عدد رقم 2 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
موسى كخادم 4- في طريق الخدمة  

   تأملنا في ثلاثة أعداد سابقة عن كيفية إعداد الله وتدريبه للخادم من خلال دراسة متأنية لشخصية موسى نلخصها فيما يلي:

1- الخادم والإعداد الإلهى: حيث نرى كيف يستخدم الله كل الأشياء كوسائل لإعداد من يريد استخدامه.  فلكل خادم تجهيز خاص من قبل الرب، ولا شيء متروك للصدفة بل كل تفاصيل الحياة، كبيرها وصغيرها، حلوها ومُرها، أفراحها وأتراحها، مُصمَّمة بعناية القدير وإتقانه لتشكيل خادمه.

2- الخادم والإدراك الثلاثي
: على من يخدم الرب أن يدرك ضعفه مقرًا بخزفية الإناء، إلا أنه من ناحية أخرى يثق في عظمة من دعاه متكلاً على قدرة الرب، أما من بُعد ثالث فمعرفة حال المخدومين واجبة ليس فقط حالتهم الجسدية أو النفسية بل وحالتهم الروحية أيضًا.

3- الخادم ومعركة الذهن:
من الطبيعى أن يصوب الشيطان سهامه الملتهبة على من ينوي خدمة الرب ليجعله أكثر مشغولية بنفسه سواء بكبرياء أو صغر نفس، وربما ليُشغله بحجم الخدمة وضخامة المسؤولية، فى حين يتوجب على الخادم أن ينشغل بإرضاء من جنَّده في المقام الأول.

   وها هو رجل الله يودع يثرون حميه ويأخذ صفورة زوجته وبنيه معه ليشد الرحال في طريق الخدمة، ليحدث ما هو غير متوقع على الإطلاق.  "وحدث فى الطريق في المنزل أن الرب التقاه وطلب أن يقتله فأخذت صفورة صوانة وقطعت غرلة ابنها، ومست رجليه، فقالت إنك عريس دم لى فانفك عنه، حينئذ قالت: عريس دم من أجل الختان" ( خر24:4-26).  تغاضى موسى عن ختان ابنيه وربما رفضت صفورة مبدأ الختان كعلامة عهد بين الرب وشعبه، إلا أن التهاون فى أمور الله لا يجلب سوى التأديب وكان لزامًا على موسى ترتيب بيته بحسب فكر الله قبل أن يؤتمن كخادم فى بيت الله.  فهناك مبادئ نتعلمها من الختان، وإن كان الختان لم يعد فرضًا، "ليس الختان شيئًا وليست الغرلة شيئًا بل حفظ وصايا الله" (1كو 19:7)، لأن المسيحية الحقيقية ليست ديانة طقسية ولكن مبادئ الله لا يمكن أن تتغير، وكما صادق موسى على هذه المبادئ من خلال الختان، أيضًا ينبغي على كل من يخدم الرب مراعاة هذه الثوابت وهي:  
  1- الانفصال           2- الحكم على الذات             3- القداسة العملية

أولاً - الانفصال: ظهر إله المجد لإبراهيم داعيًا إياه أن يخرج من أرضه ومن عشيرته ومن بيت أبيه، فلا بد له من الانفصال، وأعطاه عهد الختان (تك 9:17-14)، وبالإيمان إبراهيم لما دعى أطاع، وأصبح الختان هو علامة العهد التى تُميِّز شعب الله عن الأمم ولم يكن مطلوبًا من إبراهيم الانفصال فقط عن الأشرار فى أور الكلدانيين بل وحتى عن لوط الممثل للمؤمن الجسدي في انجذابه للعالم وشهواته، لذا فعلى كل من يريد إرضاء الرب وخدمته أن يحيا حياة الانفصال، مدركًا لكارثة اختلاط أفرايم بالشعوب.  من هنا نكتشف خطأ موسى الفادح في إهماله لختان ابنه وتقاعسه في تنفيذ وصايا الرب، وهنا يقتحم الرب الطريق حيث لا تُقبل خدمة من يكسر وصاياه، فهوذا الاستماع أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش.

