عدد رقم 2 لسنة 2014
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
القدوس والمقدسات: ليس مجرد خداع  

   سجل لنا الروح القدس في تك27: 1-29 قصة الخداع الكبرى التي قامت بها رفقة ويعقوب ابنها بهدف الحصول على البركة من إسحاق ليعقوب قبل أن يموت.  وفي الحقيقة لم يكن القصد من تسجيل هذه القصة في كلمة الله فقط إظهار خداع الإنسان للإنسان، بل لغرض أدبي هام يريد الرب أن يرسخه في أعماقنا، يتعلق بتقديرنا واحترامنا لمقدسات الله وأقواله لبركة نفوسنا.  يريد أن يعلمنا أن الأشياء المقدسة نتعامل معها بأساليب مقدسة وبطرق مستقيمة، وهذا ما سوف نتعلَّمه من هذه القصة.

   وسنوجز بنعمة الرب الكلام في بعض النقاط التالية:
أولاً :- الكلمة وفقدان تأثيرها وسلطانها على القلب والضمير

        لقد سبق الرب في (تك25: 23) وأخبر رفقة بقصده من جهة ابنيها، وهما لم يولدا بعد، إذ قال لها: "كبير يُستعبد لصغير"، بما يعني أن البركة ستكون للصغير.  وبعد زمان طويل، عندما جاء ميعاد البركة، نرى رفقة لم تسترجع هذه الأقوال وتفكر فيها لتحكم سلوكها وتصرفها، وتكبح جماح الجسد ومبادئ "حاران" العالمية، وتثق أن الله قادر على إنجاز مقاصده بطريقته، فتُسلِّم الأمور بين يديه وتستريح.  على العكس اندفعت وتصرفت بأسلوب جسدي مُهين.  وهذا بالأسف ما يحدث معنا.  ألم يعدنا الرب ببركة حضوره في وسطنا في اجتماعاتنا (مت20:18)، وقيادة روحه لنا (رو8: 14)، وسلطان كلمته علينا (كو3: 16)، ومع ذلك فكم من مرة قادنا عدم الإيمان بوعوده للتهور والاندفاع والاستحسان البشري الذي يروق لنا.  ليتنا نعبده ونخدمه الخدمة المرضية بخشوع وتقوى كما يريد هو.   

   عزيزي القارئ لا ننتظر من أنفسنا سوى العشوائية والتهور إن فقدت الكلمة الحية (عب4 :12) سلطانها على أفكار القلب ونياته.  ألم يحرضنا الرسول قبل أن نقوم بشيء تجاه الرب من عبادة أو تجاه إخوتنا بالخدمة أن تسكن فينا كلمة المسيح بغنى (بفيض) (كو3 :16)، حتى تضبط سلوكنا وتحكم تحركنا في محضره المهيب، دون خطأ أو انحراف، فتبقى مقدساته مُقدَّرة وموضعه مُقدَّس في عيوننا.

ثانيًا :- التخلي عن المبادئ:

   إن هذه القصة المشار إليها تتضمن مشاهد التخلي عن المبادئ، فعدم مشاركة إسحاق من جانب رفقة بما قاله الرب لها هو تخلي عن مبدأ الشركة والتوافق والحوار بين الزوجين الذي هو أساس نجاح البيت والضمان للقرار الصحيح، وما فعلته رفقة بالاتفاق مع يعقوب ضد إسحاق هو تخلي عن مبدأ الخضوع والمهابة للزوج حتى إذا تقدَّم به العمر أو ضعفت ذاكرته (أف5 :21،22، 33)، هذا ما دفع يعقوب للقيام بما عمله حيث تخلى بدوره عن مبدأ السلوك في النور ومهابة واحترام الأب (ملا6:1؛أف1:6).  أخذ ثياب عيسو وإعطاؤها ليعقوب هو تخلي عن مبدأ الأمانة، فهي لم تأخذ رأي عيسو (3يو:5).  تزييف ملمس يعقوب لجعله نظير عيسو المشعر، وإصرار يعقوب على أنه عيسو هو تخلي عن مبدأ الصدق (أف25:4).  إقناع يعقوب أن الخطية ليس لها لعنة (تك13:27)، هو تخلي عن المبادئ المرتبطة ببر الله وإدانته للخطية.  الاعتقاد بأن الغاية تبرر الوسيلة جعلها تضرب عرض الحائط بكل المبادئ التي تنتجها معرفة الله القدوس.  وهكذا فإن فقدان سلطان الكلمة وتأثيرها على الضمائر ستؤدي إلى التخلي عن المبادئ وتشويه الحق، فليتنا نرتعد أمام أقوال الله ونحترمها (إش2:66).

