نحن نعلم أن المسيح علَّم بحقيقة وحدانية الله، لكن هل قال المسيح شيئًا عن الثالوث؟

   نعم لقد أوضح المسيح حقيقة وحدانية الله، فعندما سأله واحد من الكتبة عن أول الوصايا، أَجَابَهُ يَسُوعُ: «إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلَهُنَا رَبٌّ وَاحِد» (مرقس 12: 29).  وفي إجابته هذه اقتبس المسيح ما ورد في سفر التثنية 6: 4 ، وهو بذلك يصادق على كتابات العهد القديم كما فعل كثيرًا، وأيضًا يؤكِّد لنا المسيح أن إعلان العهد الجديد عن الله هو بعينه إعلان العهد القديم.  بعبارة أخرى أن الكتاب المقدس بعهديه يُعلن إلهًا واحدًا لا سواه.

   قال المسيح أيضًا في يوحنا 5: 44 «كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تَقْبَلُونَ مَجْدًا بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ؟ وَالْمَجْدُ الَّذِي مِنَ الإِلَهِ الْوَاحِدِ لَسْتُمْ تَطْلُبُونَهُ؟».

   لكن المسيح لم يتوقَّف عند إعلان الوحدانية، فكما تكلَّم العهد القديم عن نوع وحدانية الله، الوحدانية الجامعة لأقانيمه، هكذا تكلَّم المسيح بأسلوب الجمع عن الله قائلاً لنيقوديموس في يوحنا 3: 11 «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّنَا إِنَّمَا نَتَكَلَّمُ بِمَا نَعْلَمُ وَنَشْهَدُ بِمَا رَأَيْنَا».  وأوضح المسيح لاحقًا أنه يتكلَّم باسم الأقانيم قائلاً عن نفسه وعن الآب:

 «أَنَا هُوَ الشَّاهِدُ لِنَفْسِي وَيَشْهَدُ لِي الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي» (يوحنا 8: 18).

وعن الروح القدس قال: «وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي» (يوحنا 15: 26).
   وفي أول عظة له في مجمع الناصرة اقتبس المسيح ماسُجِّل عنه بالنبوة في نبوة إشعياء 61.

«رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْي بِالْبَصَرِ وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ».  ثُمَّ طَوَى السِّفْرَ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْخَادِمِ وَجَلَسَ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ.  فَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: «إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هَذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ» (لوقا 4: 18- 21).  ونلاحظ هنا الثلاثة أقانيم: فالروح هو الروح القدس، والرب هو الآب الذي مسحه، والمُتكلِّم هو الابن الممسوح.

   وفي حديثه مع المرأة السامرية في يوحنا 4 : 10 قال المسيح: «لو كنت تعلمين عطية الله، ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب، لطلبت أنت منه فأعطاك ماءً حيًا».  وهنا أيضًا نرى الإعلان عن الثالوث.  فالله الآب هو المُعطي، والماء الحي (والمقصود به الروح القدس كما في يوحنا 39:7) هو العطية، والابن هو المتكلِّم والظاهر في المشهد.

   وفي إعطائه الوعد بإرسال الروح القدس تكلَّم المسيح عن الأقانيم الثلاثة في إنجيل يوحنا 14: 16، 17 قائلاً: «وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ  رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ».

   وفي تكليفه لتلاميذه بالمأمورية العُظمى قبل صعوده للسماء مباشرة، تَقَدَّمَ يَسُوعُ وَكَلَّمَهُمْ قَائِلاً: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ  فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ.  وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ» (متى 28: 18-20).

   وهنا يوضح المسيح أن المعمودية المسيحية تتم باسم الله الواحد المثلث الأقانيم، فقوله “باسم” بالمفرد وليس بالجمع “أسماء”، يفيد الوحدانية فالله واحد، ولكن مَنْ هو هذا الإله الواحد؟ إنه هو : “الآب وَالاِبْن وَالرُّوح الْقُدُس”.

   وقد أعلن المسيح نفسه كابن الله، الأقنوم الإلهي، وتكلَّم أيضًا عن الآب باعتباره الله الآب، ولنأخذ مثالاً واحدًا:  ففي كلامه مع اليهود في يوحنا 17:5-23 َأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ».  فَمِنْ أَجْلِ هَذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ بَلْ قَالَ أَيْضًا إِنَّ اللَّهَ أَبُوهُ مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِاللَّهِ.  فَقَالَ يَسُوعُ لَهُمُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَقْدِرُ الاِبْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهَذَا يَعْمَلُهُ الاِبْنُ كَذَلِكَ.  لأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الاِبْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ وَسَيُرِيهِ أَعْمَالاً أَعْظَمَ مِنْ هَذِهِ لِتَتَعَجَّبُوا أَنْتُمْ.  لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي كَذَلِكَ الاِبْنُ أَيْضًا يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ.  لأَنَّ الآبَ لاَ يَدِينُ أَحَدًا بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلاِبْنِ لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الاِبْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ. مَنْ لاَ يُكْرِمُ الاِبْنَ لاَ يُكْرِمُ الآبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ».

   وتكلَّم المسيح أيضًا عن الروح القدس بإعتباره أقنوم إلهي حينما قال في يوحنا 15: 26«وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي».

   ومن خلال هذه الأقوال والكثير غيرها نرى أن المسيح قد تحدَّث بإفاضة عن الثالوث.