عدد رقم 2 لسنة 2010
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الخطبة في المفهوم المسيحي  

 توقفنا في العدد السابق عند السؤال: هل من الخطإ فسخ الخطبة وإنهائها؟

 والإجابة على هذا السؤال تأتي من حقيقة أن الخطبة تختلف عن الزواج.  ففي الخطبة ما زال الخطيبان اثنين مستقلين عن بعضهما، أما في الزواج فينطبق عليهما القول: «ليسا بعد اثنين بل جسدٌ واحدٌ.  فالذي جَمَعَهُ الله لا يُفرِّقه إنسانٌ» (مت 6:19).

لذا نستطيع أن نقول إن فسخ الخطبة – بالرغم من النتائج المؤلمة لذلك – أفضل من الاستمرار في علاقة فاشلة قد تؤدي إلى زواج فاشل مؤلم للطرفين.
لكن لخطورة الموقف قبل اتخاذ خطوة فسخ الخطبة يجب على الخطيبين اتباع الخطوات التالية:

  1. تجميد العلاقة بين الخطيبين لفترة محدودة حتى يختلي كلٍ منهما مع الرب في صلاة وتذلل من القلب، وكلٍ منهما يقول: «اختبرني يا الله واعرف قلبي.  امتحني واعرف أفكاري. وانظر إن كان فيَّ طريقٌ باطلٌ، واهدني طريقًا أبديًا» (مز 23:139، 24).
  2. مشاركة أحد المرشدين الروحيين الذين أقامهم الرب وسط شعبه لأخذ المشورة التي يمكن أن يستخدمها الرب لتوضيح بعض النقاط التي يمكن أن تساعدهما على أخذ القرار الصائب بعد ذلك.
  3. عمل جلسات مصارحة فيها يتكلَّم كلٌ مع الآخر بصدق وشفافية، موضحًا الأسباب التي يظن أنها تؤكد عدم توافقهما معًا لهذا الارتباط.  وعلى الخطيبين أن يستمعا بصدق لوجهات نظر كلٍ منهما وأن يميِّزا بين ما يمكن أن نُسميه ضعفات بشرية علينا أن نحتملها في المحبة ونتعايش معها، وبين ما هو أساسي لبناء الوحدة الزوجية الصحيحة والتي لا يمكن التخلي عنها.  وفي هذه الجلسات لا ينسى الخطيبان قول الكتاب: «توكَّل على الرب بكل قلبك، وعلى فهمك لا تعتمد.  في كل طرقك اعرفهُ، وهو يُقوِّم سُبُلَكَ» (أم 5:3، 6).

نأتي إلى سؤال آخر ربما يتبادر إلى الذهن وهو: لماذا حدث هذا؟ أ لم نتبع الخطوات الصحيحة في الاختيار؟ أ لم نقض وقتًا طويلاً في الصلاة والصوم؟ أ لم نأخذ المشورة الكافية قبل اتخاذ هذه الخطوة؟ فلماذا حدث هذا؟!

ويمكننا أن نُجيب بالآتي:

  1. علينا أن لا ننسى أننا بشر محدودي المعرفة ونتعرَّض كثيرًا للوقوع تحت تأثيرات فكرية وعاطفية من الداخل والخارج كما أننا كثيرًا ما نتأثر بآراء الأقربين منا وهكذا ندخل في تشويش ذهني ونفسي قد يعطلنا عن تمييز صوت الله لنا، ولا عجب فالكتاب يقول: «القلب أخدع من كل شيء وهو نجيسٌ، مَنْ يعرفه؟ أنا الرب فاحص القلب مُختبر الكُلَى» (إر 10:17).

    لذا من الضروري جدًا التأنِّي وعدم التسرع وامتحان كل شيء وانتظار التأكيدات اللازمة في ضوء حضرة الله قبل اتخاذ قرار الخطبة.
  2. من مراحم الله أبينا المحب الذي يهتم بنا وبحياتنا ليحقق فينا إرادته الصالحة المرضية الكاملة، أنه يتدخَّل في الوقت المناسب لإنقاذنا من أي طريق سلكنا فيه بدون إدراك أو تمييز، ويرى أنه قد يؤثر على حياتنا بصورة سلبية خاطئة يكون إصلاحها مُكَلِّفًا ومُؤلمًا وأكثر من طاقتنا في الاحتمال مثل قرار الزواج.  وهنا سنختبر بحق ما قاله المرنم قديمًا: «يردُّ نفسي.  يهديني إلى سُبُلِ البِرِّ من أجل اسمه» (مز 3:23).  وعندها سنترنم قائلين: «لا تشمتي بي يا عَدُوَّتي، إذا سقطت أقوم.  إذا جلستُ في الظلمة فالرب نورٌ لي» (مي 8:7).

