عدد رقم 1 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
كُتِبَتْ لإِنْذَارِنَا  

كلمة الله لم تكن لعصر مُعين، ولكنها حية حتى عصرنا هذا، وستبقى بعدنا لأولادنا وأحفادنا، وستستمر حتى إلى الأبد (مز119: 89)، ولهذا لا نستعجب من أن قضايا نعاني منها نحن الآن، كانت موجودة من قبل في صفحات الكتاب المقدس، بل وتحدث الوحي باستفاضة عنها؛ ربما بألفاظ مختلفة عن عصرنا، ولكن بمعانٍ ودروس لابد أن نتعلمها.

ولهذا، فمن المهم للشاب المسيحي، أن يُعيد قراءة الكتاب المقدس بعين اليوم، وأن ينظر إلى كُل ما ذُكر فيه بعين الاحتراز والتقدير «فَهذِهِ الأُمُورُ جَمِيعُهَا أَصَابَتْهُمْ مِثَالاً، وَكُتِبَتْ لإِنْذَارِنَا نَحْنُ الَّذِينَ انْتَهَتْ إِلَيْنَا أَوَاخِرُ الدُّهُورِ» (1كو10: 11)، وحينها سيجد فيها نعم المُشير في القرارات، والدليل في المفترقات، وهذا ما سنجتهد فيه – بنعمة الله – في هذا الباب.


o          أهلاً بحضرتك، تشرفت بالكلام معك، فنحن ندين للكثير مما فعلته معنا ولأجلنا.

Å     لا داعي للشكر، إنها فقط نعمة الله التي علمتني الكثير من الدروس؛ نجحت في بعضها وفشلت في بعضها الآخر.

o          فشلت ... يا لها من كلمة صعبة، فهل فعلاً تعنيها؟!

Å     نعم أعنيها؛ فحياتي مع الله جرت في منحنيات؛ بعضها كانت في قمة الشركة والإيمان، وبعضها كانت في قاع الخيبة والخذلان.

o          الحقيقة أن صراحة حضرتك تدفعني للاستفادة حتى من أخطائك.

Å     وهذا هو المطلوب يا ابني.

o          شكرًا جزيلاً على منحي هذه الصفة، رغم أنها كُنيتك لنا جميعًا[1]، ولكن الحقيقة أنني أحتاج مساعدة حضرتك في أمر خاص بي، أحتاج فيه قرارًا سريعًا ومصيريًا؟!

Å      تفضل بكل سرور.

o          أنا أمام قرار للهجرة خارج بلادي، وفي قلبي الكثير من المخاوف حول مستقبلي وأسرتي وخدمتي، وفي ذهني أيضًا عشرات الأسئلة المُحيرة عما يمكن أن يواجهني هناك بمفردي.

Å     وما الذي يُحيرك في هذا الأمر؟

o          يحيرني الكثير، فبينما أرى صور بعض المهاجرين وأرى هداياهم في زيارتهم، وأسمع منهم أنها فرصة العمر لتغيير الواقع الصعب، فإنني أسمع كلامًا سلبيًا من جهة أُخرى، عن شباب دُمرت، وطاقات أُهدرت، وأسر تفككت، بسبب قرار هجرة خاطئ لهم.

Å     يا له من أمر محير بالفعل!!  ولكن هل تعلم أنني جربت موضوع الهجرة الذي تعاني منه هذا؟!

o          جربته؟!  فلقد ظننت الهجرة أمرًا خاصًا بعصرنا، ظهر فقط بسبب ضغوط الحياة وقلة الفرص المتاحة أمامنا كشباب، فهل كانت أيامكم الهجرة العشوائية، أم الهجرة بالنقاط، أم اللجوء الديني أم ماذا؟!

Å     الحقيقة يا ابني، فإنني لا أعلم المُسميات التي تعرضها عليَّ، لكنني جربت الهجرة شخصيًا في مرتين، لكن شتان الفارق بينهما.

o          كيف حدث هذا؟!

Å      الهجرة الأولى كانت هجرة صحيحة في مشيئة الله، وكان لها نتائج رائعة، أما الثانية فكانت هجرة خاطئة كليًا، وكانت لها نتائج وخيمة!!

o          لقد شوقتني جدًا لمعرفة المزيد؛ فهل يمكن لحضرتك مشاركتي بخبرتك في كلا الهجرتين؟!

