عدد رقم 1 لسنة 2010
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الدراسات النفسية وقيمتها الروحية  
الدراسات النفسية بصفة عامة لها جاذبية خاصة عند كثير من الناس.  وعلم النفس هو علم دراسة الإنسان وسلوكياته وتفاعلاته النفسية.  دراسة أنواع الشخصيات المختلفة، وعواطف الإنسان وغرائزه وأفكاره، وردود أفعاله ودوافعه.  دراسة العقل الواعي والعقل الباطن، ومحاولة تحليل الدوافع وتفسيرها.  ومَنْ يدرس هذه الأشياء يتوهم أنه أصبح يعرف كل شيء عن الإنسان، وأنه يستطيع أن يُفسِّر كل شيء في سلوكيات البشر.  والطب النفسي، هو العلم الذي يتعامل مع العلل الموجودة في الكيان الإنساني: الأفكار الخاطئة، والمشاعر المضطربة والمتألمة، التفاعلات والدوافع الخاطئة، ويحاول أن يجد علاجًا لهذه العلل سواء تفاعلية أو عقلية.  وهو علم مثل بقية العلوم، لكنه علم يختص بما في داخل الإنسان، بينما بقية العلوم، مثل علم النبات أو الفلك أو التاريخ ... إلخ تتعامل مع الظروف المحيطة.

هذا العلم هو المجال الذي يلجأ إليه الإنسان في أزماته: عندما يشعر باضطراب في داخله، أو عندما يفشل في التأقلم مع الظروف المحيطة به.  ويظن البعض أن هذا العلم هو الحل السحري لكل مشاكله المستعصية، وهو مجال فك كل أنواع الغموض في حياته.

خلط الروحيات بالنفسيات:

لأسباب مثل هذه وغيرها لجأ كثيرون من العاملين في المجال الروحي والخادمون لمحاولة إدخال هذا العلم وهذه المادة في أجواء الخدمة الروحية.  فانكب كثيرون منهم على دراستها وظنوا أن هذا أهم مؤهلاتهم في الخدمة الروحية.  ولجأ الغالبية للبحث عنها واستخدامها، حتى أننا الآن نادرًا ما نجد برنامجًا روحيًا في اجتماع أو في مؤتمر إلا ويحوي المواضيع النفسية.

طبعًا، في المجالات الروحية، ليس هناك اعتراض على دراسة معاناة البشر بمسمياتها العلمية المختلفة.  لكن هل دراسة هذه المشاكل وتحليلها المبني على أُسس نفسية، وتقديم الحلول والمشورات النفسية لها هو الخدمة الروحية الصحيحة؟ هل الخدمة الروحية هي مجرد علاج نفسي؟ أو هل الحل الأصح هو خلط العاملين معًا فتُقدَّم الخدمة الروحية مخلوطة بالنظريات النفسية التي تحاول إصلاح سلوك الإنسان؟

مشاكل البشر والمؤمنين، هل هي نفسية أم روحية؟

كثيرًا من المشاكل النفسية سببها روحي مثل الشعور بالذنب وهياج الضمير وما يترتب عليه من ضيق وآلام نفسية.  وكذلك كثير من المشاكل الروحية  لبعض الأفراد والمؤمنين سببها نفسي مثل الاعتداد بالذات والخوف ... إلخ.

كما أن هناك تداخلاً في تفاعلات الكيان الإنساني كله، ففي الآلام أو في الأفراح نجد أن الروح والنفس والجسد يعملون معًا.  فعندما كان داود متألمًا اعتلَّ كيانه كله، مع أن السبب المباشر كان خللاً روحيًا، حتى أنه قال: «اشفني يا رب لأن عظامي قد رجفت (جسده)، ونفسي قد ارتاعت جدًا (نفسه).  وأنت يا رب، فحتى متى؟ (روحه)» (مز 2:6، 3).  وعندما امتلأ بالأشواق الروحية نحو الله نسمعه يقول: «يا الله إلهي أنت.  إليك أُبكِّر (روحه). عطشت إليك نفسي (نفسه)، يشتاق إليك جسدي (جسده)» (مز 1:63).

