عدد رقم 4 لسنة 2017
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
أبْطَال وأفْعَال ... ودروسٌ للأجْيَال (9)  

تحدثنا فيما سبق عن بعض الصفات والسمات الأدبية التي يتشارك فيها أبطال داود، وعن مقاييس البطولة الروحية الصحيحة، ونواصل في هذا العدد حديثنا عن:

تاسعًا: الأبطال الروحيون وخدمة الأعوان:

الأصحاحان 1أخبار 11، 12 يتحدثان عن الرجال الأبطال الذين التصقوا بداود وتبعوه في زمان رفضه واحتقاره، وتألموا معه، حينما كان مرفوضًا ومُطَاردًا مِن شاول؛ رفاقٌ شجعان استُؤمنوا فَرَعَوا الأمانة، وعُوهِدوا فحفظوا العهد، شاركوا داود معاناته وآلامه، وبأمانة خدموه أثناء رفضه، غير حاسبين أنفسهم ثمينة لديهم، من أجل خاطر سَيِّدهم، وكان جُلَّ ما ينشدونه هو أن «يُحَوِّلُوا مَمْلَكَةَ شَاوُلَ إِلَيْهِ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ» (1أخ12: 23)، وقد كوفئوا من أجل خدماتهم له.

ويهتم الأصحاح الثاني عشر بوجه الخصوص بتسجيل ما فعله هؤلاء الأبطال الذين اجتمعوا إلى داود في المراحل الأخيرة من زمان رفضه واحتقاره، ورفضه ومطاردته من شاول، وعن أولئك الذين جاءوا إليه ليُنصبوه ملكًا في حبرون.  وينقسم هذا الأصحاح - بوجه عام – إلى ثلاثة أقسام:

(1)    الأعداد 1-7 تتكلَّم عن أولئك الذين جاءوا إليه عندما كان مُقيمًا في صِقْلَغ.

(2)    والأعداد 8-22 تتكلَّم عن بعض ممن جاءوا إليه إلى الحصن.  والمُرجح أن يكون ذلك إشارة إلى ”مَغَارَةِ عَدُلَّامَ“.

(3)    وبقية الأصحاح تسجل بعض التفاصيل عن أولئك الذين جاءوا إلى داود إلى حبرون ليُدعموا انتقال السلطة إليه (ع23).

ويُمكننا القول إن الأصحاح الحادي عشر يُقدِّم قائمة لأبطال داود الجبابرة العظام، الذين صنعوا أعمالاً وانجازات وبطولات عظيمة استثنائية.  أما في الأصحاح الثاني عشر فنجد الحديث عن مُساعِدِي (مُعاوِنِي) داود.  ففي هذا الأصحاح تتكرر كلمة ”المساعدة (Help) سبع مرات (ع1، 17، 18 (مرتين)، 19، 21، 22).  وعدد 19 يستخدم هذه الكلمة بالمعنى السلبي «لَمْ يُسَاعِدُوهُمْ» (ع19).  كما يُشير عدد 18 إلى المساعدة (المعونة) الإلهية «لأَنَّ إِلَهَكَ مُعِينُكَ (For Thy God Helps Thee)».  أما بقية الإشارات فلأناس قدموا المساعدة (المعونة) لداود في أوقات الرفض والمعاناة والآلام.  ولم يكن مُمكنًا لداود أن يُحقق الانتصارات التي حققها، دون المساعدات والمعونات التي دعمه بها رجاله الأوفياء الشجعان.

وبالإضافة إلى الإشارات الواضحة الصريحة للمساعدة، فإن الفكرة كامنة أيضًا في أسماء بعض مِمَن يظهرون في هذا الأصحاح، مثل ”أَخِيعَزَرُ“ ومعناه ”أخو المعونة“ أو ”أخي هو معونة“ (ع3)، ”عَزْرِيئِيلُ“ ومعناه ”عون الله“ (ع6)، ”يُوعَزَرُ“ ومعناه ”الرب هو العون“ (ع6)، ”عَازَرُ“ ومعناه ”عون“ أو ”مساعدة“ (ع9) ... وهكذا.  إذ أن الموضوع الأساسي لهذا الأصحاح هو مَنْ ساعدوا داود وأعانوه.

وحتى الآن فلربما يوجد فقط قليلون يوصفون بالأبطال، ولكن المجال مفتوح لنا جميعًا لنكون ”مساعدين (أعوانًا)“ لهؤلاء الذين يكونون طليعة الجيش.  والأعوان من المواهب الضرورية، والتي تُذكر بين مجموعة المواهب المتنوعة وترتيبات الخدمة في كنيسة الله «فَوَضَعَ اللهُ أُنَاسًا فِي الْكَنِيسَةِ: أَوَّلاً رُسُلاً، ثَانِيًا أَنْبِيَاءَ، ثَالِثًا مُعَلِّمِينَ، ثُمَّ قُوَّاتٍ، وَبَعْدَ ذلِكَ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ، أعْوَانًا، تَدَابِيرَ، وَأَنْوَاعَ أَلْسِنَةٍ» (1كو12: 28).

