أجرى الحوار هاني رفعت
خادم الرب المحبوب أهلاً بك معنا. لدينا تساؤلات عديدة بخصوص موضوع جوهري نريد أن نتحدث فيه اليوم . موضوعنا عن الاتزان بين الوجود في الاجتماعات للعبادة، وبين الكرازة العملية في العالم.
سؤالنا الأول هو: لماذا نحن هنا؟ ولماذا لا نذهب للسماء بمجرد أن ننال الخلاص؟
ج: أعتقد أن عبارتين فقط من عبارات الرب يسوع قالهما في مناسبتين هامتين جدًا تقدمان الإجابة القاطعة على هذا السؤال:
الأولى في صلاته البديعة للآب يقول: «كما أرسلتني إلى العالم أرسلتهم أنا إلى العالم» (يو17: 18).
الثانية في أول اجتماع له مع التلاميذ بعد قيامته يقول لهم:«كما أرسلني الآب أرسلكم أنا» (يو20: 21).
ومن العبارة الأولى نفهم أن المؤمنين كأفراد مرسلين من الرب يسوع للعالم، ومن الثانية نفهم أن الكنيسة ككل هي أيضًا مرسلة منه للعالم. ومن العبارتين نفهم نوع الإرسالية إذ تتكرر كلمة "كما"، فإرساليته لنا للعالم هي امتداد واستكمال لإرسالية الآب له للعالم من جانب معين ألا وهو إظهار وكشف محبة الله لعالم منفصل عنه غارق في الخطية وماض إلى الهلاك. إن تصورات الناس عن الله بسبب الخطية لهي خاطئة بالمَرَّة، بل استطاع الشيطان من خلال الدين أن يقضي على أي تصور صحيح عن الله فكان لا بد أن يتدخل الله ويُقدِّم الصورة الصحيحة له. وكان هذا من خلال الرب يسوع الذي هو كلمة الحياة، الحياة الأبدية التي كانت عند الآب ، ثم من خلالنا نحن الكنيسة لامتلاكنا نفس نوعية حياته أي الحياة الأبدية (1يو1: 1-4).
س 2 : ما هي الأدوات أو الوسائل في تتميم هذه المهمة؟
ج: لكي نتمكن من إظهار حياة الله للعالم لا بد من الشركة العميقة مع الآب ومع ابنه إذ أن هذه هي الحياة الأبدية (يو17: 3). وهذا ما أشار إليه الرب يسوع في يو14 فقد أعلن هناك عدة حقائق:
- أنه هو من الأزل وإلى الأبد في الآب، لكن في يوم تجسده صار الآب فيه، وبالتالي مَنْ رآه فقد رأى الآب، «لَوْ كُنْتُمْ قَدْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضًا. وَمِنَ الآنَ تَعْرِفُونَهُ وَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ. قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ: يَا سَيِّدُ، أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا. قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: أَرِنَا الآبَ؟ أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ؟» (يو14: 7-10).
- في ذلك اليوم، أي يوم الروح القدس، أي يوم وجود الكنيسة على الأرض حدث شيء جديد هو أننا نحن صرنا فيه وهو صار فينا لكي نواصل نفس المهمة فنعمل نفس أعماله ونحيا حياته ليتمجد الآب، «ِفي ذلِكَ الْيَوْمِ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا فِي أَبِي، وَأَنْتُمْ فِيَّ، وَأَنَا فِيكُمْ» (يو14: 20)
- لكي نتمم هذه المهمة لا بد من الشركة العميقة معه ومع الآب وهذه بدورها لا تتأتى إلا بالطاعة الكاملة له بحفظ وصاياه وحفظ كلامه، «اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي. إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً» (يو14: 21، 23).
س 3: مع الشعب القديم كان من الواضح أن الرب لا يريد لشعبه أن يختلط بالشعوب المحيطة بهم. هل تغيَّر هذا الوضع مع الكنيسة؟
ج: بلا شك أن دعوة الله لإسرائيل تختلف عن دعوته للكنيسة في جوانب كثيرة جدًا. لم يكن إسرائيل مُرسَلاً من المسيح للعالم كما هو الحال مع الكنيسة اليوم. بل على العكس كان لإسرائيل مهمة قضائية لإتمام غضب الله على الأموريين، بينما مهمة الكنيسة اليوم هي مهمة خلاصية تبشيرية إذ تذهب للعالم ببشائر الفرح والنجاة من الغضب الآتي والأبدي. لم يستلم إسرائيل أمرًا من الرب أن يذهبوا للعالم أجمع ويكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها، بل استلموا أمرًا بتحريم كل سكان كنعان لاكتمال مكيال إثمهم. ولهذا نحن مُلزمون من الرب أن لا نُخالط زناة العالم، لكن ليس مُطلقًا وإلا يلزمنا أن نخرج من العالم ولا نتمم إرساليتنا. إننا مدعوون للانفصال عن شر العالم في كل صوره، لكننا مدعوون أن نحب الناس الذين في العالم ونختلط بهم كما فعل سيدنا فعاش يجول بينهم ويدخل بيوتهم ويأكل معهم ويشعر بآلامهم ويشترك في أفراحهم المشروعة لكي يوصل رسالة الله لهم بأنه يحبهم وقد أرسل ابنه كفارة لخطاياهم.
