عدد رقم 1 لسنة 2012
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
لأننا نحن عمله  
  عزيزي الشاب: يا من ضقت ذرعًا بإحساسك بالصغر وقلة القيمة ومحدودية النفع، يا من تذمرت مرارًا على ملامح وجهك ولون بشرتك.  لا يعجبك قوامك أو مشيتك.  يا من ترى  في عاهتك أو علتك أنها سر تعاستك.  

أختي الشابة: قد تكون اللحظات التي تقضينها أمام المرآة ثقيلة حيث تدور في رأسك أفكار وأسئلة تجعل بقية يومك يمر كئيبًا.  ربما قضيت أوقاتًا بمفردك تفكرين في آراء الآخرين السلبية عنك، سواء عن مظهرك أو شخصيتك أو حتى نظراتهم التي قد تكون أقسى من الكلمات. 

ربما تتذكرين تعليقًا جارحًا سواء بقصد أو دون قصد يجعلك تشعرين بالمرارة الشديدة التي تطفو على السطح فتجعلك تفضلين الانطواء وتكثرين البكاء.  وصار ذلك مع الأيام همًا ثقيلاً على مشاعرك قد دفعك تارة إلى التلهف إلى عبارات الإطراء والمديح، وتارة أخرى للهروب من الناس كلية.  لكن الذي يجعل الأمر محيرًا والجرح غائرًا هو عتابك الدائم على الرب الذي تظنين أنه قد حرمك من امتيازات قد أعطاها للأخريات.  ربما سألت نفسك مرارًا: هل كان الأمر صعبًا على الرب أن يجعلني في صورة أجمل وحال أفضل؟ كيف أشكره على عطاياه التي هي دائمًا صالحة للآخرين، بينما لا أقبل ما أعطاه لي؟ كيف أشهد عن حبه وفي قلبي مرارة نحوه؟؟

صديقي .. أعلم أن العبارات قد لا تصف حقيقة المشاعر والخواطر التي تملأ قلبك كما أعلم أن ما أكتبه من أفكار وتأملات في ذاتها لن تصنع تغييرًا إن كانت لا تقودك أن ترتمي على إلهنا الصالح الحكيم وتشعر بمحبته العطوفة وتعويضات نعمته. 

الغرض الرئيسي الذي دفعني أن أكتب في هذا الموضوع ليس فقط أنني سمعت من البعض عن هذه الحالة التي يعاني منها مؤمنون ومؤمنات لهم كيان نفسي هش، بل لأنني قد اختبرت مرارتها من جوانب معينة وأعلم كم هي خواطر قاسية تقود النفس للانحناء والانطواء.  وقد يشاركني في ذلك أحباء كثيرون قد أتعبتهم الحيرة والشفقة على الذات في وقت من الأوقات، كما أن تلك الأفكار الموجعة مؤقتًا، هي في حد ذاتها كأدوات في يد الفخاري العظيم يستعملها بأطرافها الحادة لكي يكسر كل كبرياء فينا سواء كان ظاهرًا أو دفينًا، ويُجملنا بروح الاتضاع الجميل ويحمينا من الغرور البغيض.  فليتنا نقبل هذه التدريبات الإلهية بشكر وصبر. 

 جُل مرادي من هذه التأملات البسيطة أن تدفعك دفعًا إلى حضن الرب فكل من لجأ للرب الحبيب بثقله وهمه الكئيب سيجد الجواب الذي يشفي قلبه ويطيب خاطره.  سيكتشف الجانب المضيء الذي نراه فقط ونحن في حضرته وفي ضوء كلمته التي تخبرنا أننا "نحن عمله" (workmanship His ( أي مصنعية يديه أو تحفته الفنية التي أبدع صنعها.
 
”لأننا نحن عمله“ (أف2: 10)
هل تعلم أنك لست ناتج خط تجميع لمُنتَج نمطي؟ نعم أنت لست كذلك، لأن الرب له قصد من خلال هذا التميُّز.  أنت مُتميِّز لأن الرب القدير له خطة خاصة لك.  قد أبدعت يداه في تكوينك - سواء كيانك الجسدي أو النفسي أو الروحي - بإتقان منقطع النظير. 

تأمل في كلمات الرب لإرميا: «قَبْلَمَا صَوَّرْتُكَ فِي الْبَطْنِ عَرَفْتُكَ، وَقَبْلَمَا خَرَجْتَ مِنَ الرَّحِمِ قَدَّسْتُكَ.  جَعَلْتُكَ نَبِيًّا لِلشُّعُوبِ» (إر1: 5).  وأيضًا يقول داود: «لأنك أنت اقتنيت كليتي.  نسجتني في بطن أمي.  أحمدك لأني قد امتزتُ عجبًا ... لم تختف عنك عظامي حينما صُنِعتُ في الخفاء ورُقمتُ في أعماق الأرض.  رأت عيناك أعضائي وفي سفرك كلها كُتبتْ يوم تصوَّرتْ، إذ لم يكن واحد منها» (مز13:139 -16). 

