عدد رقم 4 لسنة 2017
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
4- البقية في أيام زربابل وعزرا  

 سفر عزرا ص1- ص3

تنبيه روحي .. وأولوية صحيحة

استمرارًا لسلسلة أحاديثنا عن البقية في الأيام الأخيرة، نتوقف في هذا العدد عند اللقطات الأولى لظهور بقية من الشعب ترجع إلى الأرض من السبي في أيام كورش الفارسي الذي نبه الرب روحه، كما نبه روح تلك البقية الراجعة في أيام زربابل الذي كان من النسل الملكي، وعزرا الكاهن والكاتب، لترجع وتقيم الشهادة إلى اسم الرب في أورشليم ولو في ضعف شديد، وفي مجد أقل بكثير من مجد البيت – بيت الله – في أيام المجد الأول له في عهد سليمان الملك.

ونحن كعادتنا سنتوقف أمام بعض اللقطات الروحية التي لها فائدتها العملية على حياتنا الأدبية نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور(1كو10: 11)، ووقعت قرعتنا في الأيام الأخيرة والأزمنة الصعبة (2تي3: 1).

·        تنبيه روحي

في كل النهضات الروحية الحقيقية في تاريخ شعب الله، كان البادئ دائمًا هو الله الذي لا يترك نفسه بلا شاهد أو بلا شهادة حقيقية حتى وإن كانت بسيطة.  فالرب هو منشئ النهضة لا الإنسان مهما كان وأيا كان.  وهذا ما يطالعنا به الوحي هنا في وضوح شديد قاطع حيث نقرأ:

 «وَفِي السَّنَةِ الأُولَى لِكُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ عِنْدَ تَمَامِ كَلاَمِ الرَّبِّ بِفَمِ إِرْمِيَا، نَبَّهَ الرَّبُّ رُوحَ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ فَأَطْلَقَ نِدَاءً فِي كُلِّ مَمْلَكَتِهِ وَبِالْكِتَابَةِ أَيْضًا قَائِلاً:هكَذَا قَالَ كُورَشُ مَلِكُ فَارِسَ: جَمِيعُ مَمَالِكِ الأَرْضِ دَفَعَهَا لِي الرَّبُّ إِلهُ السَّمَاءِ، وَهُوَ أَوْصَانِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا فِي أُورُشَلِيمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا. مَنْ مِنْكُمْ مِنْ كُلِّ شَعْبِهِ، لِيَكُنْ إِلهُهُ مَعَهُ، وَيَصْعَدْ إِلَى أُورُشَلِيمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا فَيَبْنِيَ بَيْتَ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ. هُوَ الإِلهُ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ. وَكُلُّ مَنْ بَقِيَ فِي أَحَدِ الأَمَاكِنِ حَيْثُ هُوَ مُتَغَرِّبٌ فَلْيُنْجِدْهُ أَهْلُ مَكَانِهِ بِفِضَّةٍ وَبِذَهَبٍ وَبِأَمْتِعَةٍ وَبِبَهَائِمَ مَعَ التَّبَرُّعِ لِبَيْتِ الرَّبِّ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ».  فَقَامَ رُؤُوسُ آبَاءِ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ، وَالْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ، مَعَ كُلِّ مَنْ نَبَّهَ اللهُ رُوحَهُ، لِيَصْعَدُوا لِيَبْنُوا بَيْتَ الرَّبِّ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ. وَكُلُّ الَّذِينَ حَوْلَهُمْ أَعَانُوهُمْ بِآنِيَةِ فِضَّةٍ وَبِذَهَبٍ وَبِأَمْتِعَةٍ وَبِبَهَائِمَ وَبِتُحَفٍ، فَضْلاً عَنْ كُلِّ مَا تُبُرِّعَ بِهِ.

وَالْمَلِكُ كُورَشُ أَخْرَجَ آنِيَةَ بَيْتِ الرَّبِّ الَّتِي أَخْرَجَهَا نَبُوخَذْنَاصَّرُ مِنْ أُورُشَلِيمَ وَجَعَلَهَا فِي بَيْتِ آلِهَتِهِ. أَخْرَجَهَا كُورَشُ مَلِكُ فَارِسَ عَنْ يَدِ مِثْرَدَاثَ الْخَازِنِ، وَعَدَّهَا لِشِيشْبَصَّرَ رَئِيسِ يَهُوذَا» (عزرا 1: 1-8).

ونحن نلاحظ في هذه الأعداد التنبيه الروحي (أو الاستنارة الروحية أو التنشيط الروحي  (Stirr up يتكرر مرتين:

الأول في عدد 1: «نبه الرب روح كورش ملك فارس فأطلق نداء..»

