسبيح، أسلوب عبادة جسدي يشمل الموسيقى والتصفيق بالأيادي والرقص.  ولو عملنا ذلك نكون قد أنكرنا كل ما أنجزه المسيح في الصليب، وأنه قدَّم عن الخطايا ذبيحة واحدة، ولا يوجد بعد ذبيحة عن الخطية، وكل ما تأسس بناء على ذلك من فتح طريق الأقداس السماوية، ووجود رئيس الكهنة العظيم الذي يمثلنا هناك، كذلك نكون قد أنكرنا كل الامتيازات المسيحية التي أسبغتها النعمة علينا بعد نزول الروح القدس وسكناه فينا، لنصبح بيتًا روحيًا، كهنوتًا مقدسًا لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح.

   لقد كانت الامتيازات الدينية المرتبطة بفراض الناموس تُميِّز اليهودي عن الأممي، وبنفس الدوافع حاول المعلمون الكذبة تهويد المسيحية والعودة إلى منظومة العهد القديم، متجاهلين أن هذه الفرائض كانت موضوعة فقط إلى وقت الإصلاح حتى جاء المسيح (الحقيقة المجسدة، وليس الظل).  والآن فإن المسيحية التقليدية تتشبث بكل قوتها بهذه المنظومة الأرضية والديانة الجسدية، الأمر الذي حارب ضده الرسول بولس بكل قوته، لكي يُثبِّت أساسات الإيمان المسيحي، والحق الخاص بكنيسة الله، كجسد المسيح الواحد ومسكن الله على الأرض.  هذه المنظومة السماوية المرتبطة بالمسيح في المجد، ووجود الروح القدس على الأرض ليقود المؤمنين في السلوك والعبادة والخدمة.

   إن فرائض الناموس بالكامل كانت تتعامل مع الإنسان في الجسد، أما العبادة الروحية في العهد الجديد فتتعامل مع الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق، والذي يسكن فيه الروح القدس.  فمهما قدَّم الإنسان الطبيعي لن يُقبل عند الله.

   وبالأسف، حتى الكنائس البروتستانتية النظامية، غير التقليدية، استحسنت وأدخلت بعض الأشياء في العبادة المسيحية من منظومة العهد القديم، واستندوا إلى أن الرب كان يقبل هذه الأشياء ولم يعترض عليها آنذاك.  مثل فرق التسبيح والغناء، والقيادة البشرية للاجتماعات، كذلك أدخلوا بعض الممارسات الجسدية في العبادة الروحية مثل التصفيق بالأيادي، والرقص في بعض الأحيان بحجة أن داود رقص أمام التابوت، واستخدام الآلات الموسيقية كما كان يحدث في العهد القديم.  ونحن نُذكِّر بما قاله بولس إن من يأخذ شيئًا واحدًا من منظومة العهد القديم صار مُلتزمًا أن يعمل بكل الناموس (غل5: 2).

   ويوضح الرسول في العبرانيين أن كل شيء قد تغيَّر عما كان في العهد القديم (وهذا ما يرفضه التقليديون) قائلاً: «لو كان بالكهنوت اللاوي كمال (أي يحقق علاقة مرضية مع الله، ويعطي للإنسان ضميرًا مستريحًا) – إذ الشعب أخذ الناموس عليه (لأن كل فرائض الناموس تعتمد على الكهنوت) – ماذا كانت الحاجة بعد إلى أن يقوم كاهن آخر على رتبة ملكي صادق؟ ولا يُقال على رتبة هارون.  لأنه إن تغيَّر الكهنوت، فبالضرورة يصير تغيُّر للناموس أيضًا» (عب7: 11، 12).  «فإنه يصير إبطال الوصية السابقة (الناموس وما ارتبط به) من أجل ضعفها وعدم نفعها، إذ الناموس لم يُكمِّل شيئًا.  ولكن يصير إدخال رجاء أفضل (المسيح وما عمله) به نقترب إلى الله» (حيث أن الناموس كان يمنع الإنسان من الاقتراب) (عب7: 18، 19).  لقد استمر الكهنوت اللاوي يقوم بطقوس وفرائض الناموس، ولم يُكمِّل شيئًا، ولا أحضر الإنسان إلى علاقة صحيحة مع الله.  وبعد 500 سنة نقرأ الإعلان الجديد من الله للمسيح بفم داود: «أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق» (مز110: 4)، مشيرًا إلى بطلان الكهنوت اللاوي والناموس الذي ارتبط به، وأنه مزمع أن يؤسس نظامًا جديدًا بالكلية، وينحي النظام القديم بالكلية.  هذا ما تحقق بعد أن أكمل المسيح عمل الصليب، ومضى إلى السماء، وأرسل الروح القدس ليُكوِّن الكنيسة.  إنها شيء جديد تمامًا، وليست امتدادًا لما كان في العهد القديم.  وهي بلغة الرمز «التقدمة الجديدة» في عيد الخمسين (لا23).

