عدد رقم 5 لسنة 2011
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
تيموثاوس وإرساليته الخمس  
(1) تيموثاوس ونشأته التقوية منذ الطفولية:

وُلد تيموثاوس لأب يوناني وأم يهودية، وعلى الأرجح أن جدته وأمه هما اللتان قامتا بتربيته، فنشأ في جو روحي يهودي، وتعلم كلمة الله وتعرف عليها منذ نعومة أظافره، فيقول له الرسول: «أَتَذَكَّرُ الإِيمَانَ الْعَدِيمَ الرِّيَاءِ الَّذِي فِيكَ، الَّذِي سَكَنَ أَوَّلاً فِي جَدَّتِكَ لَوْئِيسَ وَأُمِّكَ أَفْنِيكِي، وَلَكِنِّي مُوقِنٌ أَنَّهُ فِيكَ أَيْضًا».  ويقول له أيضًا: «وَأَمَّا أَنْتَ فَاثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ وَأَيْقَنْتَ، عَارِفاً مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ.  وَأَنَّكَ مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ، الْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ، بِالإِيمَانِ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.  كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ،  لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ» (2تي1: 5؛ 3: 14-17).  وقصد الرب أن ينشأ تيموثاوس هذه النشأة لتكون البصمات الكتابية هي المنطبعة عليه دون أي بصمات أخرى.
وحسنًا أيها الأحباء أن نهتم بالنشء الصغير ونربيه ونرتب ذهنه روحيًا، فقد يكون ما نفعله الآن أداة معاونة له في خدمته وحياته الروحية فيما بعد.
سُئل أحد الأشخاص المسؤولين في خدمة النشء الصغير عن عدد مَن خلصوا في مؤتمر مدارس الأحد الذى أقامته الكنيسة مؤخرًا، وأجاب هذا المسؤول أنه قد خلص ثلاثة ونصف، وظن من سأله أنه يقصد أنه خلص ثلاثة رجال وطفل، ولكن المفاجأة أن ذلك المسئول قال له أنه قد خلص ثلاثة أطفال ورجل كان يقدم الطعام للأطفال، لقد أراد هذا المسؤول أن يقول أن هؤلاء الأطفال الذين تعرفوا على الرب سيحيون حياتهم بجملتها من بدايتها لنهايتها للرب فحسب الواحد منهم بواحد، بينما الشخص البالغ حسبه بنصف واحد لأنه لن يقضى سوى نصف حياته المتبقية للرب، ومن هذه القصة ومن حياة تيموثاوس دعونا نتعلم أن نهتم بالنشء الصغير ونربيهم للرب، فربما يستخدمهم الرب لمجده وفى خدمته بصورة رائعة في المستقبل.

(2) تيموثاوس خلص في صورة سرية:
على الأرجح أن تيموثاوس خلص خلال الرحلة التبشيرية الأولى التي قام بها بولس وبرنابا للسترة (أع14)، وهناك تجدد تيموثاوس دون أن يشعر شخص واحد بهذا.  وهناك أشخاص كثيرون يتشابه اختبارهم مع اختبار تيموثاوس، نشأوا في أسر مسيحية وتربوا تربية مسيحية صحيحة، لم يبعدوا كثيرًا أو يتوغلوا في الشر، هؤلاء اختبارهم دائمًا غير ملحوظ، ولكن هذا لا ينفى من جانب أنهم لا يحتاجون إلى المُخلِّص، ومن الجانب الآخر أنه ليس لأن اختبارهم غير مُعلَن أو معروف أن لا اختبار لهم، تيموثاوس خلص دون أن يشعر أحد به ولكن حياته التقوية كانت واضحة للجميع، بل وكان مشهود له من الإخوة (أع16).  ثم إن بولس نفسه وصفه بأنه الابن الصريح في الإيمان.  لقد كان إيمان تيموثاوس إيمانًا حقيقيًا غير مزيف.

(3) تيموثاوس كان بطبيعته شخصًا ضعيفًا وهشًا:
لم يكن تيموثاوس صاحب شخصية قوية كبولس فكان من السهل أن يخاف، ولذا كتب بولس لإخوة كورنثوس يحثهم على أن يكون تيموثاوس بلا خوف عندهم «ثُمَّ إِنْ أَتَى تِيمُوثَاوُسُ فَانْظُرُوا أَنْ يَكُونَ عِنْدَكُمْ بِلاَ خَوْفٍ. لأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ الرَّبِّ كَمَا أَنَا أَيْضًا» (1كو16: 10).
وكان معرَّض أن يستهين به الإخوة أو يحتقروه، فكتب بولس لإخوة كورنثوس، طالبًا أن لا يحتقروا تيموثاوس قائلاً: «فَلاَ يَحْتَقِرْهُ أَحَدٌ بَلْ شَيِّعُوهُ بِسَلاَمٍ لِيَأْتِي إِلَيَّ لأَنِّي أَنْتَظِرُهُ مَعَ الإِخْوَةِ» (1كو16: 11).  وتحدث بولس مشجعًا له: «لاَ يَسْتَهِنْ أَحَدٌ بِحَدَاثَتِكَ، بَلْ كُنْ قُدْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْكَلاَمِ، فِي التَّصَرُّفِ، فِي الْمَحَبَّةِ، فِي الرُّوحِ، فِي الإِيمَانِ، فِي الطَّهَارَةِ» (1تى4: 12)، أيضًا «اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ. اعْكُفْ عَلَى ذَلِكَ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ. وَبِّخِ، انْتَهِرْ، عِظْ بِكُلِّ أَنَاةٍ وَتَعْلِيمٍ» (2تي4: 2).