والثانية في عدد 5: «فقام مع كل نبه الله روحه ليصعدوا ليبنوا بيت الرب الذي في أورشليم».

«لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ» (في2: 13).

وفي أيام تعظيم الإنسان، مع التحقير من شأن الأمور الصغيرة والأعمال البسيطة والاجتماعات القليلة الأعداد.  من المهم جدًا الالتفات إلى هذه الحقيقة: أن العمل لأجل الله هو عمل الله.  وأن الله هو الذي يعمل النهضة بعمل الروح القدس القوي لكن الهادئ في القلوب.

ومن الرائع أن نجده يعمل في كورش ملك فارس الأممي والذي مسحه الرب بنفسه للمُلك، فهو الذي «يُنصِّب ملوكًا» (دا2: 21)، ولا عجب كذلك فإن قلب الملك في يده كجداول المياه يميلها إلى حيثما شاء (أم21: 1).  ولهذا وجب علينا نحن المؤمنين اليوم أول كل شيء «أَنْ تُقَامَ طَلِبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ، لأَجْلِ الْمُلُوكِ وَجَمِيعِ الَّذِينَ هُمْ فِي مَنْصِبٍ» (1تيمو2: 1) والرب الذي نبه روح الملك الأممي، نبه كذلك أرواح الراجعين من السبي من اليهود.

وهذا هو عمل الله المكتمل الأركان.  فالرب الذي يهيئ الملك ليطلق نداءه، يهيئ الشعب للتجاوب مع نفس هذا النداء!  وهذا هو الحال في العمل الروحي الحقيقي والصحيح دائمًا.  الرب الذي يستخدم خادمه برسالة، يهيئ حاملها كما يهيئ قلوب المخدومين لقبول نفس الرسالة والتجاوب معها.

أحبائي الشباب: إن نشاط الجسد في عمل الرب، وأعني كل نشاط ليس بدافع روحي إلهي صحيح، قد يثير إعجاب الكثيرين ومدحهم لكن حتمًا سيبقى بلا ابتسامة رضى السيد وبلا تأثير روحي عميق في المخدومين.  ولعل هذا أحد أسباب الضحالة الروحية والكتابية والأدبية المتفشية بيننا في هذه الأيام.  كثرة النشاط في المجال الروحي مع ندرة التحرك الروحي الصحيح الذي يعتمد على قوة الروح القدس وليس على قدرات ومهارات الإنسان.  فلننتبه أو بالحري لينبه الرب أرواحنا جميعًا إلى ما يجب علينا فعلاً أن نعمله.  إن ما لم يعمله روح الله محكوم عليه بالفشل.

