تشبيهات
الكنيسة
أعزائي الشباب وصلنا منذ عددين في
حديثنا عن ”الكنيسة“ عند التوقف أمام أبرز تشبيهاتها كما وردت في كلمة الله. لنستخرج
من ذلك تعليمًا وبركات عملية تساعدنا اليوم على نظرة صحيحة للكنيسة من جهة، وأيضًا
لنأخذ دورنا الإيجابي كأعضاء في هذا الكيان الروحي الراقي الذي تأسس يوم الخمسين،
بعد موت المسيح وقيامته وصعوده إلى المجد، ونزول الروح القدس (أع2) من جهة أخرى.
وقد تحدثنا عن تشبيهين هما: الكنيسة
كجسد المسيح، والكنيسة كعروس المسيح، ونتوقف في هذا العدد - بمعونة الرب - عند
التشبيه الثالث وهو الكنيسة كـ”لؤلؤة“ واحدة كثيرة الثمن، وهو التشبيه الذي ورد
على لسان الرب يسوع نفسه في المثل السادس من أمثال ملكوت السموات السبعة في (مت13)
إذ نقرأ:
«أَيْضًا
يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا تَاجِرًا يَطْلُبُ لآلِئَ
حَسَنَةً، فَلَمَّا وَجَدَ لُؤْلُؤَةً وَاحِدَةً كَثِيرَةَ
الثَّمَنِ، مَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ وَاشْتَرَاهَا» (مت13: 45، 46).
ونحن إذا كنا قد وجدنا في تشبيه الجسد
”القرب الشديد“، وفي تشبيه العروس ”المحبة الفريدة“، فإننا نجد في تشبيه اللؤلؤة ”الغلاوة
الكبيرة“.
وقد ورد هذا التشبيه الجميل في إنجيل
متي، وفي أصحاح أمثال ملكوت السماوات الشهير (مت13). ومن القراءة الأولية لهذا الانجيل يُمكننا أن
نفهم أن البشير متي مشغول بالحديث عن المسيح الملك الذي أتي خصيصًا إلى
شعبه اليهودي. ولذلك فنحن نجد في الأصحاحات
الاثني عشر الأولى من الإنجيل: المسيح وقد أتي بحسب الجسد من هذه الأمة، وهو يقوم
بخدمتها مُقدمًا البراهين الكافية على أنه هو المسيا المُنتظر، الآتي، المُخلِّص،
ابن داود. أما وقد رفضته الأمة، فيأتي تعبير
مفصل في أول أصحاحنا الشهير هذا، حيث نقرأ: «فِي ذلِكَ
الْيَوْمِ خَرَجَ يَسُوعُ مِنَ الْبَيْتِ(صورة للأمة)، وَجَلَسَ عِنْدَ
الْبَحْرِ(صورة للأمم)»
(مت13: 1). ثم ابتدأ يتكلَّم إليهم بأمثال،
وكأننا هنا نجد الرب يسوع يتحول اعتبارًا من هذا الأصحاح من الأمة إلى الأمم، ولم يعطِ
للأمة مزيدًا من الفهم إذ رفضوه، وأعطي للتلاميذ أن يفهموا ويفسر لهم الرب، كل شيء
من هذه الأمثال الهامة على انفراد.
يتحدث المسيح هنا عن نفسه باعتباره ”تَاجِرٌ
يَطْلُبُ لآلِئَ حَسَنَةً“. إنه تاجر ”شاطر“
يفهم جيدًا في اللآلئ، فيطلب لآلئ حسنة، أي قيّمة وجيدة. فوجد لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن، أي عظيمة القيمة
في نظره الفاحص، بخبرته الواسعة. فماذا
فعل؟ مضى وباع كل ما كان له واشتراها! ولعل عبارة باع كل ما كان له تعود بنا إلى
الأعداد السابقة مباشرة إلى هذا المثل، وأعني بها المثل السابق، المثل الخامس، مثل
الكنز المخفي في الحقل حيث مضى أيضًا وباع كل ما كان له، واشترى ذلك الحقل (صورة
للعالم)، من أجل الكنز المخفي فيه (صورة للمؤمنين الحقيقيين). وربما يبدو التعبير مشابهًا إلى الدرجة التي قد
يتساءل أمامها شخص قائلاً: لقد سبق أن باع كل ما كان له ليشتري الحقل، فماذا يتبقى
له ليشتري اللؤلؤة؟ .لكن العارفين بأصول اللغة اليونانية التي كُتب بها العهد
الجديد في الأساس، يُفرقون بين التعبيرين، فالتعبير في مثل الكنز هو «مَضَى
وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ» (مت13: 46)، أما التعبير في مثلنا الحالي مثل
اللؤلؤة مختلف إذ يمكن أن يترجم عن اليونانية بشكل أدق بأنه له المجد ”باع نفسه“
ليشتري هذه اللؤلؤة! فما أعظم ذلك؟ لقد أخذ لأجلنا صورة العبد (في2؛ خر21).