   عزيزي القارئ: كم مرة سواء في بيوتنا وسلوكنا اليومي، أو كنا مجتمعين في حضرة الرب، وتعاملنا مع المقدسات بذات الطريقة وعلى نفس المنوال، وبدلاً من الخضوع ظهر التمرد، وبدلاً من المحبة والشركة ظهر الانشقاق، وبدلاً من الصدق والأمانة ظهر الزيف والكذب؟ إن مقدسات الله جديرة بالاحترام، والمساس بها شيء مخيف، لذا علينا أن نراعي المبادئ والتصرف الحسن في حياتنا وبيوتنا، وبالأولى في بيت الله الذي هو كنيسة الله الحي، عمود الحق وقاعدته (1تي3: 15).

ثالثًا :- الاستخفاف بضعفات الآخرين:
   كم كان شيئًا مُحزنًا للغاية أن نرى ابنًا بمساعدة أمه يذهب مدفوعًا برأيها الأحمق، مكتسبًا منها جرأة غير مسبوقة، ليستغل ضعفة أبيه، ذلك الشيخ الذي تميزت حياته بالهدوء والوداعة (تك22: 6، 24: 63)، الرجل الذي عاش مسالمًا حتى لمن عادوه (تك26: 27).  لقد شاخ الرجل ولم يعد يُبصر ولا يُميِّز بين الأشخاص سوى باللمس والرائحة والصوت، فدخل مندفعًا منفذًا خطة رفقة دون اكتراث بالنتائج.  لقد كذب على أبيه خمس مرات في ذات الحوار وخدعه، وكان سعيدًا بنجاح الخطة ولم يرتعد، واستهان بكرامة أبيه الذي لا يُبصر، بل بكرامة الله الذي يُبصر.  وهنا أجد لزامًا على نفسي تحذيركم أحبائي الشباب من الاستخفاف بالشيوخ والآباء في شيء، حتى لو ضعفت قدراتهم أو ساءت أحوالهم، بل علينا أن نعتبرهم كثيرًا جدًا في المحبة (1تس5 :12، 13)، بل أن يُحسبوا أهلاً لكرامة مضاعفة (1تي5 : 17). 

رابعًا :- علاج الخطأ بخطأ:

   لقد ظن إسحاق أن عيسو هو غرض الله للبركة حسب الميلاد الجسدي فهو البكر، واتفق هذا مع ميوله الشخصية حيث كان يحب عيسو لأنه يحضر له الصيد، ونسي إعلان الله لرفقة التي كانت تعلم قبل أن يولدا أن يعقوب هو موضوع البركة حسب الاختيار والقصد الإلهي (رو9: 11).  ولكن حين أرادت رفقة رد خطأ إسحاق لم يكن حسب إعلان الله بل بحماقة الذهن الجسدي الفاسد (كو3: 18).  فلو كانت ردت خطأ إسحاق بما قاله لها الرب لكان تأثير الكلام على ضميره وقلبه قد حوَّله في الاتجاه الصحيح، خاصة وأنه شخصٌ في داخله يخاف الله، وهذا ما ظهر في النهاية حيث ارتعد ارتعادًا عظيمًا عندما اكتشف أنه كان سيخطئ ويخالف فكر الله.  أما الطريقة التي تدخلت بها رفقة فلا تنتج سوى النزاع والشقاق فقد صار إسحاق وعيسو في جانب ورفقة ويعقوب في الجانب الآخر، وكلا الفريقين خطأ.  أليس هذا ما يحدث أحيانًا في بيوتنا وأيضًا في اجتماعاتنا ويؤدي إلى الانقسام والتحزب؟ فهناك من يخطئون عن عدم معرفة وقلة خبرة، وأقول إن هؤلاء قد نجد لهم عذرًا، ولكن المشكلة في مَن يعالجون الخطأ بروح ناموسية وإدانة للآخرين، وليس بروح الوداعة والنعمة وبحسب كلمة الله للبنيان، بل بما يتوافق مع أهوائهم للهدم والانتقام.  أحبائي ليتنا نسعى حسنًا ونسلك بحكمة ولا نتهاون فيما يخص إلهنا ومقدساته.

   ليت قلوبنا تتدرب على الخضوع لكلمته وتعيش تحت سلطانها لحفظنا في دائرة مشيئته عاملين ما يرضي أمامه، راغبين أن نتصرف حسنًا في كل شيء لمجد وكرامة اسمه المعبود.                                   
                          
                                                                                                            



© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com