عدد رقم 2 لسنة 2020
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
النفس ودخول الخطية  

ما الذي حدث للنفس البشرية نتيجة السقوط ودخول الخطية؟

حدث السقوط نتيجة إغراء وإغواء النفس، وأدي الي الخداع الذهني، وإفساد الإدراك والتقييم الصحيح «خَدَعَتِ الْحَيَّةُ حَوَّاءَ بِمَكْرِهَا» (2كو11: 3).  الأمر الذي جعل المرأة تتخذ قرار الأكل من الشجرة، ليس بناءً على الإدراك الواعي، بل بناءً على متعة النظر، وإغواء حلاوة الأكل من الشجرة «فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ ... الشَّجَرَةَ ... فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضًا مَعَهَا فَأَكَلَ» (تك3: 6)، متناسية الأمر والتحذير الإلهي.

ثم بمجرد السقوط تغيّرت نوعية حياة الإنسان البريء.  أصبحت النفس تُعبِّر عن نوعية حياة أخرى، هي حياة الإنسان الساقط.  والإنسان لم يعد مجرد «نَفْسًا حَيَّةً» تُعبِّر عن حياة البراءة، بل أصبح كله كائن نفساني«نَفْسَانِيُّونَ لاَ رُوحَ لَهُمْ» (يه19).  والنفس هنا ليست فقط مُعبِّرة عن هذه الحياة، بل أصبحت النفس مُسيطرة، وأخذت زمام المبادرة في هذه الحياة.  في البراءة كانت الروح - الإدراك والفهم - هي المسيطرة. الطعم والجاذبية والإغراء والإغواء تقدَّمت حياة الإنسان.  إنها مطاليب الحياة النفسية «نَفْسَانِيُّونَ لاَ رُوحَ لَهُمْ».

ونوعية حياة الإنسان الساقط هذة تغيَّر فيها الفكر والقلب «إِذْ هُمْ مُظْلِمُو الْفِكْرِ ... لِسَبَبِ الْجَهْلِ الَّذِي فِيهِمْ بِسَبَبِ غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ» (أف4: 17، 18).  وتغيرت الإرادة أيضًا «جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً» (رو5: 19).  والنفس أصبحت تخدم وتعبر عن هذه النوعية من الحياة.

وماذا عن موقف هذا الإنسان الطبيعي النفساني من أمور الله؟ .الإجابة:«الإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ لأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ، وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ لأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ رُوحِيًّا» (1كو2: 14).

 هذه الحياة النفسانية تمتلئ بالأنانية، والرغبة في تعظيم الذات، والمتعة.  أصبح الإنسان يتمركز حول نفسه، وكل أنشطته هي لخدمة ذاته.  وامتلأت هذه الحياة بالصراع.  وهو صراع بين الممتع (مطاليب النفس)، وما هو صحيح (مطاليب الروح).  لكن أصبح المُمتع دائمًا هو المُسيطر، سواء متعة سريعة أو مؤجلة.

 أصبح هذا المنهج السلوكي الذي يندفع إليه الإنسان بسرعة، هو السبب الرئيسي لكل مآسي الإنسان الحالية: مثل الإدمان، سواء إدمان المواد الكيماوية مثل المخدرات والعقاقير.  أو إدمان السلوكيات الخاطئة، مثل الانحراف والشذوذ.  أو إدمان وسائل التواصل الاجتماعي «مُسْتَعْبَدِينَ لِشَهَوَاتٍ وَلَذَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ» (تي3: 3).

 رغبات النفس وأشواقها وسيطرتها في الإنسان الطبيعي قد تكون عائقًا في طريق الإيمان، فقد يمنعه ذاته وكبرياؤه «كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تَقْبَلُونَ مَجْدًا بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَالْمَجْدُ الَّذِي مِنَ الإِلَهِ الْوَاحِدِ لَسْتُمْ تَطْلُبُونَهُ؟» (يو5: 44).  أو قد تمنعه رغبات النفس للحصول على المتعة واللذة «لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا الْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِالإِثْمِ» (2تس2: 12).

وباختصار نتعلَّم من الكتاب أن دخول الخطية أفسد حياة البراءة تمامًا، وغيَّر صنف هذه الحياة، بلا رجعةٌ أو إصلاح، وأصبح الإنسان كائنًا نفسانيًا، تلح عليه وتحركه وتتحكم فيه وتسيطر عليه، متطلبات نفس الإنسان الساقط، التي يحركها القلب وفراغه الذي لا يمتلئ، والإرادة المستعبدة، والفكر الذي أفسدته الخطية.

الإيمان المسيحي وأثره على النفس:

كما سبق القول إن النفس هي التي تعبّر عن نوعية الحياة . ففي حالة البراءة كانت النفس تعبر عن حياة الإنسان البريء، التي تستمتع وتتفاعل في أجواء البراءة وعدم وجود الخطية. وبعد السقوط أصبحت النفس تُعبِّر عن حياة الإنسان الطبيعي النفساني الساقط.

 لكنِّ الإيمان يجعل النفس تعبر عن نوعية أخري من الحياة. فالإيمان المسيحي يُعطي المؤمن حياة جديدة مختلفة «اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ» (يو3: 36). ليست هذه هي حياة الإنسان الساقط، ولا حتى هي حياة الإنسان في حالة البراءة. لكن بالولادة الجديدة، وارتباط المؤمن بالمسيح، تتدفق حياة المسيح في كيانه؛ إنها حياة جديدة لم تكن موجودة قبل ذلك. إنها نوعية حياة سماوية «كَمَا هُوَ السَّمَاوِيُّ هَكَذَا السَّمَاوِيُّونَ أَيْضًا»(1كو15: 48). إنها دائرة الخليقة الجديدة التي رأسها المسيح«إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا» (2كو5: 17).  هذه الحياة ظهرت في المسيح عندما كان على الأرض.

 النفس في هذه الحالة تُعبِّر عن هذه النوعية من الحياة.  فما يُفرّح النفس هو ما تُمليه عليها الحياة الجديدة، مع بقاء تركيبته النفسية كما هي؛ يظل العاطفي كما هو، ويظل مُعامل الذكاء كما هو.  لكن رغبات الطبيعة الجديدة وغرائزها هي التي تُعطي طعم لحياة المؤمن وانفعالاته. فهو يستمتع ويفرح وينفعل بكل ما هو إلهي. والذي يحكم تفاعلات النفس المختلفة هي اليقينيات والمبادئ الإلهية الثابتة، مما يجعل المؤمن - مع أن له نفس التركيبة النفسية - يختلف في أفراحه وأحزانه، في سلامه وخوفه، في أفعاله وردود أفعاله، وفي كل تفاعلاته النفسية، عن قبل الإيمان.  من حقه مثلاً أن يفرح ويستمتع بسلام في كيانه الداخلي، كان من المستحيل أن يكون له بدون إيمان«اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ ... لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ ... وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْلٍ، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (في4: 4-7).


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com