عدد رقم 4 لسنة 2017
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
نظرة على فِيلُبُّسُ الرَّسُولُ  

إنني كلما قرأت عن فِيلُبُّس الرسول، كلما ازددت تقديرًا لشخصيته.  و”فِيلُبُّس“ اسم يوناني معناه ”مُحبّ الخيل“.  والخيل - بالإضافة إلى قوتها، وسرعتها، وحماسها، وسرعة ردود أفعالها، وتجاوبها - تتميز أيضًا بنظر استثنائي، إذ ترى حتى 350º.  وبالرغم من أن عين الخيل هى الأكبر بين ثدييات الأرض، إلا أن هناك بقعة عمياء واضحة أمام أنوفها تمامًا، وخلفها مباشرةً.  بالمثل، كان فيلبس سريعًا فى تلبية دعوة سيده، قوي فى درايته بالعهد القديم (يو1: 43-45)، وبصير في استشعار افتقار الجمع للموارد الطبيعية (يو6: 7).  وبالرغم من بصيرته الثاقبة، إلا أنه أظهر نقطة عمياء فى الأمور الروحية.  وعلى العموم فإن في كل من اللقاءات الأربعة مع فيلبس، والمُدوَّنة لنا فى إنجيل يوحنا، نستطيع أن نتعلَّم درسًا للسلوك بالإيمان، لا بالعيان.

اللقاء الأول: الإتيان بالصديق وسمو شخص المسيح : «تَعَالَ وَانْظُرْ» (يو1: 43 - 46):

فِيلُبُّس الرسول هو أحد تلاميذ الرب يسوع المسيح الاثني عشر، ويرد اسمه باستمرار الخامس في قائمة الرسل بعد اسمي الأخوين سمعان بطرس وأندراوس أخيه، والأخوين يعقوب بن زبدي ويوحنا أخيه (مت 10: 3؛ مر3: 18، لو 6: 14، أع 1: 13).  لكن إنجيل يوحنا هو الوحيد المعني بتفاعل فيلبس مع الآخرين.

والفقرة الأخيرة من يوحنا 1 تبدأ بالعبارة الجميلة، «فِي الْغَدِ أَرَادَ يَسُوعُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْجَلِيلِ، فَوَجَدَ فِيلُبُّسَ فَقَالَ لَهُ: اتْبَعْنِي» (ع43).  إنها شهادة رائعة عن فادينا الذي يرغب في أن يتقابل معنا، حتى يُمكنه تغيير حياتنا، بصرف النظر عن حالتنا الطبيعية!

كان فِيلُبُّسُ من ”بَيْتِ صَيْدَا“ التي تعني بالعبرية بيت الصيد“؛ نفس المدينة الجليلية التي جاء منها سمعان وأندراوس (ع44).  لقد بدأ الرب بالحديث مع فِيلُبُّسُ «فَقَالَ لَهُ: اتْبَعْنِي» (ع43).  وفى الحال سارع فِيلُبُّسُ إلى اتخاذ موقف إيجابي؛ وَجَدَ صديقه نَثَنَائِيل - المعروف أيضًا بـبَرْثُولَمَاوُسَ“ وقال له: «وَجَدْنَا الَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءُ، يَسُوعَ ابْنَ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ» (ع45).

إن غيرة فِيلُبُّس الجامحة غير المُروَّضة والمُطلَقة العيان، التي دفعته ليُخبِر صديقه عن المسيا واضحة وجلية.  كما كانت قواه الذهنية تعمل في الاتجاه الصحيح، حيث استنتج صوابًا أن الرب يسوع هو المسيا المُتنبئ عنه بأنبياء العهد القديم.  لقد كان يعرف الكتب المقدسة.  بالإضافة إلى ذلك، فعندما تحداه نَثَنَائِيل بالحديث عن إمكانية أن يخرج شيء صالح من الناصرة، تحاشى فِيلُبُّسُ التحدي بالجواب «تَعَالَ وَانْظُرْ» (ع46).  وإننا لا يمكننا فعل أفضل من دعوة الآخرين «تَعَالَ وَانْظُرْ»، إلى ربنا وإلَهِنا المُبارك.  فعندما نُعرِّف الآخرين بالمسيح، غالبًا ما يكون كافيًا أن نقودهم ليروه بأنفسهم: «ذُوقُوا وَانْظُرُوا مَا أَطْيَبَ الرَّبَّ!  طُوبَى لِلرَّجُلِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَيْهِ» (مز34: 8).  إلا أن محدودية وصف فِيلُبُّس للرب كان دليلاً مبكرًا على نقطة عماه.

من بين الصديقين؛ فِيلُبُّسَ ونَثَنَائِيلَ، فإن نَثَنَائِيل وحده رأى أن ”يسوع“ هو ابن الله (ع49).  على العكس، رأى فِيلُبُّسُ أنه «يَسُوعَ ابْنَ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ» (ع45).  إن المسيح هو الاثنان بالطبع؛ ابن الإنسان وابن الله، ونحن نمتدح فِيلُبُّس لمعرفته السريعة لمسياه، لكن نَثَنَائِيل وحده هو من تعرف على إلوهية الرب.

