عدد رقم 1 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الإنسان من هو؟  

من هو الإنسان؟ ولماذا خلقه الله؟  وماذا كانت حالته وقت خلقه؟  ماذا فعلت به الخطية؟  وما هي حالته بعد السقوط؟  وهل يمكن استرداده لتحقيق القصد الإلهي من خلقه؟

الإنسان ذلك المخلوق العجيب، الذي يختلف كثيرًا عن كل مخلوقات الله الأخرى في أشياء كثيرة:

فمن ناحية هو المخلوق الوحيد الذي حدث نقاش عنه بين أقانيم اللاهوت قبل خلقه: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» (تك1: 26)، وهذا يكشف أهميته وتميزه عند الله. وفي هذا النقاش تم الاتفاق على أن يُعمل علي صورة الله وكشبهه، وهذا يكشف روعته «أَحْمَدُكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي قَدِ امْتَزْتُ عَجَبًا (صُنعت بطريقة عجيبة)» (مز139: 14).

ومن ناحية أخرى هو أسمى من كل المخلوقات، مع أنه ليس أعلاها من حيث الخلق، فالملائكة أعلي منه كمخلوقات «فَمَنْ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ وَابْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ!  وَتَنْقُصَهُ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ وَبِمَجْدٍ وَبَهَاءٍ تُكَلِّلُهُ» (مز8: 4، 5). 

كما أنه الكائن الذي جهز الله له كل شيء قبل الخلق، فصنع السماء والأرض وكل ما فيها، ليكون متسلطًا عليها (تك1: 28)، وهذا يكشف عن مدى اهتمام الله به.

الغرض من خلقه:

نفهم من الكتاب أن لله قصدًا ساميًا من خلق الإنسان، فهو ليس مجرد كائن مثل بقية الكائنات، ينتهي تاريخه بانتهاء حياته على الأرض، ولا حتى مجرد عبد وخادم مثل الملائكة، لكن الله خلقه على صورته كشبهه، ليتناسب مع الحضرة الإلهية، ليُساكن الله في حضرته إلى الأبد، وليُستعلن مجد الله ومجد نعمته فيه «وَلِمَجْدِي خَلَقْتُهُ وَجَبَلْتُهُ وَصَنَعْتُهُ» (إش43: 7).  إنه الكائن الوحيد الذي فكر الله فيه، وله قصد من جهته قبل الأزمنة في الأزل (تي1: 2)، ومقاصد الله من جهته تمتد إلى الأبد (أفس1؛ رو8).

حالة الإنسان عند خلقه:

كما هو معروف أن الإنسان - عند خلقه - كان يتكون من روح ونفس وجسد، وله قلب يُحدد دوافعه ورغباته، التي كانت تتوافق مع الله، وله أيضًا إرادة تخضع لله فيما يقول.  أما عن حالته الأدبية، فقد كان في حالة البراءة، لم يكن فيه شيء يدفعه لفعل الشر، ولم تكن إرادته مستقلة عن الله.  لم يكن في العالم شر، وبالتالي هو لم يكن يعرف الخير أو الشر.

لكن الله أيضًا خلقه مرتبطًا به، ووفر له كل شيء، وجعله فوق كل شيء.  لكن فى نفس الوقت، الله له السلطة العليا وله السلطان أن يأمره وأن يُعطيه وصية ليطيعها، فأعطاه وصيةً بسيطةً.  والإنسان من جانبه لم يكن يرغب العصيان أو التمرد، فكانت له الإرادة التى يمكن أن تطيع، ويمكن أيضًا أن لا تطيع.  كانت فيه حياة إنسانية قابلة للسقوط.  وهذه هي حالة البراءة التي كان فيها آدم وحواء في الجنة قبل السقوط، وقبل أن تلوث الخطية هذا الكيان.

مكان الإنسان ومكانته:

وضع الله الإنسان، وهو في حالة البراءة، عند خلقه، في الجنة، أما مكانته فإنه كان مُتسلطًا على كل شيء.  ولم تكن هذه الأمور سوى ظل باهت لما قصده الله من جهة الإنسان.  وماذا تكون الجنة بالمقابلة مع بيت الآب؟!  وماذا تكون البراءة بالمقابلة مع «قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ» (أف1: 4)؟!  وماذا تكون زيارات الرب له بالمقابلة مع «مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ» (رؤ21: 3)؟!  وماذا تكون سيادته على الخليقة بالمقابلة مع «عَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ» (أف1: 5)، أو «وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ» (رو8: 17)؟! 

