كنا
في العدد السابق قد أجبنا على السؤالين :
من
أي نسل سيأتي المسيح؟
أين
سيُولد المسيح؟
والأن
سنجيب على السؤال الثالث : متى يولد المسيح؟
لقد
اضطرب هيرودس الملك وجميع أورشليم معه عندما جاء مجوس من المشرق - حكماء وعلماء فى
علم الفلك ودراسة النجوم- قائلين: «أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟»
(مت2:
1-6)، والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف عرفتم أن ملكًا عظيمًا لليهود قد وُلِد؟ وأما عن إجابة السؤال فقد قالوا: «فَإِنَّنَا
رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ». ربما استفاد هؤلاء المجوس مما جاء في نبوة بلعام؛
العرَّاف النبي الكذاب عندما قال: «يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ، وَيَقُومُ
قَضِيبٌ مِنْ إِسْرَائِيل، فَيُحَطِّمُ طَرَفَيْ مُوآبَ، وَيُهْلِكُ كُل بَنِي
الوَغَى» (عد24: 27). ربما يكون ذلك! أو ربما كان دليلهم دراسة النجوم والكواكب بالإضافة
إلى إرشاد الله القدير بعمل معجزي خاصة أن «النَّجْمُ الَّذِي رَأَوْهُ فِي
الْمَشْرِقِ يَتَقَدَّمُهُمْ حَتَّى جَاءَ وَوَقَفَ فَوْقُ، حَيْثُ كَانَ
الصَّبِيُّ. فَلَمَّا رَأَوُا النَّجْمَ
فَرِحُوا فَرَحًا عَظِيمًا جِدًّا. وَأَتَوْا
إِلَى الْبَيْتِ، وَرَأَوْا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ. فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ. ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ
هَدَايَا: ذَهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا» (مت2: 9-11). هل هم أمم تهودوا وعرفوا عظمة يهوه، وآمنوا به،
ودرسوا النبوات، واهتموا بحساب السنين حسب أسابيع دانيال السبعين (التي سيأتي الحديث
عنها بعد قليل)؟ أم هم يهود متغربين في
سبيهم، خبيرين بالأزمنة والأوقات، أرشدهم الله عن طريق النجوم؟ أو جميع الاحتمالات السابقة؟ أم شيئًا آخر بخلاف كل ما سبق؟
لقد
سُبِّيَ شعب الله قديمًا، وتشتتوا في كل بلاد المشرق. ويقينًا أن الرب لا يترك نفسه بلا شاهد، وعندما
كان الشعب يطلب تدخل الله في أزماته المتكررة والمتلاحقة، كان الله يُظهِر أمانته، ويُخلص شعبه خلاصًا
عظيمًا «وَكَثِيرُونَ مِنْ شُعُوبِ الأَرْضِ تَهَوَّدُوا» (أس8: 15-17). ولقد اعترف ملوك كثيرون بأن إله إسرائيل هو «وَقَالَ
الْمَلِكُ لِدَانِيآلَ: حَقًّا إِنَّ إِلَهَكُمْ إِلَهُ الآلِهَةِ وَرَبُّ
الْمُلُوكِ وَكَاشِفُ الأَسْرَارِ» (دا2: 47)، وقد أصدر نَبُوخَذْنَصَّرُ ملك بابل
أمرًا «بِأَنَّ كُلَّ شَعْبٍ وَأُمَّةٍ وَلِسَانٍ يَتَكَلَّمُونَ بِالسُّوءِ عَلَى
إِلهِ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ، فَإِنَّهُمْ يُصَيَّرُونَ إِرْبًا
إِرْبًا، وَتُجْعَلُ بُيُوتُهُمْ مَزْبَلَةً، إِذْ لَيْسَ إِلهٌ آخَرُ يَسْتَطِيعُ
أَنْ يُنَجِّيَ هكَذَا» (دا3: 29). وقال
أيضًا: «فَالآنَ، أَنَا نَبُوخَذْنَصَّرُ، أُسَبِّحُ وَأُعَظِّمُ وَأَحْمَدُ
مَلِكَ السَّمَاءِ، الَّذِي كُلُّ أَعْمَالِهِ حَقٌّ وَطُرُقِهِ عَدْلٌ، وَمَنْ يَسْلُكُ
بِالْكِبْرِيَاءِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُذِلَّهُ» (دا4: 37). وقال الملك داريوس: «مِنْ قِبَلِي صَدَرَ أَمْرٌ
بِأَنَّهُ فِي كُلِّ سُلْطَانِ مَمْلَكَتِي يَرْتَعِدُونَ وَيَخَافُونَ قُدَّامَ
إِلَهِ دَانِيآلَ، لأَنَّهُ هُوَ الإِلَهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ إِلَى الأَبَد،ِ
وَمَلَكُوتُهُ لَنْ يَزُولَ وَسُلْطَانُهُ إِلَى الْمُنْتَهَى. هُوَ يُنَجِّي وَيُنْقِذُ وَيَعْمَلُ الآيَاتِ
وَالْعَجَائِبَ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ. هُوَ الَّذِي نَجَّى دَانِيآلَ مِنْ يَدِ
الأُسُودِ» (دا6: 26، 27).
