عدد رقم 4 لسنة 2017
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
إِيلِيَّا إِنْسَانٌ تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا  


«وَقَالَ إِيلِيَّا التِّشْبِيُّ مِنْ مُسْتَوْطِنِي جِلْعَادَ لأَخْآبَ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي وَقَفْتُ أَمَامَهُ، إِنَّهُ لاَ يَكُونُ طَلٌّ وَلاَ مَطَرٌ فِي هذِهِ السِّنِينَ إِلاَّ عِنْدَ قَوْلِي»(1مل17: 1).

     لقد «كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا»، لكنه كان يتمتع بقوة إلهية جبارة في حياته، ثم في رحيله إلى السماء بواسطة المركبة النارية.  فما سر هذه القوة التي جعلت إيليا يقف أمام ملك إسرائيل، ويوجه له رسالة تهديد ووعيد خطيرة من الرب دون أن يخشى غضبه، كذلك ما سر القوة التي جعلته يقف كالأسد على جبل الكرمل يدافع عن كرامة يهوه ويتحدى أنبياء البعل مخاطرًا بحياته؟  فلنتأمل معًا في سر هذه القوة.

   إن كلمة إيليا تعني:  "قوة يهوه"،  وكلمة التشبي تعني:  "الغريب"، وكلمة جلعاد تعني: "كومة الشهادة" من هذا نفهم،  أن إيليا كان يمثل قوة الله في الشهادة أمام الشعب، لأنه كان واقفًا أمام الله بصفة مستمرة، وكان يعيش كالغريب السماوي.  وهذا ما ظهر في قوله: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي وَقَفْتُ أَمَامَهُ».  فهو قبل أن يظهر على مسرح الأحداث، ويقف أمام أخآب، كان واقفًا أمام الرب في الخفاء، وهذا هو سر القوة.  كان يعيش بكل كلمة تخرج من فم الله، وكان الله حقيقة يمسك بها إيمانه.  وقد أكد لنا الروح القدس ذلك على لسان يعقوب عندما قال عنه: أنه «صَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ. ثُمَّ صَلَّى أَيْضًا، فَأَعْطَتِ السَّمَاءُ مَطَرًا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا» (يع5: 17، 18).  والصلاة هي الضعف البشري مستندًا على قوة القدير.  وحقًا إن «طلبة البار تقتدر كثيرًا في فعلها».  فالرسالة التي وجهها إلى أخآب، كانت عبارة عن صلاة رفعها أمام الرب، وتأكد أن الرب قد استجاب له لأنه كان متوافقًا مع المشيئة الإلهية.  والقوة الإلهية أغلقت السماء حتى لا تمطر.  وبعد ما وجه إيليا هذه الرسالة القوية إلى أخآب، كان كلام الرب إليه أن يختبئ عند نهر كريث، ثم بعد جفاف النهر أن يذهب إلى صرفة صيدون.  وفي هذه الفترة أعد الرب إيليا إعدادًا خاصًا، وذلك من خلال نوعين من التدريب.  وكان الغرض من ذلك الوقوف على جبل الكرمل(1مل18: 19).  والكرمل يعني: "الحقل المثمر" «وَكُلُّ مَا يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ»(يو15: 1).

التدريب الأول :ــ  إعالة سماوية.

 «وَكَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ لَهُ قَائِلاً: «انْطَلِقْ مِنْ هُنَا وَاتَّجِهْ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَاخْتَبِئْ عِنْدَ نَهْرِ كَرِيثَ الَّذِي هُوَ مُقَابِلُ الأُرْدُنِّ، فَتَشْرَبَ مِنَ النَّهْرِ. وَقَدْ أَمَرْتُ الْغِرْبَانَ أَنْ تَعُولَكَ هُنَاكَ»(1مل: 2ـ4).  من خلال هذا التدريب تعلم إيليا، الاستناد الكلي على الله في كل الأمور.  فكان ينتظر طعامه من السماء صباحًا ومساءً.  وخدمة التوصيل تقوم بها الغربان، مع أن الغراب بطبيعته يترك فراخه بدون طعام.  «مَنْ يُهَيِّئُ لِلْغُرَابِ صَيْدَهُ، إِذْ تَنْعَبُ فِرَاخُهُ إِلَى اللهِ، وَتَتَرَدَّدُ لِعَدَمِ الْقُوتِ؟» (أي38: 41).  لكنه وثق في عناية الله، وهناك كان يختبر الإعالة الكريمة اليومية من الله الذي لا يُخلف وعدًا على الإطلاق.

التدريب الثاني:ــ   إعالة أرضية.

«وَكَانَ لَهُ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: «قُمِ اذْهَبْ إِلَى صِرْفَةَ الَّتِي لِصِيدُونَ وَأَقِمْ هُنَاكَ. هُوَذَا قَدْ أَمَرْتُ هُنَاكَ أَرْمَلَةً أَنْ تَعُولَكَ» (1مل17: 8، 9).  في هذا التدريب أدخل الرب إيليا بيت التحميص، أو مكان التنقية.  وهذا ما تعنيه كلمة "صرفة".  والغرض من ذلك إزالة الشوائب، وامتحان الإيمان بالنار.  فصعب على طبيعة الرجل أن تعوله امرأة.  وعلاوة على ذلك كونها أرملة أممية.  فالمرأة تُعين وليس تعول (تك2: 18).  أما صيدون فهي المدينة التي خرجت منها إيزابل، فهي ابنة ملك صيدون.  وهي المصدر الرئيسي لعبادة البعل.  لكن إيليا أطاع ضد رغباته الطبيعية وقناعاته وذهب دون اسم أو عنوان، والرب قاده من أقصر طريق.  وكما اختبر القوة الإلهية التي تحكمت في الغربان لتحضر له الطعام لقرابة سنة ونصف دون توقف، اختبر القوة الإلهية التي جعلت كوار الدقيق لا يفرغ وكوز الزيت لا ينقص لأكثر من سنتين.  بل اختبر القوة التي تقيم الميت لأول مرة في تاريخ البشرية.

 وبعد أن انتهت فترة التدريب، تأهل ليقف على جبل الكرمل.  أي يقف على قمة جبل الحقل المثمر ليشهد للرب. «وَبَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى إِيلِيَّا فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ قَائِلاً: «اذْهَبْ وَتَرَاءَ لأَخْآبَ فَأُعْطِيَ مَطَرًا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ»(1مل18: 1).   وعلى جبل الكرمل تجمع كل شعب إسرائيل، وأنبياء البعل وعددهم "450"  وأنبياء السواري وعددهم "400"  ومن خلال تقديم الذبيحة، انكشف الأنبياء الكذبة على حقيقتهم.  واستجاب الرب لنبيه إيليا، ونزلت نار الرب من السماء وأكلت الذبيحة.  «فَلَمَّا رَأَى جَمِيعُ الشَّعْبِ ذلِكَ سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَقَالُوا: «الرَّبُّ هُوَ اللهُ! الرَّبُّ هُوَ اللهُ!» (1مل18: 39).  وعند نهر قيشون ذبح إيليا كل أنبياء البعل، وحول إسرائيل رجوعًا للرب، وشهد الشعب للرب بصوت عالي، معترفًا أن الرب هو الله.  وهذا أعد الطريق للبركة وعودة المطر.  فصعد إلى رأس الكرمل، وبكل اتضاع صلى أيضًا فأعطت السماء مطرًا.  وهكذا اختبر القوة الإلهية التي تفتح السماء فيهطل المطر غزيرًا على وجه الأرض.  وأخيرًا هذه القوة حملته في العاصفة إلى السماء دون أن يرى الموت. 

                                                                                           

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com