عدد رقم 1 لسنة 2010
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
إذا عُرف السبب...  
هل تتذكر معي، يومًا رغبت في أن تُكرم الرب، ولم يمرّ إلا القليل وإذ بأفعالك وأقوالك تقول العكس؟!أو مرة، في غمرة انتصار منحك الله إياه، تجد نفسك فجأة منطرحًا حيث ما كنت تتوقع؟!

أو حين كان يُنتَظر منك أن تكون كالشمس مشرقًا، للخير فاعلاً، فإذ بك في الحضيض الأسفل؟! مَنْ منا وهو يسعى في طريقه لم يعانِ السقوط، لا أقول مرة، بل مرات؟!

السقوط! إنها المشكلة المتكررة لطفل في الإيمان، وسبب قلق شديد للحدث في عائلة الله، وحتى الآباء فيها ليسوا بمأمن منه في حد ذاتهم.
ثم بعد السقوط، في المعتاد، نبدأ في البحث عن علاج تارة، أو ننبري لجلد النفس تارة أخرى، أو لوم الظروف، وأسوأ الكل أن نحاول إخفاء النتائج دون علاج حقيقي!!  وقلَّما توقفنا ولو قليلاً لنبحث الأسباب، في حين أن “الوقاية خيرٌ من العلاج”، فالأنسب أن نتعرف على مسببات السقوط، وإذا عُرف سببٌ أمكننا أن ننتبه إليه ونتفاداه.  ولأن ما أصاب رجال الله القديسين كُتب لأجل تعليمنا، لذا سنتتبع بعض مرات في الكتاب المقدس سقط فيها عمالقة، نعم.. العمالقة أيضًا يسقطون، والدروس في سقطاتهم واضحة، وهي لمنفعتنا جميعًا.  ولنبدأ ببطل، أُعلنت له أروع الإعلانات، ليس من دم ولحم، بل من الآب في السماء، فطفق يعلن أعظم إقرار: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!» (مت16: 16).  لكنه في يوم سقط وأنكر نفس الشخص الذي أقر عنه ذلك!!  وأرجو من قارئي العزيز أولاً أن يرجع إلى القصة في إنجيل لوقا 22: 31-62، ثم هيا لنتعلم أسباب سقوط بطرس، ويمكنني أن ألخصها في أنه:

1 - ظن أنه شديد

حذَّر الرب بطرس بالقول: «الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ!»، وأعتقد أن التحذير عينه، بالأولى، هو لنا جميعًا.  وهي حقيقة مع تسليمنا بها إلا أننا ننساها سريعًا، وحري بنا أن نحفرها في أذهاننا؛ أننا في حرب شعواء مع عدو مفترس يجول ملتمسًا ابتلاعنا، ولولا أن الرب لنا لابتلعنا بالفعل، ولولاه في العلى لفنى إيماننا أجمعين. 

ماذا كان رد فعل بطرس؟  لقد انفعل واندفع – كعادته وكثيرون يشاركونه إياها – قائلاً: «يَارَبُّ، إِنِّي مُسْتَعِدٌّ أَنْ أَمْضِيَ مَعَكَ حَتَّى إِلَى السِّجْنِ وَإِلَى الْمَوْتِ!».  ولعل قارئي العزيز يشاركني الاعتقاد بصدق دوافع بطرس هنا، وحسبي دليلاً أنه بالفعل مات من أجل الرب كما أنبأه الرب في يوحنا 21 وكما يحكي التاريخ..  لم تكن المشكلة في رغبته، بل في الإمكانية.  لم يكن يدرك أنه لا يستطيع بإمكانياته أن يفعل ذلك، ففعل العكس!!

ومثله الكثيرون منا الآن - إن لم نكن جميعًا - في رغبة صادقة لإكرام الرب، ربما انفعالاً بخدمة أو موقف ما، أو اندفاعًا وراء حماسة تولَّدت، نسعى بإمكانياتنا لنفعل ذلك.  فنحاول ونحاول، ونَعِد الرب ونعاهده، ونجدِّد العهود، ونجاهد، ونبكي، ونسأل، ونجرِّب طرقًا كثيرة، ونضع على أنفسنا أحمالاً لا قِبَل لنا بها.  ثم تكون الصدمة، أنه بدلاً من أن ننجح في مسعانا، نفعل العكس (ارجع إلى رومية 7)!!

والدرس الذي يجب أن يصل إلينا هنا هو ما لخَّصه السيد في قوله البليغ: «لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا» (يو15: 5).  نعم، لا نقدر فعل أي شيء بدونه، وأؤكد تعبير “أي شيء”.  في حين أن فيه يستطيع كل منا أن يهتف «أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ» (في4: 13)، ودعني أضع هنا للمباينة التعبير “كل شيء”.

