عدد رقم 3 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
جسم الإنسان والإيمان  

رأينا فى العدد السابق أن جسم الإنسان مصنوع ليُناسب الأرض التى يستمد منها حياته البيولوجية، ويتفاعل معها.  وبعد الإيمان، لا زال المؤمن يعيش على الأرض ومرتبطًا بها، وله نفس الجسم الذى كان له قبل الإيمان؛ لم يزل هو الجسم الحيواني، أى الذى يرتبط بقوانين الحياة البيولوجية للمملكة الحيوانية «يُوجَدُ جِسْمٌ حَيَوَانِيٌّ وَيُوجَدُ جِسْمٌ رُوحَانِيٌّ» (1كو15: 44).  والجسم الحيواني يستمد من الأرض احتياجاته من الأكل والشرب، والإيمان لم يغنه عن هذه الاحتياجات الحيوية اللازمة؛ لا زال - بعد إيمانه - الجسم بالنسبة له هو الخيمة التى يسكن فيها المؤمن بحياته الجديدة.  لم تزل صورة التراب موجودة، طالما على الأرض، لم تتغير لأنه لم يلبس بعد صورة السماوي.  والخيمة لا زالت كما هى بضعفاتها ومحدودية عمرها على الأرض.  كما أنه لا زال يتعرض لكل ما تعانى منه كل الخليقة من علل وأنين وأمراض «وَلَيْسَ هَكَذَا فَقَطْ، بَلْ نَحْنُ الَّذِينَ لَنَا بَاكُورَةُ الرُّوحِ، نَحْنُ أَنْفُسُنَا أَيْضًا نَئِنُّ فِي أَنْفُسِنَا، مُتَوَقِّعِينَ التَّبَنِّيَ فِدَاءَ أَجْسَادِنَا» (رو8: 23).

فليس هناك ما يُسمى إنجيل الثروة والصحة؛ تيموثاوس كانت صحته معتلة وأسقامه كثيرة، وتروفيمس تركه بولس فى ميليتس مريضًا (2تي4: 20).  كما أنه قد يتعرض لكل ما تتعرض له الخليقة من حوادث وآلام؛ يعقوب قُطعت رقبته بالسيف، وإسطفانوس رُجم.  وهذا كله ليس غريب، بل طبيعى يمكن أن يحدث لأى مؤمن.  ونسبة معاناة المؤمن متوقفة على مطلق سلطان الله.  ولا علاقة لها بحالته الروحية، وبولس يُقرر: «وَأُكَمِّلُ نَقَائِصَ شَدَائِدِ الْمَسِيحِ فِي جِسْمِي (القدر المُقرَّر له من الله من الآلام الجسمية) لأَجْلِ جَسَدِهِ: الَّذِي هُوَ الْكَنِيسَةُ» (كو1: 24).

الإيمان وماذا فعل بالجسد:

إذا كان جسم الإنسان كما هو، فما هو التغيير الذى يحدثه الإيمان فى هذا الجسم؟  هذا الجسد سوف يحوى نوعية حياة روحية مختلفة تمامًا، هى الحياة التى حصل عليها المؤمن بعد الإيمان، سيكون مستودعًا للحياة الإلهية، التى تجعل منه كائنًا من صنف آخر، يسكن نفس الخيمة كما هي، والمُعرَّض لكل أنواع الآلام.

جسد المؤمن هو هيكل للروح القدس.  الله الروح القدس نفسه يسكن فى جسم المؤمن «أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟» (1كو6: 19) .  كما أن هذا الجسم هو إناء خزفى، لكن يسكن فيه كنز «وَلَكِنْ لَنَا هَذَا الْكَنْزُ فِي أَوَانٍ خَزَفِيَّةٍ» (2كو4: 7).

أعضاء جسد المؤمن هى أعضاء المسيح، وبالتالى تستخدم كما كان يستخدم المسيح جسده؛ ينظر بعينيه، ويسمع بأذنيه، وتتحرك يداه كما كان المسيح يفعل، العين كما هي، لكن تنظر بطريقة مختلفة، ولأمور مختلفة لأن شعاره: «فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ» (غل2: 20).  المؤمن الذى كان، قبل الإيمان، يُقدِّم أعضاءه آلات إثم للخطية، أصبح الآن يُقدِّم ذاته بالتمام لله، وأعضاءه آلات بر لله، آلات بر للقداسة (رو6: 13).  الجسد هو وسيلة العيش للقداسة.  كذلك فإن جسم المؤمن هو الإناء الذى يظهر فيه تكريس المؤمن لله «فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ» (رو12: 1) .

