عدد رقم 1 لسنة 2005
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
طُوفان المحيط الهندي  

مَنْ يستطيع أن يقف أمام غضب الطبيعة وجبروتها, وزمجرة المياه وغدرها, لقد وقف العالم مذهولاً  أمام "التسونامي" (كلمة يابانية من مقطعين تعني، ميناء وموجة) الذي ضرب جنوب شرق آسيا وراح ضحيته قرابة 200 ألف شخص, وشرَّد خمسة ملايين آخرين يواجهون خطر انتشار الأوبئة ونقص مياه الشرب والاحتياجات الأساسية للحياة وفقد بسببه الكثيرون موارد رزقهم, وقوارب صيدهم, واكتملت المأساة بتصريحات خبراء الجيولوجيا: بأن الكارثة ستغير من جغرافية المنطقة, مع تحرك جزر من أماكنها, وأن الزلزال ليس مجرد هزة أرضية عنيفة بل مقدمة لكارثة جيولوجية كبيرة.  وأن البيئة البحرية لن تعود إلى طبيعتها في المحيط قبل عدة قرون.

إن هذا الطوفان قد أعاد إلى أذهاننا ذلك الطوفان الذي حدث في «أيام نوح» والذي راح ضحيته كل العالم, فبين الكارثتين تشابهات وتأملات:

(1)  أيامنا وأيام زمان:

عروسان مصريان عائدان من جحيم الطوفان رَوَيا قصة نجاتهما فقال الزوج:

"عقب زفافنا قرَّرنا القيام برحلة سياحية في دول جنوب  شرق آسيا.  ودَّعنا الأهل والأحباب واستقلينا الطائرة إلى جزيرة "بالي" الإندونيسية, ومنها إلى الجزر التايلاندية.  عشنا أربعة أيام في سعادة لا توصف, الجزر خلابة, الخدمة ممتازة, المأكولات والمشروبات شهية, احتفلوا بزفافنا, وهكذا قضينا أيامنا نأكل ونشرب, نلعب ونسهر, حتى حدث ما لم يخطر على بال أحد -وهنا اختنق الزوج ولم يستطع أن يُكْمِل- فقالت العروس: "ما زلت غير مصدقة أننا نجونا من الموت المحقق, فقد كنا نسبح في المحيط ولو تأخرنا لخمس دقائق لابتلعتنا الأمواج مثل الآخرين, فقد كان معنا مجموعة من السائحين السويديين اختفوا تمامًا ولم يخرجوا من المياه إلا جثثًا هامدة!! لقد اهتزت الأرض في قاع المحيط بزلزال عنيف بلغت قوته 9 ريختر, واندفعت المياه تدمر وتكتسح كل شيء أمامها .. حيث بلغ ارتفاع الموج أكثر من عشرة أمتار، وسرعة اندفاعه كما ذكرت التقارير بلغت 1000 كيلومتر/ ساعة أي بسرعة طائرة نفاثة".

القارئ العزيز .. لقد اقتربنا كثيرًا من الوقت الذي تتحقق فيه نبوة المسيح حين قال: «وكما كان في أيام نوح كذلك يكون أيضًا في أيام ابن الإنسان: كانوا يأكلون, ويشربون، ويُزوِّجون ويتزوجون ..  وجاء الطوفان وأهلك الجميع» (لو 26:17، 27).  وكما فاضت مياه المحيط وأغرقت الجزر، كذلك يصف الرسول بطرس مشهد الطوفان الذي دمَّر العالم القديم بالقول: «فاض عليه الماء فهلك» (2بط 6:3). 

(2) موقف الرب من شر الإنسان:

لا تتشابه أيامنا مع أيام نوح في كثرة السكان فقط, بل في كثرة الشر والعصيان أيضًا.  وعندما رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر, حزن, وقال: «أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته» (تك 7:6)، ولكن لأن إلهنا «رؤوف ورحيم» (يون 2:4) ولأن «الدينونة فعله الغريب» (إش 21:28) لذلك أمهل الإنسان قبل الطوفان فرصة أخيرة للتوبة إذ قال: «لزيغانه، هو بشرٌ.  وتكون أيامه مئة وعشرين سنة» (تك 3:6).  ويقول الرسول إن: «أناة الله كانت تنتظر مرة في أيام نوح، إذ كان الفلك يُبنى» ( 1بط 20:3) والرب يمنح الشرير فرصة كافية لكي يرجع عن شره, لكنه من أجل قساوته وقلبه غير التائب يذخر لنفسه غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة.  ومما يذكر أن هذه الشعوب تميَّزت بالوثنية والفساد والنجاسة، والعداء لابن الله.  وبالطبع ليسوا هم أشر ناس على الأرض، بل كما قال الرب يسوع: «إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون» (لو 5:13).  ويجب أن نعرف أن ما حدث لم يكن غضب الطبيعة بل غضب رب الطبيعة بسبب شر الإنسان.

(3) عائلة واحدة تنجو من الطوفان:

لقد كرز نوح للعالم القديم كله, الجميع سمعوا أن «غضب الله مُعْلَن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم» (رو 18:1)، والطوفان كان يُعبِّر عن هذا الغضب.  والجميع سمعوا أيضًا عن وسيلة الخلاص من هذا الغضب.  فما أكثر الذين يسمعون, وما أقل الذين يؤمنون ويطيعون, صحيح أن هذا الكارز لم يربح العالم، لكن يكفيه فخرًا أنه ربح بيته «بالإيمان نوح لما أوحِيَ إليه عن أمور لم تُرَ بعد خاف، فبنى فلكًا لخلاص بيته» (عب 7:11).

(4) الفلك هو الوسيلة الوحيدة للأمان:

قال شاهد عيان كان على متن عبّارة تنقله من جزيرة "بولاو ويه" إلى جزيرة "باندا آتشيه": إن العبَّارة كانت تتأرجح, وكانت الأمواج ترجع بشدة إلى الخلف بدلاً من ذهابها إلى الشاطئ, وعندما اقتربنا من الجزيرة وجدنا أن المياه غطت مراسي السفن, وبيوت الصيادين قد سُويت بالأرض, الجثث طافية وكان بعضها منتفخًا وأغلبها أذرعها إلى أعلى, فعادت العبَّارة أدراجها إلى جزيرة "بولاو ويه" حيث لم يشأ أحد أن يبرح السفينة خوفًا من قدوم "تسونامي" أخرى , ولإحساسهم بالأمان في السفينة ولو جزئيًا. على أن الأمان الكامل أيام نوح كان في الفلك لأن مقاييسه كانت إلهية، وهو الوسيلة التي أعدها الله للنجاة.  ومَنْ ذا الذي يخلصنا سوى المُخلِّص الذي قال عنه الملاك: «وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم» ( مت 21:1) وقيل عنه في العهد القديم: «ويكون إنسان كمخبأ من الريح وستارة من السيل» (إش 2:32)، يقول ناحوم النبى: «مَنْ يقف أمام سخطه؟ ومَنْ يقوم في حُمًوِّ غضبه؟ (أي غضب سخط الله)» (نا 6:1) والإجابة الوحيدة هي: المسيح!  الذي بموته الكفاري أسكت الغضب  الإلهي، وكما تحمَّل الفلك ينابيع الغمر العظيم التي انفجرت, وطاقات السماء التي انفتحت, كذلك حَمَل المسيح دينونتنا ( مز 7:42، 7:87).

عزيزي القارئ ..

لا يوجد في العالم مكان تجد فيه الأمان سوى حضن يسوع «فُلك النجاة».  فهل تأتي إليه فتنجو من الغضب الآتي؟

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com