Å     بكل ممنونية؛ الهجرة الأولى جربتها عندما كنت ساكنًا وسط أهلي وعشيرتي، ثم جاءتني دعوة عن طريق ظهور الله؛ إله المجد، وقال لي: هلم للأرض التي أريك[2]؟!

o          مهلاً، هل حضرتك تريد أن تقنعني أنك اتخذت قرار الهجرة، بدون معرفة أي تفاصيل عن البلد المهاجر لها؟!

Å     وما التفاصيل التي تريدها؟!

o           مثلاً أين تقع هذه البلاد؟  ومن هم سكانها؟  ما هي عاداتهم وتقاليدهم؟  ما هي درجة الحرارة هناك؟  وكيف ستأتي بالدخل اللازم لإعاشة أسرتك؟! وهكذا.

Å     الحقيقة أنني لم أكن أعلم كل هذا، ولا حتى إلى أين أتي[3]، ولكني كنت في منتهى السعادة، فيكفيني أن الله هو الذي دعاني، فهاجرت واثقًا فيه هو وحده، ولم أندم على هذا القرار أبدًا.

o          أفهم من كلام حضرتك أن الهجرة الصحيحة هي دعوة إلهية أولاً.

Å     يبدو أنك تلميذ نجيب؛ هي بالفعل كذلك.

o          ولكن ماذا عن نتائج هذه الهجرة؟!

Å     الكثير من النتائج على الكثير من الأصعدة، فقد تمتعت بنتائج نفسية؛ فرغم فقداني لأبي وغيابي عن عشيرتي[4]، لكن الله عوضني عن كل هذا، بأن صار هو خليلي وصديقي[5].

o          هذا أمر بديع، وعكس ما أسمع عنه، ممن يصيبهم الاكتئاب والحُزن وكافة المشاعر السلبية عند الهجرة.  ولكن هل من نتائج أخرى؟!

Å     نعم كانت هناك نتائج اجتماعية؛ فقد أعطاني الله نعمة في أرض مهجري، بين أناس لا أعرفهم، ولكنني كنت كرئيس من الله بينهم[6]، وهذه السُمعة الطيبة ورثتها لأبنائي من بعدي.

o          ولكن كيف حدث هذا؟!  فمن الطبيعي أن يتأثر المهاجر بثقافة وعادات وتقاليد البلاد المُهاجر لها لا أن يحدث العكس، كما حدث مع حضرتك.

Å     الحقيقة أن قراري كان من البداية أن أبني مذبحًا لإلهي، وأدعو باسمه في أرض غربتي[7]، فنقلت لهم ما أؤمن به، ولم أتأثر بما يؤمنون به.

o          وهذا أيضًا درس رائع، بعكس ما سمعته من أحد المهاجرين وهو يقول: أغلب من يأتون إلينا مُتعِبون ومُتعَبون، ولكني أطمع في نتائج أخرى من حضرتك.

Å     على الرحب والسعة، فالحقيقة أن أهم هذه النتائج، كانت النتائج الروحية؛ فقد تمتعت برفقة الله القدير معي، وأنا أسير أمامه[8] ، وتشرفت بزياراته المتكررة لي[9]، بل وصل الأمر أنه لم يُخفِ عني بعض أسراره[10]، وهذه الأمور لا تُقدر بثمن.

o          هذا يعني، أن الهجرة الصحيحة، تقود لمستوى روحي أقوى، واستخدام أكثر، وليس العكس.

Å     بالفعل؛ وهذا ما تعلمته بشكل أصعب في الهجرة الثانية؛ التي كانت خاطئة بكل معنى الكلمة، وكان لها نتائج كارثية عليَّ وعليكم أنتم أيضًا؟!

o          كيف حدث هذا؟!

Å     آه يا ابني، لقد ذكرتني بحادثة مؤلمة لا أود تذكارها، لكن اسمح لي أن أوجل الحديث فيها للقاء قادم، فهل عندك مانع؟!

o          بالعكس، فأنا أحتاج أن أتمعن الدروس الكثيرة التي حصلت عليها اليوم، فإلى لقاء قريب.


فادي كيرلس 

[1] تكوين 17: 5

[2] أعمال الرسل 7: 2،3

[3] عبرانيين 11: 8

[4] تكوين 11: 32

[5] أخبار الأيام 20: 7، إشعياء 41: 8، يعقوب 2: 23.

[6] تكوين 23: 6

[7] تكوين 12: 8

[8] تكوين 17: 1

[9] تكوين 18: 1

[10]تكوين 18: 7

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com