عدد رقم 3 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
لاهوت المسيح في الصلب والقيامة  

يعلن الكتاب المقدس أن المسيح ليس هو إنسانًا متألهًا، لكن الله متجسدًا (يو1: 14؛ 1تي3: 16؛ في2: 5-8).  وإن كان العالم لم يعرفه وخاصته لم تقبله (يو1: 10، 11)، لكن الآب أعلن من يكون ابنه لأنه «لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الابْنَ إِلاَّ الآبُ» (مت11: 27).  ومن الأشياء التي يتجلى فيها الإعلان عن لاهوت المسيح موته على الصليب وقيامته والتي نراها في:

أولاً: قضية الإنسان وطريقة حلها: الخطية عمل رديء ضد الله وطبيعته، تسببت في إهانته، لذلك الذي يقوم بحل وعلاج هذه القضية ينبغي أن يكون لمجد الله أولاً، ثم لأجل الإنسان ثانيًا.  إن الله محب وبار، رحيم وعادل، لذلك لإيجاد حلاً كاملاً لهذه المشكلة، يجب أن يستوفي العدل حقه كاملاً، ثم تأخذ الرحمة طريقها لتبرير المذنب.  نحن لا نستطيع بالصلاة والصوم والتوبة والأعمال الصالحة، أن نفي مطالب عدالة الله وقداسته التي لا حد لها.  لذلك لزم الأمر أن يتدخل شخص كفؤ يفي كل مطالب عدل الله، وبالتالي نُرحَم نحن، ونحصل على طبيعة روحية تتوافق مع الله في صفاته الأدبية السامية.

إن الشخص الذي يقوم بهذا العمل ينبغي أن يكون مساويًا لله، حتى يستطيع أن يوفي كل مطالبه، ويجب أن يكون إنسانًا، لأنه لا يقدر أن يكون نائبًا عن البشر إلا إذا كان بشرًا مُساويًا لهم، مع ملاحظة أن لا يكون من نسل الرجل (آدم)، حتى لا يكون وارثًا للخطية، ولا مديونًا بها لله.  ولا يكون مخلوقًا مديونًا بنفسه لمن خلقه.  ويجب أن يكون له القدرة على إيفاء كل الديون التي على الجنس البشرى أجمع، من آدم إلى آخر إنسان يكون على الأرض.  ويجب أن يكون خاليًا من الخطية، ويثبت بالدليل العملي أنه معصوم منها أيضًا.

لقد توافرت هذه الشروط في الرب يسوع، فهو الله قبل أن يكون إنسانًا.  وهو الخالق وليس مخلوقًا.  وليس مديونًا بحياته لأحد (يو1: 1، 3، 14).  ومع أنه صار إنسانًا، لكنه لا يُعتبر من نسل الرجل، لأنه لم يُولد بالتزاوج (لو1: 35)، فهو نسل المرأة (غل4: 4).  ومع أنه أخذ صورة البشر، لكن يخلو من الخطية تمامًا، فهو ”القدوس“ (لو1: 35؛ 2كو5: 21؛ 1بط2: 22؛ 1يو3: 5).  وهو قادر على إيفاء كل مطاليب عدل الله وقداسته (عب7: 25؛ 1يو2: 2).  هذا الذي بعد أن قدّم نفسه كفارة عن خطايانا وأسلم روحه، استردها ثانية وقام من بين الأموات.  لذلك يستطيع أن يمنح حياة روحية لكل مَن يؤمن به، حياة ترقى به فوق ضعفه البشري، وتجعله أهلاً للتوافق مع الله.  ولكونه هو الله وإنسان معًا استطاع بموته على الصليب وسفك دمه أن يكفر عن خطايانا، ولذلك «ظَهَرَ بِرُّ اللهِ ... بِرُّ اللهِ بِالإِيمَانِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ إِلَى كُلِّ وَعَلَى كُلِّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ» (رو3: 21، 22).

ثانيًا: أعلن الرب يسوع عن نفسه بأنه القيامة والحياة (يو11: 25، 26)، وأنه من السماء وليس من العالم (يو8: 23)، وأنه الباب الوحيد للخلاص (يو10: 9)، وهو الراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن الخراف (يو10: 11).

ثالثًا: إن موت المسيح على الصليب كان إتمامًا لنبوات قيلت قبل مجيئه بمئات السنين (مز22؛ إش53).  قال لتلاميذه بعد قيامته من الأموات: «هكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَأَنْ يُكْرَزَ بِاسْمِهِ بِالتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا لِجَمِيعِ الأُمَمِ، مُبْتَدَأً مِنْ أُورُشَلِيمَ» (لو24: 46-47).