   فكيف بعد كل هذا يعود المسيحي إلى منظومة العهد القديم؟! أو يخلط بينها وبين الوضع الجديد، كأنه يضع رقعة من الثوب العتيق على الثوب الجديد، أو يضع خمرًا جديدًا في زقاق عتيقة (مت9: 16، 17).

4- إننا في سفر أعمال الرسل نرى صورة الكنيسة في أيامها الأولى في قوتها ونضارتها كما قصدها الروح القدس، حيث كان المؤمنون يجتمعون معًا ويواظبون معًا بنفس واحدة «على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات» (أع2: 42).  كان روح الله عاملاً، والتأثيرات مذهلة، وفي عظة بطرس الأولى آمن واعتمد ثلاثة آلاف شخص بالمسيح (أع2: 41)، و«كان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون» (أع2: 47).  «وصار عدد الرجال نحو خمسة آلاف» (أع4: 4).  «وكانت كلمة الله تنمو وعدد التلاميذ يتكاثر جدًا في أورشليم، وجمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان» (أع6: 7).  فهل كان هؤلاء المؤمنون يمارسون العبادة الطقسية ويحفظون فرائض الناموس؟  وهل هؤلاء الكهنة الذين أطاعوا الإيمان المسيحي احتفظوا بمركزهم الكهنوتي طبقًا لمنظومة العهد القديم؟  بالتأكيد لا.  وفي أعمال 8 قبلت السامرة الإيمان واعتمد كثيرون وقبلوا الروح القدس (أع8: 17).  وفي أع 10 قبل كرنيليوس ومن معه من الأمم في بيته بشارة الإنجيل التي كرز بها بطرس وآمنوا جميعًا وحل الروح القدس عليهم.  فماذا كان شكل هذا الاجتماع؟ هل أخذ شكل العبادة في العهد القديم؟ أو هل كان مرتبًا بقيادة بشرية من حيث الترنيم واستخدام الآلات الموسيقية وتحديد من يصلي وموضوع الخدمة؟ أم أن الروح القدس كان يقود ويعطي الرسالة المناسبة في أوانها، وكانت التأثيرات مباركة وحقيقية ودائمة.  وفي رحلات بولس التبشيرية هل كان يلتزم بفرائض الناموس؟ وهل أخذ شيئًا من منظومة العهد القديم في أسلوب العبادة والكرازة (مثل فرق التسبيح والغناء والآلات الموسيقية) عندما أسس العديد من الكنائس وسط الأمم في آسيا وأوربا؟  هل صادق على رياء بطرس وبرنابا عندما كان يفرز نفسه عن الأمم ولا يأكل معهم أمام اليهود الذين حضروا، متمسكًا بالناموس؟ أم قاومه مواجهة لأنه كان ملومًا؟ (غل2: 11- 13)، مؤكدًا أن المسيح نقض حائط السياج المتوسط أي العداوة بين اليهود والأمم، مُبطلاً بجسده ناموس الوصايا في فرائض، لكي يخلق الاثنين في نفسه إنسانًا واحدًا جديدًا، صانعًا سلامًا، ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب (أف2: 14 – 16).

   وهكذا نرى أن الكنيسة التي تكونت يوم الخمسين هي مشروع جديد كلية ولا علاقة له بإسرائيل أو الناموس أو كهنوت العهد القديم.