أحيانًا محدودية الجسم وإمكانياته العقلية والعاطفية تُعيق المؤمن عن كمال الاستمتاع بما له فى الرب «أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ» (مت26: 41).  وقد يُعيقه عن الخدمة فى أوج قوتها.  وأحيانًا فى داخل هذا الجسد الهش تتدفق القوة الإلهية التى تجعله يحتمل ما يبدو أنه فوق الطاقة.  مثلاً عندما تعرض التلاميذ للجَلْد مع كل ما فيه من آلام «وَأَمَّا هُمْ فَذَهَبُوا فَرِحِينَ مِنْ أَمَامِ الْمَجْمَعِ، لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ» (أع5: 41).  عوامل الفناء والضعف التى تعمل فى هذا الجسم مع الزمن لا تمنع أن كيانه الداخلى المرتبط بالله يتجدد يومًا فيومًا (2كو4: 16)

غلاوة الجسد على الرب:

المؤمن عضو فى جسد المسيح، كما أنه واحد من عائلة الله؛ واحد من أولاد الله، وبالتالى له مكانة متميزة، ودائمًا يخاطبه الرب بالقول: «إِذْ صِرْتَ عَزِيزًا فِي عَيْنَيَّ مُكَرَّمًا، وَأَنَا قَدْ أَحْبَبْتُكَ» (إش43: 4).  ومع أنه مثل باقي المخلوقات؛ جسده مُعرَّض لكل نتائج الخطية، لكنْ كل جزء من جسده غاليًا على الرب.  وكما يهتم الرب بكل لحظة فى تاريخه، وكل أنّة فى نفسه، وكل إدراك فى روحه، كذلك يهتم بأصغر تفاصيل جسده بدءًا من شعر الرأس «بَلْ شُعُورُ رُؤُوسِكُمْ أَيْضًا جَمِيعُهَا مُحْصَاةٌ» (لو12: 7).  حتى رجليه «أَرْجُلَ أَتْقِيَائِهِ يَحْرُسُ» (1صم2: 9).  هناك ضمانات إلهية للمؤمن ولجسده أن كل ما يحدث له هو تحت إشراف العناية الإلهية.  ومهما حدث له من علل أو إهانات، لكن الرب سيُكرمه فى النهاية، حتى لو وصل الأمر إلى أن المؤمن يرقد وجسده يرى فسادًا، فيأتى اليوم الذى فيه «سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا (جسدنا الوضيع هذا) لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ» (فى3: 21).

كيف يتعامل المؤمن مع جسده؟

الجسد هو عطية من الله، فهو الخيمة التى يسكن فيها المؤمن، فماذا نحن نفعل بهذه العطية؟  الكتاب يُعلّمنا أن الطبيعي هو «إِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ» (أف5: 29).  ومن ثم الموقف الداخلى من الجسد لا يكون هو البغضة والاحتقار، مهما كان الجسد ضعيفًا وهزيلاً ومعتلاً، بل الاهتمام والتدفئة، والاهتمام بالجسد حتى فى الأكل والشرب.  والمؤمن يفعل هذا لمجد الله (1كو10: 31). 

والكتاب يحذّرنا من أن ننظر إلى الجسد على أنه المسؤول عن ما نسقط فيه من خطايا، ولا سيما أننا نعرف أن الإناء الذى نعيش فيه، سواء حياة القداسة أو نسقط أحيانًا، لكن ينبغي أن نُفرّق بين الجسد الذى هو الجسم، الخيمة الخارجية - وهى موضوع كلامنا هنا - وبين الجسد الذى هو الطبيعة الساقطة الساكنة فى أجسامنا، والذى قيل عنه إن «الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ» (غل5: 17).  هذه الطبيعة تحوى كل الميول الشريرة التى فينا .

لكن أجسامنا غير مسؤولة عن هذا، وبالتالى لا ينبغى أن نَستخدم قهر الجسد وإذلاله، الأمور التى لا قيمة لها إلا لإشباع المفاهيم البشرية الخاطئة وكبرياء الإنسان (كو2: 16–23).  كما أن هناك كثيرين يميلون لتدليل الجسد، ويحوّلون الاحتياجات الجسمية الضرورية إلى رغبات نهمة، واهتمام بالجسد فائق جدًا.  ويستهلكون الوقت والمال فى طريق المبالغة بالاهتمام بالجسد، حتى فى الأكل والشرب يمكن أن يصبح «إِلَهُهُمْ بَطْنُهُمْ» (فى3: 19).

الجسد ومجد المستقبل:

قد يرقد المؤمن، وقد يرى جسده فسادًا، قد ينتهى دور هذه الخيمة على الأرض، ولكن هناك البعض سيكونون أحياء عند مجيء الرب ولن يرقدوا «لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا» (1كو15: 51).  ولكن الذين رقدوا حتى من آلاف السنين لا بد أن يُقاموا، والقيامة هي قيامة أجساد، استحضار الأجساد من القبور ومن حالة التحلل التى تحولت لها.  وكما قام المسيح من الأموات وصار باكورة للراقدين، فلا بد أن يُقام جميع الذين رقدوا (1كو15).  فالذين لبسوا صورة الترابي، كبشر عندما كانوا على الأرض، لابد أن يلبسوا صورة السماوي، عندما يتقابلون معه فى الهواء.  المؤمنون الذين سيكونون أحياء عند مجىء الرب لن يسبقوا الراقدين، بل الراقدون سيُقامون أولاً.  لكنهم سيُقامون بجسدِ مختلف؛ على صورة جسد مجده (في3: 21).  إنها ليست الخيمة، بل بناء من الله، بيت غير مصنوع بيد، أبدي (2كو5: 1).  ثم يُخطفون جميعًا، أحياء ومعهم راقدون قد أُقيموا، وهناك فى السحب، حيث ملاقاة الرب فى الهواء، وهناك الجسد الممجد الذى على صورة جسد مجده، يحوى نفس الشخص الذى عاش فى الخيمة على الأرض، نفس الحياة الإلهية التى كانت فيه دون وجود جسد الخطية، لأن هناك إثر الخطايا يمّحى، والشر سيغيب.

                                                              

 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com