عدد رقم 1 لسنة 2012
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
تيموثاوس و إرسالياتة الخمس  
رأينا فيما سبق بعض الملامح لشخصية تيموثاوس وإرساليته إلى تسالونيكي ثم كورنثوس ثم فيلبي.  والآن سنتأمل في إرساليته إلى أفسس وإلى بولس نفسه في رومية
(4)إرساليته إلى كنيسة أفسس
إرسالية بنائية (1تي1) 
هذه الإرسالية لا نجدها في رسالة أفسس، ولكن نقرأ عنها في الرسالة الأولى التي أرسلها بولس لتيموثاوس حيث يقول له: «كَمَا طَلَبْتُ إِلَيْكَ أَنْ تَمْكُثَ فِي أَفَسُسَ، إِذ كُنتُ أَنَا ذَاهِبًا إِلَى مَكِدُونِيَّةَ، لِكَي تُوصِيَ قَوْمًا أَنْ لاَ يُعَلِّمُوا تَعْلِيماً آخَرَ، وَلاَ يُصْغُوا إِلَى خُرَافَاتٍ وَأَنْسَابٍ لاَ حَدَّ لَهَا، تُسَبِّبُ مُبَاحَثَاتٍ دُونَ بُنْيَانِ اللهِ الَّذِي فِي الإِيمَانِ» (1تى1: 3، 4).

وقد نُلخِّص كلام البنيان الذي حمله تيموثاوس لكنيسة أفسس، أولاً في التأكيد على النعمة وعدم الرجوع للناموس، وهذا ما نراه في الأصحاح الأول (1تي1: 7- 10).  ويتحدث بولس عن نفسه كمثال خلص ويحيا بالنعمة حيث يقول «وَتَفَاضَلَتْ نِعْمَةُ رَبِّنَا جِدّاً مَعَ الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (ع14).

وفي الأصحاح الثاني تكلَّم الرسول عن العبادة الروحية والصحيحة في الكنيسة، وكيف يُصلى الرجال، وفى ذات الوقت تحدث عن مكانة المرأة ودورها في الكنيسة.  

وفي الأصحاح الثالث تكلَّم عن الأساقفة والشمامسة والصفات التي لا بد من توافرها في الأسقف والشماس.

وفي الأصحاح الرابع عن الارتداد وقد حدث في صورة فردية، والحل أمام الارتداد يتمثل في التقوى التي لها موعد الحياة الحاضرة والعتيدة.

وفي الأصحاح الخامس تكلَّم عن الأرامل، وصفات الأرملة التي هي بالحقيقة أرملة، وكيف تقدم الكنيسة التعضيد المادي لهن، ثم قدَّم بعض النصائح الخاصة بالحدثات والشيوخ.

وأخيرًا في الأصحاح السادس تكلَّم عن العبيد وسلوكهم، ثم الأغنياء وكان لا بد أن يوصيهم أن لا يلقوا رجاءهم على الغنى غير اليقيني بل على الله الحي.

ومع كل ما تحدث به بولس إلى تيموثاوس من كلام بنيان كان عليه أن يُقدّمه لإخوة أفسس، إلا أن المجال كان مفتوحًا أمام تدريب واجتهاد تيموثاوس، فإذا أبطأ بولس في مجيئه إلى تيموثاوس إلى أفسس فالوقت الذي ينقضي هو لكي يتعلَّم تيموثاوس شيئًا عن كيفية التصرف في الكنيسة هناك. «وَلَكِنْ إِنْ كُنتُ أُبْطِئُ فَلِكَيْ تَعْلَمَ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي بَيْتِ اللهِ، الَّذِي هُوَ كَنِيسَةُ اللهِ الْحَيِّ، عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ» (1تى3: 15).

إذًا إرسالية تيموثاوس إلى كنيسة أفسس كان غرضها البناء وترتيب الأمور داخل بيت الله.

(5) إرسالية تيموثاوس لبولس في رومية
إرسالية للتعضيد (2تي4)
لقد سُجن بولس في روما مرتين، المرة الأولى تركت له بعض الحرية حيث نعرف من نهاية سفر الأعمال أنه قد استأجر بيتًا لنفسه، وكان يقبل جميع الذين يدخلون إليه، كان مُحدد الإقامة ينتظر حكم القيصر، فهو مواطن روماني.

ولكن عندما سُجن للمرة الثانية وكتب رسالته الثانية لتيموثاوس كان ينتظر ليس إطلاق سراحه بل الاستشهاد.  كان يعلم أن وقت انحلاله قد حضر، وقد قرُب أن يُسكَب سكيبًا.  في ذلك الوقت كان جميع الذين في أسيَّا قد ارتدوا عن بولس وصار وحيدًا لم يبق معه سوى لوقا، وبرغم ظروفه الصعبة، إلا أنه كتب مشجعًا ومحذرًا عن كل ما يخص بيت الله الذي صار بيتًا كبيرًا، ولذا تعتبر الرسالة الثانية بحق هي ملجأ الأمين في أيام الخراب.

الارتداد موجود في الرسالة الأولى (1تي4)، ولكن بصورة فردية، أما في الرسالة الثانية فقد تحولت المسيحية إلى بيت كبير، وصار يتحتم على الأمين أن ينفصل للرب عن أواني الهوان، وبهذا يكون إناءً للكرامة مُقدسًا مُستعدًا لكل عمل صالح (2تي2: 21).

