عدد رقم 3 لسنة 2013
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
ماركو  

أيام قليلة مليئة بالحياة
   بعيدًا عن المشاعر الشخصية، والشجون والأحزان الداخلية، بالنظر للعلاقة والمكانة الخاصة التي كانت له في قلبي، كابن محبوب مع أبيه، اسمحوا لي أن أكتب كلمات قليلة عنه في حياته ورحيله المفاجئ، لأجل الفائدة الروحية وليس من المنظور الشخصي.  فقد كان ينتمي ليس لأسرته الصغيرة فقط، بل لعائلة كبيرة هي كل عائلة الله، وكل بيت قد شعر أنه خسر ابنًا عزيزًا وغاليًا.  إنني أكتب عن شخص وعن حدث، اتسعت دائرة تأثيره لتصل إلى كل العالم في لحظات، بشكل غير تقليدي، ولا تزال التأثيرات تتوالى ولم تنقطع.  هذا ما جعلني أشعر أن اليد الإلهية كانت تشرف على الأحداث بمنتهى الدقة لغرضٍ سامٍ، والله قد تكلم بصوت عالٍ، وهو أمر يقود إلى الارتعاد من ناحية، وإلى الخشوع والخضوع والتعزية من ناحية أخرى.  

   أكتب عن حياة قصيرة لم تبلغ 21 سنة، لشخص لم يعتلِ المنبر ولا مرة واحدة، لكنه استطاع أن يصل إلى قلوب الآلاف، دون مبالغة، ويحمل لهم رسالة ويترك فيهم تأثيرات وانطباعات عميقة غيَّرت حياتهم وقناعاتهم، طبقًا لما كتبوه وقالوه عنه.  هؤلاء من أعمار مختلفة وثقافات وخلفيات مختلفة وجنس مختلف.  والدرس البارز أن الله لا يزال يعمل وسط الشباب في هذا الجيل، ونعمته تصنع «أوانٍ للكرامة مقدسة ونافعة لخدمة السيد ومستعدة لكل عمل صالح»، ويتكلم من خلال شاب صغير، ولو بطرق غير تقليدية. 

   كان شخصًا مُتعدِّد المواهب والقدرات الطبيعية والروحية، فقد جملته النعمة وصنعته يد القدير.  كان أشقر مع حلاوة العينين، وسيم الطلعة، أنيقًا في مظهره، مُبتسمًا ضاحكًا مرحًا، سريع البديهة، فصيحًا مُفوهًا، له كارزما وقوة شخصية وجاذبية حيثما حضر أو تكلم، رقيقًا وحساسًا ويشعر بآلام ومعاناة الآخرين، يبكي معهم، ويحاول بكل وسيلة أن يخفف عنهم، مليئًا بالحنان، عطوفًا على الأطفال والمُسنين.  كان مُخلصًا في حُبه، ناضجًا في عواطفه، نقيًا في علاقاته، خجولاً ومهذبًا إلى أقصى الحدود بشهادة أساتذته وزملائه، موضع ثقة من الجميع، مُلتزمًا ويتحمل المسؤوليات، تقيًا ويخشى الرب منذ صباه، عفيف اللسان ولم تخرج كلمة ردية من فمه بشهادة أساتذته وزملائه، حريصًا على الشهادة والخدمة، «ملاحظًا سيرته الطاهرة بخوف»، و«لا يجعل عثرةً في شيء لئلا تُلام الخدمة».

  «كان الرب مع (ماركو) فكان رجلاً ناجحًا»، أعطاه الرب ذكاءً حادًا تميَّز به من طفولته، وربما هذا ما جعله أكثر من غيره "شقاوة" في الطفولة، وأصعب من غيره في المراس في مراهقته المبكرة، فهو لم يُولد ملاكًا، ولكن عندما كبر وعرف الرب أكثر تغيرت حياته وانطبعت عليه صفات وأدبيات المسيح، كما تبلورت شخصيته ولمعت مواهبه فكان مُبتكرًا ومُبهرًا، وكنا نتساءل: «ما عسى أن يكون هذا الصبي»؟!  عبر سنوات الكلية في قسم العمارة بكلية الهندسة بتقدير امتياز وترتيبه الثاني على الدفعة، مما جعله موضع احترام وتقدير الأساتذة والزملاء.  كان مثالاً للتفوق والاجتهاد، وكانت هذه ثروته الكريمة.  «توقَّر اسمُه جدًا» في كل أقسام الكلية، وكان الأساتذة والمعيدون يُحفزون الطلاب به ويشهدون عنه كمثال للأدب والاجتهاد، والجميع قالوا عنه أنه "محترم"، المسلمون قبل المسيحيين، البنات قبل الأولاد، الأساتذة قبل الزملاء.  ويا لها من شهادة مُشرِّفة! معظم مشاريعه كانت تُحفظ في القسم كنماذج للتعليم.  كان من المتوقع أن يكون مهندسًا بارعًا ويُصمِّم مشروعات عظيمة هنا على الأرض، لكن الأرض نفسها ستحترق والمصنوعات التي فيها، والله رأى له شيئًا أفضل أن يشارك في مشروع أعظم يخصه ويحقق مجده ويمتد للأبدية.

