بدأنا حديثنا في العدد الماضي عن أبطال داود «مِنْ إِخْوَةِ شَاوُلَ مِنْ
بِنْيَامِينَ» الذين جاءوا إلى داود إلى صِقْلّغ، وإلى الحصن (مغارة عدلام)، وإلى
حبرون (1أخ12: 2، 16، 29)، الذين لم تعقهم الروابط العائلية الطبيعية مع شاول عن
الارتباط والانفصال إلى داود والاجتماع حوله، في وقت رفضه من الأكثرية.
وعن «إِخْوَةِ شَاوُلَ مِنْ بِنْيَامِينَ» الذين «جَاءُوا إِلَى دَاوُدَ إِلَى
صِقْلَغَ وَهُوَ بَعْدُ مَحْجُوزٌ عَنْ وَجْهِ شَاوُلَ»، نقرأ عنهم أنهم جاءوا
مُجهَّزين بأسلحتهم «وَهُمْ مِنَ الأَبْطَالِ مُسَاعِدُونَ فِي الْحَرْبِ،
نَازِعُونَ فِي الْقِسِيِّ، يَرْمُونَ الْحِجَارَةَ وَالسِّهَامَ مِنَ الْقِسِيِّ
بِالْيَمِينِ وَالْيَسَارِ» (ع1، 2).
ونلاحظ ذكر مهارتهم في رمي الحجارة والسهام من القسي، فقد كانت لهم البراعة
الفائقة في استخدام كلتا اليدين، وهو الأمر الذي يُمثل تقدمًا في قدرات أسلافهم
العُسْر؛ أي الذين كانوا يستخدمون اليد اليسرى فقط، رغم أن الجيل السابق كان
قادرًا على إجادة إصابة الهدف «مِنْ جَمِيعِ هذَا الشَّعْبِ سَبْعُ مِئَةِ رَجُلٍ مُنْتَخَبُونَ
عُسْرٌ. كُلُّ هؤُلاَءِ يَرْمُونَ الْحَجَرَ
بِالْمِقْلاَعِ عَلَى الشَّعْرَةِ وَلاَ يُخْطِئُونَ» (قض3: 15؛ 20: 16). فدعونا – إذا تعلّمنا الدرس – أن نتجهَّز ”بِأَسْلِحَةُ
ُمُحَارَبَتِنَا التي لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً، لكنها قَادِرَةٌ بِاللَّهِ عَلَى هَدْمِ
حُصُونٍ“ (2كو10: 4)، وفي كُلِّ شَيْءٍ «نُظْهِرُ أَنْفُسَنَا كَخُدَّامِ اللهِ
... فِي قُوَّةِ اللهِ بِسِلاَحِ الْبِرِّ لِلْيَمِينِ وَلِلْيَسَارِ» (2كو6:
4-7)، بالضبط مثلما كان هؤلاء الرجال قد كرسوا كلتي اليدين ليُحاربوا من أجل داود،
وقدّموا أعضاءهم «آلاَتِ بِرٍّ لِلَّهِ» (رو6: 13).
لقد وضع إخوة شاول البنيامينيون كل مهاراتهم وقدراتهم تحت تصرف داود،
مُعترفين به كَسَيِّدهم الحقيقي. فماذا
نحن فاعلون بالوزنات والقدرات التي منحنا الله إياها؟ لأجل مَن نستخدمها؟ لأجل المسيح أم لأجل العالم؟
إننا نقرأ في 1صموئيل 31: 3 وأيضًا في 1أخبار 10: 3 أن الذين قهروا شاول هم
رماة القسي «وَاشْتَدَّتِ الْحَرْبُ عَلَى شَاوُلَ فَأَصَابَهُ الرُّمَاةُ رِجَالُ
الْقِسِيِّ، فَانْجَرَحَ جِدًّا مِنَ الرُّمَاةِ». وما السر في أن الرماة، «رِجَالُ الْقِسِيِّ» تمكنوا
منه وغلبوه؟ ذلك لأنه هو نفسه كان محرومًا
من هذا السلاح القوي، لأنه كما نقرأ هنا في 1أخبار 12: 1-7 قبل هزيمة شاول، أن سلاح
رماة القسي من سبط بنيامين، وبالأكثر من بني قَيْسَ، ذهبوا إلى داود وانضموا إليه في
صِقْلغ «وَهَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى دَاوُدَ
إِلَى صِقْلَغَ وَهُوَ بَعْدُ مَحْجُوزٌ عَنْ وَجْهِ شَاوُلَ بْنِ قَيْسَ، وَهُمْ
مِنَ الأَبْطَالِ مُسَاعِدُونَ فِي الْحَرْبِ، نَازِعُونَ فِي
الْقِسِيِّ، يَرْمُونَ الْحِجَارَةَ وَالسِّهَامَ مِنَ الْقِسِيِّ بِالْيَمِينِ
وَالْيَسَارِ، مِنْ إِخْوَةِ شَاوُلَ مِنْ بِنْيَامِينَ» (1أخ12: 1، 2).