   ولولا فطنة صفورة وختانها لجرشوم لحدث ما لا يُحمد عقباه.  وإن كان من الضروري أن يخرج الشعب منفصلاً عن مصر مسيرة ثلاثة أيام ليعيد للرب في البرية ويعبده، أفلا ينبغي بالحري أن يظهر الانفصال في حياة الأفراد ولاسيما موسى.  وإن كان الانفصال في العهد القديم يُعبَّر عنه بطريقة طقسية هي الختان، أما فى عهد النعمة فهو انفصال روحي وأدبي عن الشر، بل وعن كل شبه شر.  وهذا الانفصال يستوجب عدم الشراكة مع الأشرار، "لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين، لأنه أية خلطة للبر والإثم؟ وأية شركة للنور مع الظلمة؟ ... لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب ولا تمسوا نجسًا فأقبلكم" (2كو 14:6-17).  إذًا الانفصال مبدأ ثابت منذ بدء الخليقة حين فصل الله بين النور والظلمة، إلى أن يجيء الرب ثانية فاصلاً التبن عن الحنطة والخراف عن الجداء مع ملاحظة أن:

1- الانفصال لا يعني عدم محبتنا للأشرار وتبشيرهم، بل لن يقبل الخطاة البشارة إن لم يروا فينا حياة الانفصال وأننا مختلفون، وإلا ما كان لوط سيُعتبر كمازح في أعين أصهاره حين حذرهم من حريق سدوم (تك14:19).  فعندما لا يرى الناس فينا ما يميزنا عنهم لن تكون للشهادة قوتها وتأثيرها بل نصبح سبب عثرة لا بركة لهم.  إذًا انفصالنا يمجد الله ويحفظنا من دنس العالم ويؤول في النهاية لخير من ننفصل عنهم.

2- الانفصال لا يعني عدم تعاملنا مع الأشرار مطلقًا، وإلا يلزمنا الخروج من العالم (1كو10:5)، بل كيف يظهر نورنا قدام الناس إن لم نتعامل معهم مظهرين كل لطف ووداعة وطول أناة.  إنما الانفصال يعني عدم الدخول في شركة مع الخطاة.  "لا تضلوا فإن المعاشرات الردية تُفسد الأخلاق الجيدة" (1كو33:15).

3- الانفصال لا يعني ترك العالم
، فلقد صلى المسيح قائلاً: "لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير" (يو 15:17).  فمن يريد أن ينفصل للرب ليس مطلوبًا منه أن يخرج من قلب العالم بل أن يخرج العالم من قلبه.  فقد خرج لوط من مصر ولم تخرج مصر من قلبه، فاختار لنفسه أرض سدوم، وربما كان ظنه في مشابهة سدوم بمصر في محله فكلاهما يمثلان العالم، إلا أنه أخفق عند ظنه بكليهما (سدوم ومصر) أنهما كجنة الرب.
   وعلينا أن نطيل النظر في المنفصل الحقيقي عبد يهوه الذي "لم يسلك في مشورة الأشرار، وفي طريق الخطاة لم يقف، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس"، إلا أنه في ذات الوقت كان محبًا للعشارين والخطاة، إنه لم يعش في البراري بل وسط الناس وكان نور العالم ومَجَّد الله.

   وهكذا كان لزامًا على موسى الذي خرج من مصر وهو في الأربعين من عمره، بل بالأحرى خرجت مصر منه، ألا يعود إلى هناك متممًا الخدمة التي أخذها من الرب إلا بعد أن يعيد الرب عليه الدرس ثانية.  وهنا لا يواجه الرب جرشوم الأغلف ولا صفورة التى ربما رفضت مبدأ الختان من قبل، لكنه يواجه المسؤول الرئيسي، فلا يليق بموسى أو بأي من يريد أن يتبع الرب خادمًا إياه أن يتشبه بالعالم في شيء.  فماذا عن سلوكياتنا وتصرفاتنا؟ وماذا عن كلماتنا وألفاظنا؟ وماذا عن شكلنا ومظهرنا؟ والأهم لكي نرضي الرب في كل هذا أن تكون مبادئنا وطريقة تفكيرنا مختلفة تمامًا عن أهل العالم، فلا نحب العالم ولا الأشياء التي في العالم، ولنحكم الحكم الصحيح على شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة، مدركين أن العالم يمضي وشهوته، وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد (1يو16:2، 17).
                                                                                                                                         
 


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com