عدد رقم 1 لسنة 2019
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
غنائم وألغام على سكة الحياة  

على سكة الحياة عمومًا نسعى ونطمح، لكننا تارة نُصْدَم ونُحْبَط وتارة نحظى ونربح.  بالنسبة لكل مؤمن ارتبط بالمسيح وتجدد ذهنه وتغيرت توجهات قلبه، يقيِّم كل شيء بمقاييس الله ونظرته لها.  كم من أشياء عظيمة وثمينة في نظر سكان الأرض، لكنها قليلة القيمة وزهيدة بتقييم السماء!  المسيحي الذي له فكر الرب، يرى الحياة على الأرض - بكل تفاصيلها - في نور الأبدية، ويَزِن كل صغيرة وكبيرة بموازين الله.  لا غرابة إن كنا نرى تضحيات كريمة في طريق تكريسه للرب، وهي لا تُحسب إتلافًا، لأن العائد الأبدي أعظم جدًا مما ينفق في الزمان.  من زاوية أخرى، لا تخلو سكة الحياة من أحجار عثرة، أو كما سميتها في عنوان المقال: ”ألغام“، لخطورتها وفداحة الخسارة التي قد تُسببها، سواء بجروح خطيرة وتشوهات، أو قد تقضي على شهادة المؤمن بالتمام.

 دعونا في البداية نأخذ بعض الأمثلة لما يمكن أن نعتبره بمثابة غنائم ثمينة في حياة كل مؤمن:

(1) إكرام القدوس:

أعظم هدف للمسيحي هو أن يُكرم الرب يسوع المسيح في كل ظروف حياته. هذا ما كان يرجوه الرسول بولس؛ أن يظل أمينًا حتى الموت، وليس ذلك فقط بل يتعظم اسم المسيح ليس في حياته فقط، لكن بموته أيضًا» حَسَبَ انْتِظَارِي وَرَجَائِي أَنِّي لاَ أُخْزَى فِي شَيْءٍ، بَلْ بِكُلِّ مُجَاهَرَةٍ كَمَا فِي كُلِّ حِينٍ، كَذَلِكَ الآنَ، يَتَعَظَّمُ الْمَسِيحُ فِي جَسَدِي، سَوَاءٌ كَانَ بِحَيَاةٍ أَمْ بِمَوْتٍ» (في1: 20).

إن الشهادة للرب - من خلال سيرتنا وكلامنا ومواقفنا وردود أفعالنا - ثمينة جدًا، وتأثيرها باق للأبد.  يُكرَّم الرب حينما نجتمع إلى اسمه، لنُقدِّم له السجود، ويُكرم حين نسلك كما سلك المسيح، فنكون بواسطته، مملوئين من ثمر البر لمجد الله وحمده.

(2) ربح النفوس:

من أثمن الغنائم التي نخرج بها من رحلة الحياة هي ربح النفوس.  إنه ربح ثمين ولا يمكن وصف تأثيره الحاضر والأبدي، لأنه سامٍ ومجيد.  يجب أن نفهم أن ربح النفوس ليس معناه كسب قلوب النفوس ونوال إعجابهم، أو إثارة مشاعرهم واستقطابهم، بل ربحهم للمسيح.  ألا ترون ما أكثر الناس من حولنا في هذه الأيام عطشى إلى ماء الحياة وجوعى لخبز الحياة؟!  والبعض من فرط اليأس يلتمسون هذه الطلبة الغالية: «مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ لِكَيْ أَخْلُصَ؟» (أع16: 30).  قال  ربنا عندما رأى حاجة النفوس، ولهفتهم إليه بين السامريين: «أَمَا تَقُولُونَ: إِنَّهُ يَكُونُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَأْتِي الْحَصَادُ؟  هَا أَنَا أَقُولُ لَكُمُ: ارْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ وَانْظُرُوا الْحُقُولَ إِنَّهَا قَدِ ابْيَضَّتْ لِلْحَصَادِ.  وَالْحَاصِدُ يَأْخُذُ أُجْرَةً وَيَجْمَعُ ثَمَرًا لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، لِكَيْ يَفْرَحَ الزَّارِعُ وَالْحَاصِدُ مَعًا» (يو4: 35، 36).

(3) عبر ودروس:

نختبر في حياتنا اختبارات متنوعة من خلال معاملات الرب معنا، سواء أعمال عنايته التي فيها نختبر جوده وكفايته ومساند نعمته، أو معاملات رد نفوسنا أو تأديبنا، وفيها ندرك مدى قداسته واعتبارات مجده.  وفي كل الأحوال نخلص بدروس ثمينة جدًا. أسفار الكتاب غنية باختبارات القديسين وما تعلموه على مدار الحياة؛ عندما ارتقوا لقمم جبالها، وعندما انزلقوا لعمق وديانها.

اسألوا إبراهيم وأيوب ويعقوب وموسى وداود ... إلخ.  قد تكون الدروس مُكلفة لدرجة أكبر من تصورنا، لكن رأى الفخاري العظيم أن هذه الآلام حتمية من أجل التشكيل والتغيير اللازم لبركة الحياة وتحقيق مقاصد الله المباركة.  كما أننا نتعلَّم كثيرًا مما يجري حولنا، فلنا في معاملات الله مع غيرنا مزيد من العبر التي بها نتعظ؛ نتحذر أو نتشجع بها.  