وبذلك حُرم شاول من هذا السلاح النافع، ومن هنا كان الرعب الشديد الذي استولى
عليه حينما تلفت حوله في الساعة الحالكة فلم يجد مَن يساعده في دفع الأذى، فمات منتحرًا
(2صم1: 19، 25، 27).
إن القوس في الكتاب المقدس كله يرمز للقوة التي تهزم العدو. فبالسيف يُهاجم الإنسان عدوه وجهًا لوجه. ولكن بالقوس يُحاربه من بعيد مُقاوِمًا إياه حتى
لا يدنو منه. إن رامي السهم يرى العدو مقبلاً
من بعيد، فيحتاط لحركاته وخططه، ويُسقطه أرضًا قبل أن يشتبك به. فالقوس سلاح أذكى بكثير من السيف، ولكنه قبل كل
شيء رمز للقوة لأنه يحتاج للأيدي المتينة والسواعد القوية لتشد أوتاره وتستعمله
(تك49: 23، 24).
ويا لها من معونة كان يُمكن أن تُقدَّم لشاول أمام الفلسطينيين. لقد كان هؤلاء الرجال البنياميين «نَازِعُونَ فِي الْقِسِيِّ، يَرْمُونَ الْحِجَارَةَ
وَالسِّهَامَ مِنَ الْقِسِيِّ بِالْيَمِينِ وَالْيَسَارِ» (ع2). ولقد كان
نقص رماة القوس عند شاول في معركته مع الفلسطينيين هي السبب المُباشر لخرابه. ولقد قيل لنا إنه كان خائفًا جدًا عندما رأى
أنه لا يُمكنه أن يصل إلى مستوى رماة الفلسطينيين (1صم28: 5).
ولكن علينا أن نلاحظ أن داود لم يستخدم هؤلاء الرجال، ضد شاول. لقد كانوا بالنسبة له عونًا غير مُتوَّقع، لكنه
ترك الله يُوّجه الظروف بنفسه، ويعكس قضاءه حسب رحمته، فهو لا يقف ضد شعب الله ولا
يُحاربه (1صم24: 6؛ 26: 10، 11؛ قارن غلاطية 5: 14، 15).
وأول رجلين يُذكرا من هؤلاء الأبطال هما أَخَوان ”أَخِيعَزَرُ ويُوآشُ“، وأبوهما هو ”شَمَاعَةَ الْجِبْعِيُّ“ (ع3)، بمعنى أنهما كانا من مواطني ”جِبْعة“ التي هي موطن شاول (1صم10: 26).
وهنا نجد رجلين، لم يكونا فقط من أقارب شاول، ولكنهما أيضًا عاشا على مقربة
منه، لكنهما تخليا عن شاول وجِبْعَة، من أجل داود وصِقْلَغ، مثلما حدث عبر السنين
أن غيَّر كثيرون ولاءهم لأجل الرب يسوع المسيح.
ومعنى اسم ”أَخِيعَزَرُ“ هو ”الأخ عون“ أو ”أخي هو معونة“. وربما يكون
هذا مؤشرًا ذا مغزى لحقيقة أن هذين الرجلين كانا أداتي تشجيع الواحد للآخر في
قرارهم المصيري لأن ينبذوا ما كان مألوفًا ومُريحًا لهم، مُستبدلين به ما كان
محفوفًا بالخطر وغير مأمون. ولقد كانت
المساعدة الأخوية دائمًا وأبدًا عاملاً مؤثرًا وهامًا عند مواجهة مسائل الحياة الكبرى
«الصِّدِّيقُ يَهْدِي صَاحِبَهُ، أَمَّا طَرِيقُ الأَشْرَارِ فَتُضِلُّهُمْ»
(أم12: 26). ويا لأهمية «أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا
لأَجْلِ الإِخْوَةِ»، أي أن نحيا في صميم احتياجاتهم بأن نُقدِّم لهم الدعم
والمساندة، وهو ما يُظهِر البرهان الحقيقي لعواطفنا إزاءهم (1يو3: 16-18). فليتنا نُقدِّم كل مساعدة لإخوتنا، وأن نُشجعهم
على اتخاذ الاختيارات الصائبة في الحياة.
وقيل عن ”أَخِيعَزَرُ“ إنه «الرَّأْسُ»، ولكن لم يكن من مظهر من الضيق أو
الغيرة المُرّة أو الحسد من جانب أخيه ”يُوآشُ“.
وهذا على خلاف ما قيل عن هَارُون ومَرْيَم عندما هبت زوبعة ضغينة وحسد ضد مُوسَى،
فتكلما بالشكوى ضد أخيهما (عد12: 1). وكان
السبب الأساسي للشكوى هو انزعاجهما من الوضع الخاص والمُتميِّز الذي كان لأخيهما
موسى «فَقَالا: هَل كَلمَ الرَّبُّ مُوسَى وَحْدَهُ؟ أَلمْ يُكَلِّمْنَا نَحْنُ أَيْضًا؟» (عد12:
2). ويجب علينا ألا ننظر بعين الغيرة إلى
مَنْ يُعطيه الرب موهبة أو مكانة مُتميِّزة (1كو12: 14-26).
(يتبع)