عدد رقم 2 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
حياة جدعون فخ خطير...وصيحة تحذير  

«ثُمَّ قَالَ لَهُمْ جِدْعُونُ: أَطْلُبُ مِنْكُمْ طِلْبَةً: أَنْ تُعْطُونِي كُلُّ وَاحِدٍ أَقْرَاطَ غَنِيمَتِهِ. لأَنَّهُ كَانَ لَهُمْ أَقْرَاطُ ذَهَبٍ لأَنَّهُمْ إِسْمَاعِيلِيُّونَ. فَقَالُوا إِنَّنَا نُعْطِي. وَفَرَشُوا رِدَاءً وَطَرَحُوا عَلَيْهِ كُلُّ وَاحِدٍ أَقْرَاطَ غَنِيمَتِهِ. وَكَانَ وَزْنُ أَقْرَاطِ الذَّهَبِ الَّتِي طَلَبَ أَلْفًا وَسَبْعَ مِئَةِ شَاقِل ذَهَبًا، مَا عَدَا الأَهِلَّةَ وَالْحَلَقَ وَأَثْوَابَ الأُرْجُوَانِ الَّتِي عَلَى مُلُوكِ مِدْيَانَ، وَمَا عَدَا الْقَلاَئِدَ الَّتِي فِي أَعْنَاقِ جِمَالِهِمْ. فَصَنَعَ جِدْعُونُ مِنْهَا أَفُودًا وَجَعَلَهُ فِي مَدِينَتِهِ فِي عَفْرَةَ. وَزَنَى كُلُّ إِسْرَائِيلَ وَرَاءَهُ هُنَاكَ، فَكَانَ ذلِكَ لِجِدْعُونَ وَبَيْتِهِ فَخًّا.» (قض8: 24- 27)

في هذه الأعداد الأربعة يمكننا تتبع خمسة دروس هامة نحسب أننا في أشد الاحتياج إليها في هذه الأيام الأخيرة.  إنها أعداد تحمل فخًا خطيرًا، كما أنها مليئة بصيحات الإنذار والتحذير لكل من له أذن للسمع لكي يسمع.

1.    سرعة تغير الإنسان:     
لقد نجح جدعون للتو في رفضه للمُلك (في العددين السابقين مباشرة: ع22، 23) كما رأينا في العدد السابق، «لا أتسلط أنا عليكم ... الرب يتسلط عليكم»، إلا أنه سقط هنا في مسألة مرتبطة بالكهنوت كما سنرى الآن.  وهذا درس هام لكل منا وبالأخص للناجحين روحيًا والمستخدمين إلهيًا.  فنحن وما أسهل، وما أسرع تغيرنا من حال إلى حال.  قد لا نكمل أصحاحًا واحدًا – بل ولا حتى فقرة واحدة - في كلمة الله على نفس الوتيرة الروحية العالية والمنتصرة (كما نرى هنا).  وأحيانًا لا نكمل حتى عددين متتالين منتصرين بكل أسف! (أنظر مثلاُ: نش5: 1، 2)، وكذلك انظر ما حدث مع إيليا على جبل الكرمل (1مل18) وهو في قمة النجاح، وإيليا تحت الرتمة وفي حوريب وهو في عمق الفشل (1مل19).  وهذا التغير الفجائي أيضًا حدث مع بطرس بعد إعلان الآب له عن شخص المسيح ابن الله الحي، وإعلان الرب يسوع له أنه على هذه الصخرة سيبني كنيسته وأبواب الجحيم لن تقوى عليها.  بعدها مباشرة نجد بطرس يعترض على فكرة آلام المسيح والرب يقول له: اذهب عني يا شيطان أنت معثرة لي (مت16:16 – 23).

2.    تقليد أعمى:
لقد كان للمديانيين أقراطٌ ذهبية كالإسماعيليين، وكان تصور تلك الشعوب الوثنية غالبًا أن لهذه الأقراط قوة معينة.  ويومًا صُنع العجل الذهبي بيد هارون منها "كآلهة" (أنظر خر32: 2).  نعم، هذا هو تاريخ الأقراط الذهبية الحقيقي.  وكما طلب هارون من الشعب هذه الأقراط فوجدها معهم، هكذا عندما طلبها جدعون من الشعب بعده بمئات السنين وجدها معهم كذلك! إنها الرغبة في تقليد "الأمم" دون وعي ربما بخطورة مثل هذا التقليد الأعمى.
أحبائي الشباب: كم نجد صورة تقليد الآخرين هذه بيننا سواء في مظهرهم أو في لغتهم دون تعمق فيما وراء هذا كله من أفكار شيطانية ومبادئ عالمية لا تمجد الرب ولا تأتي بالبركة إلى شعبه! علينا أن نمتحن كل شيء، وأن نتمسك فقط بالحسن.

