عدد رقم 6 لسنة 2017
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
نعبد الله بالروح  

   إن عبادة الرب قبل أن تكون حقًا علينا تجاهه، هي امتياز ممنوح لنا بالنعمة، فكوننا نقترب منه، وندنو من محضره المهيب والمليء بالجلال، فهذا فعلاً امتياز لنا، ولولا أن دعانا هو لذلك لم يكن في طاقتنا حتى أن نفكر فيه.  ولكن شكرًا لله الذي وهبنا هذه النعمة، نعمة الاقتراب والتعبد والسجود له.  ولكن قبل أن يتجرأ أحدنا على ذلك عليه أولاً أن يدرك بعض الأمور.  وهذا ما سنوجزه فيما يلي:   

أولاً:- اكتساب الطبيعة الجديدة وسكنى الروح القدس

   قبل أن أقترب لشخص وأتعامل معه في أي شيء، لا بد أن يكون هناك شيءٌ مشترك بيني وبينه.  فقديما فشل آدم في أن يتعامل مع المخلوقات الأخرى، فدعاها بأسماء فقط دون أن يكون له علاقة بها.  لكن حين أحضر له الرب الإله المرأة دعاها امرأة قائلاً عنها: «لأنها من امرءٍ أُخِذَتْ» (تك2: 23)، لقد دعاها بلقب مشترك بينها وبينه، وليس ذلك فقط لكن الطبيعة الإنسانية بالخلق كانت واحدة وصنف الحياة واحد، لذلك يصلح أن يكون في شركة وعلاقة معها.  هكذا نحن لا يمكن أن يتسنى لنا الدخول في علاقة مع الله ما لم نكتسب طبيعته، وهذا لن يتم إلا بواسطة الولادة من فوق بناء على الإيمان بالرب يسوع وكفاية ذبيحته على الصليب، فينال من يؤمن به الحياة الأبدية (يو3: 16)، أي ذات حياة الله، وبذلك يكون شريكًا للطبيعة الإلهية (2بط1: 4)، ويسكن فيه الروح القدس (أف1: 13).

ثانيًا:- معرفة فكر الله

لكي نقدم عبادة للرب لا بد أن نعرف فكره من جهة ما يريده ويطلبه وما لا يريده، وليس كما يحلو لنا.  فهذا طبعًا غير صحيح، لأنه كيف أعرف إن كان الرب يقبل هذا أم لا؟ لو لم أعرف أولاً ماذا يريد.  ولكي أعرف ذلك علي أن أذهب لكلمة الله التي تحمل إلينا فكره وتعلن لنا حقه.  لنفترض أنك يومًا ما أردت أن تكرم أباك الجسدي بشيء، لا بد أنك تتحقق أولاً من رغبته فيما يحب (تك27: 9)، وإلا سيكون إكرامك له احتقارًا ومهانة (ملا1: 6، 7).  وهكذا على ذات المنوال، هل يصلح أن أدعي أنني أعبد الرب وأكرمه بما لا يريده ولا يتناسب معه؟ خذ مثالاً أيضًا هل تجرأ أحدهم في التدابير السابقة أن يفعل شيئًا لم يسبق الرب وطلبه منه؟ وإن كان هناك شخص فعل ما لم يطلبه الرب تحسب له حماقة نظير يفتاح الجلعادي (قض11 : 31).  وأيضًا داخل الأقداس، هل كان يجرؤ كاهن أن يخل بشيء من الترتيب الذي وضعه الرب؟ وحين تطاول أحد في ذلك لم ينجُ من القضاء الفوري، نظير ابني هارون (لا10).  من كل ما سبق من أمثلة علينا أن ندرك خطورة الأمر ورهبته وجلاله، وليعطنا الرب أن نخافه، وأن نضع اعتبارات قداسته وبره فوق كل اعتبار.

   ولكن ربما آخر يقول: لماذا لم يترك لنا الرب الحرية فيما نقدمه له من عبادة؟ وسنقول له: هل تضمن لنفسك حسن الاختيار؟ سيقول: نعم لأن الروح القدس ساكن في، وأنا أقول لك: هل نحن في كل حين في طاعة كاملة للروح القدس؟ وأيضًا: هل الروح القدس يريدنا أن نتعبد للرب بالاستقلال عن فكره وحقه المعلن في كلمته؟ وأيضًا: من منا يأمن للجسد الذي فينا؟ عزيزي القارئ المتسائل لندرك سويًا هذا الحق القائل: «لأن اهتمام الجسد هو موت» (رو8: 6)، وهو أيضًا «عداوة لله» (رو8: 7).