وليتحقق ذلك عمليًا، أحتاج أن أفهم وأوقن أنني «مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ» (غل2: 10)!  وليتنا نعلم أن الله، في الصليب، قد “شطب على” الإنسان تمامًا!  وأنه – تبارك اسمه - لا يتوقع من الإنسان أي صلاح.  والوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تنشئ فيَّ أي صلاح هي «فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ».  إن «اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا»؛ فهو منشأ الإرادة والأشواق فينا لأي عمل صالح.  ولكن لندرك أنه أيضًا العامل فينا لكي «تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ» (في2: 13)، ووحده مَنْ يمكنه أن يعطينا الإمكانية لذلك.

2 - ترك السلاح الأكيد

لقد نصح الرب بطرس والتلاميذ بنصيحة نحتاجها اليوم: «صَلُّوا لِكَيْ لاَ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ»، وتقدَّم أمامهم ليعطيهم درسًا عمليًا في ذلك.  ولما عاد ووجدهم نيامًا، كرَّر القول، لأهميته: «لِمَاذَا أَنْتُمْ نِيَامٌ؟  قُومُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ».  فكفانا كسلاً، ودعونا لا نكف عن الوجود في حالة الاعتراف بالضعف منسكبين أمام سيدنا في صلاة تقرُّ بالضعف لكن تستجلب القوة من لدنه.  نعم، نحتاج أن نُصلِّي في القرن الحادي والعشرين كما كان التلاميذ في القرن الأول، وإن امتدت القرون إلى مئة سيبقى احتياجنا إلي السيد لا يُعبَّر عنه إلا بصلاة المسكين الموقن من ضعفه!  مثل هذه الصلاة ينبغي أن تُصلَّى كل حين ولا تُمَل.

3 - تبع الرب من بعيد

أنزعِج دائمًا كلما قرأت القول: «وَأَمَّا بُطْرُسُ فَتَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ»، ولست أنزعج من بطرس، لكن من أني أكثر منه ميلاً لمبدإ “إمساك العصا من المنتصف”.  فالقلب ميال إلى “الحل الوسط”، وإن لم يُعلِن بالفم فسيبقى المبدأ الخادع المخادع “ساعة لقلبك وساعة لربك” ساريًا مع غالبية.  فيكون القديس مع القديسين قديسًا، ومع الأشرار ....  وآهٍ!

إن “الحل الوسط” لا يَعتبِر الرب ربًّا!  فكما يُقال بالانجليزية

”If HE is not Lord IN ALL, HE is not Lord At ALL؛“

 أي “إن لم يكن هو ربًّا في كل شيء، فهو ليس ربًّا على الإطلاق”. 

ومسك العصا من المنتصف لا بد وأن يميل في النهاية إلى العالم، إلى الجسد، إلى الشيطان.  تذكروا لوطًا، أولاً «سَكَنَ فِي مُدُنِ الدَّائِرَةِ» أي ليس داخل سدوم، ولعل ذلك كان ليتيح لنفسة فرصة يومًا أن يرجع إلى مذبح عمه، وفي نفس الوقت يتمتع بالقرب من سدوم.  ثم لقد سكن في «خيامه» وكأنه غريب!  لكن لم يمضِ الكثير إلا ونراه ساكنًا في بيت من بيوت سدوم، بل وقاضيًا من قضاتها!!  ولا نجهل النهاية.

صديقي..  يا لشرف أولئك الذين قيل عنهم «فَعَرَفُوهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا مَعَ يَسُوعَ» (أع4: 13)!  ويا للعار إن كان الأمر عكس ذلك! فاحذر ألا يكون ولاؤك مُطلقًا ومُعلَنًا للرب.  مُعلن في مبادئك، في عاداتك، في كلماتك، في نظراتك (وأقصد بصفة خاصة الشباب)، في مظهرك (وهنا الكلام بصفة خاصة للأخوات)، في تصرفاتك، في مزاحك، في “رنات” تليفونك المحمول!!

دعني أسألك بعض الأسئلة: هل شعار حياتك مثل ذاك الذي قال لمحبوبه: «حَيْثُمَا كَانَ سَيِّدِي الْمَلِكُ، إِنْ كَانَ لِلْمَوْتِ أَوْ لِلْحَيَاةِ، فَهُنَاكَ يَكُونُ عَبْدُكَ أَيْضًا» (2صم 15: 21)؟  هل إن عُرض عليك الشر تصرخ «كَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟» (تك39: 9).  وإن خُيِّرت بين فعل الشر والموت، فهل تقول مع الأبطال «هُوَذَا يُوجَدُ إِلهُنَا الَّذِي نَعْبُدُهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَنَا مِنْ أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ... وَإِلاَّ (أي إن لم ينجِّنا) فَلِْيَكُنْ مَعْلُومًا لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَنَّنَا لاَ نَعْبُدُ آلِهَتَكَ» (دا 3: 17، 18).

