عدد رقم 2 لسنة 2018
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
جناحا الطائر ... وقدما السائر  

(عز7، 8)

نواصل أحبائي الشباب وقفتنا أمام تلك البقية الراجعة من السبي أيام زربابل وعزرا، لنتوقف أمام عزرا نفسه؛ الكاتب والفاهم في الشريعة؛ كقدوة لهذه البقية في أهم أمرين يمثلان عمودا الحياة الروحية الصحيحة والسوية لكل مؤمن في كل عصر وجيل.  وأعنى بهما: كلمة الله والصلاة.  وبنفس هذا الترتيب الأدبي.  إنهما بمثابة جناحا الطائر الذي لا غنى عنهما ليحلق عاليًا، وقدما السائر المسافر الذي لا يقدر أن يستغني عن أحدهما في رحلته الشاقة والطويلة.  فنتوقف في هذا العدد أمام أولوية الشريعة، وأهمية الصلاة المصحوبة بالتذلل والصوم عند عزرا نفسه، وعند تلك البقية الراجعة لنجني لأنفسنا دروسًا، ونحن نحيا في أيام تشبه روحيًا وأدبيًا أيامهم إلى حد بعيد.  وسنكتفي في كل فكرة بالتعليق على آية واحدة فقط في كل مرة.

أولاً: أولوية الشريعة:

يقول الوحي: «لأَنَّ عَزْرَا هَيَّأَ قَلْبَهُ لِطَلَبِ شَرِيعَةِ الرَّبِّ وَالْعَمَلِ بِهَا، وَلِيُعَلِّمَ إِسْرَائِيلَ فَرِيضَةً وَقَضَاءً» (عز7: 10).

نلاحظ أنه على الرغم من أهمية كل من: كلمة الله والصلاة بنفس الدرجة، باعتبارهما الشهيق والزفير الروحي – إن جاز التعبير – ليمكن للمؤمن أن يتنفس ويحيا، إلا أن كلمة الله تأتي أولاً لأنها هي التي تضع الأساس الفكري والتوجه الذهني الذي على أساسه ستكون الصلاة وليس العكس.  إن مفهوم "الصلاة مفتاح النهضة" مفهوم غير دقيق في ضوء كلمة الله.  لأن الصلاة غير المبنية على فهم صحيح للمكتوب هي عرضة لأن تكون صلاة خاطئة من الأساس.  مثل الاعتقاد في القول بأن الكرازة (مع أهميتها طبعًا) ستؤول بالعالم كله في النهاية إلى المسيح.  والأدق أن نقول "الرجوع إلى كلمة الله المصحوب بالانسحاق والتذلل بالصلاة والصوم" هو بالفعل مفتاح النهضة الروحية الحقيقية.

ونلاحظ في هذه الآية الجميلة أن عزرا:

1.    بدأ بنفسه أولاً كقدوة... «كُنْ قُدْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْكَلاَمِ، فِي التَّصَرُّفِ، فِي الْمَحَبَّةِ، فِي الرُّوحِ، فِي الإِيمَانِ، فِي الطَّهَارَةِ» (1تي4: 12).

2.    هيأ قلبه (وليس فقط ذهنه) .. القلب الذي منه مخارج الحياة (أم4: 23).

3.    لطلب شريعة الرب... فالغرض هو أن نعرف ما يقوله الرب وليس ما يقوله الناس.

4.    والعمل بها.. أولاً وقبل أن يذيعها أو يعلم بها... إنها شريعة الرب "أي السيد" التي يليق بها الطاعة غير المشروطة وليس المناقشات والمباحثات «وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ» (مت5: 19).

5.    وليُعلِّم إسرائيل فريضة وقضاء... يأتي تعليم الشعب كنتيجة نهائية وليس في المقدمة.  إنه بعد أن أطلبها وأحياها فقط، عندئذٍ أصلح لأن أُعلِّم بها حتى يكون للتعليم تأثيره وجدواه.  وهذا هو عين تعليم العهد الجديد: «يُزَيِّنُوا تَعْلِيمَ مُخَلِّصِنَا اللهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ» (تي2: 10)؛  «لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذلِكَ» (1تي4: 15).