   هذا الذكاء الذي أُعطي له من الله تعدَّى حدود الدراسة والعلم ليشمل كل جوانب الحياة، ولهذا كان «ناجحًا وصحيحًا في كل شيء»، وهذا ما يريده الرب من كل شاب.  كان يفهم نوعية الشخصيات والنفسيات، ويعرف أن يتعامل مع الكل.  اتسعت دائرة علاقاته، وبحكمةٍ لم يخسر أحدًا منهم حتى الذين اختلف معهم.  في مجال الرياضة كان ناجحًا ومُتميِّزًا وحريصًا على ممارسة الرياضة أسبوعيًا رغم وقته المحدود، وفي مجال الكومبيوتر واستخدام التكنولوجيا الحديثة كان بارعًا، وكان يقتطع وقتًا للدردشة مع أصدقائه على شبكة التواصل الاجتماعي، ومن خلالها كان يُقدِّم رسالة حية عن الله لأشخاص لم يكن يعرفهم بالوجه، هكذا قالوا عنه بعد رحيله.  وفي لعبة ال subway (إحدى ألعاب ال آي فون الذكية) حقق أعلى score في العالم قبل رحيله بأسبوع، وكان فخورًا بذلك.  كان يحل أي مشكلة ويبتكر حلولاً غير تقليدية.  تميَّز بسرعة اتخاذ القرار في مواجهة المواقف الطارئة.  وفي المجال الروحي كان جيد الفهم، يحترم ماذا يقول الكتاب، وكان يخدم في اجتماع شباب ثانوي، وكان له في الرعاية والافتقاد والتدبير، وكان ملتزمًا ومحبوبًا ومؤثرًا.  

   قصدتُ بذلك أن أقول أنه عاش حياة طبيعية كشاب في هذا الجيل يحب الحياة، له طموحاته ونجاحاته، له أنشطته وهواياته، وله علاقاته وصداقاته، ولم يكن مُتزمتًا أو مُعقدًا أومُنطويًا، بل كان شخصية اجتماعية منبسطة، يضفي سرورًا على كل من حوله. 

   تميَّز بروح الاتضاع، مُتعلمًا من السيد الوديع والمتواضع القلب.  كان مُنقادًا إلى المتضعين والبسطاء، يخرج معهم، ويلعب معهم، ويأكل معهم.  وكان يكره الكبرياء والعجب بالنفس، ولا يستريح لمن يتكلم عن نفسه كثيرًا، وكان ينسب أي نجاح أو تميُّز للرب وحده، وكانت عبارته الخالدة التي كتبها على الفيس بوك في أول مرة حصل على تقدير عام امتياز هي: "أبتي أكرمتني رفعت رأسي"، وكانت دائمًا شعار حياته.

