عدد رقم 3 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
إنسان العصر السوشيال ميدياوي  

صديقي في الإنسانية السوشيال ميدياوية: هل تشعر معي أن إنسان هذا العصر قد طرأت عليه تغيرات بفعل الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي؟  إني حين أقول إنسان العصر السوشيال ميدياوي، فأنا أقصد ذلك الإنسان المُفرِط في استخدام السوشيال ميديا.  ولست هنا بصدد انتقاد الاستخدام المفيد والمنضبط للتكنولوجيا، كأداة للتواصل الشخصي والاجتماعي والتسوق وإدارة الأعمال ومشاركة الكم الهائل من المعلومات، بشكل بسيط وسريع.  بل إننا لا يجب أن نلوم التكنولوجيا، والعيب فينا، وما للتكنولوجيا عيب سوانا.

لذلك تعال معي نستعرض بعضًا من هذه السمات التي أرى أنها تحتاج منا جميعًا وقفة جادة مع النفس:

-            ينتشر إنسان هذا العصر في مناطق توفر الواي فاي المجاني أو المدفوع  ولا يحتمل هذا الإنسان العيش في مناطق لا تعمل فيها باقات الإنترنت، ولذلك يمكنك أن تجد الإنسان السوشيالي نشطًا في المنازل والشوارع والمواصلات وحتي في الاجتماعات الروحية!

-            يتحرك إنسان العصر السوشيالي في جماعات ((Groups، إلا أنه يمتلك القدرة علي التفاعل في أكثر من جروب، ومع أكثر من شخص في نفس الوقت، ومع كونه يعيش حالة من الزحام الاجتماعي الافتراضي، إلا إنه يشتكي من الوحدة والفراغ الوجداني.

-            صحيح إن إنسان العصر السوشيالي قد اقترب من كل بعيد، لكنه أيضًا ابتعد عن كل قريب!  فليس من الغريب أن ترى كل فرد من أفراد الأسرة أو مجموعة الأصدقاء يتحدث وهو ينظر إلي جهازه دون أن ينظر لغيره.  فالإنسان السوشيالي يتواصل ولا يُبالي، وعليك أن لا تعتبر ذلك تعاليًا، وإنما هو في تواصل عالٍ، فحذار وأن تفصله وإلا ستدفع الثمن غاليًا!

-            يتغذى إنسان العصر السوشيالي علي حصاد مجموعة من اللايكات والكومنتات التي يجمعها كل دقيقة بعد زراعة مجموعة من البوستات والصور.  إلا أن هذا النوع من الغذاء (التيك أواي) غير الصحي، قد أدى لانتشار مرض نقص الثقة المكتسبة، والذي من أعراضه القلق وحالة الترقب اللحظي عقب نشر كل صورة، للحصول علي أكبر عدد من اللايكات والتعليقات.

-            ولذلك يهتم الإنسان السوشيالي بتوثيق اللحظات التي يعيشها أكثر من أن يعيش تلك اللحظات، فإن قام بقطع الحديث أوالحدث المهم لكي يأخذ صورة، فأمرك إلى الله، فإن هذا النوع السوشيال ميدياوي يقدر اللذه الناتجة عن الشيير((Share أكثر جدًا من التواصل مع الغير.  بل إن أحداث الحياة نفسها ليست هدفًا في حد ذاتها، إنما هي وسيلة للنشر علي الحساب، والحصول علي علامة الإعجاب، إنها حالة من التشيير اللاإرادي.

-            يهتم إنسان السوشيال ميديا بالخصوصية، إنما بطريقته الخاصة، نعم فتعريف الخصوصية عنده هو أن يخص جميع المتابعين والأصدقاء علي صفحته بأخباره وأخبار أسرته وربما أسراره أولاً بأول حتي يطمئن العالم بأسره أن صديقنا قد أكل ونام أو دخل الحمام. 

-            يستطيع إنسان هذا العصر أن يُعبِّر عن أي نوع من المشاعر دون أن تكون حقيقية داخله!  فليس كل وجه ضاحك يرسله يعني ابتسامة، ولا كل وجه عابس يعني الندامة، فلغات التعبير عن الحب الخمس أصبحت عنده مجرد لمسة!

-            من سمات إنسان عصرنا الميدياوي قدرته الهائلة علي التخفي والتلون بلون الصفحة التي يعيش فيها (علي كل لون يا سوشيال)؛ فهو الملاك الغول، والرياضي الكسول، والعالم الجهول، والواعظ الذي تجده في كل مناسبة وغير مناسبة يصول ويجول.  

-            يجد إنسان السوشيال ميديا في عالمه الافتراضي فرصته لتحقيق أحلامه وأهدافه التي عجز عن تحقيقها في أرض الواقع، وكما أن أحلامه افتراضية، فأبطاله كذلك افتراضيون، يختارهم ليس لكم هم مبدعون، بل حسب عدد المتابعين.

-            إن إنساننا السوشيالي متي دخل عالمه الافتراضي، فإن الأرض بالنسبة له تكف عن الدوران، وعليه فلن يكون عنده فرق بين صباح ومساء، نهار وليل.  إن شعاره في الحياة الوقت ليس من ذهب، بل الوقت قد ذهب.

إن كان هذا هو حال إنسان العصر السوشيالي وقد سقط الكثيرون في فخه، وأنا من بينهم، فما الحل؟  الحل في كلمة الله التي تدعو كل واحد فينا أن يكون لا إنسان عصره، بل ”إِنْسَان اللهِ“ في كل العصور (1تي6: 11)؛ «وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِنْسَانَ اللهِ فَاهْرُبْ مِنْ هذَا، وَاتْبَع»:

(1) الشبع بالرب: فهو العلاج لحالة التسول العاطفي، والبحث عن مديح الناس وعطفهم «أَمَّا أَنَا فَبِالْبِرِّ أَنْظُرُ وَجْهَكَ.  أَشْبَعُ إِذَا اسْتَيْقَظْتُ بِشَبَهِكَ» (مز17: 15).

(2) محبة كلمة الله والتعمق فيها: هذا يحفظني من كل غش وكذب وينير طريقي «مِنْ وَصَايَاكَ أَتَفَطَّنُ، لِذلِكَ أَبْغَضْتُ كُلَّ طَرِيقِ كَذِبٍ.  سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي» (مز119: 104، 105).  

(3) خدمة الرب: تنقلني من عالمي الافتراضي إلي أرض الواقع، حيث النفوس المتعبة واحتياجها الحقيقي لمن يسمعها ويشعر بها ويلمسها، كما كان يفعل الرب «كَانَ يَسُوعُ يَطُوفُ الْمُدُنَ كُلَّهَا وَالْقُرَى يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهَا، وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ، وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ فِي الشَّعْبِ» (مت9: 35).

(4) الجهاد الروحي: «وَكُلُّ مَنْ يُجَاهِدُ يَضْبُطُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ» (1كو9: 25).  والحقيقة إن لا ضبط للنفس بدون الامتلاء بالروح القدس، وظهور ثمره في حياتنا.

وسيم مجدي

   

 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com