ونحن مدينون للرب بالشكر الكثير لأجل المعلمين الأوائل وسط الإخوة الذين شددوا على حتمية التمييز بين إسرائيل والكنيسة. وأعتقد أنك تلحظ مدى التشويش الحادث في المسيحية من جراء الوقوع في الخلط وعدم التمييز بينهما. لكن الواقع المؤلم الذي ألحظه هو ميل القلب البشري للنظام العتيق على الرغم من اضمحلاله وزواله، إذ أنه يناسب الطبيعة البشرية ويشبعها من جوانب كثيرة. ونحن ، وعلى الرغم من امتلاكنا للتعليم الصحيح من جهة هذا الأمر إلا أنني ألحظ ميلنا في بعض التطبيقات أن نعود للخلط. واسمح لي أن أذكر بعض الفروق الهامة التي يجدر بنا أن نتذكرها في التطبيق العملي لمعناها.
لقد أقام الرب شهادة في يعقوب مز78: 5 وكانت الشهادة مكتوبة على لوحين من حجر ومحفوظة في التابوت الموضوع في هيكل مبني من حجارة له مكان جغرافي ثابت. الوضع اليوم مختلف كل الاختلاف كالآتي:
- شهادة الله اليوم منتشرة في كل العالم وليس في يعقوب فقط، فحيثما يجتمع اثنان أو ثلاثة إلى اسمه هناك شهادة لله.
- شهادة الله اليوم مكتوبة في ألواح قلب لحمية بالروح القدس لتكون رسالة المسيح مقروءة ومعروفة، ليس من شعب واحد بل من جميع الناس. وليست تستعرض عشر وصايا ولا ألف وصية بل حياة المسيح.
- هيكل الله اليوم الذي يستعرض مجد الله ليس مبنيًا من حجارة لكنه بيتٌ روحي، يظهر فضائل وأمجاد الذي دعاه.
- هيكل الله اليوم هيكل متحرك يذهب للناس وليس الناس يذهبون إليه! بينما هيكل الله وسط إسرائيل في أفضل حالاته، عندما يبنيه الرب يسوع في الملك الألفي، سيذهب الناس إليه من كل مكان ليتعلموا شريعة الله. لكن بتجسد الرب يسوع قال عن جسده أنه هيكل الله، وبهذا كان يعلن عن هذا التغيير الضخم في سياسة الله. فهو الذي سيذهب مُستحضرًا مجد الله حيث يوجد الناس، وليس العكس. والكنيسة تستكمل ذات المهمة اليوم. إنه يوم النعمة بحق!!
- كانت الشهادة بينهم باللسان العبري، لكن شهادة الله اليوم هي بكل الألسنة. وهذا هو الجانب المضيء في مسألة الألسنة. فالألسنة من ناحية كانت آية وعلامة على قضاء الله على إسرائيل، علامة انتهاء وضعهم المتميز. لكنها من ناحية أخرى كانت تعلن نعمة الله التي اتسعت للجميع.
إذًا الفرق بيننا وبينهم كبير، فهم مدعوون لإقامة شهادة في مكان جغرافي ثابت يمكن للناس في أحسن حالاته أن يأتوا إليه ويتباركوا فيه. وهذا للأسف ما نريد أن نفعله نحن، أن نجلس في مكاننا ويأتي الناس إلينا! بينما رسالتنا المسيحية هي عكس ذلك تمامًا، وهي أن نذهب نحن للعالم ونتواصل معهم ليتمكنوا من قراءة الرسالة.
س 4: هناك دائمًا اتجاه يرى أن الاجتماعات والمؤتمرات هي مجرد ضرب من الرفاهية الروحية ويدعو للانطلاق لعمل الخير والإحسان والرحمة تجاه العالم المتألم لتوصيل بشارة الإنجيل له. وهناك اتجاه آخر معاكس له تمامًا يدعو للانعزال التام عن العالم والتمركز في الاجتماع لأن هذا هو المكان الذي فيه شهادة الله، ولأن نكتفي بأنفسنا واجتماعاتنا ومؤتمراتنا ونشاطاتنا. هل هناك فرق بين الاثنين أو أن هناك خطًا ما يجمعهما؟
ج : يستطيع الجسد أن يتخذ شكلين متضادين تمامًا، ولكن هذين الاتجاهين هما شيءٌ واحد. فالجسد ليس له إلا غاية واحدة وهي إشباع ذاته، طبقًا لنوع شخصية كل واحد. فيوجد من يشبع ذاته بالانطلاق للعالم، ويوجد من يشبع ذاته بالتقوقع حول نفسه والانحصار داخل جدران اجتماعه. وفي الحالتين المحرك هو الجسد. ولكن التوجه الروحي الصحيح هو أنني لايمكن أبدًا أن أقول إنني مسيحي صحيح إن كنت أتجاهل رسالتي نحو العالم. ولا يمكن أبدًا أن أنجز رسالتي نحو العالم دون الاحتياج الشديد جدًا للاجتماع مع إخوتي.
س 5: هل هذا الاتزان مستحيل تمامًا؟
ج : لا بالطبع فأنا شخصيًا لم أرَ شخصًا يقوم برسالته تجاه العالم بصورة صحيحة وهو منعزل عن إخوته. ولا يمكن أن أرى شخصًا له علاقة شخصية حقيقية مع الله لكنه متقوقع حول نفسه واجتماعه ولا يقوم برسالته تجاه العالم. وحيثما تجد التطرف في أحد الاتجاهين تأكد أن هناك خللاً في الحياة الروحية. الحياة الروحية الصحيحة هي أنني أعيش هنا في هذه الحياة نيابة عن المسيح من أجل العالم. ولكن لا يمكن أن أتمم رسالتي من أجل العالم إذا انعزلت عن إخوتي. أنا أحتاج لإخوتي وأحتاج للاجتماع مع إخوتي حيث أبني وأُبنى وأخدم وأُخدَم في كنيستي المحلية لكي أخرج بعد ذلك وأتمم الإرسالية.
س: شكرًا كثيرًا لك يا أخ ماهر، النعمة معك وإلي لقاء أخر.
ج: لا شكر على واجب، النعمة معك.