عدد رقم 5 لسنة 2011
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
رفقة الأم .  

رفقة ... عروسٌ مُزَيَّنَةٌ لإسحاق
        (تكوين24)
 
تحدثنا فيما سبق عن رفقة؛ العروس التي توافرت فيها كل الصفات الروحية والأدبية الرائعة التي تجعل منها عروسًا تليق بإسحاق.  وواصلنا تأملاتنا
 بتحذيرين عن رفقة الزوجة والأم، وعن نقاط ضعفها التي شوَّهت كل هذا الجمال.  وفي العدد الماضي قدَّمنا التحذير الأول عن رفقة الزوجة، ونواصل في هذا العدد تأملاتنا: 

ثانيًا: رفقة الأم
(تكوين25، 28)

جاءت الأمومة إلى رفقة متأخرة إلى حد ما، عندما أصبح إسحاق رجلاً مُسنًا، فقد ظلت بلا أطفال لمدة عشرين سنة.  وإذ كان إسحاق مدركًا تمامًا أن الوعد الإلهي لإبراهيم لا يمكن أن يسقط، فقد تضرع إلى الله أن يُعطيه نسلاً من زوجته التي ظلَّت عاقرًا لمدة طويلة، واستجاب الله لتضرعه بلطفٍ، وإذ كانت صلاته وفقًا لمشيئة الله، فقد حصل على استجابة أكيدة (1يو5: 14؛ تك25: 19-34).  إن سنوات الانتظار من جانب إسحاق ورفقة أظهرت أن لله وقته الخاص لإتمام مشيئته.

وبالرغم من أن الوحدة الخاصة بالمبادئ والأفكار والمواقف، يجب أن تُميّز كل زواج ناجح، إلا أن الشخصيتين المتضادتين لتوأمي رفقة؛ عيسو ويعقوب، أظهرتا الجانب المُظلم مِن شخصية أمهما، ونعني به تحيّزها إلى يعقوب ابنها الصغير، في الوقت الذي أحبَّ فيه إسحاق ابنه عيسو.  هذا التحيّز أوجد – بلا شك – شرخًا وتصدعًا وانقسامًا في الأسرة كلها! 

وفي الواقع أن كلاً من الأبوين انجذب بطبعه إلى الابن الذي يُكمِّله؛ فرفقة قوية الشخصية، الجريئة الشجاعة المتحرِّكة، لا يمكن أن تقبل إلا ابنها الهادئ الطبع الذي يحب البيت، فهما قطبان فيهما السالب والموجب، ولأجل هذا فهما ينجذبان ويتقابلان ويأتلفان، ولكنها تبقى مع عيسو أشبه بالسالب يواجه سالبًا آخر، فلا بد أن يتنافرا.  أما عيسو القوي المتحرك الشجاع الجرئ الذي يعرف الصيد، فهو حظوة أبيه، وهو يُكمِّل الأب الساكن الهادئ الوادع في مواجهة المُحيطين به من جماعات وقبائل متربصة ومعادية! ولكن المحبة الصادقة، والأبوة الحقيقية، والأمومة الحانية – في أسمى معانيها – لا تنظر بعين الاعتبار إلى ما لنفسها، وإلى ما يُقدمه المحبوب، بل إلى شخصه بصرف النظر عن صفاته. 

ومهما اختلف الأولاد في الطباع أو الحياة أو الاسلوب، فإن من أكبر الأخطاء أن يلاحظوا ظاهرة التحيز في المعاملة عند الأبوين.  إن هذا الأمر قد يكون بمثابة الدمار للأسرة كلها، إذ ينجم عنه حتمًا الحقد والضغينة والصراع، وقد قاد رفقة في النهاية إلى الكذب والخداع.  ولهذا فإن من أهم الأمور في أية أسرة حرص الأبوين على تربية الأولاد بدون أدنى تمييز أو تحيّز أو تفرقة أو انقسام.  بل لعله من أهم الأمور أيضًا ألا يُظهر الأبوان مهما اختلفا في وجهات النظر أي نوع من مثل هذا الاختلاف أو أسبابه، مهما كانت الظروف، فلا يجري ما جرى عندما وقفت رفقة، عند باب الخيمة، تسمع عن تأهب إسحاق لمباركة ابنها عيسو، فترتب الحركة المضادة الماكرة، لينال يعقوب لا عيسو هذه البركة!