لقد
انتشرت معرفة يهوه إله إسرائيل بين الأمم، ورغب البعض في مزيد من المعرفة. ولنسأل أنفسنا: كيف يمكن أن نعرف موعد ميلاد
المسيح من خلال دراسة أسابيع دانيال السبعين؟ جاء في كلام الملاك جبرائيل إلى النبي دانيال:
«سَبْعُونَ
أُسْبُوعًا قُضِيَتْ عَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى مَدِينَتِكَ الْمُقَدَّسَةِ
لِتَكْمِيلِ الْمَعْصِيَةِ وَتَتْمِيمِ الْخَطَايَا، وَلِكَفَّارَةِ الإِثْمِ،
وَلِيُؤْتَى بِالْبِرِّ الأَبَدِيِّ، وَلِخَتْمِ الرُّؤْيَا وَالنُّبُوَّةِ،
وَلِمَسْحِ قُدُّوسِ الْقُدُّوسِينَ. فَاعْلَمْ
وَافْهَمْ أَنَّهُ مِنْ خُرُوجِ الأَمْرِ لِتَجْدِيدِ أُورُشَلِيمَ وَبَنَائِهَا
إِلَى الْمَسِيحِ الرَّئِيسِ سَبْعَةُ أَسَابِيعَ وَاثْنَانِ وَسِتُّونَ أُسْبُوعًا،
يَعُودُ وَيُبْنَى سُوقٌ وَخَلِيجٌ فِي ضِيقِ الأَزْمِنَةِ. وَبَعْدَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ أُسْبُوعًا
يُقْطَعُ الْمَسِيحُ وَلَيْسَ لَهُ، وَشَعْبُ رَئِيسٍ آتٍ يُخْرِبُ الْمَدِينَةَ
وَالْقُدْسَ، وَانْتِهَاؤُهُ بِغَمَارَةٍ، وَإِلَى النِّهَايَةِ حَرْبٌ وَخِرَبٌ
قُضِيَ بِهَا. وَيُثَبِّتُ عَهْداً مَعَ
كَثِيرِينَ فِي أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ، وَفِي وَسَطِ الأُسْبُوعِ يُبَطِّلُ
الذَّبِيحَةَ وَالتَّقْدِمَةَ، وَعَلَى جَنَاحِ الأَرْجَاسِ مُخَرَّبٌ حَتَّى
يَتِمَّ وَيُصَبَّ الْمَقْضِيُّ عَلَى الْمُخَرِّبِ» (دا9: 24-27).
ولكي نفهم النص السابق دعونا نعرف ما يلي:
هذه الأسابيع هي أسابيع سنين وليست أسابيع أيام.