   تميَّز بحياة البر والاستقامة، ولم يسمح لنفسه بأية تجاوزات، وكان حازمًا مع نفسه، ولا يقبل أن يأخذ شيئًا ليس من حقه.
   تميَّز بالسخاء والعطاء وقط لم يعش أنانيًا، مُتعلمًا من السيد الذي علَّم الدنيا العطاء.  وعلى مثال صغير عاش «لا ليُخدَم بل ليَخدِم» ويضحي لأجل الآخرين ليسعدهم ويخفف عنهم ويعيد البسمة إلى وجوههم.  استخدم إمكانياته وقدراته وكل ما يملك، حتى سيارته، لخدمة الآخرين، وكانت هذه سعادته.  لم يبخل بوقت أو جهد أو مال ولم يتأخر عن أي إنسان يطلب منه شيئًا بالليل أو النهار.  ساعد أشخاص في مشروعهم الدراسي في دفعات أُخر دون أن يعرف أسماءهم.  ذهب ليتبرع بالدم لشخص لم يكن يعرفه.  زرع الحب للجميع ولم يعرف الكراهية، وتعب وخدم بسرور، رغم أثقاله الدراسية ووقته المحدود، ولم يُثقل على أحد.  لم يُفرِّق في التعامل بين مسيحي أو مسلم، فأحب الجميع وخدم وساعد الجميع، وكان المبدأ الذي عاش به هو أن المسيح كان يخدم الجميع ويقدم الحب للجميع، وعلَّمنا قائلاً: «من أراد أن يكون فيكم عظيمًا فليكن للجميع خادمًا»، وكان على حق، واستطاع أن يصل إلى القلوب ويؤثر فيهم بعمق شديد دون أن يتكلم أو يعظ.  استطاع أن يقدم صورة جذابة لحياة المسيح وعطاء المسيح الذي تعب وخدم دون أن يفكر في نفسه.  كان يعيش بمبدإ أن ما عنده يجب أن يُستخدم لخير وإسعاد الآخرين وإلا فهو لا يستحق هذه العطايا.  عاش بسيطًا لا يملك الكثير، لكنه ملك على كل القلوب، وحجم مُحبيه كان مهولاً، ولم يظهر ذلك مثلما ظهر في مشهد وداعه.  لذلك لم يكن غريبًا أن يحمله الأحباء الأوفياء ويعملون عليه مناحة عظيمة.

   تميَّز بالوفاء الشديد للأصدقاء والأقرباء، كما تميَّز بالانتماء، وكان فخورًا أنه ينتمي لهذه الأسرة البسيطة التي تعرف الله.  كان مثالاً للتضحية وكان يعرف أن تفوقه سيسعد والديه، ومن هذا المنظور كان يبذل كل الجهد ويستميت للوصول للهدف.  وأهم من هذا وذاك أنه كان حريصًا على إرضائهم ولم يشأ أن يؤذي مشاعرهم، وكان هذا عنده أهم بكثير من رغباته وقناعاته.  وكانت من أواخر عباراته التي كررها لكثيرين أنه لا يمكن أن يعمل شيئًا واحدًا يزعل بابا أو ماما.  كان يتكلم عنهم بكل الفخر أمام زملائه وأساتذته، ويثق في محبتهم له، وهو درس لشباب كثيرين.  كتب لوالديه في عيد زواجهما الأخير يقول: "يومًا سأجعلكما فخورين بي".  وقد جاء هذا اليوم حقًا ليصبح موضع فخرنا، وفخرًا لزملائه، وفخرًا لكنيسته ولكل عائلة الله من المؤمنين، لأنه صناعة الله.

   عاش غريبًا سماويًا في هذا العالم، يحمل رسالة سامية يعيش ليتممها، يعمل في صمت بكل نشاط واجتهاد، عالمًا أن حياته قصيرة وأيامه محدودة.  لم يكن قلبه على الأمور المادية.  عاش بقلب طفل ويحب ترانيم الأطفال خاصة التي تتكلم عن السماء، مثل شريط "مدينة سعيدة" و"سفراء عن المسيح"، وكانا دائمًا في سيارته.  كان مشغولاً بالسماء وليس بمجريات الأحداث أو السياسة هنا.  من أكثر الترانيم التي كان يسمعها باستمرار في سيارته ويرددها ترنيمة: "أنا راح أسافر حتة بعيدة .. مدينة سعيدة ما فيها دموع .. أفرح فيها واسكن فيها .. مدينة مالكها ربي يسوع .. لو تسأل هتسافر فين؟ .. امتى هتوصل أي ميعاد؟ .. هي مجرد طرفة عين والقى نفسي في الأمجاد".  وهذا ما حدث معه بالتمام.  في بساطة الطفل استقبل إعلانًا من الله أنه سيرحل قريبًا إلى السماء، وكان سعيدًا بذلك.  وتكلم مع أصدقائه عن هذا الأمر وأنه سيسافر إلى السماء، وأكد لهم أنه لا يشعر بالخوف أو الاكتئاب، على العكس.  وزملاؤه كتبوا له قبل شهور: "ليه هتسافر وتسيبنا"؟ وبإعلان أيضًا في حُلم تكرر معه عدة مرات، قَصَّه على أقرب صديق له، عرف أن هذا سيحدث عن طريق حادث سيارة، هو ذات ما حدث بالتفصيل، ولم يكن منزعجًا، بل عاش في سلام تام يؤدي واجباته لآخر لحظة! فقط، كان حريصًا أن يكون وحده في السيارة لكي لا يسبب مشكلة لأحد، لكنه عن يقين لم يكن وحده، بل انطبقت عليه الكلمات: «أيضًا إذا سرتُ في وادي ظل الموت لا أخاف شرًا لأنك أنت معي»، وبين يدي الرب الحانية وضع رأسه في سلام. 