وهنا قد ينخدع البعض قائلين: "إذًا إن كان ممكنًا فسخ الخطبة ولا خطأ في ذلك، فلماذا التأنِّي الكثير في اتخاذ هذه الخطوة؟ دعونا نتمِّم الخطبة ثم نمتحن الأمور بعد ذلك، وإذا ثبت أننا أخذنا خطوة خاطئة نتراجع عنها ونُنهيها".

الحقيقة أن هذا هو خداع إبليس ذاك المكتوب عنه «أنه كذَّاب وأبو الكذَّاب» (يو 24:8).

إن فسخ الخطبة، وإن كان ممكنًا، لكنه يترك أثارًا سلبية مؤلمة في اتجاهات متعددة منها:

  • على الخطيبين:
  1. متاعب نفسية تؤثر على حياتهما الشخصية قد يستمر لسنوات، وبصورة أكثر من جهة الفتاة نظرًا لتكوينها النفسي العاطفي.
  2. المتاعب النفسية قد تؤدي إلى انحناءات روحية تعطل مسيرة الحياة وقد تعطي فرصة لسهام إبليس أن تؤثر على الفكر وتبث فيه الشكوك من جهة صلاح الله ومعرفة مشيئتة وكيفية تميزها في الحياة.
  3. زيادة الصعوبة في أخذ قرار لارتباط جديد وتمييز صوت الله في هذا الأمر والتأثر بأفكار عمل المقارنات التي تكون غير صحيحة بين الماضي والحاضر.
  • على العائلتين:
  1. قد تؤدي هذه الخطوة إلى توتر العلاقات بين عائلتي الخطيبين وحدوث مشاكل بينهما حتى ولو لفترات محدودة.
  2. قد تؤدي إلى خسائر مادية يصعب تعويضها وهي الناتجة عما تم صرفه في الخطوبة أو تجهيزات الزواج.

أخيرًا، وإن كان هذا هو وضع الخطبة وأهميتها، فلكي نتمتع بها ويتحقق فيها قصد الله وتُختم بزواج صحيح نختم حديثنا بالنصائح التالية:

  1. يجب عدم التسرع في اتخاذ قرار الخطبة.  وعلى الطرفين أن يأخذا وقتًا كافيًا لامتحان الأمور في حضرة الرب حتى يكون لديهما التأكيدات الكافية التي معها يستطيعان أن يقولا بصدق: «من عند الرب خرج الأمر».
  2. الحذر من اعتبار فترة الخطبة فترة اختبار وامتحان لمعرفة هل هذا الشخص هو فعلاً الملائم والمُناسب لي؟! إن هذا يعني أن الخطوة كانت متسرعة ولم تعتمد على تأكيد حقيقي لقيادة الرب، ومن الجهة الأخرى سيُحرَم الخطيبان من التمتع بهذه الفترة والتجهيز الصحيح للزواج.
  3. تجنب محاولة إرضاء كل طرفٍ للآخر رغمًا عن عدم اقتناعه الداخلي بما يحدث ولبس أقنعة غير حقيقية لكسب الآخر والوصول إلى تحقيق رغبات شخصية بدون التركيز على الفهم المتبادل والسير في طريق الارتباط والوحدة الحقيقية.
  4. تجنب أي نوع من الإثارة أو الإشباع الجسدي.  فهذه الفترة هي فترة تجهيز وتقارب نفسي وروحي وفكري فقط، لكي يفهم كلٌ منهما الآخر، من حيث التكوين النفسي والرغبات والاحتياجات والأولويات والنقاط القوية والضعيفة عنده، وعلى كل من الطرفين أن يساعد الآخر في هذا الأمر حتى نُغلق الباب أمام عدو البشرية ولا نُعطيه مكانًا لإفساد التمتع الحقيقي والفائدة الصحيحة التي قصدها الله منها، متذكرين القول: «خطبتكم ... لأقدم عذراء عفيفة» (2كو 2:11).

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com