وها هو بولس - وهو يشعر بقرب نهاية حياته وخدمته - يكتب رسالته الثانية ويطلب من تيموثاوس أن يأتي إليه سريعًا فيقول له: «بَادِرْ أَنْ تَجِيءَ إِلَيَّ سَرِيعًا» (2تى4: 9)، وفى ع21 يقول: «بَادِرْ أَنْ تَجِيءَ قَبْلَ الشِّتَاءِ».  ولماذا؟ لأنه طلب منه في (ع13) قائلاً: «اَلرِّدَاءَ الَّذِي تَرَكْتُهُ فِي تَرُواسَ عِنْدَ كَارْبُسَ أَحْضِرْهُ مَتَى جِئْتَ»، كان يخشى بولس أن يأتي الشتاء ولا يكون معه ذلك الرداء الذي لم يكن يملك غيره، فهو لم يقُلْ لتيموثاوس "أحضر رداءً" بل "أحضر الرداء"، فمن الواضح أنه لم يكن يملك غيره.

وبالتأكيد كان بولس يرجو أن يكون تيموثاوس قريبًا منه في لحظاته الأخيرة، فهو أكثر شخص كانت تربطه به علاقة خاصة حميمة.

تعليق ختامي
يخص صحة تيموثاوس
الشيء الغريب أن تيموثاوس صاحب الشخصية الرقيقة والهشة، كان رجلاً صاحب أمراض كثيرة.  وفي الرسالة الأولى يكتب إليه بولس قائلاً: «لاَ تَكُنْ فِي مَا بَعْدُ شَرَّابَ مَاءٍ، بَلِ اسْتَعْمِلْ خَمْرًا قَلِيلاً مِنْ أَجْلِ مَعِدَتِكَ وَأَسْقَامِكَ الْكَثِيرَةِ» (1تى5: 23)

لقد كانت صحة تيموثاوس مُعتلة، وها هو بولس ينصحه بأن لا يكثر من شرب الماء، وأن يستعمل خمرًا قليلاً، وهذه العبارة أو النصيحة التي قالها بولس، استخدمها كثيرون ليؤكدوا ويبرهنوا أن المسيحية شجعت على شرب الخمر.

ولكن دعونا نلاحظ أن عبارة بولس تبدأ بكلمة «قليل» وتختم بكلمة «كثير».  القليل الذي بدأت به هو الخمر، والكثير هو الأمراض، ولكن للأسف عكس البعض الأمر، فاستخدموا الكثير من الخمر والكثير جدًا حتى دون وجود أي نوع من الأمراض، بل في شرهم استحضروا الأمراض على أجسادهم نتيجة الإفراط في استعمال الخمر.

الشيء العجيب أنه بالرغم من كل الضعف والمرض الذي ارتبط بتيموثاوس إلا أنه كان إناءً نافعًا ومستخدمًا من قبل الرب وهذا أمر رائع، ودعونا نثق أن الرب يستطيع أن يستخدمنا بالرغم من كل ضعف فينا أو مرض.

هناك أسطورة جميلة تحكى عن امرأة صينية، كانت تذهب إلى النهر كل صباح لكي تُحضر ماءً في جرتين كانت تحملهما بقطعة من الخشب على كتفيها، وللأسف كان بإحدى الجرتين شرخٌ، فكانت تذهب المرأة وتملأ الجرتين، ثم عندما تعود إلى البيت تكون الجرة المشروخة قد فقدت نصف كمية الماء الذي بها، بينما تظل الجرة الأخرى كما هي.  مرت سنتان وفى كل مرة تعود الجرة السليمة مزهوة بنفسها فقد استحضرت الماء كما هو دون أن ينقص منه قطرة، وفى ذات الوقت كانت الجرة المشروخة تشعر بفشلها وعدم نفعها.  وفى يوم من الأيام تحدثت الجرة المشروخة للمرأة قائلة: "لقد أتعبتك لمدة سنتين دون أن أنقل لك الكمية التي تريدينها من الماء، أنصحك أن تطرحيني وتبحثي عن جرة أخرى سليمة تستخدمينها وتكون أفضل مني".  فردت المرأة وقالت للجرة: "انظري إلى جانب الطريق الذي نعود منه كل يوم للبيت".  كان الجانب الذي توجد به الجرة المشروخة قد امتلأ بزهور ذات ألوان رائعة ورائحة جميلة.  قالت المرأة للجرة: "لمدة سنتين وأنا أبذر البذار على الجانب الذي توجدين عليه في الطريق، ولمدة سنتين زينت بيتي بأروع وأجمل الزهور". وهنا أدركت الجرة أن سيدتها من المستحيل أن تفرط فيها، بل أنها نافعة لها بالرغم من كونها مشروخة وربما تقدم لها ما لا تستطيع الجرة السليمة أن تقدمه لها.

ونحن كذلك بالرغم من كثرة الشروخ التي في أوانينا، إلا أن الرب قادر أن يخرج من الآكل أكلاً ومن الجافي حلاوة، فنختبر أن قوته في ضعفنا تُكمل.
هو يستطيع أن يستخدمنا ويبارك بنا الآخرين بالرغم مما لدينا من ضعف أو مرض، فهو كافٍ بل وكافٍ جدًا في نعمته للكل، وهذا هو الدرس الذي يُقدمه تيموثاوس بوضوح.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com