سيقول لي آخر: لماذا لا نأخذ من العهد القديم ما يناسبنا في العبادة في العهد الجديد كالموسيقى مثلاً (مز150)، ألم يقبل الرب منهم ذلك؟ أقول لك يا عزيزي:  لقد قيل الكثير عن هذه الأمور، ولكني أنا شخصيًا أرى أن مسألة القول بأن مثل هذه كانت مقبولة عند الله، هو مبرر لما نرغب نحن في فعله.  ثم لاحظ أولاً أن الله لم يطلب منهم ذلك مطلقًا مع أنه أعطى تفصيلات دقيقة للغاية لكل شيء في خيمة الاجتماع والذبائح والتقدمات.  ثانيًا صمته لا يعني رضاه، فهناك الكثير مما لم يطلبه وهم فعلوه، وهناك أيضًا ما صمت عنه دون أن يكون راضيًا به.  أما مسألة العبادة في العهد القديم فهذا نظام مكتمل لا يتجزأ، ويوافق التدبير الذي أُعطىَ فيه، ومتناسب مع نوع البركة الأرضية التي كانت قد مُنحَت لهم.  أما بالنسبة لنا في تدبير غنى ومجد نعمة الله لا يزيد ذلك النظام عن كونه أركانًا ضعيفة وفقيرة (غلا4: 9)، والرجوع إليها ليس فقط تشويشًا ولكنه تشويه للنعمة.  الأمر الذي قاومه رجل الله بولس بشدة في رسالته لكنائس غلاطية (غلا3: 1-14)، وفعله مع بطرس في أنطاكية (غلا2: 11-21).  أما السجود في التدبير الحاضر فبالروح والحق (يو4).

   أحبائي كم نشتاق لبساطة الأيام الأولى للكنيسة، حيث كان المبدأ الإلهي يؤثر بقوة على المؤمنين: «لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي هناك أكون في وسطهم» (مت18: 20)، وحيث كان الرب بدوره يضم للكنيسة كل يوم الذين يخلصون (أع2: 47).  ولو لم نرجع لهذا السبيل القديم (إر6: 16) لطاش سهمنا وخاب قصدنا، لو لم نُرجع التخم القديمة لأصلها وتتضح حدود الحق ومعالمه (أم22: 28)، ونتوب عن المظهرية الفارغة ووسطنة الأمور، ومحاولة مسك العصا من منتصفها لمجرد إرضاء الناس ومحاكاة الآخرين، تحت أي شعار، لكان الفشل من نصيبنا، والعار أضحى حليفنا. أحبائي إننا نقدم العبادة لله وليس للناس الحاضرين أو المشاهدين لننال إعجابهم.  ولو رغبنا في البرودة تحت تأثير مبادئ الجسد فسنحصد حتمًا النتائج، أما إذا خضعنا لقيادة الروح وعبادة الرب بحرارة فنكون قد أحسنَّا الرؤية، ولكن الفتور والسير بعرج بين الفرقتين لا يسبب سوى الغثيان (رؤ3: 16).  قديما اضطرب اسحاق حين كان يسمع صوت يعقوب ويلمس شعر كشعر عيسو(تك27: 22).  عزيزي القارئ أنا لا أقصد من وراء كلماتي هذه سوى يقظتنا وتثبيت حقوق الله التي ضاعت وسط التشويش الحادث في المسيحية، ومنتجات الجسد الفاسد الذي لا يفيد شيئًا (يو6: 63).  

   عزيزي القارئ إن التمسك بحقوق الله والعمل بها ليس تضييقًا ولكنه تدقيقًا، وتعلم الحق الإلهي وممارسته ليس مدرسة ولكنه درسًا.  نعم إنه درس الحياة كلها الذي نتعلمه من الرب يومًا بعد يوم، فليشدد أحدنا الآخر، وليبن أحدنا الآخر، ولنطلب المراحم من إلهنا في هذه الأيام، حتى يعود فيرحمنا ويدوس على ما أثمنا به إليه من جهة حقوقه، وتثبيت شهادته وحقه في عالم لا يعرف لحق الله طريقًا، ولا يسير في سبل الله المستقيمة، بل يعمل دائمًا على إفسادها تحت لواء رئيسه الشرير الذي هو الشيطان (أع13: 10).          

فلتعطنا يا إلهنا روح الاتضاع أمامك، والتخلي عن مبادئ وكبرياء الجسد وريائه، فننقاد بروحك ونسترشد بنور حقك، ونعمل ما هو مرضي أمامك، احفظ قلوبنا من كل خداع، ونقي حياتنا من كل زيف، أضئ بوجهك علينا، لأننا بنورك نرى نورًا، فأنت إلهنا ونحن شعبك، أنت راعينا ونحن رعيتك الغالية على قلبك، كما نتضرع لك أن تسامحنا، وتردنا لنقدِّر شخصك، ونكرم اسمك الذي هو مبارك إلى الأبد.  آمين فآمين.


© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com