رابعًا: لا يوجد إنسان على الأرض يعلم متى وأين وكيف ولماذا يموت، وما هي أنواع الآلام التي يجتاز فيها عند موته، فعلم الغيب عند الله وحده.  ولأن الرب يسوع هو الله المتجسد العالم بكل شيء، أخبر تلاميذه عن هذه الأمور قبل حدوثها، فبعد أن أعلن الآب من خلال سمعان بطرس أن المسيح هو ابن الله الحي نقرأ: «مِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرًا مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ» (مت16: 21).  وعندما كان على جبل التجلي وشهد الآب له، قال لتلاميذه وهم نازلون: «لاَ تُعْلِمُوا أَحَدًا بِمَا رَأَيْتُمْ حَتَّى يَقُومَ ابْنُ الإِنْسَانِ مِنَ الأَمْوَاتِ» (مت17: 9).  «وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ صَاعِدًا إِلَى أُورُشَلِيمَ أَخَذَ الاثْنَيْ عَشَرَ تِلْمِيذًا عَلَى انْفِرَادٍ فِي الطَّرِيقِ وَقَالَ لَهُمْ: هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الأُمَمِ لِكَيْ يَهْزَأُوا بِهِ وَيَجْلِدُوهُ وَيَصْلِبُوهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ» (مت20: 17-19).  ولقد أعلن أن يهوذا سيُسلمه (يو13: 21-26)، وأن بطرس سيُنكره (يو13: 38)، وكان يعلم كل ما يأتي عليه (يو18: 4).

خامسًا: كان في إمكانه أن لا يموت. كان أمامه أن يعود إلى الآب، أو يترك المكان الذي كان فيه قبل أن يأتي يهوذا ليسلمه.  وعندما جاءوا ليقبضوا عليه، وسألهم مَن تطلبون، وأجابهم: «أَنَا هُوَ»، رجعوا إلى الوراء، وسقطوا على الأرض، وكان من الممكن أن يضمهم للوائه (يو18: 5، 6)، أو يشجع تلاميذه باستخدام السيوف للدفاع عنه، لكنه منع بطرس من فعل ذلك (يو18: 10، 11).  كان في سلطانه أن يأمر الملائكة لتدافع عنه وهم جميعًا خدامه (مت26: 53).  وفي محاكمته لم يُجاوب، ولم يُدافع عن نفسه أمام الكهنة (مت26: 64)، ولا أمام الحكام (مت27: 12).  وشهد بيلاطس الوالي ببراءته، وكان من الممكن أن يُطلقه، لكنه لم يفعل ذلك (لو23: 14).  وكان في إمكانه أن يصنع المعجزات أمام هيرودس، وبالتالي يُطلقه، لكنه لم يرد ذلك (لو23: 8، 9).

سادسًا: شهد كل من بيلاطس وهيرودس عن كمال المسيح المطلق، والذي يتصف به الله وحده (لو23: 14، 15).  وزوجة بيلاطس قالت لزوجها: «إِيَّاكَ وَذلِكَ الْبَارَّ» (مت27: 19).  ويهوذا الإسخريوطي الذي باعه وأسلمه قال: «قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَمًا بَرِيئًا» (مت27: 4).  واللص التائب وهو على صليبه قال لصديقه المصلوب معه: «أَمَّا نَحْنُ فَبِعَدْل، لأَنَّنَا نَنَالُ اسْتِحْقَاقَ مَا فَعَلْنَا، وَأَمَّا هذَا فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ» (لو23: 41).  وقائد المئة عندما أسلم يسوع روحه «مَجَّدَ اللهَ قَائِلاً: بِالْحَقِيقَةِ كَانَ هذَا الإِنْسَانُ بَارًّا!  وَكُلُّ الْجُمُوعِ الَّذِينَ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ لِهذَا الْمَنْظَرِ، لَمَّا أَبْصَرُوا مَا كَانَ، رَجَعُوا وَهُمْ يَقْرَعُونَ صُدُورَهُمْ» (لو23: 47، 48).

سابعًا: شهد اللص التائب عن ربوبيته وملكه (لو23: 42).  وصرح الرسول بولس بذلك أيضًا (في2: 10، 11)، والرسول يوحنا كذلك (رؤ19: 16)، وداود يدعوه ربه قائلا: «قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ» (مز110: 1).

أما من جهة قيامته:

أولاً: أعلن قدرته الإلهية في إقامة نفسه فقال لليهود: «انْقُضُوا هذَا الْهَيْكَلَ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ ... وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ.  فَلَمَّا قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، تَذَكَّرَ تَلاَمِيذُهُ أَنَّهُ قَالَ هذَا» (يو2: 18-22).  وقال أيضًا: «لِهذَا يُحِبُّنِي الآبُ، لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضًا.  لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي.  لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا» (يو10: 17، 18). 

ثانيًا: عندما ظهر للأحد عشر رسولاً، وكان توما معهم، وكشف له عن ذاته قال له تُومَا: «رَبِّي وَإِلهِي!».  لم يوبخ الرب توما على قوله، بل امتدحه، وطوَّب الذين آمنوا ولم يروا (يو20: 27-29).

ثالثًا: عندما ظهر لتلاميذه الذين ذهبوا ليتصيدوا، قال التلميذ الذي كان يسوع يحبه لبطرس: «هُوَ الرَّبُّ!» (يو21: 7).  وعندما قال لبطرس: «أَتُحِبُّنِي؟»، قال له بطرس: «يَا رَبُّ» ثلاث مرات (يو21: 15-17).

رابعًا: قيامة المسيح برهنت على بنوته لله (رو1: 4)، وكفاية كفارته (أف1: 7؛ 1يو2: 2)، وأهليته للوساطة لأجل الخطاة (1تي2: 3-6)، ودوام التواصل بالمؤمنين (مت18: 20، 28: 20)، وأحقيته في الملك على العالم (رؤ20)، ودينونة الأشرار (أع17: 30، 31؛ 10: 41، 42؛ 2تي4: 1).

نعم المسيح هو الله المتجسد.


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com