 وأنت جنين في رحم الأم، كانت يد القدير تضبط المقادير لتصنع منك الإناء الذي حسن في عيني الرب أن يصنعه، ليرسم ملامحك ويُحدد لون عينيك وشعرك ونبرة صوتك، يُشكل قوامك ويحدد طولك ويصور خطوتك، يبني كيانك النفسي ويصوغ شخصيتك.  كل شيء فيك محسوب بالإتقان العجيب.  سواء فهمت الآن أو لم تفهم فهو الحكيم الذي يعلم ماذا يصنع، وهو الصالح الذي لا يخطئ البتة.  إن الخزاف لا يضع كتلة الطين على الدولاب، ثم يُدير عجلة الدولاب ليخرج أخيرًا وعاءً كيفما اتفق.  كلا.  إنه يصمم وعاءً صورته واضحة المعالم في ذهنه كما حسن في عينيه.  

     عديت عظامي وعارفني بطباعي وصفاتي 
  ضحكي ودمعي وأصغر تفاصيل حياتي

 هل تعلم أنك صنعة صانع حاذق ماهر؟ لم تصنعك الجينات الوراثية بل المقاصد الإلهية. لقد حدد الرب أيضًا الوقت والمكان الذي تولد فيه والأسرة التي تنشأ فيها وتُنسب إليها.  كل الأحداث التي تعايشها في محيط عائلتك أو مجتمعك كانت معلومة لديه بل ومُستخدَمة بتفاصيلها وملابساتها الكثيرة لتشكل فيك لتحقق مقاصده.

ربما تذمرت يومًا وتساءلت قائلاً: لماذا الفقر والأزمات؟ أو لماذا الاحتياج والحرمان؟  لماذا المرض أو العاهات؟ لماذا الصدمات المتتابعة والظروف الموجعة؟ لماذا كل هذا؟؟ ولماذا أنا بالذات؟ وحتى متى سأظل أعاني؟ إنني لم أصنع الظروف المحيطة بي، وليس في يدي تغييرها.  فهل يوجد للذليل رجاء؟ الكتاب يقول: نعم (أي16:5).  لأن السيد لا يرفض إلى الأبد، فإنه ولو أحزن يرحم حسب كثرة مراحمه (مرا 3).  رجاء البائسين لايخيب إلى الدهر (مز9).  

 تذكر أنك لم تكن مطلقًا ضحية، بل آنية على دولاب العمليات الإلهية

 أنت لست ضحية الظروف الصحية ولا الأزمات المادية.  لست ضحية تقصير من أب أو أم.  لست ضحية تجاهل أو ظلم. عمدًا كان أم دون قصد.  لكن كلاً من هذه الأمور ليست إلا أدوات في يد الفخاري العظيم ليصيغ منك إناءً يحقق قصدًا محددًا ويهيئك لدور متفرد.
أرجو أن تتأمل معي في قصة يوسف وأحداثها، وكيف ماتت أمه راحيل المحبوبة وهو بعد صبي صغير، ونشأ فاقدًا للحنان. كان يشعر ببغضة إخوته وأحقادهم.  كان أبوه كل شيء في حياته، لكنه فجأة حُرم من أبيه وحُرم من البيت وحُرم من أخيه الصغير بنيامين وحُرم من القميص الملون وحُرم من الحرية وبيع يوسف عبدًا.  عاش يخدم في بيت فوطيفار بنفس راضية ولم يتذمر، إلى أن حدثت المشكلة مع امرأة فوطيفار ثم دخل السجن ظلمًا.  وأخيرًا لم يذكر رئيس السقاة يوسف بل نسيه.  وظل يعاني 13 سنة، وكأن الرب قد تركه والسيد قد نسيه.  لكنه تعلَّم أن الرب لا ينسى وأن عنده مواقيت لا تخطئ، وفي وقته يسرع به، وتعلَّم أن الرب يُرفِّع من يتعلق به ويكرم الذين يكرمونه.  
  
بقدر ما تنفتح عيوننا على صلاح الله ستكون كل هذه الأمور بأتعابها وحيرتها مادة شكرنا وسجودنا، لأننا نعلم أنه يعمل دومًا لخيرنا وأفكاره ومقاصده من نحونا صالحة كشخصه.
هَلُمَّ نَسْجُدُ وَنَرْكَعُ وَنَجْثُو أَمَامَ الرَّبِّ خَالِقِنَا، لأَنَّهُ هُوَ إِلهُنَا، وَنَحْنُ شَعْبُ مَرْعَاهُ وَغَنَمُ يَدِهِ

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com