عدد رقم 2 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
أساسيات العلاقة مع الله: مجرد سؤال (3):  

   إنها أسئلة بسيطة تخص أبسط مبادئ حياتنا المسيحية؛ أسألها لنفسي كثيرًا، ورأيت أنه ربما يفيدك أنت أيضًا يا عزيزي القارئ أن أسألك إياها، لعلنا نصل معًا إلى إجابات بأسباب واضحة مقنعة نقنع بها أنفسنا، ونقدمها كأعذار لإلهنا المحب عن فشلنا الذريع في الكثير من مبادئ الحياة المسيحية، أو ربما إذا اكتشفنا أننا بلا إجابات مقنعة لعلنا نتوب لنبدأ في أن نعيش بالصدق والحق اختباريًا الحياة المسيحية الحقيقية في ملئها، ونكون شهادة مؤثرة للآخرين.  وكنت في الأعداد السابقة قد طرحت سؤالين هما: لماذا لا نصلي؟ ولماذا لا نتوب؟ وها إليك سؤالي الثالث:

لماذا لا نحب؟

   نحن نتكلم ونعظ ونسمع كثيرًا عن المحبة، ونؤمن بأهميتها، ونشعر باحتياجنا لها من الآخرين، وندرك جيدًا أن المحبة لا ينبغي أن تكون بالكلام واللسان بل بالعمل والحق، نحن نفهم أن قلة محبتنا للرب وللآخرين لا يمكن تعويضها بأي شيء آخر، فبدونها الكل يُحتقر احتقارًا.... لكننا لا نحب كما علَّمنا الكتاب أن نحب! لا نحب الرب من كل قلوبنا ومن كل أفكارنا ومن كل قدرتنا المحبة التي يستحقها، كما إننا لا نحب أقرب الناس إلينا كما ينبغي أن تكون المحبة مضحية وصادقة وباذلة.  نحن لا نحب إخوتنا وزملاءنا في العمل بالمفهوم الصحيح، لا نحب جيراننا، لا نحب بالتأكيد أعداءنا، لا نحب النفوس التي يضعها الرب في طريقنا، إننا لسنا مثل ذاك الذي كان يسير بين الناس يحمل حبًا صادقًا ومضحيًا لكل من قابله وتعامل معه وأرادنا أن نكون مثله.

لماذا لا نحب؟ هناك بعض الأسباب التي تؤدي إلى ذلك:

أولاً: عدم إعطاء الفرصة للرب لكي يسكب فينا مشاعره

   إن شركتنا الحقيقية مع الرب تجعلنا نشاركه أفكاره ومشاعره تجاه الآخرين، بل تجعلنا نحمل أحشاءه فنحب ونتحنن ونرحم ونترفق ونتأنى ونفتقد ونشجع ونغفر ونستر و ...... إلخ.

   هل لنا شركة حقيقية معه؟ لماذا لم يظهر تأثيرها في محبتنا له وللآخرين؟ إننا لا نراهم كما يراهم المسيح، ولا نشعر بهم كما يتحنن عليهم المسيح، إننا لا نقدر أرواحهم الخالدة كما يقدرها ذاك الذي مات لأجلهم.  بالتأكيد إننا لسنا في شركة معه في مشاعره تجاه الآخرين، فنحن مشغولون بأنفسنا فقط.

   هل ربطنا محبتنا لهم بمحبتهم لنا؟ ليست هكذا محبة المسيح – هل ربطنا محبتنا لهم بحلاوة شخصياتهم أو مدى استحقاقهم؟ ليست هكذا محبة المسيح؛ والحقيقة أننا إذا فعلنا ذلك لا نكون في شركة حقيقية معه ولا تكون محبته ثابتة فينا.

   إن الكتاب مليء بالآيات التي تؤكد فكرة أنه لا يمكننا أن نحب الله ونظل في نفس الوقت لا نحب إخوتنا محبة حقيقية مضحية، «إِنْ قَالَ أَحَدٌ: إِنِّي أُحِبُّ اللهَ وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟» (1يو4: 20)
   وبناءً على هذا فإن قلة محبتنا لبعضنا البعض تضع علامات استفهام كثيرة حول مدى صحة علاقتنا مع الرب شخصيًا.  إخوتي الأحباء إننا يمكننا أن ندَّعي محبتنا للرب لكن إن أردنا شيئًا عمليًا نقيس به صحة حالتنا الروحية فلنبحث عن محبتنا بعضنا لبعض.

ثانيًا: الأنانية والمشغولية بالذات مما أدى إلى عدم الاستعداد للنظر للآخرين والانشغال بهم

   إننا مشغولون جدًا بأنفسنا؛ احتياجاتنا ومصالحنا ونجاحاتنا وبيوتنا وخدمتنا؛ نحن نسعى وراء راحتنا ورفاهيتنا فقط، وبالتالي ليس لدينا الطاقة أو الوقت للنظر إلى الآخرين ومحاولة مساعدتهم ليتقدموا روحيًا أو زمنيًا.  إنها روح الأنانية وليست روح المحبة المضحية.
    أو أننا مضغوطون جدًا بسبب ظروفنا الشخصية وهكذا أيضًا ليس لدينا طاقة أو وقت للآخرين فكيف نتحمل ضغوط وأحزان الآخرين في نفس الوقت الذي فيه نحن أنفسنا مضغوطون.  نحن نرثي لأنفسنا جدًا بسبب آلامنا لكننا لا نشعر بأي شيء من آلام الآخرين؛ فما أقسى قلوبنا تجاه آلام وأحزان الآخرين!