بل دعني أعطيك أمثلة أبسط: إن جاء وقت الطعام وأنت في مكان عام، هل تخجل أن يراك الناس مغمضًا عينك محنيًا رأسك مقدِّمًا الشكر لإلهك؟  هل تجد نفسك مضطرًا أحيانًا لإخفاء مظاهر مسيحيتك؟  هل تتهرب من ذكر اسمك بالكامل خوفًا من شيء ما؟

بالطبع قارئي يفهمني أنني لست أقول أن هذه هي مظاهر الولاء للرب أو تبعيته، فهو أمر داخلي في القلب، لكنها محكات يُمتحن عليها هذا الولاء وتلك التبعية.  فليتنا نتبعه بكل القلب مظهرين كل الولاء له، ففي ذلك حفظ كبير لنا من السقوط.

4 - جلس وسط العبيد

كانت ذروة السقطة عندما فرَّط بشفتيه بأنه لا يعرف السيد، وأمام مَنْ؟  أمام العبيد!!  والبداية هي في قول الكتاب «وَلَمَّا أَضْرَمُوا نَارًا فِي وَسْطِ الدَّارِ وَجَلَسُوا مَعًا، جَلَسَ بُطْرُسُ بَيْنَهُمْ».  لقد جذبه دفء “اللمة”، والاحتياج للعلاقات الاجتماعية الكامن في داخل الإنسان، لكنه أساء اختيار الرفقة؛ فكان ما كان! 

علَّك تشاركني أن هذا ما كان ليحدث لو وقف بطرس مع يوحنا، أعتقد أنه كان سيتشجع على الصمود!  ولا كان سيحدث لو وقف وحده منتظرًا معونة من الأعالي.

سيبقى المبدأ الكتابي راسخًا: «لاَ تَضِلُّوا: فَإِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ» (1كو 15: 33).  فماذا تتوقع إن كان أصدقاؤك ممَنْ كلامهم مملوءٌ بالإثم الصريح، والتلميحات الشريرة، مشحونًا بالشر، و«أَرْجُلَهُمْ تَجْرِي إِلَى الشَّرِّ (وأماكنه وملاهيه)» (أم1: 16)؟  هل تتوقع أن يقودك هذا إلى سجود أم سقوط؟!  إلى شهادة أم نجاسة؟  إلى نصرة أم كسرة؟  إلى سلامة أم ندامة؟!

ليتنا “لا نضل”، ونحسن اختيار الرفقة.

لقد ظن أنه شديد، وترك السلاح الأكيد، تابعًا الرب من بعيد، ومن ثم جلس وسط العبيد؛ فكانت النتيجة أنه أنكر السيد المجيد!!  فليتنا نتحذر.

على أني أشجعك، قبل أن أتركك على أمل لقاء قريب – إن تأنى الرب.  أشجعك إن كنت ساقطًا، أن الرب لم يترك بطرس هكذا، بل نظر إليه نظرة الحب التي أذابت قلبه وقادته لتوبة بدموع، ثم بعد القيامة أرسل طالبًا إياه بالاسم (مر16: 7)، وظهر له خصيصًا (1كو15: 5)، ولم يتركه إلا بعد أن صحَّح كل مفاهيمه (يوحنا 21).  وهو اليوم على استعداد أن يفعل معك مثله.

أما إن لم تكن ساقطًا، و«مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَائِمٌ، فَلْيَنْظُرْ أَنْ لاَ يَسْقُطَ» (1كو10: 12)؛ فدعني أطمئنك أيضًا أن سيدك حي من أجلك، يشفع فيك، يطلب من أجل إيمانك، جاهز دائمًا لتقديم العون.  فارفع قلبك إليه، واستند عليه فيتم فيك القول الجميل «مَنْ هذِهِ الطَّالِعَةُ مِنَ الْبَرِّيَّةِ مُسْتَنِدَةً عَلَى حَبِيبِهَا؟» (نش8: 5)، ونعم السند!

«وَالْقَادِرُ أَنْ يَحْفَظَكُمْ غَيْرَ عَاثِرِينَ، وَيُوقِفَكُمْ أَمَامَ مَجْدِهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي الابْتِهَاجِ، الإِلهُ الْحَكِيمُ الْوَحِيدُ مُخَلِّصُنَا، لَهُ الْمَجْدُ وَالْعَظَمَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالسُّلْطَانُ، الآنَ وَإِلَى كُلِّ الدُّهُورِ. آمِينَ» (يه 24، 25).

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com