   وفي رسالة كولوسي يقول الرسول للمؤمنين: «فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب، أو من جهة عيد أو هلال أو سبت.  التي هي ظل الأمور العتيدة، وأما الجسد (الحقيقة المجسدة) فللمسيح» (كو2: 16، 17).  وعلى ذلك لا ينبغي أن يلتزم المسيحي بأصوام أو أعياد فرضها الناس، ولا أساس لها في الكتاب، ولم تُذكر في العهد الجديد بالارتباط بالكنيسة الأولى.

5- (1كو14: 23 – 37):  في هذا الجزء نرى صورة لاجتماع الكنيسة كما رتبه الروح القدس، بدون قيادة بشرية، أو فرق تسبيح أو آلات موسيقية.  بكل بساطة يجتمع المؤمنون معًا حول الرب مركز الدائرة كالرأس والرئيس، والروح القدس يدير العبادة ويقود كل المؤمنين كأعضاء الجسد، قاسمًا لكل واحد بمفرده كما يشاء.  بدون ترتيب مُسبق للاجتماع، بل في خضوع واحترام للخط الذي يقودهم فيه روح الله.  وبكل أناة وانضباط وخشوع ووقار يجلس كل واحد تحت رايته، رهن الإشارة لما يريده الروح القدس، وبحساسية روحية وتمييز تسير العبادة في خط واحد متناسبًا مع حالة الساجدين.  وحيث تتحرك السحابة في اتجاه معين تتحرك العبادة في ذات الخط، في حس واحد ونبض واحد، وبنغمة متحدة بكل نشاط القلب نُقدم أفضل شيء للرب الحاضر في الوسط، وقلوبنا تنتعش وترقى مع الألحان.  إننا لا نردد كلمات بلا قلب ونحن مُغيَّبين، بل بوعي وفهم وتأمل وفترات صمت خاشعة، نُقدم عبادة عقلية صحيحة طبقًا لإدراك الساجدين.  والعبادة الكنسية ليست فردية بل جماعية، أي أن من يُقدم سجودًا هو فم الجماعة للرب.   وعندما يقوم شخص أو أكثر بتقديم رسالة من الله للحاضرين تكون «كأقوال الله»، «ومن قوة يمنحها الله» (1بط4)، وتكون رسالة حية في أوانها، وتصل إلى كل القلوب وتحركها.  إنها فم الرب للجماعة، وتنشئ تعزية وبنيان وتشجيع وإنهاض وتوبة في السامعين.  وإذا دخل عامي ورأى تأثير روح الله في المكان، سيتوبخ وتصير خفايا قلبه ظاهرة، فيخر على وجهه ويسجد مناديًا أن الله بالحقيقة فيكم (1كو14: 24، 25).

   هذا هو الفارق البعيد بين العبادة بالروح وبين العبادة الطقسية الجامدة الخالية من الحياة والتجديد عبر القرون.  وأيضًا بين العبادة بالروح والعبادة الشكلية النظامية المرتبة بشريًا والمُنمقة والتي تعجب الإنسان وتبهره طبقًا لاستحسان من يدير العبادة ويرتبها، وطبقًا لاستحسان الحاضرين، وليس ما يريده الروح القدس.  والأمر يتطلب القداسة العملية طول اليوم، والتمرن على القيادة بالروح في حياتنا اليومية البسيطة أولاً حتى نستطيع أن نميِّز صوته ورغباته داخل الاجتماع.  إن الرب يُسر بحالة القلب النقي والصادق في محبته، وليس الشكل المُبهر والمُنمَّق.  وقديمًا قال الرب لموسى: «مذبحًا من تراب تصنع لي ... وإن صنعت لي مذبحًا من حجارة فلا تبنه منها منحوتة، إذا رفعت عليها إزميلك تدنسها» (خر20: 24، 25).

   كما يجب أن نحترم ترتيب الله في كنيسته من حيث مكان المرأة ووضعها في الكنيسة وكيف أوصى الرسول أن لا تعلم ولا تقود في اجتماع الكنيسة بغض النظر عن ثقافة المجتمع (1كو14: 34، 35؛ 1تي2: 8 – 12).

                         

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com