(4) فيض الكؤوس:

من الغنائم الثمينة التي يربحها المؤمن على سكة الحياة؛ التمتع بالرب والشبع به كما اختبره النذير المثالي، وترنم بها قائلاً: «الرَّبُّ نَصِيبُ قِسْمَتِي وَكَأْسِي» (مز16: 4).

ليس فقط صار الرب من نصيبه لكنه تذوق حلاوته.  إن أمتع أيام العمر ليس التي فيها أنجزنا أعظم الخدمات، إنما التي جلسنا فيها عند قدميه وتمتعنا بحديثه الطيب.  الحياة بدون المسيح كئيبة وفارغة وبائسة، إنما معه يحلو العيش.  ورغم صعوبة الطريق والفقر العميق، تكون كؤوسنا ريًا.  ويوم وراء الآخر، حين يتعمق اختبارنا، وتتوطد ثقتنا، تزداد قناعتنا أن الرب يسوع المسيح - له المجد - هو رب الحياة، الذي به نحيا ونتحرك ونوجد، وهو المصدر والواسطة، وهو الغرض لهذه الحياة.  هو سَيِّدها ورأسها، نورها وخلاصها، عزها وعزائها، قوتها وفخرها، غايتها ورجائها الوحيد.  من له المسيح، له كل الغنى وكل البركة.

 لكن من زاوية أخرى، يجب أن نتجنب  كل ما يعطل سعينا وراء الرب، ويُخسرنا الجعالة. أذكر على سبيل الأمثلة ما يلي:

(1) التمركز حول الذات:

  الذات - بطبيعتها - تحب الظهور والتألق إن تحيَّنت لها الفرصة، طالما القلب غير مشغول بمجد المسيح.  فالمشغولية بالذات تحيط بِنَا، وتتخلل تفاصيل حياتنا اليومية، ومنتشرة وملتصقة بكل شيء، مثل الغبار الذي يملأ الطرق المزدحمة، ومثل ذرات الدقيق الناعم في مطاحن الغلال.  إنكار النفس درس صعب ومُكلِّف، ولا يتعلَّمه المؤمن بالنصح الرقيق، ولا حتى بالتوبيخ الشديد، لأنه ثقيل على الجسد، لكنه يأتي كأول خطوة على طريق التكريس للمسيح، طوعًا واختيارًا، نتيجة لادراك النفس لعظمة الرب الذي اشترانا، وتقديرًا لاعتبارات مجده.  وهذا لا يتحقق إلا بعمل إلهي في القلب، بقوة الروح القدس.

(2) سوء الظن والتخمينات:

 أكثر ما يفسد المودة الأخوية هو التخمين الخاطيء وسوء الظن.  العدو يدعم هذا التفكير، لأنه يختلق قصصًا مثيرة تتمخض بصراعات داخل النفس، تلد في النهاية خصومات.  يبدأ الأمر بشك ثم نميمة، ثم تحزب وتشويش، وهكذا تتقوض الشهادة المسيحية، وتنطفئ تدريجيًا، ولا ندري أن السبب هو ضعف المحبة.  كم نحتاج أن نتذكر أن المحبة الشديدة لبعضنا البعض هي برهان تبعيتنا للرب، وهي التي تُحصن ذهن صاحبها من سوء التحليلات والتعليلات والاستنتاجات، وتحفظ علاقاته ومشاعره صافية.  القلب الفائض بالحب، طارد للهواجس والشكوك.  المودة الأخوية تتناسب مع منسوب القداسة، وهي تنتعش في جو التقوى الحقيقية.

(3) الاحتفاظ بالنفايات:

ماذا لو بقيت في بيوتنا القمامة وفضلات الطعام لبضعة أيام فقط؟  مَنْ يقبل بقاءها؟  مَنْ يحتمل منظرها؟  مَنْ يطيق رائحتها؟  كي يظل البيت مُحتملاً، وأهلاً للسكن فيه، فالتخلص من القاذورات والفضلات أمر حتمي، ويجب عمله بصورة يومية.  كان سكان أورشليم ينبغي عليهم أن يأخذوا هذه الفضلات والمخلفات مِنْ بيوتهم، ومن شوارعهم وأسواقهم، والحيوانات الميتة من حقولهم، ويمرون بباب الدِّمن، ويجمعونها هناك في وادي هنوم لتحرق جميعها بالنار.  التطبيق الروحي لما كان يفعله الشعب قديما هو التطهير من الخطية، بصورة يومية، والنتيجة المباركة الحتمية: أولاً؛ استمرار البيوت والطرق نقية.  وهو ما يمثل نقاء القلب والتوجهات، واستقامة السلوك في منهج القداسة.  ثانيًا؛ حماية الأجواء من الأوبئة المعدية: فعل الشر يُعثر الآخرين، ويتكاثر وينتشر في وجود مؤثراته.  كما أن الرائحة الردية (أدبيًّا) تؤدي إلى نفور الناس عامة، وإنطفاء الشهادة الروحية.  

ليحفظنا الرب بنعمته، لنشبع قلب سيدنا بحياة في رضاه، ونجمع غنائم أبدية، ونتجنب كل ما يُعطل أو يُقلِّل من تكريسنا له.


 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com