3.    كهنوت مزيف:
لقد طلب جدعون أن يعطيه الشعب الأقراط الذهبية ليصنع منها تماثيل وأفودًا كذكرى لانتصاره على الأرجح.
والأفود هو الرداء الذي كان يرتديه رئيس الكهنة.  وقد صنعه جدعون "ذهبيًا" لكنه – بكل أسف - استخدم لأغراض وثنية.  مالك يا جدعون والكهنوت وأنت من سبط منسى ولست من سبط لاوي؟ غريب أمر الإنسان حقًا!!

ربما كان تصرفه بحسن نية، يرغب في تخليد انتصاراته.  لكن القلب البشري الذي يميل إلى الحيدان عن الرب إلى الوثنية، كان يأتي للتبرك بهذه الأفود ولسؤاله وللسجود له!! لقد زنى كل إسرائيل (روحيًا) وراءه (قض27:8).  ونحن نعلم أن الزنى الروحي هو خيانة الرب والتحول عنه إلى الأوثان.  هذا ما حدث أيضًا في أمر الحية النحاسية التي تحولت إلى عبادة وثنية بعد أن كانت رمزًا للخلاص والحياة.  لقد نسوا أن المركز الوحيد للعبادة هو في ‘‘شيلوه’’ حيث خيمة الاجتماع والتابوت (يش18: 1).

أعزائي الشباب: ألم يحدث نفس هذا الخطأ الفادح في المسيحية بكل ألم وأسى؟ ألسنا نجد فيها كهنوتًا غير حقيقي، والملايين من المدعو عليهم اسم المسيح يزنون (روحيًا) وراءه بكل أسف؟ إنه درس على جانب كبير من الأهمية.  فالكهنوت الحقيقي اليوم هو كهنوت كل المؤمنين الحقيقيين بالمسيح (أنظر مثلاً رؤ1: 5، 6؛ 1بط5:2) ليتنا نحترس لأنفسنا، كما ولنحذر إخوتنا من خطورة الكهنوت المزيف.

4.    أخطاء الكبار وعثرة الصغار:

   يرى البعض أن جدعون تاب عن هذا الأمر لاحقًا، فالكتاب المقدس يذكر لنا بعد ذلك أنه مات بشيبة صالحة (قض8: 32).  كما أنه أحد أبطال الإيمان المذكورين في سحابة الشهود (عب11: 32).  إلا أن هذه الأفود، وتلك العبادة الوثنية الأرجح أن أولاده استمروا فيها من بعده، وكانت سببًا في نهايتهم المحزنة على يد أبيمالك بعد ذلك (قض9: 5).  ويا له من درس خطير! إن أخطاء القادة والكبار تؤثر على الباقين ممن هم أقل إدراكًا واختبارًا.  (مثلما حدث مع لوط السائر مع أبرام عندما انحدر أبرام إلى مصر بالخطأ، فكانت فخًا للوط عندما تعلق قلبه بسدوم لاحقًا باعتباره قد رآها كجنة الرب كأرض مصر!!)

5.    رغبة القلب البشري في أن يكون الإنسان مركزًا عوضًا عن الرب:
   رأينا أن الدافع الذي يبدو واضحًا لجدعون لعمل هذه الأفود الذهبية، ووضعها في مدينته (مدينة جدعون) في عفرة – هو تخليد انتصاراته، إلا أنها سرعان ما تحولت إلى مركز عبادة جديد للشعب ينافس- إن لم يكن قد صار بديلاً بالفعل - المركز الصحيح للعبادة في شيلوه، حيث خيمة الاجتماع التي تكلمنا بوضوح عن اجتماع الشعب إلى الرب، والتابوت الذي يشير إلى حضور الرب شخصيًا وسط شعبه.

والواقع – أحبائي الشباب - أنه ما أخطر تحول القلب من مركز العبادة الصحيح (الرب) ومن المكان الصحيح (الاجتماع إلى اسم الرب) إلى أي مركز آخر حتى ولو كان مبنيًا على اسم أفضل خدام جيله (جدعون)، وتخليدًا لأعظم النصرات الروحية في عصره (نصراته على المديانيين)!
إن المركز الصحيح هو المسيح، واجتماع القديسين ينبغي أن يكون باسمه (أو إلى اسمه  Unto His Name) (مت18: 20) وكذلك مركز شهادتهم وخدمتهم، وليس نحو إنسان كائنًا من كان!

أوليس هذا درسًا هامًا ومحوريًا نحتاج إليه اليوم وبشدة؟ إنه في الواقع درس مزدوج: للخادم، وللمخدومين في نفس الوقت: أن لا نقبل مركزًا لعبادتنا وشهادتنا سوى الرب يسوع، ويسوع وحده.  «ينبغي أن ذلك يزيد»، وهذا يتطلب أيضًا أننا نحن – جميعًا - ننقص.
ليتنا جميعًا نكون مستعدين لذلك بالفعل، بل وجادين حقًا في طلبه ومن كل قلوبنا!
                                          
                                                               
 



© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com