عدد رقم 3 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
هوراشيو بين حاكميْن  

«سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ وَهُوَ يُجْرِي،

وَيُخْرِجُ مِثْلَ النُّورِ بِرَّكَ، وَحَقَّكَ مِثْلَ الظَّهِيرَةِ.  انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ»

(مز37: 5-7)

عاش هذا الرجل ”هوراشيو“ في نهاية العصور المظلمة من المسيحية، ومع بداية إشراق الحق الإلهي على قلوب البعض، لمعرفة حقيقة الخلاص بالإيمان بكفاية عمل المسيح الكفاري على الصليب.

اشتعلت نارُ الغيرة على مجد الرب وخلاص النفوس في قلب ذلك الشاب التقي، فبدأ يتحدث إلى الرجال والنساء والشباب عن هذا الحق بكل جراءة، في وقتٍ كان فيه مَن يُعلن هذا الحق يتعرض لهجومٍ شديدٍ ومحاكمةٍ قاسية ورفضٍ واضطهاد.  شجعته زوجته المؤمنة أن يستمر في تبشيره رغم ما تعرضوا له من اضطهادٍ في بعض الأحيان، ورفضٍ وسخريةٍ في أحايين كثيرة.  حتى أطفالهم الثلاثة عانوا كثيرًا من سخرية مدرسيهم بسبب ما يُبشر به والدهم في مجتمعٍ لا يعترف بهذا الحق، ويعتبره فكرًا هرطوقيًا ينبغي مقاومته.

  ذات يوم وصلت رسالة من حاكم المدينة إلى ”هوراشيو“ يُحذره فيها من التبشير بتلك الأفكار ”الفاسدة الهرطوقية“ - على حد قوله - مُهددًا فيها ”هوراشيو“ بطرده من المدينة إذا هو استمر في التبشير بذلك التعليم الغريب على الكنيسة.  حزن ”هوراشيو“ جدًا، إذ كيف يتسنى له أن يترك المدينة وقد بنى فيها بيتًا صغيرًا يأويه وزوجته وأولاده؟!  ثم كيف يحرم الأولاد من مدرستهم التي نشأوا فيها وارتبطوا فيها بأصدقاء كثيرين بروابط الأخوة والمحبة؟!  ومن الجانب الآخر كيف يكفّ عن نشر الحق وخلاص النفوس المسكينة؟!  غير أن زوجته المؤمنة التقية شجّعته على الاستمرار في خدمته وتبشيره بالحق الكتابي، مهما كلَّفه ذلك الأمر من اضطهاد.

 استمر ”هوراشيو“ في خدمته كما كان وبكل قوة، إلى أن وصلته رسالة أخرى من الحاكم يأمره بمغادرة البلاد فورًا وإلا فسيتعرض للأذى الشديد.  وهكذا لم يكن هناك بد من الرحيل الفوري من البلاد إلى مكان بعيد عنها، كما أمره الحاكم.

 كان السفر مؤلمًا جسديًا ونفسيًا إلى حد بعيد، خاصةً أن العربة التي تجرها الجياد كانت سيئة للغاية، حتى أنه عندما أقبل المساء، كان الجميع قد أُجهدوا أيما إجهاد، وبدأ الأطفال المُجهدون في البكاء، خاصةً وأن الطعام كان قد نفد بسبب طول الرحلة، وعدم توفر مصادر لبيع الطعام، حتى أن الأم الصبورة بدأت في الانهيار والبكاء أمام معاناة الأطفال.

 توقفت العربة أمام فندق صغير، حيث لم يمكن الاستمرار في المسير بسبب حلول المساء.  وهنا شعر ”هوراشيو“ بالحزن يعتصره على حاله وحال أطفاله وزوجته، لأن الظروف كانت أكبر من طاقتهم جميعًا، فأخبر زوجته برغبته في الخروج إلى الغابة القريبة لينفرد بالله ويحاججه في أمره.

  أخذ ”هوراشيو“ يتمشى في الغابة وهو يصلي ويستعرض الظروف جميعَها أمام الرب، وفجأة شعر كأن أحدًا يهمس في أذنه بالآية الواردة في مزمور 37: 5 «سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ وَهُوَ يُجْرِي».  تكررت تلك الهمسة الرقيقة عدة مرات على مسامعه، ففرح ”هوراشيو“ جدًا، وعلم أن هذه الرسالة جاءته خصيصًا من الرب لتشجيعه، حتى أنه بدأ يرددها مرارًا وتكرارًا، ثم أخرج ورقة وقلمًا كانا في جيبه، وكتب ترنيمة يبدأ كل عدد منها بكلمة من الآية الغالية.