·        أولوية صحيحة

وعندما رجع الكثيرون من السبي (عز2) نجد في الأصحاح الثالث أول ما فعلوه إذ نقرأ: «وَلَمَّا اسْتُهِلَّ الشَّهْرُ السَّابعُ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ فِي مُدُنِهِمُ، اجْتَمَعَ الشَّعْبُ كَرَجُل وَاحِدٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَقَامَ يَشُوعُ بْنُ يُوصَادَاقَ وَإِخْوَتُهُ الْكَهَنَةُ، وَزَرُبَّابَلُ بْنُ شَأَلْتِئِيلَ وَإِخْوَتُهُ، وَبَنَوْا مَذْبَحَ إِلهِ إِسْرَائِيلَ لِيُصْعِدُوا عَلَيْهِ مُحْرَقَاتٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى رَجُلِ اللهِ. وَأَقَامُوا الْمَذْبَحَ فِي مَكَانِهِ، لأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمْ رُعْبٌ مِنْ شُعُوبِ الأَرَاضِي، وَأَصْعَدُوا عَلَيْهِ مُحْرَقَاتٍ لِلرَّبِّ، مُحْرَقَاتِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ. وَحَفِظُوا عِيدَ الْمَظَالِّ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَمُحْرَقَةَ يَوْمٍ فَيَوْمٍ بِالْعَدَدِ كَالْمَرْسُومِ، أَمْرَ الْيَوْمِ بِيَوْمِهِ.  وَبَعْدَ ذلِكَ الْمُحْرَقَةُ الدَّائِمَةُ، وَلِلأَهِلَّةِ وَلِجَمِيعِ مَوَاسِمِ الرّبِّ الْمُقَدَّسَةِ، وَلِكُلِّ مَن تبرَّعَ بِمُتَبَرَّعٍ لِلرَّبِّ ابْتَدَأُوا مِنَ الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ يُصْعِدُونَ مُحْرَقَاتٍ لِلرَّبِّ، وَهَيْكَلُ الرَّبِّ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَأَسَّسَ. وَأَعْطَوْا فِضَّةً لِلنَّحَّاتِينَ وَالنَّجَّارِينَ، وَمَأْكَلاً وَمَشْرَبًا وَزَيْتًا لِلصِّيدُونِيِّينَ وَالصُّورِيِّينَ لِيَأْتُوا بِخَشَبِ أَرْزٍ مِنْ لُبْنَانَ إِلَى بَحْرِ يَافَا، حَسَبَ إِذْنِ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ لَهُمْ» (عز3: 1-7).  أمر عجيب فعلاً!  لقد كنا نتوقع أن يبدأوا ببيوتهم التي يقينًا إما خربت أو على الأقل  تحتاج إلى وقت لإعادة إصلاحها أو بنائها أو حتى ترميمها بعد نحو 70 سنة.  لكن لأن النهضة روحية ولأن الرب هو الذي ينبه أرواحهم فرجعوا وتبرعوا حسب طاقتهم (عز2: 69)، فجاءت الأولوية للرب ولعبادته.  على أن الأولوية لم تكن فقط روحية، بل كانت هناك أولوية تمييز وبصيرة داخل المجال الروحي نفسه!  لقد كان متوقعًا أن يبدأوا بالمذبح ليصعدوا عليه ذبائح الخطية والإثم في مشغولية بحالتهم بعد معاناة السبي الطويلة والابتعاد المؤلم عن ديار الرب لسنوات كثيرة...الخ.  إلا أنهم بدأوا بالمحرقات (ع2) كما هو مكتوب في شريعة موسى رجل الله.  ونحن نعرف أن المحرقة بتمامها هي نصيب الرب وحده.  وهي تكلمنا عن المسيح وذبيحته الكاملة التي أرضت وأشبعت قلب الله بالتمام.

وكأن مشغوليتهم الأولى في المجال الروحي كانت هي الرب لا أنفسهم .. مجده واسمه في بيته لا أسماءهم ولا بيوتهم.  وغرضهم هو اتباع كلمة الله التي مر عليها مئات السنين اتباعا كاملاً إذ «أقاموا المذبح في مكانه» (ع3)، وليس اتباع استحسانات بشرية يظن أصحابها وتابعيهم أنها أكثر حداثة، وأكثر مناسبة لروح العصر الحديث من الالتزام الحرفي بنصوص كتابية مر عليها زمان طويل!!  وفي هذا كله دروس عملية لنا نحن اليوم لا تحتاج إلى تعليق أو إيضاح أكثر.

إن البدء بالمحرقة بغض النظر عن حالتهم هو في تمام التوافق مع ما فعله في يوم سابق صموئيل النبي في آخر أيام القضاة عندما أصعد حملاً رضيعًا بتمامه للرب محرقة (1صم7)، وبعد ذلك ذهب ليصلي لأجل الشعب الذي يتعرض لذل الفلسطينيين ويواجه الحرب معهم.  وكأنه ذهب يصلي في استحقاقات الحمل الرضيع، المحرقة التي تجلب الرضى والسرور والبركة للشعب.  إن الله سيستجيب الصلاة، ليس بسبب حرارتها، ولا لأن الشعب تاب وعزل الأصنام وناح وراء الرب.  كل هذا حقيقي وهام جدًا، لكنه ليس أساس رضى الرب عليهم، وإنما فقط المحرقة.  هكذا فعل إيليا إذ قدم المحرقة على جبل الكرمل، وبعد ذلك صعد ليصلي لأجل عودة المطر (1مل18).

فالرب دائمًا وأبدًا يبارك شعبه بناء على المحرقة العظيمة، سواء في الرمز قديمًا أو في ضوء الحقيقة الآن بعد الصليب.  كل بركة روحية بوركنا بها هي في السماويات وأيضًا في المسيح (أف1: 3).

لم يكن الهيكل الجديد قد تأسس بعد، لكن المذبح أقيم في مكانه، والتقدمة الدائمة عادت ويا لها من بداية موفقة!  والبدايات كثيرًا ما تحدد النهايات.  فسرعان ما سيتم بناء الهيكل مرة أخرى .. ولو في مجد أقل بالطبع.  لكن في تسبيح وهتاف وفرح عظيم، وهذا ما سنراه في العدد القادم بمشيئة الرب.

                                                                                   يتبع

                                                                     

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com