عدد رقم 1 لسنة 2005
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
ثانياً: قيامة المسيح في رسالة رومية  

«أقيم لأجل تبريرنا»
 (رو 25:4)

(8) القيامة وارتباطها بأحقية المسيح في السيادة على الأحياء والأموات


«لأنه لهذا مات المسيح وقام وعاش، لكي يسود على الأحياء والأموات»
 (رو 9:14)

بداية من أصحاح 1:14 وحتى أصحاح 7:15 من رسالة رومية يتحدث الرسول بولس عن وجوب احتمال الإخوة «الأقوياء» الذين سموا بأفكارهم وأدركوا معنى الحرية المسيحية، لأضعاف الإخوة «الضعفاء» ذوي الضمائر الحساسة والغير مدركين تمامًا للحق المسيحي.  فكثيرون من المؤمنين اليهود لم يكونوا قد أدركوا بعد معنى العتق فيما يتعلق بالأطعمة التي كانت ممنوعة، أو الأيام التي كانت تُحفظ، بحسب الناموس.  وكان من الصعب عليهم أن يفهموا أن إيمانهم بالمسيح وانتقالهم إلى دائرة الإيمان المسيحي قد طرح الناموس وكل متعلقاته جانبًا.  بينما المؤمنون من الأمم قد عرفوا أن هذه الأشياء خارجة عن المسيحية ولا شأن لها بها.  وقد تسبب عن ذلك جدل وخلافات بين المؤمنين أدى إلى وجود إدانة من الجانب الأول وازدراء من الجانب الآخر.

فالضعيف في الإيمان إذًا ليس هو المتورط في خطايا وشرور يتثقل بها ضميره، بل هو اليهودي الذي عن جهل يتمسك بعوائد يهودية وأركان عبادة أرضية ضعيفة.  والقوي في الإيمان مقصود به المؤمن الراجع من الوثنية معتزًا بالنور الجديد والحقائق المنيرة المُشرقة على ضميره المتحرِّر.  والرسول يطلب من هؤلاء المؤمنين الخليط أن يُمكِّنُوا المحبة بعضهم نحو بعض، وأن يقبلوا بعضهم بعضًا، لا لمناقشة الآراء والمعتقدات والأفكار، بل لإفساح المجال أمام التعليم الصحيح الذي فيه فرصة بنيان وتقوية الضعيف.  فالمسيحية تحررنا من جهة الطقوس والأركان الضعيفة، لكنها تعلمنا أيضًا أن لا نعثر ضمائر الآخرين لأن الضعيف في الإيمان له على الأقوياء حق التسنيد والبنيان.

ويبدأ الرسول حديثه في هذا الجزء من الرسالة ويختمه بنفس النداء «اقبلوا بعضكم بعضًا» (رو 1:14؛ 7:15).  وفي الآيات رومية 1:14-12 يستند الرسول وهو يوجه هذا التحريض إلى أربعة أسباب:

  1. أن المسيح قد قبلنا  (1:14-3):  فبالرغم من كل الاختلافات التي قد توجد بخصوص بعض الأمور الثانوية اللاجوهرية والغير أساسية، فالمؤمن الضعيف ينبغي أن يُقبَل، ليس فقط في الشركة المحلية والاشتراك على مائدة الرب، لكن أيضًا، يجب أن يُقبَل في عواطفنا ورعايتنا، لا ننفر منه ولا نحتقره أو ندعه يخجل، بل نظهر له كل محبة وعطف وصبر وطول أناة.  ولا نحاول أن نناقشه أو نجادله كأننا نحاكمه، بل نستعمل معه الرفق حتى يصل الحق إلى ضميره وينمو ويتقوَّى «ومَنْ هو ضعيف في الإيمان فاقبلوه .. لأن الله قَبِلَه» (ع 1،3).
  2. أن المسيح قادر أن يحفظ ويُثبِّت الذين له  (ع 4): فكل مؤمن هو عبد للرب، وليس لنا الحق أن ندينه وكأننا نحن الأسياد.  فنحن أيضًا عبيد لنفس السيِّد.  اترك إذًا السيد ليتعامل معه بموجب سلطانه وحكمته، والرب قادر أن يُثبِّت ويحفظ الذين له «مَنْ أنت الذي تَدين عبد غيرك؟ هو لمولاه يثبت أو يسقط.  ولكنه سيُثَبَّت، لأن الله قادر أن يُثَبِّته» (ع 4).
  3. أن المسيح هو رب الكل  (ع 5-9): وفي هذه الأعداد تُذكر كلمة «رب» سبع مرات.  فهو -تبارك اسمه- له السيادة على الجميع.  وربوبية المسيح تدخل إلى كل جهة من حياة المؤمن «لأن ليس أحدٌ منا (ضعيفًا كان أم قويًا) يعيش لذاته، ولا أحدٌ يموت لذاته» (ع 7).  فلا يجب لأحد أن يتمركز في ذاته، والرب يجب أن يكون هو هدف الحياة وموضوعها «لأن لي الحياة هي المسيح» (في 21:1).  وهكذا يجب أن كل مؤمن يجعل الرب أمامه في كل حين، وأن يكون غرض كل شيء هو تمجيد الرب، سواء في حياتنا أو في موتنا (في 20:1).  ونحن ليس لنا حق أن نعيش لأنفسنا «أم لستم تعلمون .. أنكم لستم لأنفسكم؟ لأنكم قد اشتُريتم بثمن.   فمجِّدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله» (1كو 19:6، 20)، ولذلك يجب أننا «إن عشنا فللرب نعيش، وإن مُتنا فللرب نموت.  فإن عشنا وإن مُتنا فللرب نحن» (رو 8:14).  وهو نفس المبدأ الذي يقرره الوحي بعد ذلك «فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئًا، فافعلوا كل شيءٍ لمجد الله» (1كو 31:10) وأيضًا «وكل ما عملتم بقول أو فعل، فاعملوا الكل باسم الرب يسوع، شاكرين الله والآب به» (كو 17:3).