رجع ”هوراشيو“ إلى زوجته وأطفاله، فوجد الأطفال نيامًا من كثرة التعب والجوع، وزوجته في حالة اكتئاب شديد، فحكى لها ما حدث في الغابة، وأخرج ورقة الترنيمة وقرأها عليها.  انتعشت الزوجة جدًا عندما علمت بما حدث، وعادت إليها شجاعتُها وبدأت تلحن الترنيمة وترنمها مع زوجها ثم ناما وهما يشعران بسلام عجيب.

في منتصف الليل تقريبًا، كانت هناك أصواتُ حوافرَ خيلٍ تتوقف عند باب الفندق، فخرج صاحب الفندق ليستعلم الأمر، وإذا بجنديٍ يمتطي فرسًا يسأله: هل حضر هنا شخص يدعى ”هوراشيو؟“.

- نعم إنه هنا.

تنهّد الرجل قائلاً: أخيرًا وجدتُه ... أرجو أن تستدعيه حالاً!

-  لا أستطيع ... إنه في فراشه مع زوجته وأولاده.  يمكنك الانتظار إلى الغد.

*  لا يمكنني الانتظار.  إن أمر الحاكم مُعجّل.  استدعه حالاً!

ما إن نزل ”هوراشيو“ من الطابق العلوي ليستطلع الأمر، حتى ابتدره الجندي: هل أنت ”هوراشيو“  الذي طردك حاكم مدينة (س)؟

*  نعم ... هذا صحيح.

سلَّمه الجندي مظروفًا كبيرًا وهو يقول: ”إن حاكم مدينة (ص) طلب أن أسلمك هذا الخطاب على وجه السرعة.

فض ”هوراشيو“ الخطاب وهو يتساءل في نفسه ما عسى أن يكون الأمر.  كانت الرسالة هكذا:

إلى السيد ”هوراشيو“...

  لقد علمت بكل ما أصابك في بلدك ... فالآن رجائي ألا تتوجه إلى أي بلد آخر غير بلدنا. تعال إلى مدينتنا وبشرْ بالحق الكتابي المختص بالخلاص في كل مكان حتى يعرف جميع الناس طريق الخلاص.  لا تنشغل بأي أمر غير التبشير، وقد خصصتُ لك بيتًا جميلاً واسعًا ومؤثثًا بأثاثٍ حديث.  أولادك سيلتحقون بأفضل مدارسنا، واحتياجاتك المادية كلها سأتكفل أنا بها تمامًا.  لا ينشغل فكرك بأي أمر سوى التبشير بالحق الكتابي، فاقبِل إلى مدينتنا على الرحب والسعة.

                                                                                               إمضاء                                                                                               حاكم مدينة (ص)

قفز هوراشيو“ درجات الفندق إلى زوجته وهو لا يكاد يُصدق الاستجابة السريعة لصلاته، وقرأ لها الخطاب، فاستمعت إليه مشدوهةً وقد غمرها - كما غمره - السرور حتى البكاء.  ثم بدأ هو وزوجته يرنمان الترنيمة بشكرٍ وتهليل وفرحٍ غامر.

سلم للربِ وكفكفْ
عرقًا يتصببُ خوفًا
للرب مخارج شتّى
لو ضاقت خمسةُ سبُلٍ
طريقُك عند الربِ
يمناه تقودُ وتهدي
واتكّلَ  عليه   فتحيا
سيصيرُ ظلامُك نورًا
عليه  رجاءك علّقْ
سيُتمِّم قصدَه فيكَ
وهْو  الحاكمُ  والآمرْ
ويغيثُ المُعيي بكلمةْ
يُجري قضاءً بالعدلِ
سلّم    للربِ   يُعيد


 

دمع الأحزان وجففْ
من شرٍ نحوك يزحفْ
من وجه الضيق وحتى
يفتحُ   أبوابًا   ستة
إن في وسْعٍ أو كربِ
بالنعمةِ  كلّ  الدربِ
إن ليلك طال وأعيا
وكذلك  كأسُك   ريّا
وكلَّ وعودِه  صدّقْ
ومشورتُه    تتحقق
ويجيبُ سؤالَ الحائرْ
ويشددُ   أزرَ   الخائرْ
ويشيرُ   لك   بالحلِّ
ما ضاع  لك من أملِ

فيبي فارس


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com