   وفي اليوم الأخير من الرحلة القصيرة كان هادئًا ومجتهدًا ومرحًا كعادته، وكان يشعر بإنجاز ومعونة غير عادية، وقد صرَّح بذلك أن ما كان يحتاج إلى أيام تمَّ في ساعات قليلة بشكل غير مسبوق، وأكمل المشروع الذي كان عتيدًا أن يُسلِّمه في الغد، وعمل شغلاً إضافيًا للأسبوع التالي.  كان يقتطع وقتًا وسط الشغل ليكتب على الفيس بوك لأصدقائه عبارات تشجيع وتعزية وتلميح أنه سيسافر ويتركهم!! لم يتوقع أحد ذلك، وكان الرب عتيدًا أن يُجري عملاً عظيمًا يتمجد به بكيفية تتناسب معه، ويُحقق نتائج سريعة على أوسع نطاق من الساعات الأولى للحادث المفجع وحتى الآن، دون أن نعرف.  لقد شاء فصنع، وكان بارًا في كل طرقه، ورحيمًا وحكيمًا في كل أعماله.

   «حاشا لي، فإني أكرم الذين يكرمونني»، هكذا قال الرب وهكذا فعل.  لقد أكرمه في حياته فكان «مرفوع الوجه»، محبوبًا وموقرًا من الجميع.  وأكرمه في مشهد وداعه المهيب في جنازة غير مسبوقة، كانت أبهى وأقوى تأثيرًا من حفل عُرس، احتشد فيها الآلاف من المحبين الأوفياء الذين أتوا من كل حدب وصوب.  حضر الجنازة معظم خدام الرب ورعاة الكنائس المختلفة وأعضاء جمعية خلاص النفوس، ونخبة من المرنمين الأفاضل.  كما حضر وكيل كلية الهندسة، ورئيس قسم العمارة، والأساتذة من أعضاء هيئة التدريس في الكلية والمعيدون والطلاب والطالبات، الذين حملوا الورود وحملوا صورته أمام نعشه حبًا ووفاءً.  كما حضر عدد هائل من الإخوة والأخوات، ليس من قبيل الواجب، بل بإحساس الانتماء والجسد الواحد.  وأهم من الكل كان الرب بنفسه حاضرًا ومُشَرِّفًا هذا المحفل، ومُشْرفًا بنفسه على كل التفاصيل ليُكرم هذا الشاب التقي الذي أكرمه.  إنه بحق «عزيزٌ في عيني الرب موت أتقيائه».  على مدى ثلاث ساعات استغرقتها الجنازة كان الحضور الإلهي واضحًا ومؤثرًا.  اندهش عابرو الطريق قائلين: "إنها أعظم من جنازة وزير أو سفير".  وهكذا يُصنع للذي يُسر الرب بأن يكرمه.  العشرات من زملائه كتبوا له قائلين: "إنت غيَّرت حياتنا .. إنت نموذج لحياة لا تتكرر"! الشهادة كانت رائعة ومُشرِّفة، والرب قد تعظَّم.  وقد قال أحدهم: هكذا تكون الحياة، وهكذا يكون الرقاد.  أما التكريم الأعظم فهو هناك في المجد حيث حملته الملائكة إلى الفردوس، واستقبلته السماء بفرح عظيم، وهو مع المسيح وجهًا لوجه وذاك أفضل جدًا، وسيسمع من فمه الكلمات الحلوة: «نعمًا أيها العبد الصالح والأمين، كنت أمينًا في القليل فأقيمك على الكثير، ادخل إلى فرح سيدك». 