وقد يبدو مِن وضع ”الأعوان“ في ترتيب متأخر بين المواهب أنها موهبة قليلة الأهمية، ولكن الكلمة في الترجمة السبعينية تُستخدم للتعبير عن مُعاونة القوي للضعيف، ويؤيد هذا استخدام صيغة الفعل منها في سفر الأعمال، في تحريض الرسول بولس لشيوخ الكنيسة في أفسس، أن يحذو حذوه «فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرَيْتُكُمْ أَنَّهُ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنَّكُمْ تَتْعَبُونَ وَتَعْضُدُونَ الضُّعَفَاءَ» (أع20: 35).  فالذي يكون عونًا لأخيه، يؤدي خدمة مُقدَّرة عن السَيِّد، وتستحق المدح «مُتَذَكِّرِينَ كَلِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ، أَنَّهُ قَالَ: مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ» (أع20: 35)

وإعانة الآخرين هو باب مفتوح أمام الجميع.  إنها تعني مجالاً واسعًا للخدمة المسيحية دافعها المحبة: محبة الرب ومحبة النفوس.  يوجد كثيرون في الاجتماعات مِمَن لا يُمكن أن يُقال عنهم إن لهم مواهب خاصة في الكرازة أو التعليم أو التدبير، لكنهم يستطيعون أن يؤدوا خدمات جليلة للمبشرين والمُعلّمين والمدبرين، بل ولكل إخوتهم.  وكثيرًا ما نجد أخًا لا يستطيع الاشتراك في الخدمات العامة التي تحتاج إلى مواهب خاصة مثل الكرازة والوعظ والتعليم، فهو ليس بالكارز أو الواعظ أو المُعلِّم، لكنه مهتم بعمل هؤلاء وبخدماتهم، ومشغول بأبسط الأمور التي تحتاج إليها النفوس الغالية على المسيح.  وهو دائمًا مستعد لأن يعمل أي شيء وكل شيء من أجل عمل الرب، ولتقديم معونة حقيقية للخادم وللخدمة وللمخدومين.  لا تقف الصعوبات أمامه في سبيل الخدمة، بل على العكس تُظهر نشاطًا كامنًا فيه.  وهو ليس مشغولاً بذاته بل يبتهج بأن يرى عمل الرب ناجحًا بغض النظر عمن يعمله.

ويجدر بنا أن نُشير إلي أهمية موهبة الأعوان (المساعدين - Helps)، بالالتفات إلى مثال «بِرِيسْكِلاَّ وَأَكِيلاَ الْعَامِلَيْنِ مَعِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (رو16: 3)، أو إلى ”أَبُلُّوس“ الذي «سَاعَدَ كَثِيرًا بِالنِّعْمَةِ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ آمَنُوا» (أع18: 27).

وفي الحالة الأولى ساعد أَكِيلاَ وبِرِيسْكِلاَّ الرسول بولس بطريقة مادية وبدنية تتمثل في توفير فرصة للعمل ومكان للإقامة له (أع18: 1-3).  أما في الثانية فقد قدَّم ”أَبُلُّوسُ“ المساعدة بطريقة روحية عن طريق كرازته (أع18: 28).  وهناك احتياج إلى المساعدة والمساندة في كلا المجالين.  وإنه لأمر نبيلٌ أن نكون سبب ”مُسَاعِدَةً لِكَثِيرِينَ“.  ومن الحسن أن ”نَقُومُ لَهَم فِي أَيِّ شَيْءٍ احْتَاجُوه مِنْا“، سواء ماديًا أو روحيًا (رو16: 2).  

وأول إشارة عن ”المساعدة“ في هذا الأصحاح (1أخ12)، نجدها بالارتباط بأولئك الذين «جَاءُوا إِلَى دَاوُدَ ... وَهُمْ مِنَ الأَبْطَالِ مُسَاعِدُونَ فِي الْحَرْبِ» (ع1)؛ فقد ساعدوه حربيًا.  ونحن نحتاج – في الاختبار المسيحي – إلى رفقائنا المُجاهدين في الحرب الروحية.  ويصف الرسول بولس كلا من ”أَبَفْرُودِتُسَ“ وأَرْخِبُّسَ“ باعتبارهما ”الْمُتَجَنِّدِون مَعهُ“ (في2: 25؛ فل2).

وقد اعتمد داود مرة على رفيقة في الجندية ”أَبِيشَايُ ابْنُ صَرُويَةَ“ للنجدة والدفاع والإنقاذ (2صم21: 16، 17).  كما كان ”يُونَاثَانُ“ يستند على رفيقه في الجندية وحَامِلُ سِلاَحِهِ، للهجوم على الأعداء (1صم14: 1-14).  وفي حربنا المسيحية، مع أجناد الشر الروحية، يقف المؤمنون كتفًا بكتف عندما يتعرضون للهجوم من العدو.  وعندما نقتحم معاقل الشرير، لا بد وأن نتمسك بالتضامن والاتحاد، ويجب أن نكون جميعًا ”مُسَاعِدين فِي الْحَرْبِ“.

ويجب أن نلاحظ أن هؤلاء الذين جاءوا إلى داود إلى صِقْلَغَ، قد فعلوا ذلك في وقت «وَهُوَ بَعْدُ مَحْجُوزٌ عَنْ وَجْهِ شَاوُلَ» (ع1)، وبعبارة أخرى قد كان نشاطه مُقيَّدا للغاية.  وهؤلاء الرجال بربطهم أنفسهم مع داود، كانوا يقبلون قيودًا معينة على تحركاتهم، ولكن جاذبية داود استحقت تضحياتهم.  وبالنسبة لنا فإن معرفة ربوبية الرب، والتزامنا نحو الجماعة التي تجتمع حول اسمه، إنما يعنيان أن تحركاتنا وسلوكنا تُصبح مُقيَّدة بمطاليب كلمة الله.  والكتاب المقدس يضع مقاييس لسلوكنا، من الناحية الشخصية ومن نحو الجماعة.  والولاء للمسيح يظهر بالاستعداد لقبول أية قيود تضعها كلمة الله علينا، بالضبط كما أن الولاء لداود جعل رجاله يقبلون بسرور القيود على حريتهم.  

                                                                                (يتبع)


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com