النفسيات وماذا تقدم في العمل الروحي:
  1. علم النفس يُقدِّم تفسيرًا لما هو حادث في حدود النفس (العواطف، والغرائز وعطشها، وردود الأفعال).  لكن لا علاقة له مطلقًا بالروح.  فالروح وما هي؛ وما هي احتياجاتها لا يُدرَّس مطلقًا في دوائر العلوم النفسية.
  2. هو مجموعة نظريات مختلفة، اخترعها مجموعة من العلماء.  قد تتفق وقد تتعارض مع بعضها تمامًا.  وكل منهم يُصر على صحة نظريته وفروضه.  وهذه النظريات تتغيَّر بخروج نظريات أخرى.
  3. لا يوجد في النظريات النفسية، وهي لا تعترف بما يُسمَّى حلاً لمشكلة الخطية ونتائجها، فلا علاقة لها بالتوبة وغفران الخطايا.  الأمور التي تُعتبَر السبب الرئيسي لأغلب معاناة البشر، وهي تختص بعلم الروح.  كما أنها لا تُقدِّم الحل الإلهي أو الإمكانيات الإلهية الموجودة في الله نفسه لخير الإنسان.
  4. أهم شيء في النظريات النفسية أن الإنسان يحاول أن يسعد نفسه على ما هو عليه.  ويسعى لسداد الاحتياجات والإشباع النفسي، وتدليل النفس وإزالة كل عائق في طريق إرضائها والتجاوب مع رغباتها.
  5. أصحاب هذه النظريات، كثيرون منهم ينطبق عليهم القول: "أيها الطبيب اشف نفسك".  فقد عاشوا وماتوا بمشاكل نفسية لم تستطع أن تحلها نظرياتهم التي اخترعوها لحل مشاكل غيرهم.  من عظمائهم مَنْ مات مُدمنًا، ولم يستطع تحرير نفسه.  ومنهم مَنْ عاش بخيانة زوجية لم يجد لها حلاً.  وكثيرون منهم عاشوا وماتوا مُلحدين لا يعترفون بوجود الله.  ومن أكثرهم شهرة (يونج) مَنْ تطاول على الله وقدَّم في أحد كُتبه تحليلاً نفسيًا لله نفسه، ووضع الله تحت المنظار، وقام بتحليل وتفسير دوافعه، حسب ما يرى الإنسان السقيم طبعًا.  مما يجعلك تُصاب بالرعب من هول ما كتب.  فكيف نقبل تقديم خدمة روحية للنفوس وحلاً لمشاكلهم على أساس نظريات هؤلاء هم من اخترعوها.

