عدد رقم 3 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
امرأة بين دعوتين!  

«ٱدْعُ هَذِهِ ٱلشُّونَمِيَّةَ.  فَدَعَاهَا، فَوَقَفَتْ أَمَامَهُ ...

اُدْعُ هَذِهِ ٱلشُّونَمِيَّةَ فَدَعَاهَا.  وَلَمَّا دَخَلَتْ إِلَيْهِ ... أَتَتْ وَسَقَطَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ وَسَجَدَتْ إِلَى ٱلْأَرْضِ»

(2مل4: 12، 36)

بينما تميّزت أحداث حياة هذه المرأة العظيمة بثلاثة أيام فاصلة (2مل4: 8، 11، 18)، نما فيها إدراكها، وسمت علاقتها برجل الله يومًا بعد يوم، فكانت كأنها بناء من ثلاثة طوابق، تعلوها العلية التي عملتها له على السطح، فقد جاءت هاتان الدعوتان لتكونا بمثابة العمودين اللذين ارتكز عليهما هذا البناء.

ففِي ذَاتِ يَوْمٍ، عبر أليشع إلى شونم، فأمسكته - دونًا عن الكل - ليأكل خبزًا.  كانت تلك هي البداية فقط، إذ كلما عبر، كان يميل إلي هناك.  وإذ علمت أنه رجل الله مقدس، عملت له عُلِّيَّةً صَغِيرَةً على السطح (عَلَى الْحَائِطِ) ليرتاح فيها.

وَفِي ذَاتِ يَوْمٍ آخر، مال أليشع إلى الْعُلِّيَّةِ التي عملتها له، ويومها دعاها الدعوة الأولي «فَقَالَ لِجِيحَزِي غُلاَمِهِ: ٱدْعُ هَذِهِ ٱلشُّونَمِيَّةَ»، فجاءت ووقفت في الباب، فأعطاها الوعد بمولد الابن الذي لم تطلبه.  ولكنها ردت في اكتفاءٍ عجيب: «لَا يَا سَيِّدِي رَجُلَ ٱللهِ. لَا تَكْذِبْ عَلَى جَارِيَتِكَ».  وكأنها أرادت أن تقول: أرجوك يا سيدي، لا تُحيِ فيّ أملاً قد مات!  «أَتَكُونُ لِي مِثْلَ كَاذِبٍ، مِثْلَ مِيَاهٍ غَيْرِ دَائِمَةٍ؟» (إر15: 18).

ولكن بالفعل نحو زمان الحياة أحيا الله أملها من جديد، وأعطاها ابنًا، وكبر الصبي.  وَفِي ذَاتِ يَوْمٍ، خرج إلى أبيه إلى الحقل، وهناك صرخ: «رَأْسِي، رَأْسِي».  فَقَالَ لِلْغُلَامِ: «ٱحْمِلْهُ إِلَى أُمِّهِ».  وما هي إلا سويعات قليلة إلى الظهر ومات.

لم تفقد هذه المرأة اتزانها، فبمجرد أن مات الصبي، لم تُبقهِ علي ركبتيها ولا فى حضنها - كأرملة صرفة التي اضطر إيليا أن يأخذ الولد الميت من حضنها، ويصعد به إلى الْعُلِّيَّةِ - بل حملته وصعدت به إلى ذات المكان الذي منه أخذت الوعد بمولده، وكأنها ترّد وديعته إليه، فمنه وبه وله كل الأشياء ونحن له.  وإذ وضعته هناك، أغلقت عليه وطارت مباشرة من العلية إلى الجبل - فهي امرأة في الأعالي تسكن - وقالت لغلامها: «سُقْ وَسِرْ وَلَا تَتَعَوَّقْ لِأَجْلِي فِي ٱلرُّكُوبِ (لا تعمل حسابًا لراحتي) إِنْ لَمْ أَقُلْ لَكَ».

هكذا طارت ثم حطّت عند رجليّ رجل الله في الجبل، حيث أمسكت به، وهناك كان لسان حالها: «إِنَّنِي لَا أَتْرُكُكَ».  فَقَامَ وَتَبِعَهَا.  فمَن تعودت أن تُمسك به في يومها العادي، حتمًا تعرف كيف تُمسك رجليه في يومها الباكي. 

لكن توالت أحداث ذلك اليوم، حتى جاءتها الدعوة الثانية من رجل الله: «فَدَعَا جِيحَزِي وَقَالَ: ادْعُ هَذِهِ الشُّونَمِيَّةَ.  فَدَعَاهَا.  وَلَمَّا دَخَلَتْ إِلَيْهِ قَالَ: احْمِلِي ابْنَكِ» (ع36).  لقد سلَّمها ابنها حيًا صحيحًا، وعندها «أَتَتْ وَسَقَطَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ وَسَجَدَتْ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ حَمَلَتِ ابْنَهَا وَخَرَجَتْ»، ففرحتها بولدها الحي لم تنسها أن تسجد سجود الامتنان قبل أن تحمل ابنها وتخرج.

ولقد اختبرنًا جميعًا هذا اليوم الذي فيه نلبي دعوته، ونأتي ونقف أمامه أو نجلس أمامه كمريم.  لكن ربما لم يختبر معظمنا هذه الدعوة الأخرى، في اليوم الذي فيه لا نكتفي بالوقوف في الباب، بل ندخل إليه، ونسقط أمامه ونسجد على رجليه إلى الأرض كالشونمية، وأبيجايل، وراعوث، وغيرهن.  ذلك اليوم الذي لا ينفع فيه ملك ولا رئيس جيش!

فرئيس الجيش وقف - يومًا - ببرصه عاجزًا، يسأل شفاءً من المَلك، فما كان من الملك إلا أن مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَقَالَ: « هَلْ أَنَا اللَّهُ لِكَيْ أُمِيتَ وَأُحْيِيَ، حَتَّى إِنَّ هَذَا يُرْسِلُ إِلَيَّ أَنْ أَشْفِيَ رَجُلاً مِنْ بَرَصِهِ؟» (٢مل٥: ٧).  لكنها وجهت عينيها وقلبها إلى مَلك السلام، لذا أمام صرخة ابنها مرتين: «رَأْسِي، رَأْسِي»،  تجيب هي مرتين أيضًا: «سَلاَمٌ ... سَلاَمٌ» (ع23، 26).  وطلبت طلبتها من رئيس الحياة، ومن غيره كان ينفع مع ”صبي ميت مضطجع في سرير“!

لكن مع كل عظمة هذه الامرأة لا يُذكر اسمها، بل يُذكر فقط أنها من ”شُونَم“ والتي تعني ”راحة مضاعفة“.  ولقد تمتعت هذه المرأة العظيمة - التي ابتغت راحة رجل الله وإنعاشه - براحة السلام المطمئن، كـ ”شُولَمِّيثُ“، التي يُعنى اسمها: ”التي لها سلام“ (نش6: 13)، إذ عرفت أين يرعى حبيبها ويربض خرافه عند الظهيرة، فصارت كفرس في مركبات فرعون، تمشي في موكب نصرته كل حين.  فلا تتعوق في الركوب، ولا تنكص أو تتكوم أمام الحواجز العالية، بل في هذه جميعها يعظم انتصارها بالذي أحبها.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com