عدد رقم 6 لسنة 2017
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
الذي صنع معه الرحمة  


   في مثل السامري الصالح الوارد في إنجيل لوقا أصحاح 10 والأعداد من 25 إلى 37 يرد القول: «تحب قريبك كنفسك».  ومحبتنا للقريب دليل على محبتنا للرب.

   كمبدأ عام كلما كانت علاقتك بالرب جيدة ستكون علاقتك بالآخرين جيدة أيضًا، لهذا تجد أن الأشخاص الذين في خصام مع الرب، في خصام مع الآخرين، ولا تستبعد أن يكونوا في خصام مع أنفسهم.

   فالوصايا العشر التي كُتبت في لوحين، بها ست وصايا تخص العلاقة بالآخرين.  الوصية الخامسة الخاصة بإكرام الوالدين في اللوح الأول، وهي حلقة وصل بين ما يخص الله وما يخص الناس، لأن هذا حق الله وحق الوالدين.  أما الخمس وصايا الموجودة باللوح الثاني فتخص علاقة الشخص بالقريب.

   وفي مثل السامري الصالح نرى أربع علاقات بين البشر:                    

1-  العلاقة اللصوصية: علاقة استغلال واغتصاب وسحق.  فاللصوص حاولوا تدمير هذا الشخص والتخلص منه، فعروه وجرحوه وتركوه بين حي وميت.  وهذا ما نراه أيضًا في علاقة فرعون والمصريين بالشعب حيث كانوا يستعبدونهم ويسحقونهم تحت سياط المسخرين، وحاولوا قتل أطفالهم الذكور (خروج 1 : 22).

2-  العلاقة الكهنوتية: علاقة أنانية وتمركز حول الذات وعدم مبالاة بأوجاع الآخرين.  الكاهن واللاوي نظرا المجروح في احتياج لكنهما تركاه وجازا مقابله، مع أن الكاهن وضع  ليترفق بالجهال (عبرانيين5 : 1-2)، لكن في هذا النوع من العلاقات يضع الشخص حول نفسه هالة من زجاج، منعزلاً عن الناس واحتياجاتهم.  إنه لا يبالي باحتياجات الآخرين ولا يفكر إلا في نفسه.  فليس عنده استعداد أن يضحي بوقته وجهده وماله لمساعدة الآخرين. 

3-  العلاقة الفندقية: علاقة مصلحة مشتركة.  فصاحب الفندق أعطاه رعاية واعتنى به، وأخذ مقابل الرعاية دينارين أو أكثر إذا طالت المدة.  وقد يتطور هذا النوع من العلاقة إلى استغلال ظروف الآخرين واحتياجهم كما فعل يعقوب مع عيسو أخيه (تك25).

4-  العلاقة السماوية: علاقة الحب والعطاء.  فرغم أن اليهود لا يعاملون السامريين، والمشكلة ليست في السامري، بل في اليهودي، فهو الذي يعادي السامري ويحتقره.  لكن السامري هو الذي صنع معه الرحمة والخير.  فلما رآه تحنن وتقدم وضمد جراحاته وصب عليها زيتًا وخمرًا، وأركبه على دابته وأتى به إلى الفندق واعتنى به، ودفع نفقات علاجه ورعايته في الفندق ووعد بالرجوع إليه.  لقد أظهر المحبة والحنان وسخَّر كل امكانياته لخدمة هذا الجريح المسكين، وهو لا يعرفه، ولا يرجو منه شيئًا.  لقد تعب وضحى لأجل شخص لم يطلب منه المعونة، ومن جانبه فعل ذلك بحب وسرور دون أن يطلب أي مقابل.  وهذه روح المسيح الذي خدم وتعب وأفنى قدرته دون أن يرجو شيئًا.  ابن الإنسان قد جاء لا ليُخدم بل ليَخدم ويبذل نفسه فدية عن كثيرين، وقد صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا (عبرانيين1: 3).

والعجيب أن السامري لم يكن أصله يهوديًا بل أمميًا (اقرأ من فضلك قصتهم الواردة في 2ملوك17)، ولم يكن عنده الناموس كالشخص الناموسي الذي يوصيه الناموس بمحبة القريب كالنفس، لكنه نفذ الوصية التي لم يقرأها!