ما هو المطلوب في العمل الروحي؟

بالنسبة لخادم الرب. ما هو هدفه؟ ما هي مؤهلاته؟ ما هي عُدَّته الضرورية التي لا غنى عنها؟ هل بالضرورة لكي ينجح ينبغي أن يتعمَّق في الدراسات النفسية؟ في أي شيء سيساعده علم النفس؟ ما الذي ينبغي أن يتجنبه ويبتعد عنه، وما الذي يتمسَّك به ليُقدِّمه؟ وبماذا تمتلئ يداه وهو يخدم الرب؟
  1. الحكمة البشرية.  والتي تُبنَى عليها النظريات النفسية، هي من أكثر الأشياء التي ينبغي أن يتحذَّر منها مَنْ يريد أن يُقدِّم المسيح للنفوس.  فهو يُقدِّم المسيح كالحل الإلهي الصحيح، ويكرز «لا بحكمة كلامٍ (نظريات بشرية)، لئلا يتعطَّل صليب المسيح ...» (1كو 17:1).  «وأنا لما أتيت إليكم أيها الإخوة، أتيت ليس بسمو الكلام والحكمة ... وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع، بل ببرهان الروح والقوة» (1كو 1:2-4).
  2. مخاطبة الروح.  وليس مجرد النفس.  فهو يُقدِّم المسيح، ليس فقط للمشاعر، بل للإدراك الواعي لمَنْ يخدمهم.  إنه يخاطب الضمير، ويُصلِّي لكي يتعامل الرب مع القلب، وليس مجرد المشاعر.  فأحيانًا كثرة تغذية وتدليل المشاعر يُبلِّد الضمير.
  3. كلمة الله.  تكفي جدًا إذا أحسن الخادم تسليح نفسه بها، وإذا استخدمها الروح القدس في خدمته.  وما لا تستطيع أن تصل إليه الكلمة وتعالجه في الداخل، فستفشل معه كل النظريات النفسية.  إن كلمة الله «حيَّةٌ وفعَّالةٌ وأمضى من كل سيف ذي حدين، وخارقةٌ إلى مَفرق النفس والروح ...» (عب 4).
  4. مبدأ الشعور بالاحتياج وأهميته في الخدمة.  فالله يسمح بالاحتياجات لتلجأ النفس إليه، وليكون هو ونعمته وسيلة سداد هذه الاحتياجات، سواء نفسية أو مادية أو خلافه.  وبالتالي أن يكون هدف الخدمة هو التخفيف عن النفس، وتسديد الاحتياجات دون اللجوء إلى الله، هذا سيؤدي إلى الاستغناء والاستقلال عن الله. وقد قال الرب يسوع: «طوبى للمساكين بالروح ...» (مت 5) الذين يشعرون بالاحتياج، ويضعون كل رجائهم في الله، مدركين مسكنتهم وعدم استحقاقهم. 
  5. تقديم الأصح والأكثر فائدة، وليس بالضرورة الأسهل والأحلى للمخدومين.  ففي بعض الأحيان يكون الأصح مؤلمًا، ولكنه النافع والمفيد.
  6. استحضار الله في المشهد إلى ضمير وقلب المخدوم وإدراك كفايته، وذلك لأضعف عينات البشر، وفي أعقد المشاكل، لتتلامس النفس معه، هو أهم أدوار الخادم.  وهذا ما لا يعترف به علم النفس الذي يقدم كل الحلول ما عدا الله.
  7. توصيل النفس لمصدر السلام الإلهي للحصول عليه، وكذلك امتلاك الله كمصدر القناعة والاكتفاء الحقيقي مهما كانت قلة الإمكانيات.  وماذا يستطيع علم النفس أن يُقدِّم في هذا؟ وهل يقبل علم النفس مثلاً مبدأ إنكار النفس وإهلاكها، أم يحارب هذه المبادئ؟
  8. هذا كله لا يمنع الاستفادة من الطب النفسي في علاج الأمراض النفسية والعقلية وذلك له أخصائيوه.  كما يمكن الاستفادة من الدراسات النفسية البسيطة في المجالات الروحية، فهي قد تكون مفيدة في المساعدة لفهم بعض التفاعلات والاحتياجات للنفس البشرية، نظير الاستفادة من بقية العلوم كالطب والهندسة والفيزياء وخلافه.  لكن هذا لا يتطلب دراسات متخصصة لكل مَنْ يخدم الرب، لأنه ليس وسيلة علاجية مطلقًا، ولا تصلح وسائله العلاجية في الخدمة الروحية للنفوس.
وقناعتي الشخصية في النهاية أن التكثيف من اللجوء إلى استخدام الدراسات النفسية في الخدمة الروحية، هو دليل على الفقر الروحي تجاه الله وكلمته.  والتوسع فيه سوف يُقدِّم للنفوس مزيدًا من الخرنوب لتُملأ البطن منه، بينما عند الرب يوجد "العجل المُسمَّن".  إنه فخٌ جذَّاب ينصبه الشيطان في مجالات الخدمة الروحية لكي يبتعد الخادم والمخدوم عن المسيح وكلمته وتتحوَّل النفوس إلى وسائل علاجية مُخرِّبة.  فيضيع الوقت والمجهود، ويدخل كثيرون، حتى من غير المؤمنين، فيما يُسمَّى مجال الخدمة الروحية بحجة التخصص النفسي. 

وسنرى ماذا تُقدِّم الدراسات النفسية في المواضيع المختلفة إن تأنى الرب.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com