على أن كيفية أن تكون اللؤلؤة في
الطبيعة تحمل لنا فكرة رائعة عن المعنى المقصود والغرض المنشود وآلام ربنا
المعبود. فاللؤلؤ عادة يُستخرج من صدفات
المحار والرخويات حيث تدخل في جوف المحارة الصغيرة الحية في المياه حبة رمل صغيرة
فتؤلمها بشدة، مما يجعل المحار يحمي نفسه منها بإفراز مادة عليه تسمى ”عرق اللؤلؤ“ وهي مزيج من مواد عضوية وغير عضوية،
وتراكم طبقات عرق اللؤلؤ تشكل حبة اللؤلؤ الكثيرة الثمن، عبر الزمن الطويل، الذي
يقدره البعض بما لا يقل عن 4 سنوات كاملة.
ويا له من تشبيه بليغ ودقيق لكيفية
تكوين الكنيسة؛ هذه اللؤلؤة الواحدة الكثيرة الثمن! لقد نتجت من آلام طويلة ورهيبة لشخص حي، هو ابن
الله نفسه، الذي مات على الصليب حبًا لها!.
وما أروع أن يأتي المسيح بهذا التشبيه
الرائع عن الكنيسة في متى 13 قبل أن يعلن هو نفسه له المجد عن الكنيسة بشكل صريح
للمرة الأولى في متى 16!
كما نلاحظ التعبير الجميل «لُؤْلُؤَةً
وَاحِدَةً»!
نعم، فالكنيسة الحقيقية واحدة، حتى وإن
نجح العدو في أن يزرع فيها الخصومات والانشقاقات، ويحولها الجسد والذات التي فينا
إلى شيع وطوائف، لكنها تبقى - في نظر الرب، ونظر الإيمان - «وَاحِدَةً»!!
أحبائي الشباب:
لقد قدَّرنا المسيح ككنيسة كلؤلؤة
كثيرة الثمن، وذلك باعتباره تاجرًا ماهرًا! . فكيف يُمكننا نحن أن نقدر المسيح
الغالي ابن الله الكريم نفسه؟ . إن كلاً منا يعرف أصله، ونحن مهما علت بنا نعمة
الله، وأوصلتنا إلى مقام سام رفيع، ووهبتنا الامتيازات العظمي والثمينة، فإننا
يستحيل أن ننسى أصلنا! . وإن كان هو قد قدَّرنا عمليًا بهذه القيمة العالية
والغالية، فكم وكم بالحري علينا أن نُقدِّره هو؛ ذلك المجيد عاليًا بصورة عملية في
حياتنا وبيوتنا واجتماعاتنا؟
كما أن الكنيسة التي قدَّرها المسيح
بهذه القيمة العالية والغالية، كيف يُقلل من شأنها البعض؟ وكيف يحتقرها البعض مهما بلغ بها من ضعف؟ وكيف يهمل البعض إجتماعاتها ويرميها بالصفات
السلبية (مهما بلغت حالتها)؟ . أليس في ذلك اتهامًا مُبطنًا لذلك التاجر بأنه كان
في أقل تقدير مبالغًا أكثر من اللازم في تقديره لها؟ . وكأنه له المجد لم يُحسن
التقدير مثلما نحسنه نحن في تقديرنا الحالي لها؟!
ليت الرب يهبنا نعمة ورحمة، فندرك
عمليًا كيف ينبغي أن نُقدِّره غاليًا، وقد قدَّرنا غاليًا بدمه الكريم، وكيف كذلك
نُقدِّر كنيسة الله، ونُقدِّر إخوتنا المؤمنين، مهما بلغ حالهم من الضعف. وفي النهاية فإننا جميعًا في الموازين إلى فوق!