عدد رقم 3 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
آفات الضعف الروحي  

تكلمنا في العدد السابق عن الآفة الأولى للضعف الروحي التي تصيبنا كشباب، وهي كيف نفقد قوتنا عندما نفقد طهارتنا، وهذا ما رأيناه في شمشون، ولنتقدم الآن للآفة الثانية:
2- نفقد نضارتنا عندما نفقد تمييزنا، وهذا ما نراه في أفرايم (هو7: 9).

دعونا نسترجع معًا كلمات هوشع عن أفرايم بهذا الصدد: «أَفْرَايِمُ يَخْتَلِطُ بِـالشُّعُوبِ. أَفْرَايِمُ صَارَ خُبْزَ مَلَّةٍ لَمْ يُقْلَبْ. أَكَلَ الْغُرَبَاءُ ثَرْوَتَهُ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُ وَقَدْ رُشَّ عَلَيْهِ الشَّيْبُ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُ» (هو7: 8، 9)."

وعندما نتأمل في هذه الكلمات نجد أن المشكلة الكبرى عند أفرايم هي أنه فقد التمييز. ولكن هذا الأمر لم يحدث معه من البداءة فكما تدرج شمشون في الانحدار حتى فقد قوته بل وعينيه، هكذا نجد أفرايم هنا بدأ بأنه اختلط بالشعوب، ثم صار كخبز ملَّة لم يُقلب، الأمر الذي جعله عرضة بأن يأكل الغرباء ثروته، وانتهى به الأمر بأن رُش عليه الشيب وهو لا يعرف! ودعونا نتوقف قليلاً أمام هذا التدرج الذي نزل فيه أفرايم، ولنأخذ من ذلك درسًا وعبرة لنا:

أفرايم يختلط بالشعوب
كم هو أمر مثير في كياننا البشري أن نسعى بكل شغف وحماس في محاكاة من حولنا والتشبه بهم والاندماج وسطهم! ما الذي جعل الشعب يرفض ترتيب الرب لهم في أن يكون هو بذاته ملكًا عليهم، ويحكمهم من خلال قضاة هو يقيمهم؟ الإجابة نجدها في كلمات الشعب لصموئيل: «اجعل لنا ملكًا يقضي لنا كسائر الشعوب» (1صم8: 5). بالطبع لن يكون حكم الملك أفضل من حكم الرب، وهذا ما أوضحه لهم الرب وحذَّرهم منه (1صم8: 11-18)، بل واختبروه عمليًّا في أول ملك صار لهم! رغم ذلك كانت رغبة التشبه بمن حولهم أقوى من كل شيء، حتى ولو كان في ذلك ضررهم؟! هذه هي رغبة الإنسان الدفينة والتي لا تهدأ، وهي أن يتشبَّه بمن حوله! لماذا اتَّفقت آراء داود مع قوَّاد الألوف والمئات في أن يُرجِعوا التابوت على عجلة (1أخ13: 1-7)، رغم أنه مضاد لفكر الرب الذي أمر أن يُحمل على الأكتاف (عد7: 9؛ 2أخ35: 3)؟ لأنهم أرادوا أن يتشبَّهوا بالفلسطينيين (1صم6: 11).
 لماذا رغب آحاز في صنع مذبح جديد، بخلاف مذبح النحاس الذي صمَّمه الرب؟ لأنه أراد أن يتشبه بأهل دمشق (2مل16: 10-16)، ونسوا جميعًا كلمات الرب الصريحة عنهم باعتبارهم شعب الرب المفرز من العالم: «هوذا شعب يسكن وحده، وبين الشعوب لا يحسب» (عد23: 9). انظر أيضًا (إش52: 11)، وهي ذات الفكر الذي أكَّده الرب لاحقًا عن تلاميذه: «ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم» (يو17: 14).

