إن الرسول يدعو القدِّيسين لأن يحسبوه كل فرح حينما يقعون في تجارب متنوعة عالمين أن امتحان إيمانهم يُنشئ صبرًا. وهذا هو المقصود دائمًا من معاملات الله مع خاصته ومن التدريبات التي يسمح بأن يُجيزهم فيها وهو أن يظهر الإيمان الذي يتلذَّذ به، ومتى كان للصبر عمله التام فعندئذ نكون «تامين وكاملين وغير ناقصين في شيء». يا له من يقين مُبارَك في هذه الكلمات ومع ذلك كم من المرات نجد أنه من الصعب ممارسة هذا الصبر، الأمر الذي يدل على ما فينا من عنصر عدم الثقة الذي هو علة هذه الصعوبة، فإن إيماننا وإدراكنا التام بأن الكأس مُقدَّم لنا من يد أبينا يجعلاننا نسأل مع مثالنا الكامل، الذي لم يكن في حاجة لأن يتضع لكي يرتفع: «الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها؟». وهذا السؤال لا يكون محتاجًا إلى جواب عندما نعرف هذا الآب وأنه لنا بكل محبة قلبه.
وطريق الاحتمال بصبر هو الطريق لكي نكون «تامين وكاملين غير ناقصين في شيء». وكم هو سهل طريق الوصول إليه، إنه البساطة بعينها ولكن المُشكلة هي أننا لسنا بسطاء. إن الأمر بسيط وفي غاية الوضوح والاختصار. الله كُلِّي القدرة، كُلِّي الحكمة، كُلِّي الصلاح. وهو لنا بكل هذه الصفات، فماذا يجب أن يكون حالنا وهو أبونا ونحن أولاده حتى إذا سمح لنا بظروف صعبة؟ ولنا في سيِّدنا مثال رائع عن العبد الكامل الذي وهو يُعاني أقسى تجربة يمكن تصورها، تجربة كانت تتزايد في شدتها حتى وصلت إلى الموت موت الصليب، موت العار والإهانة، استطاع وهو رب المجد أن يحتمل كل شيء بسكوت وصبر ولم يفتح فاه. «ظُلِم أما هو فتذلَّل ولم يفتح فاه. كشاة تُساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه». وهكذا كان له المجد ضابطًا لنفسه في كل الظروف والأحوال. فضلاً عن ذلك، فبينما هو «لم يعمل ظلمًا» كما يشهد عنه النَّبي من الجهة الواحدة، فإنه من الجهة الأخرى «لم يكن في فمه غش». والظُلم يأتي من سوء استخدام السلطة، والغش هو حيلة الضعيف. وفي الرب لم يوجد هذا ولا ذاك. فالتجربة الكاملة التي وقعت عليه برهنت برهانًا كاملاً على كمال الفضل الذي فيه. فإن طاعته لمشيئة الله كانت طاعة فريدة، ذاك الذي لم يكن مشهد الخطية إلا مصدر ألم لنفسه.
ليتنا نتعلَّم أن ننتظر الرب في وسط التجارب بصبر كامل يثق أنه لا بد أن يتعظَّم أخيرًا.