 

وفيما يلي أمثلة أخرى:

1- تبرهنت محبة القريب في إعطائه فرصة الاختيار قبله: أراد إبراهيم أن ينهي المشاكل بين رعاته وبين رعاة لوط فانفصلا وعند الانفصال أعطى لوط الفرصة الأولى في الاختيار ( تكوين13: 9).  وهنا السؤال: هل تتسابق لتأخذ المكان الأول، وتفضل نفسك عن الآخرين؟

2- تبرهنت محبة القريب في عدم الصعود والارتقاء على حساب سحق الآخرين: فعندما خيَّر الله موسى في أن يبيد الشعب ويصيره هو شعبًا أعظم ( خروج32: 10) رفض، لأن موسى ليس هو الشخص الذي يصعد على حساب سحق الآخرين، وقال للرب: «هذه الأمة شعبك ... والآن إن غفرت خطيتهم وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت» (خروج 32: 32).

3- تبرهنت محبة الفتاة المسبية لنعمان السرياني بأنها طلبت له الخير، بل وترجته أن يذهب إلى أليشع لكي يُشفى من البرص ( 2ملوك5: 3).  مع أن نُعمان السرياني كان هو السبب الرئيسي في أسرها وفي حرمانها من أهلها.  إن وصية الكتاب تقول: «لا تمنع الخير عن أهله حين يكون في طاقة يدك أن تفعله» (أمثال3: 27)، لكن نعمان لم يكن من أهل الخير، ومع ذلك فقد فعلت له الفتاة المسبية أكثر مما أوصت به الوصية.   

4- نعمي تبرهنت محبتها لكنتيها: راعوث وعرفة: بأن كانت مغمومة لأجلهما أكثر من غمها لأجل نفسها مع أن ظروفها أصعب (راعوث1: 13)، وتمنت أن يعطيهما الرب راحة كل واحدة في بيت رجلها.  وهكذا الشخص المحب يشعر بآلام الآخرين أكثر من آلامه.

5- برنابا تبرهنت محبته لبولس بأنه قدمه على نفسه في الخدمة: فعندما كانت هناك نهضة عظيمة في أنطاكية شعر أن الوضع يحتاج لبولس، فخرج ليستدعيه في الخدمة (أعمال11: 25)، حتى ولو اشتهر بولس واختفى برنابا.

5-  بولس تبرهنت محبته للقريب بأن شجع صغار النفوس، فكتب أصحاحين كاملين 1كورنثوس 16، رومية 16 أشار من خلالهما إلى أشخاص تعبوا معه في الخدمة، شباب وكبار، إخوة وأخوات وذكر أسماءهم كل واحد وعمله بكل فخر وفرح.  كذلك في رسالة فيلبي أشار إلى تيموثاوس وأبفرودتس (في2).

 فماذا عنا نحن؟ هل نتكلم فقط عن أنفسنا وخدمتنا ونجاحاتنا متجاهلين ما يعمله الله بواسطة الآخرين وخدمتهم، مع أنها قد تكون أفضل؟! يقول الرسول: «حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم» (في2).

 7- محبة القريب تبرهنت عند أكيلا وبريسكلا بالتضحية لأجل بولس فوضعا عنقيهما لأجل الرسول بولس (رومية16: 4).

   وهكذا نرى أن محبة القريب لم تكن كمحبة النفس فقط، بل أكثر من النفس في بعض الأحيان.  ليتنا نطيع قول الرب: «اذهب أنت أيضًا واصنع هكذا» (لو10: 37).

 عزيزي.. إن هناك إمكانية للعيشة طبقًا لهذا القياس المسيحي نظرًا لوجود الطبيعة الجديدة فينا وسكنى الروح القدس ..إلخ، لكن الأمر يستلزم ثلاثة أمور:

1- النضوج: فالطفل لا يستطيع أن يعطي، فقط يستطيع أن يأخذ.

2-المحبة الأخوية واتساع القلب: إن ضيق القلوب وتضيق الأحشاء هو السبب في عدم الاحتمال، وهذا ما جعل المؤمنين في كورنثوس لا يقبلون الرسول بولس.  أما الإنسان الطبيعي الذي لا يعرف الله فهو لا يعرف المحبة.  لقد كان قايين من الشرير وذبح أخاه، مع أنهما كانا أخويين فقط في الدنيا المتسعة.

3- التمثل بالمسيح الذي عمل وعلم: لقد جال يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس.  ليس لكي يخفف المعاناة التي سببتها الخطية للبشرية، لكن لكي يعبر عن الله الذي لم يعرفوه ويظهر قلبه المحب، ليقودهم إلى التوبة ونوال الحياة الأبدية، وليس أن يعيشوا سعداء في خطاياهم ويذهبون إلى الجحيم الأبدي، وهذا ما ينبغي أن ندركه ونفعله.

 

                                                                    أنور داود

 

 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com