على أنه أمر مهم أن يتصدى كل مخلص لنشر التعليم الصحيح الذي علاه التراب الكثير وغطت عليه بالأسف التعاليم المزيفة البراقة والمعلمون الكذبة المشهورون؛ صحيح أن المعلم هو أحد المواهب الخاصة المعطاة من الرب رأس الجسد للكنيسة (أف4: 11)، لكن صحيح أيضًا أن نشر التعليم الصحيح يصلح أن يكون مهمة مقدسة ومباركة لكل أخ وأخت، صغير وكبير على السواء، عندما يكون فاهمًا للتعليم، وهو أشد ما نحتاج إليه في يومنا الحاضر.  كما أنه ما أسهل عمله مع انتشار التكنولوجيا الحديثة من موبايلات وأجهزة كمبيوتر محمولة وبرامج حديثة...الخ، تجعل من نشر التعليم الكتابي لعدد كبير أمرًا سهلاً وميسورًا وأحيانًا لا يتجاوز ضغطة زر أو اثنتين في ثوان قليلة!  فقط: هل نحن على قلوبنا هذا الأمر فعلاً؟

ثانيًا أهمية الصلاة:

وفي الأصحاح التالي مباشرة وبصدد المعوقات المتوقعة في طريق العودة، وبدلاً من طلب جيش يحميهم من الملك، فقد طلبوا الرب نفسه وهو لم يخزهم كعادته له المجد.  إذ نقرأ: «وَنَادَيْتُ هُنَاكَ بِصَوْمٍ عَلَى نَهْرِ أَهْوَا لِكَيْ نَتَذَلَّلَ أَمَامَ إِلهِنَا لِنَطْلُبَ مِنْهُ طَرِيقًا مُسْتَقِيمَةً لَنَا وَلأَطْفَالِنَا وَلِكُلِّ مَا لِنَا» (عز8: 21).

وياله من تصرف حكيم، نعتبره التصرف الوحيد الصحيح أمام كم التحديات والمعوقات والمشاكل التي حولنا والتي في وسطنا في هذه الأيام الأخيرة.  فعوضًا عن الفشل والتراجع، والتقوقع على أنفسنا ولوم بعضنا البعض على ما وصلنا إليه من حال تعكسه بيوتنا واجتماعاتنا فإن عرش النعمة هو الحل الوحيد، «فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ» (عب4: 16).  وما أروع أن تكون هذه الصلوات مصحوبة بالاتضاع والانسحاق والتذلل والصوم أمام الرب.  وما أجمل أن تكون الجماعة كلها أمام الرب بقلب واحد بما فيها من "أطفال".  إن تعود أطفالنا على التواجد في محضر الرب سواء للصلاة (هنا) أو للتعليم من كلمة الله (نح8) هو أمر، ليس فقط حسب كلمة الله مرغوب، بل هو في أيامنا نحسبه ضرورة حتمية أمام سيل الضلالات وخطورة طوفان الشر والشرور، ولنكون كآباء وأمهات قد فعلنا كل ما بوسعنا لتقديمهم إلى الرب.  على الأقل كما نفعل معهم كل ما بوسعنا لتعليمهم وتغذيتهم ومتابعة صحتهم .. الخ من سائر الأمور الزمنية الأخرى المهمة بالطبع، ولكن لا يجب أن تعلو أهميتها على الأمور الروحية بالطبع.

ونلاحظ أننا لا نقرأ أن ثمة اجتماعات صلاة أو تعليم كهذه – على طولها – أن أحدًا اشتكى من أنها "مملة"! فنحن في حضرة الرب ولسنا في ساحة تسالي.

ومرة أخرى يبرز أمامنا عزرا كقدوة وقائد.  فها هو ينادي بصوم له أسبابه الروحية الواضحة مقرونًا بالصلاة. على نهر أهوا، وهي دعوة لكل البقية الراجعة من الشعب وقد أطاعها الجميع دون تفريق أو تحزب.  ونلاحظ الترتيب التالي:

1.    ناديت بصوم....

2.    لكي نتذلل أمام إلهنا....

3.    لنطلب منه طريقًا مستقيمة لنا... الغرض أن نبحث عن الطريق الصالح المستقيم ونسير فيه (أنظر إر6: 16)

4.    ولأطفالنا... وهم أعز ما نمتلك في الحياة.. فهل هناك أسمى من أن نطلب لهم طريقًا مستقيمًا؟

5.    ولكل ما لنا... وكل من هم في دائرة مسؤولياتنا في عائلاتنا أو أعمالنا....الخ.

وبعد آيتين اثنتين فقط نقرأ المكتوب: «فَصُمْنَا وَطَلَبْنَا ذلِكَ مِنْ إِلهِنَا فَاسْتَجَابَ لَنَا» (عز8: 23).  نعم، فإن من يطلب الرب يجد .. منه الوفاء والمدد، فهو إله صالح .. رحمته إلى الأبد.  ولا خاب من ليسوع استند.

كم نحن بحاجة ماسة إلى مراجعة أنفسنا في تعاملنا مع كل من : كلمة الله والصلاة.  فنتعلم كيف نقرأ وكيف نصلي عمليًا فننهض روحيًا وأدبيًا.

                        (يتبع)


 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com