صديقي الشاب .. أ لم تتساءل لماذا حرص الرب سواء مع شعبه في القديم أو مع تلاميذه في العهد الجديد أن يؤكد على حقيقة انفصالهم عما حولهم؟ هل قصد الرب أن نعيش في انعزالية؟ هل الرب يشجع على العنصرية؟ بالتأكيد لا، إنما الرب يعلم في حكمته خطورة وأبعاد امتزاجنا بالعالم، وكم سيؤثر ذلك حتمًا على نقاوتنا وطهارتنا، من أجل ذلك يأتي التحذير: «لا تضلوا، فإن المعاشرات الرديّة تفسد الأخلاق الجيدة» (1كو15: 33).  لقد صاحب يهوذا ”حيرة“ (تك38: 1، 12، 20)، كما صاحب أمنون ”يوناداب“ (2صم13: 3)، ولقد تأثَّر كليهما بمن صاحب، وما كانت أسوأ نتائج هذا التأثير (راجع تكوين 38؛ 2صم13)!  آه لو نعلم كم الخسائر التي ستتلاحق علينا، فقط حينما نسمح لأنفسنا أن نصاحب من نستلطفه ونميل إليه دون أن نتحقق من طبيعة حياته ومدى تقواه! آه لو نعلم أن تأثرنا بمن نصاحب أقوى من أي تأثير آخر! آه لو نعلم أنه بالنظر للطبيعة الرديئة التي فينا فنحن نتأثر أكثر بما هو سيّئ، وليس بما هو جيد وصالح، وما أوضح هذا الفكر في إجابات الكهنة على تساؤلات حجي النبي (حج2: 11-13).
  وهذا يأخذنا إلى الانحدار الثاني لأفرايم:
صار خبز ملَّة لم يقلب
خبز الملَّة هو الخبز ”الشمسي“ المعرف في صعيد مصر، والذي يتعرض كلٌّ من جانبيه للشمس فترة من الزمن قبل أن يُخبز ويدخل النار. وعلَّة أفرايم هنا هو أنه يُشبه خبز الملَّة الذي تعرَّض للشمس من جانب واحد فقط، ومن ثم عندما خُبِز نجده من جانب جيد ومن الآخر رديء!

إن النتيجة الطبيعية للاختلاط بالشعوب هو ما جعل أفرايم كخبز الملَّة الذي لم يقلب، بمعنى أن معاييره ومقاييسه للأمور صارت غير متوازنة، فهو من جانب جيد ورائع ومن جانب آخر رديء! بمعنى قد نجده منضبطًا في بعض الأمور، لكنه في أمور أخرى نجده متهاون ومتخاذل! قد نجده حريصًا جدًّا أن لا يكذب، ومن ناحية أخرى لا يجد أي غضاضة في أن يترك لعينيه العنان في أن يتصفح مواقع أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها غير لائقة! قد نجده حريصًا على حضور اجتماعات الشباب، بذات حرصه على مشاهدة أحدث الأفلام! قد نجده مهذَّبًا في تعاملاته، حريصًا على مراعاة شعور الغير، لكنه غير حريص على مظهره!

وقد نتعجب كثيرًا من هذا التناقض الكبير والملحوظ! غير أن الأمر ببساطة هو أن المعايير والمفاهيم اختلفت، وذلك نتيجة مخالطة ومشاكلة العالم! لقد تأثرنا دون أن نشعر بمن نحتك بهم ونعاشرهم، وظهر ذلك في حياتنا وسلوكياتنا. ليتك تحرص أخي الشاب من الازدواجية في المعايير. ليتك تحرص أن تكون توجهاتك وأفكارك مقدسة وتتناسب مع مظهرك وتصرفاتك. هكذا تمنى يوحنا الشيخ لغايس الحبيب: «أروم أن تكون ناجحًا وصحيحًا، كما أنَّ نفسك ناجحة»، ونستطيع أن نقول أن أمنية يوحنا تحققت في غايس، وهذا بشهادة إخوته: «إذ حضر إخوة وشهدوا بالحق الذي فيك، كما أنك تسلك بالحق» (3يو2، 3). نعم إنه لم يكن كأفرايم خبز ملَّة لم يقلب، بل كان الحق داخله، تمامًا كما كان خارجه ظاهرًا في سلوكه.  ولكن ما الذي يمكن أن نتوقعه من أفرايم بعد أن شابه خبز الملَّة الذي لم يقلب؟ 