مقسمة إلى (7+62+1). تخص هذه الأسابيع شعب اليهود، ولا دخل للكنيسة بهذه
الأسابيع مطلقًا. والأسبوع الأخير يبدأ
بعد اختطاف الكنيسة. 7 أسابيع = 49 سنة
وفيها تم بناء مدينة أورشليم في ضيق الأزمنة. 62 أسبوع = 434 سنة هي فترة الصمت في الوحي التي
انتهت بظور المسيح في الجسد ثم قطعه بالصلب.
وقت خروج الأمر لتجديد (رد) أورشليم، أي بنائها (الأسوار والبيوت) حسب نحميا
2: 1-8 بأمر من الملك ارتحشستا، كان نحو عام 445 ق. م. رفض المسيا بعد 69 أسبوعًا أي (69×7) أي 483 سنة،
هي حاصل جمع 434 مع49، والآن 445 ق. م. وبعد 483 سنة إذًا نحن الآن في سنة 38
ميلادية، تاريخيًا صُلِبَ المسيح 29م، الفرق 9 سنين وبالنظر إلى أن حساب السبعون
أسبوعًا يتم بحساب أن السنة النبوية 360 يومًا لا 365 يومًا، يزول هذا الفارق.
إن
الأتقياء اليهود الذين كانوا ينتظرون بشوق ظهور المسيح، كان بإمكانهم أن يحسبوا
أنه لا بد أن يقطع المسيح نحو عامي 28 أو 29 وإن لم يكن بإمكانهم أن يحسبوا المدة
التي سيعيشها المسيح، والمسيح - تبارك اسمه -
ربما يكون موجودًا وسطهم آنذاك، وربما هذا قاد سمعان - الذي كان بارًا
تقيًّا ينتظر تعزية إسرائيل - إلى الذهاب إلى الهيكل، مع وحْي الروح القدس الذي
كان عليه (لو2: 25-35)، ومع وجود حَنَّةُ النبيِّة التي كانت «لاَ
تُفَارِقُ الْهَيْكَلَ، عَابِدَةً بِأَصْوَامٍ وَطِلْبَاتٍ لَيْلاً وَنَهَارًا»، وهل
التي «وَقَفَتْ
تُسَبِّحُ الرَّبَّ، وَتَكَلَّمَتْ عَنْهُ مَعَ جَمِيعِ الْمُنْتَظِرِينَ
فِدَاءً فِي أُورُشَلِيمَ» (لو2: 36-38). وههنا لدينا شيخًا بارًا تقيًّا الروح القدس
كان عليه، وكان قد أُوحِيَ إليه إنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب، ولدينا
نبية عابدة بأصوام وطلبات ليلًا ونهارًا. أرملة منذ 84 سنة، عاشت مع زوج 7 سنين ،
وعلى أقل تقدير تزوجت عند سن 14 سنة، يصبح سنها آنذاك ليس أقل من 105 سنة، تقدم
طلبات، أي طلبات لها في هذه السن، حتمًا طلبتها رؤية المسيا يهوه المنتظر، ولدينا
جمع يقال عنه: «الْمُنْتَظِرِينَ فِدَاءً فِي أُورُشَلِيمَ». ولدينا رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل، لا بد
أنهم قد ضجروا من استغلال وظلم وسخرة الاحتلال الروماني الغاشم، وتمنوا بلهفة وشوق
ورجاء أن يأتي المسيا ويخلصهم من كل ما يكدرهم. وهم؛ سمعان وحنة وجميع المنتظرين والرعاة، كانوا لا
يعلمون أنهم على بعد قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الرجاء، فقد قبلت منذ شهور قليلة عذراء
الناصرة المخطوبة لرجل بار من بيت داود وقد قالت لملاك الرب: «هُوَذَا
أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي
كَقَوْلِكَ»
(لو1: 38)، وقد أعلمها الملاك: «اَلرُّوحُ
الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذَلِكَ أَيْضًا
الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ» (لو1: 35)، «هَذَا
يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلَهُ
كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ،
وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ» (لو1: 32، 33). له المجد والكرامة والعزة والسجود إلى أبد
الآبدين. آمين.
عادل حنا