    «لأنه لهذا (لهذه الغاية) مات المسيح وقام وعاش، لكي يسود على الأحياء والأموات» (ع 9).  فأحد الأسباب التي لأجلها مات المسيح وقام وعاش أيضًا هو أن يكون ربًا لنا، ونكون نحن رعيته المُطيعة والتي بسرور نُكرِّس له قلوبًا طائعة شاكرة، وربوبيته تستمر حتى في الموت حيث تُلقى أجسادنا في القبر، أما أرواحنا ونفوسنا فتكون في حضرته.

    ونلاحظ أن الرسول لا يقول: "عاش المسيح ومات وقام" وكأن "عاش" تشير إلى حياته على الأرض قبل موته على الصليب، لكنه يقول: «مات المسيح وقام وعاش»، لقد مات لأجلنا، وبعد أن مات قام من الأموات وصعد إلى السماء ليعيش ويحيا هناك عن يمين الله لأجلنا.  لقد مات وقام وعاش لكي يسود على الأحياء والأموات، أي لكي يمارس سيادته وربوبيته على مفدييه، سواء في حياتهم أو بعد مماتهم.  هذه السيادة هي حقه وهي استحقاقه بعد الموت الذي ماته.

    وبالإضافة إلى سيادة الرب وربوبيته على مفدييه، سواء في حياتهم أو بعد مماتهم (رو 9:14) فلا شك أيضًا أن للمسيح سيادة عامة على جميع الناس على أساس موته وقيامته ولذلك فهو عتيد أن يدين الأحياء والأموات.  قال الرسول بطرس إن المسيح «هو المُعيَّن من الله ديانًا للأحياء والأموات» (أع 42:10).  وقال الرسول بولس لفلاسفة أثينا: «الله الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا متغاضيًا عن أزمنة الجهل، لأنه أقام يومًا هو فيه مزمعٌ أن يدين المسكونة بالعدل برجلٍ قد عيَّنه مقدمًا للجميع إيمانًا إذ أقامه من الأموات» (أع 30:17، 31).  وقال أيضًا: «مَنْ هو الذي يدين؟» ثم أجاب على هذا السؤال فقال: «المسيح هو الذي مات، بل بالحري قام أيضًا» (رو 34:8 - قارن من فضلك يو 22:5، 27).  كما قال عنه أيضًا إنه هو العتيد أن «يدين الأحياء والأموات، عند ظهوره وملكوته» (2تي 1:4).
  4. أما عن السبب الرابع الذي يستند عليه الرسول وهو يوصينا أن نقبل بعضنا بعضًا، فهو أن المسيح هو ديان الجميع  (ع 10-12).  فالواقع أن كل واحد منا سيقف أمام كرسي المسيح للمجازاة، وهناك سيكون التقويم الوحيد ذو القيمة الحقيقية.  ومن الواضح أننا حينئذٍ سنُعطي للرب حسابًا عن أنفسنا وليس عن إخوتنا «فإذًا كل واحد منا سيُعطي عن نفسه حسابًا لله» (ع 12).  وطالما أن الرب يسوع المسيح هو الذي سيصدر الحكم على كل واحد، فلا مجال الآن لأن يحكم بعضنا على بعض إلا حكمًا واحدًا تُمليه المحبة الأخوية وهو أن لا يوضع للأخ مصدمة أو معثرة (ع 13).

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com