إن خطورة تحديد شخص الرب تكمن فى فتح الباب لكذب الشيطان (يو8: 44).  والمجتمع بالتأكيد يحب أن يلفق نقط ضعف لربنا المبارك.  ومن المحزن أن هناك من يُنكر ميلاد المسيح العذراوي، وكذا القيامة.  والبعض يدعي أن الرب يسوع هو ببساطة وليد زمانه، وقد صلب بسبب فتنة، وهو ليس أكثر من كونه سلف القرن الأول لشي جيفارا.  على النقيض من ذلك تمامًا، كان التقييم الذي يهم حقًا، هو الذي للآب: «هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ» (مت3: 17).  والدرس لجميع التلاميذ هو ”تَعَالَ وَانْظُرْ ابْن اللَّهِ“!

اللقاء الثاني: ملاحظة الجمع وعُظم إمكانيات المسيح: «لاَ يَكْفِيهِمْ خُبْزٌ بِمِئَتَيْ دِينَارٍ لِيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا يَسِيرًا» (يو6: 1-15):

إن الحديث الثاني المُسجَّل للرب مع فِيلُبُّس، جرى وقت خدمته للجمع على شواطئ الجليل، مع جمهور من خمسة آلاف رجل، بالإضافة إلى عائلاتهم.

لقد امتحن الرب فِيلُبُّس بهذا السؤال: «مِنْ أَيْنَ نَبْتَاعُ خُبْزًا لِيَأْكُلَ هؤُلاَءِ؟» (يو6: 5).  فأجابه فيلبس: «لاَ يَكْفِيهِمْ خُبْزٌ بِمِئَتَيْ دِينَارٍ لِيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا يَسِيرًا» (ع7).  وبدلاً من التركيز على المُخلِّص، تمركز فِيلُبُّس حول معاناة الناس.  وبالمثل، يسأل المجتمع: أين كان الله في كل العمليات الإرهابية التي تجري من حولنا؟ أو أين الله عند احتضار مَنْ أُحبُّ؟ وعندما تواجهنا الظروف المُريعة، دعونا نتذكر أننا لن نطلب الطبيب دون الشعور بالألم!  كتب أحدهم: ”الله يهمس لنا فى أفراحنا، لكنه يصرخ من خلال آلامنا.  فالآلام هي مُكبر الصوت الذي يستخدمه الرب، ليُنبه به العالم الأصم“.

إن من سأل فِيلُبُّس السؤال، كان هو ذاته خبز الحياة (يو6: 35، 51).  وتكثير الخبز للجموع كان مجرد البداية.  إن أرادوا، لأعطاهم الحياة الأبدية أيضًا.  لقد رأى أَنْدَرَاوُسُ الغلام الذي كان معه الخمسة أرغفة والسمكتين.  وكان الرب قادرًا أن يُشبع الجموع بهذه الوجبة الصغيرة «بِقَدْرِ مَا شَاءُوا» (ع11)، وفضل عنهم اثنتي عشرة قفة من الكِسَرِ!

إن مخازن السماء لم تزل مفتوحة!  إنه لا زال يستخدم مواردنا، ومواهبنا، وقدراتنا لمجده.  أما التفكر فى عيوبنا بدلاً من غناه، جعل اجتماعات صلاتنا تضعف وتتضاءل، لأننا نرتاب فى أن صلاتنا القليلة يمكن أن تؤثر فى عالم بهذا الحجم والاحتياج.  ونحن نُعلن قلة إيماننا عندما نقدم لله ما تبقى من مواردنا، بينما نكوم الأفضل لأنفسنا.  إن الدرس لكل التلاميذ هو أن نقدم له كل ما لنا – مهما كان صغيرًا – وننظر ماذا عساه أن يفعل.

اللقاء الثالث: الإتيان بالغرباء وغنى نعمة المسيح: «نُرِيدُ أَنْ نَرَى يَسُوعَ» (يو12: 20-28):

مع اقتراب الفصح الأخير للرب، تقدم بعض اليونانيين الأمم المتهودين إلى فِيلُبُّس بطلب نبيل: «يَا سَيِّدُ، نُرِيدُ أَنْ نَرَى يَسُوعَ» (يو12: 21).  وتُذكّرنا القرينة بأن فِيلُبُّس كان من المنطقة الشمالية؛ بَيْتِ صَيْدَا الْجَلِيلِ، حيث كانت هناك بعض المعاملات بين اليهود والأمم.