أيضاً كان من السهل أن يفشل، فأمام الضغوطات الكثيرة التي قابلها تيموثاوس في كنيسة الله خشي عليه بولس أن يفشل، فكتب له مشجعًا في رسالته الثانية له قائلاً: «لأَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ» (2تي1: 7).

كان من السهل أن يخجل، فبطبيعته هو شخص هش ضعيف، ومن الممكن أن يخجل أمام أشياء كثيرة ولكن بولس شجعه بل وحذره بالقول: «فلا تخجل بشهادة ربنا يسوع ولا بي أنا أسيره» (2تى1: 8).

الشيء العجيب أن أناءً هشًا وضعيفًا بهذا الشكل، يستخدمه الرب في خدمة عظيمة، بل ويجعل منه مرافقًا لبولس في أغلب رحلاته، الأكثر من ذلك يشغل مكان نائب الرسول، هذه الوظيفة الخاصة والفريدة  التي لم يتمتع بها على تاريخ الكنيسة سوى تيموثاوس وتيطس فقط.
وهذا أمر ليس بغريب، لقد قال إرميا في يومه: «آهِ يَا سَيِّدُ الرَّبُّ إِنِّي لاَ أَعْرِفُ أَنْ أَتَكَلَّمَ لأَنِّي وَلَدٌ».  فقال الرَّبُّ لِه: «لاَ تَقُلْ إِنِّي وَلَدٌ لأَنَّكَ إِلَى كُلِّ مَنْ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِ تَذْهَبُ وَتَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ بِهِ.  لاَ تَخَفْ مِنْ وُجُوهِهِمْ لأَنِّي أَنَا مَعَكَ لأُنْقِذَكَ يَقُولُ الرَّبُّ.  وَمَدَّ الرَّبُّ يَدَهُ وَلَمَسَ فَمِي وَقَالَ الرَّبُّ لِي: هَا قَدْ جَعَلْتُ كَلاَمِي فِي فَمِكَ».  لقد عضده الرب وأشعره بأنه بجواره، وبأنه يستطيع أن يسنده ليوصل من خلاله رسالته التي يريد أن يوصلها لكل إسرائيل.
دعونا لا نفكر كثيرًا في ذواتنا، في مقدار ضعفنا واضطرابنا واهتزازنا وخوفنا بل لنترك ذواتنا للسيد الذى هو صاحب الخدمة ليوجهنا كيفما يشاء.
(4) تيموثاوس وعلاقته الوطيدة مع بولس:  
عندما ترك برنابا بولس في أعمال 15 وأخذ مرقس وذهب إلى قبرص، جاء الرب لبولس بسيلا في ذات الفصل ثم كان بولس ذاته على موعد مع خادم آخر في أعمال 16 هو تيموثاوس.  وعلى الأرجح أن تيموثاوس تعرف على الرب يسوع على يدي بولس نفسه، وبدأت تربط بولس بتيموثاوس علاقة حبية خاصة نستطيع أن نقول إزاءها أن أكثر الأشخاص قرباً من بولس كان تيموثاوس.  والشيء اللطيف أن بولس أحب تيموثاوس وتعلق به وتيموثاوس كذلك، وبقى أن بولس كان يعرف تركيبة هذا الشخص بل ويراعيها في إرساليته له، خوفًا من أن يتعرض تيموثاوس للانكسار والفشل.  ولعله أمر مهم وخطير أن ندرك أن قربنا من بعضنا والعلاقة الحبية بين بعضنا البعض ستقودنا حتمًا إلى مراعاة وضع الآخر وما لديه من نقاط ضعف.  بولس لم يوبخ تيموثاوس ولكنه سانده وآزره ووقف بجواره وهذا أمر رائع.
كتب بولس رسالة واحدة راعوية لتيطس بينما لتيموثاوس كتب رسالتين، والرسالة الثانية كانت آخر رسائل بولس، وفيها يدعو تيموثاوس ليكون بالقرب منه.
ونحن لا نقرأ ولا مرة عن تيموثاوس وهو يمتدح بولس ويذكرنا بمواهبه وإمكانياته ولكن نجد الكبير الذى هو بولس يثنى على تيموثاوس ويمتدحه كثيرًا.  غالبًا ما يبحث من لهم قامة في مجال الخدمة أن يُمتدحوا من تلاميذهم، ولكن هنا نرى العكس، فالكبير هو الذي يمتدح الصغير.
ويذكر بولس تيموثاوس باسمه في رسائله ستة عشر مرة، ست مرات ترتبط بعلاقته الشخصية به، وست مرات ترتبط بالمركز الروحي الذى شغله تيموثاوس، وأربع مرات عندما تحدث عنه كابنه.
بلا شك أن عصر تيموثاوس وبولس قد ولى، وولت الأدبيات السامية التي وجدت بين الكبير والصغير آنذاك، ولكن ليس عند الرب مانع في كل عصر أن يبحث عن أشخاص أمناء يدربهم ويستخدمهم لمجده، شرط أن يتخلى الكبير عن كبريائه، ويتخلى الصغير عن حقده وحسده وأن يفكر الاثنان في مجد الرب فهو الأبقى والأهم.
قال أحدهم أن خدمة بولس وتيموثاوس مثل نسيج متداخل معًا، يصعب فصل خدمة أحداهما عن الآخر.
                                                                                                                                                                   

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com