أكل الغرباء ثروته
وهنا نجد أمرًا مدهشًا، بل بالحري مؤسفًا. أن يزدهر أفرايم ويغنى، أن يمتلئ بالذخائر والنفائس. هذا شيء رائع، لكن أن يؤول كل هذا لغيره، ويكون مغنمًا للغرباء هذا أمر محزن ومحير! أن يغدق عليَّ الله الصالح الجواد بخيرات وهبات، هذا حسن وجيد. أن أتمتع بطاقات ومواهب، هذا فضل من الله. أن يخصني الله ”بثروات“ خاصة، هذا من صلاحه. لكن الأمر المدهش، بل والمحير جدًا هو أن أسمح لكل هذه الثروات أن تتسرب مني، وتُستثمر بعيدًا عن غرضها الصحيح! أ لك مواهب خاصة؟ أ لك فطنة وذكاء؟ أ لك قوة وقدرات؟ في أي مجال تستثمرها وتظهرها. أ ينطبق عليك كلمات العروس: «جعلوني ناطورة (حارسة) الكروم، أما كرمي فلم أنطره (أحرسه)» (نش1: 6). وا حسرتاه أن شبابنا وطاقاتنا تضيع هباءً! وا حسرتاه أن خيرة مواهبنا وإمكانياتنا، تُهدر دون فائدة حقيقية! الأمر الذي يصل بنا إلى الحالة الرابعة التي وصل إليها أفرايم.

رشَّ عليه الشيب وهو لا يعلم
ما الذي نتوقعه من شاب يَهدِر بلا حساب فيما جاد الرب عليه وخصَّه به؟ ما الذي نتوقعه في من سمح للغرباء أن يمتصوا طاقاته وإمكانياته؟ سوى أن نجد مظهر كهل في جسد شاب! وهذا ما حدث لأفرايم قد رشَّ عليه الشيب. نعم لقد فقد حماس الشباب وآمالهم. لقد نضبت تطلعاته وأهدافه. وما عاد لديه طاقة على المثابرة والاجتهاد، ما عاد له قدرة على التجديد والابتكار. إنه ينطبق عليه كلمات الحكيم وهو لا يصف حالة شباب متوقدون حماسًا وقوة، بل كهولاً نضبت قوتهم وخارت: «يَخَافُونَ مِنَ الْعَالِي (فقدوا جرأة الشباب وإقدامهم)، وَفِي الطَّرِيقِ أَهْوَالٌ (انتابهم كثير من المخاوف والوساوس)، وَاللَّوْزُ يُزْهِرُ (تغير لون شعرهم للأبيض، أي فقدوا نضارة الشباب وحيويته)، وَالْجُنْدُبُ يُسْتَثْقَلُ (خارت قواهم ووهنت، إذ يجدون صعوبة ومشقة في حمل الجندب أي الجراد رغم صغر حجمه وخفَّة وزنه)، وَالشَّهْوَةُ تَبْطُلُ (فقدوا رغبات الشباب وحماسهم)» (جا12: 5). 
وإن كان كل ما ذكرناه يُعبر عن مأساة حقيقية، لكن قمة المأساة هو أن أفرايم حدث له كل هذا وهو لا يعلم!! لقد فقد أهم شيء التمييز.  كم نتعجب كثيرًا وكم نتأسف عندما نجد أنفسنا كشباب تُسلب قوانا وطاقاتنا الروحية ونحن لا نشعر بذلك! ألا ننتبه لأنفسنا؟ ألا نصحوا ونسهر على صحتنا الروحية؟ وألا يعلو صوتنا مع العروس: «خذوا لنا الثعالب الثعالب الصغار المفسدة للكروم» (نش2: 15)؟ وألا ندرك مع ”العطار“ خطورة الذباب الصغير الذي يبدو لا ضرر منه، حتى وإن كان ميتًا؟ (جا10: 1).

دعونا كشباب نتعلم كيف ننتقي من نصاحب، ولندرب أنفسنا على الدوام أن يكون لنا ضمير بلا عثرة قدام الله والناس، ولنحترص أن لا تُسلب قوانا منا، وبذلك نحفظ شبابنا في نضارة على الدوام.                                                                                                                                

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com