لم تسجل أي كلمة رد لفِيلُبُّس.  وبدلاً من ذلك، طلب وساطة أَنْدَرَاوُس ابن بلده، فاقتربا معًا من الرب (ع22).  ربما كان تخوفه بسبب أنه كان غير متأكد إن كان الرب يقبل أممًا أم لا.  وعلى الرغم من أن خدمتهم كانت مبدئيًا لخراف بيت إسرائيل الضالة، إلا أن الرب نوه مرات عديدة على أن لا حدود لرسالته: إعلانه عن محبة الله للعالم (يو3: 16)، ووعده أن كل من يقبل إليه لا يخرجه خارجًا (يو6: 37)، وملاحظاته بخصوص الخراف الأخر التى ليست من هذه الحظيرة (يو10: 16).  لكن فى هذه اللحظة، يبدو أن كل هذا كان قد ضاع من ذهن فِيلُبُّس.  فكان تأخيره فى السماح لجمهور الأمم الوصول إلى المخلص بمثابة إعاقة لهم، أكثر من كونها مساعدة لهم للتقدم إلى الرب.  فهم بالطبيعة كانوا «بِدُونِ مَسِيحٍ، أَجْنَبِيِّينَ عَنْ رَعَوِيَّةِ إِسْرَائِيلَ، وَغُرَبَاءَ عَنْ عُهُودِ الْمَوْعِدِ، لاَ رَجَاءَ لَكُمْ، وَبِلاَ إِلهٍ فِي الْعَالَمِ» (أف2: 13).  ولربما كان فِيلُبُّس ببساطة كيونان، يخشى أن يقبلهم الرب (يو4: 2).  يا ليتنا لا نكون مذنبين أبدًا بالتفرقة بين الخراف الضالة، التى يبحث عن جميعها الرب!

إن تجاوب الرب أظهر أن وقته معهم قارب على النهاية، حيث أخبرهم عن موته فى الجلجثة فى ذلك الأسبوع (ع23-26).  وامتياز سهولة الوصول إلى الرب يسوع بالجسد، كانت على وشك الانتهاء السريع.  وبرحيل الرب جسديًا عن مشهدنا، فإن الوسيلة الوحيدة التى يمكن للمجتمع الضائع أن يرى يسوع هو من خلال كنيسته، المكونة من العديد من أمثال فِيلُبُّس“ (أف1: 23).  وهذا يستجلب السؤال: عندما يرونا، هل يروا فينا يسوع؟  إن الدرس لجميع التلاميذ أن نقابل نظرة العالم لنا، بانعكاس صفات المخلص.

اللقاء الرابع: رؤية الآب وكمال لاهوت المسيح «يَا سَيِّدُ، أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا» (يو14: 1-11):

إن حديث العلية فى يوحنا 13-17 هو إعلان الرب الختامي لتلاميذه قبل موته.  وفي هذا الحديث، أجاب الرب على تساؤلات تلاميذه، التي تضمنت سؤالاً من فِيلُبُّس: «يَا سَيِّدُ، أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا» (يو14: 8).

وحيث أن الرب أخبر تلاميذه عن موته الوشيك ودخوله إلى السماء، والذي من نتائجه أنه سيُعطيهم نفس القدوم إلى الآب الذي له، تحير التلاميذ من جهة بعض الأمور: لماذا كان عليه الرحيل، إلى أين يذهب، وماذا عن وعد رجوعه؟ (يو13: 31-14: 7).  فاستطرد فِيلُبُّس قائلاً: «يَا سَيِّدُ، أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا» (يو14: 8).  فى محاولته المُخلِصة، كشف فِيلُبُّسُ عن عدم إيمانه بالشخص الذي يراه.  لم تكن وعود الرب يسوع كافية بالنسبة له.  فأجابه الرب: «أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ!» (ع9).  هكذا كشف الرب الطرق التى يكتشفها فيلبس (عدد9-11).  لقد رأى الآب، لأنه رأى الرب.  لقد سمع الآب، لأنه سمع الرب.  لقد شهد على أعمال الآب، لأن الرب هو من عملها.

عندما كنت غلامًا غضًا، قضى والدي عدة أشهر خارج البلاد للعمل لفترة.  أثناء أول فترة من عمله خارجًا، كنت أسأل والدتي يوميًا متى سنراه ثانيةً.  وإذ مرت الأسابيع لتصير شهورًا، قلت لوالدتي إنى لا أصدق بعد أن يرجع والدي إلينا.  إلا أنه عاد يومًا تمامًا كما قال!  ولأنه حفظ وعده لي المرة الأولى، لم أشك فى عودته إلينا فى كل رحيل تالي.  ولأن الرب يسوع أثبت وعوده فى موته، وقيامته، وصعوده، ينبغي ألا نشك فى وعوده عن مستقبلنا معه.  الدرس لجميع تلاميذه ألا ننظر سوى للوحيد الكافي لكي نختبر كفاية الله الآن!

«وَنَحْنُ غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى.

لأَنَّ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ"»

(2كو4: 18).

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com