   كان الخطبُ مروعًا، ولم يكن هذا مخفيًا على الله الذي شاء فصنع، وهو الرحيم الذي يعرف جبلتنا.  فقد جاء بنفسه مُعزيًا ومُقويًا، ونبَّه أرواح الكثيرين من اللحظات الأولى، الذين قضوا الليل كله في الصلاة، وقد سمع واستجاب.  ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، ونهر المشاعر والمودة الأخوية والمحبة والعواطف المتدفق من جميع القديسين داخل مصر وخارجها لم يتوقف، وكان هذا معونة حقيقة وبلسانًا ملطفًا.  ثم أنعشنا بالشهادات الرائعة والرائحة العطرة التي فاحت بعد رقاده وما كُتب عنه على الفيس بوك، وكان أيضًا مصدر تعزية قوية لنا.  وقد كشف بعض النتائج السريعة لتشجيعنا.  فكم من شباب رجعوا إلى الرب تائبين وتغيرت حياتهم، وكم من مؤمنين استيقظوا من سُباتهم أمام حقيقة الموت المفاجئ، وكم من آباء رجعوا إلى أبنائهم بالحب والاهتمام، ومن أبناء إلى آبائهم، وكم من أسر كانت على وشك الانهيار قد عادت تنعم بالسلام عندما شعروا أن الحياة قصيرة بهذا الشكل.  
      
   وفي النهاية أقول لأحبائي الشباب: إن رسالة الحياة أقوى من أي عظات أو كلمات، والحياة لا تقاس بطولها بل بعمق التأثير الذي تتركه في الآخرين، وأرجو أن تسأل نفسك: ماذا سيقول الآخرون عنك بعد أن تتركهم؟ ليتك ترتب أولوياتك بشكل صحيح، وتفكر في الله الذي ستُقدم له حسابًا عن وكالة الحياة.  صديقي .. أن تشق طريقك وسط عالم مليء بالشرور، وتحفظ نفسك بلا دنس من العالم، وتحظى بشهادة جماعية عن حياتك الطاهرة وصفحتك البيضاء، هذا أمرٌ كريم ومُشرِّف ويحتاج أن تبذل كل اجتهاد ليكون لك «ضميرٌ بلا عثرة من نحو الله والناس».

   أيها الشاب العزيز كن حكيمًا وفرح قلب والديك اللذين يتعبان ويبذلان كل الجهد والتضحية ويصليان لأجلك بدموع كثيرة، وقدِّر كل ما عملاه معك عبر السنين، وتكلم عنهما بالفخر والإعزاز أمام زملائك، ولا تكن جاحدًا.  وحاول أن تكون مصدر فرحة وبهجة لكل من تتعامل معهم لتخفف عنهم أثقال الحياة، ولا تعش في فَلَك ذاتك.  واغفر لمن أساء إليك ولا تحمل مرارة من أحد، واعلم أن الحياة قصيرة وقد تنتهي في أي لحظة، وقد لا ترى هؤلاء الأشخاص مرة أخرى. 

   من الموت تنبع الحياة، فحبة الحنطة «إن ماتت تأتي بثمر كثير»، وهذا ما حدث في أكمل مثال مع رب المجد، والمبدأ لا يزال قائمًا.  وقال بولس: «الموت يعمل فينا ولكن الحياة فيكم».  والذي مات كأنه بغير نسل طبيعي، سيرى نسلاً كثيرًا في السماء من الذين ربحهم في حياته وفي رقاده، وسيكونون له إكليل فرح وابتهاج.  والذي زرع بالدموع هنا سيحصد بالابتهاج هناك.  إن مشروعات الله لا بد أن تنجح وتُحقق مجده، وتمتد للأبدية، لكن هذا يتطلب تضحية كبيرة علينا أن نشارك بها، إن أردنا أن نشترك في الأثمار.

   يقينًا سنلتقي عن قريب على سُحب المجد وفي أجساد المجد ونجتمع بلا فراق، وسيمسح الله كل دمعة من عيوننا، «والموت لا يكون فيما بعد».
                   عن قريبٍ سوف أمضي           إلى  موطنِ الخلود
                   حيث  لا  الدمعُ   يسيلُ           لا ولا الموتُ يسود
                    آمين تعال أيها الرب يسوع
                                                                                                                       

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com