   أخشى أن أقول أنه بسبب كثرة تمركزنا حول أنفسنا وأمورنا فإن مجرد مشاركتنا للآخرين في مناسباتهم الرسمية أصبحت مشاركة تحت ضغط الإلزام، ومشاعرنا نحو هذه المناسبات كأنها واجب ثقيل لا بد منه، فنحن نشاركهم بسبب مقتضيات اجتماعية وليس بسبب محبة حقيقية؛ إننا نفعل بالضبط ما يفعله أهل العالم ولكن في إطار مجتمعنا المسيحي.

   لا يمكن أن ينطبق علينا المكتوب: «لا تنظروا كل واحد إلى ما هو لنفسه بل كل واحد إلى ما هو لآخرين أيضًا» (في4:2).  كم نحن أنانيون في نظرتنا للأمور؛ فنحن نقيس كل شيء بميزان واحد ألا وهو مدى استفادتنا واستمتاعنا الشخصي به؛ نحن نحب أنفسنا، ونكرم أنفسنا على حساب الآخرين، نحن نحب الخير لأنفسنا ولا نفرح بخير الآخرين، نحن نخاف من أي شر يصيبنا لكننا لا ندرك معاناة الآخرين وآلامهم في وقت الشدة.

   إنها مأساة أن نكون أنانيين حتى في خدمتنا، نبحث عن نجاحها لأجل أنفسنا وشهرتنا، فبالاسم نخدم الآخرين، والحقيقة أننا نخدم أنفسنا؛ نمارس معهم وأمامهم طقوس الخدمة وشكلياتها لكننا غير مشغولين بهم في محضر الله في الصلاة، وغير مهتمين بافتقادهم، وغير متألمين معهم في أحزانهم خارج ساعات الخدمة الرسمية، ولا نفكر في تسديد أعوازهم المادية أو النفسية.

ثالثًا: تكلفة المحبة العملية عالية ونحن غير مستعدين لتحملها

   لماذا ندفع وقتًا يمكن أن نستريح فيه لنقدم معونة لآخر؟ لماذا ننحني نفسيًا بسبب أحزان وآلام الآخرين ونحن أصلاً عندنا ما يكفينا من الأحزان والآلام؟ لماذا نتحمل ماديًا تكلفة نحن لسنا مُلزمين بتحملها لمجرد راحة ومعونة آخرين؟

   تكلفة المحبة الحقيقية كبيرة فعلاً فهي تختلف تمامًا عن محبة الكلمات الفارغة وتختلف عن محبة القبلات الظاهرية، تختلف عن مجرد إظهار عواطف إنسانية رقيقة عندما نتقابل، المحبة الحقيقية تعمل وتجتهد لصالح من تحب عندما يوجد وعندما يغيب، وهي في هذا تتكلف الكثير من الوقت والجهد وربما المال.  وكثيرًا ما يكون مطلوبًا أن ندفع هذه التكلفة للآخرين في نفس الوقت الذي نحتاج فيه نحن إلى من يعيننا.  فالمحبة الحقيقية تدفع التكلفة في وقت الوسع وأيضًا تدفع التكلفة في وقت الاحتياج. 

   المحبة الحقيقية لا تقنع ولا تهدأ إلا بأن ترى من تحب سعيدًا ومستريحًا حتى لو كلفها ذلك تحمل معاناة وأحزان وأتعاب وخسائر.
   المحبة الحقيقية لا تأخذ موقف المتفرج أثناء آلام وأحزان المحبوب لكنها تتعب لكي تخفف عنه أحزانه، وعلى أقل تقدير تشارك وترثي وتذكر في عرش النعمة طلبًا للتعضيد والمعونة والتعزية والتشجيع.

   من عنده الاستعداد ليحب؟ أو بالأحرى من عنده الاستعداد ليدفع تكلفة المحبة ولو على حساب نفسه؟
   صلاة: ربي يسوع إلهي المحب أشكرك لأجل طول أناتك عليَّ طوال هذه السنين الماضية التي كنت أدعي فيها أني أحبك دون أن أحب إخوتي، يا رب اعمل في قلبي لكي أكون في علاقة حقيقية معك تُغيرني فأكون في شركة معك تجاه من حولي فأحبهم وأقدرهم كما تريد؛ ارحمني من أنانيتي وحررني من مشغوليتي بذاتي؛ اعتقني من الحياة التي أكون أنا فيها مركزًا، وهبني أن أتمم فكرك بأن أعيش الحياة مركزها أنت ومشيئتك في حياتي، فأعيش محبًا ومضحيًا من أجل الآخرين.  يا إلهي غيرني إلى تلك الصورة عينها، صورتك فأكون شبهك في تحمل تكلفة المحبة الحقيقية يا من تحملت الكثير في طريق حبك. يا إلهي هبني قلبًا يسعد عند العطاء، يعطي حبًا يعطي عونًا يعطي مالاً بسخاء. آمين.
                                                                              


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com