لقد نصحت رفقة ابنها يعقوب أن يكذب على أبيه وأن يخدعه، ورسمت خطة حرمان عيسو من بركة أبيه، وابتكرت بمكر خطة التقمص للشخصيات (تك27).  وفي كل الكتاب المقدَّس نرى دور الأم، وتأثيرها على أولادها، سلبيًا أو إيجابيًا؛ للشر أو للخير.  ويبدو أن سمة المكر والخداع، التي كانت من السمات المُميّزة لحياة يعقوب، لم تكن سوى امتداد لصفات الخداع والمكر المُميزة لأمه.  وقد عانى كلاهما نتيجة لتبني طرق مضللة لتحقيق أغراضهما، ولكن المبدأ الذي يقول: «لِنَفْعَلِ السَّيِّآتِ لِكَيْ تَأْتِيَ الْخَيْرَاتُ»، لا يصلح في أمور الله (رو3: 7)، والخطأ لا يمكن أن يكون صوابًا «لأَنَّ غَضَبَ الإِنْسَانِ لاَ يَصْنَعُ بِرَّ اللَّهِ» (يع1: 20).  ومن المنظور الإلهي لا ينجح شيء لا يتبع طريق الحق والأمانة.

وبعد هذه الحادثة لم يعد بيت إسحاق هو هذا البيت الهادئ السعيد، لقد خلا - وإلى الأبد - من البهجة، وما عاد أبدًا كما كان.  لقد أخْزَتْ رفقة رجلها، وتسبَّبت في عداء ابنيها.  وعيسو، الذي ربما كان يحترمها حتى ذلك الوقت – ولو إلى حد ما – ما عاد يكن لها مشاعر الاحترام بعد ذلك، وتمادى في بُعده وضلاله.  بل وتسبَّبت في أحزان كثيرة ليعقوب المحبوب المخدوع، فقد هرب إلى خاله ليحصد هناك ما زرعه في بيت أبيه.  هي نفسها حصدت ما زرعته؛ فقد صارت حياتها ثقلاً عليها (تك27: 46).  ومع أنها كانت تصغر إسحاق بكثير، لكنها ماتت - بقلب كسير - قبله بسنين كثيرة أيضًا، بل إنها ماتت قبل دبورة مُرضعتها.  وظل إسحاق الأعمى بمفرده ليجتر الأحزان ويُقاسي الحرمان.  وبعد عشرين سنة من هذه الحادثة، عاد يعقوب من تيهانه، فوجد أباه لا زال حيًا، وعيسو تصالح معه، أما أمه المحبوبة رفقة فكانت قد ماتت!

ابنتي الغالية: يُمكنكِ أن تجعلي بيتك سماء على الأرض، ولكن السلوك الملتوي المُشين يُجلب أحزان جهنم إلى البيت.  فانصتي طائعة لتحريضات كلمة الله: «مَنْ يَسْلُكُ بِالاِسْتِقَامَةِ يَسْلُكُ بِالأَمَانِ (بأمان)، وَمَنْ يُعَوِّجُ طُرُقَهُ يُعَرَّفُ» (أم10: 9)، «مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ الَّذِي يَهْوَى الْحَيَاةَ، وَيُحِبُّ كَثْرَةَ الأَيَّامِ لِيَرَى خَيْرًا؟ صُنْ لِسَانَكَ عَنِ الشَّرِّ، وَشَفَتَيْكَ عَنِ التَّكَلُّمِ بِالْغِشِّ.  حِدْ عَنِ الشَّرِّ وَاصْنَعِ الْخَيْرَ.  اطْلُبِ السَّلاَمَةَ، وَاسْعَ وَرَاءَهَا» (مز34: 12-14).
   (تمت)
       
  

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com