الإنسان الذي بحسب قلب الله:

عندما خلق الله الإنسان، ووضعه في الجنة، كان في فكره إنسان آخر بحسب قلبه، يفعل كل مسرته.  لم يكن قابلاً للإغواء والإغراء، ولا يمكن أن يحيد عن إرادة الله مهما كانت مُكلّفة.  كان لهذا الإنسان، الذي هو الإنسان الثاني، صنف حياة آخر مختلف عن آدم في حالة البراءة.  كانت هذه الحياة عند الآب، ولم تظهر على الأرض إلا بمجيئه في الجسد «ِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا» (1يو1: 2).  هذا الإنسان كان هو موضوع المقاصد الإلهية «اَلرَّبُّ قَنَانِي أَوَّلَ طَرِيقِهِ، مِنْ قَبْلِ أَعْمَالِهِ، مُنْذُ الْقِدَمِ.  مُنْذُ الأَزَلِ مُسِحْتُ ... لَمَّا ثَبَّتَ السَّمَاوَاتِ كُنْتُ هُنَاكَ أَنَا ... كُنْتُ عِنْدَهُ صَانِعًا، وَكُنْتُ كُلَّ يَوْمٍ لَذَّتَهُ، فَرِحَةً دَائِمًا قُدَّامَهُ.  فَرِحَةً فِي مَسْكُونَةِ أَرْضِهِ، وَلَذَّاتِي مَعَ بَنِي آدَمَ» (أم8: 22-31).  ولكن لم يكن في فكر الله أن هذا الإنسان يبقى وحده، لكنْ يكون له إخوة كثيرون من نفس صنفه «وَهُوَ آتٍ بِأَبْنَاءٍ كَثِيرِينَ إِلَى الْمَجْدِ ... لأَنَّ الْمُقَدِّسَ وَالْمُقَدَّسِينَ جَمِيعَهُمْ مِنْ وَاحِدٍ، فَلِهَذَا السَّبَبِ لاَ يَسْتَحِي أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِخْوَةً» (عب2: 10، 11).  إنه ليس مجرد آدم المخلوق فى الجنة ... بل المسيح وحوله «إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ» (رو8: 29).

دخول الخطية والقصد الإلهي:

فى الجنة أغوى الشيطان حواء، وأكلت هي وآدم من الشجرة.  ولقد عصى آدم الوصية، وتمرَّد على الله، وتصرف بإرادة مستقلة عنه «فَفَسَدَ الْوِعَاءُ الَّذِي كَانَ يَصْنَعُهُ مِنَ الطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ» (إر18: 4).  وماذا حدث بعدها للإنسان؟  دخل الموت «وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ» (رو5: 12).  ولم يقتصر الأمر على فعل خطية محددة، بل دخلت في الإنسان طبيعة تدفعه للتمرد ولفعل الخطية (رو5: 19).  ودخل الشر وعدم وجود الرغبة في أية علاقة مع الله، ولم يعد هو الإنسان فى البراءة، لكن أصبح الإنسان الساقط الخاطئ، وأصبح لا يصلح للحضرة الإلهية التي خُلق ليوجد فيها «إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ» (رو3: 23).

وليس ذلك فقط، بل إن هذه الحالة التي سبَّبتها الخطية، غير قابلة للشفاء أو الإصلاح «عَلَى مَ تُضْرَبُونَ بَعْدُ؟  تَزْدَادُونَ زَيَغَانًا!  كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ، وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ.  مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ، بَلْ جُرْحٌ وَأَحْبَاطٌ وَضَرْبَةٌ طَرِيَّةٌ لَمْ تُعْصَرْ وَلَمْ تُعْصَبْ وَلَمْ تُلَيَّنْ بِالزَّيْتِ» (إش1: 5، 6).  لقد انتهت حالة البراءة بلا رجعة.

ماذا بعد؟

لقد فسد الوعاء، ولكن هل فشل الفخاري؟  الخطية أفسدت كل شيء، ونجح الشيطان فى استغلال الإنسان لإدخال الخطية والدمار إلى العالم.  لكن هل انهزم الله وانتهت مقاصده؟  حاشا.  إن اللهُ لا يُهزم حتى لو فشل الإنسان الذي لله مقاصد من جهته، مع ملاحظة الآتي:

+ حالة البراءة لم تكن هي القصد الإلهي، لكنها خطوة في طريق تحقيق مقاصد الله.

+ آدم في البراءة لم تكن فيه خطية، لكنه كان قابلاً للسقوط وسقط.  لكن القصد الإلهي أن يكون هناك إنسانٌ لا تستطيع الخطية أن تخترقه أو تقترب منه.

+ النعمة التي في الله قد لا تمنع الشر من الحدوث، لكن تسمح به، ثم تستخدم هذا الشر لكشف صفات الله وعظمته، فى أن يُخرج من الشر خيرًا، ويستخدم ما حدث لتحقيق قصده.

+ ما يصنعه الله هو خلق كيان جديد «الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ» (أف4: 24).  والأمر ليس إصلاحًا لما حدث، أو حتى إرجاع الإنسان إلى ما كانه، ككيان قبل السقوط.  إنه كيان جديد يناسب السماء والأبدية، وليست الجنة والأرض.

هذا ملخص الإنسان وتاريخه مع الله. لكن ماذا حدث بالتفصيل؟  ما الذي فعلته الخطية في مكونات الإنسان؟  وما هو الحل الإلهي لكل جزء من هذه الأجزاء؟  وكيف تنتصر النعمة في النهاية؟  هذا هو موضوع عددنا القادم، إن شاء الرب وعشنا!

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com