عدد رقم 1 لسنة 2005
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
عَكْسَة   من سلسلة: شابات الكتاب المقدس

في أحاديثنا السابقة عن عكسة ركزنا الحديث على كالب أبي عكسة، وعلى عثنيئيل رجل عكسة، وحان الأوان أننا نركز الحديث في هذا العدد عن صفات عكسة وأخلاقها العظيمة.

يذكر لنا الوحي المقدس في يشوع 15: 16 هذه العبارات المليئة بالدلالات الروحية، والمحملة بالمعاني الجميلة:

«وَقَالَ كَالِبُ: مَنْ يَضْرِبُ قَرْيَةَ سِفْرٍ وَيَأْخُذُهَا أُعْطِيهِ عَكْسَةَ ابْنَتِي امرأة فَأَخَذَهَا عُثْنِيئِيلُ بْنُ قَنَازَ أَخُو كَالِبَ.  فَأَعْطَاهُ عَكْسَةَ ابْنَتَهُ امْرَأَةً».  ثم يستطرد الوحي قائلاً:

«وَكَانَ عِنْدَ دُخُولِهَا أَنَّهَا غَرَّتْهُ بِطَلَبِ حَقْلٍ مِنْ أَبِيهَا. فَنَزَلَتْ عَنِ الْحِمَارِ فَقَالَ لَهَا كَالِبُ: مَا لَكِ؟» فَقَالَتْ: أَعْطِنِي بَرَكَةً. لأَنَّكَ أَعْطَيْتَنِي أَرْضَ الْجَنُوبِ فَأَعْطِنِي يَنَابِيعَ مَاءٍ فَأَعْطَاهَا الْيَنَابِيعَ الْعُلْيَا وَالْيَنَابِيعَ السُّفْلَى».

والكلمات ذاتها تقريبًا نجدها في قضاة 1: 12-15:

«فَقَالَ كَالِبُ: الَّذِي يَضْرِبُ قَرْيَةَ سَفَرٍ وَيَأْخُذُهَا, أُعْطِيهِ عَكْسَةَ ابْنَتِي امْرَأَة فَأَخَذَهَا عُثْنِيئِيلُ بْنُ قَنَازَ أَخُو كَالِبَ الأَصْغَرِ مِنْهُ. فَأَعْطَاهُ عَكْسَةَ ابْنَتَهُ امْرَأَةً. وَكَانَ عِنْدَ دُخُولِهَا أَنَّهَا غَرَّتْهُ بِطَلَبِ حَقْلٍ مِنْ أَبِيهَا. فَنَزَلَتْ عَنِ الْحِمَارِ, فَقَالَ لَهَا كَالِبُ: مَا لَكِ؟ فَقَالَتْ لَهُ: أَعْطِنِي بَرَكَةً. لأَنَّكَ أَعْطَيْتَنِي أَرْضَ الْجَنُوبِ فَأَعْطِنِي يَنَابِيعَ مَاءٍ فَأَعْطَاهَا كَالِبُ الْيَنَابِيعَ الْعُلْيَا وَالْيَنَابِيعَ السُّفْلَى».

في يشوع 14 نجد كالب يطالب بحبرون، وبعد ذلك مباشرة في يشوع 15 نقرأ عن ابنته عكسة أنها هي أيضًا مطالبة.  ونحن نجد سبعة مطالبين في سفر يشوع.  والعجيب أن واحدًا منهم فقط كان رجلاً، وكان شيخًا، والستة الباقين بنات!  الرجل هو كالب الذي قال ليشوع: «أعطني هذا الجبل»، وأما البنات فهن بنات صلفحاد الخمسة اللائي تقدمن إلى ألعازار الكاهن وإلى يشوع بن نون، وإلى الرؤساء قائلات: «الرب أمر موسى أن يعطينا نصيبًا بين إخوتنا» (يش17: 4).  والبنت السابعة والأخيرة هي عكسة موضوعنا الآن.

ونلاحظ أنه في آية واحدة (يش15: 19؛ وكذلك قض1: 15) تتكرر مترادفات العطاء أربع مرات: أعطني، أعطيتني، فأعطني، فأعطاها.

ونريد في هذا العدد أن نتوقف عند هذه الأفكار الأربعة عن العطاء:

  • ممَنْ طلبت؟
  • كيف طلبت؟
  • ماذا طلبت؟
  • ماذا نالت؟

أولاً: ممَنْ طلبت:

يقول الوحي إنه عند دخولها غرته (أي غرت زوجها، أو حفزته) بطلب حقل من أبيها. ولقد أعطاها الأب بالفعل الحقل، بدليل ما قالته لأبيها بعد ذلك. «لقد أعطيتني أرض الجنوب، فأعطني ينابيع ماء».

والأب في هذه القصة يصور لنا الآب السماوي، مصدر كل العطايا، كقول الرسول يعقوب: «كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار، الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران» (يع17:1).  وإن كان الأب الأرضي يعطي، فكم بالحري الآب السماوي، عندما نطلب منه بالإيمان.  هذا ما قاله المسيح في يومه: «إن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالحري الآب السماوي يهب خيرات للذين يسألونه!» (مت7: 11).

والله في تدبير النعمة الحاضر الذي نعيش فيه يسر بأن يعطي. ففي تدبير الناموس كان الله ينتظر من الإنسان شيئًا، ولكن في صليب المسيح وقد ثبت أن الإنسان لا يقدر أن يقدم شيئًا، إذ إنه خاطئ ومفلس، فإن الله - وبناء على كفارة المسيح - يعطي ويغدق. لقد أعلن المسيح لشابة أخرى، لم تكن مثل عكسة امرأة فاضلة، بل كانت تعيش في مستنقع الوحل والخطية، تقابل المسيح معها، وحدثها عن عطية الله، وهو الذي حفزها على الطلب قائلاً: «لو كنت تعلمين عطية الله .. لطلبت أنت منه فأعطاك ماءً حيًا» (يو4: 10).

ثانيًا: كيف طلبت

نلاحظ في عكسة مزيجًا ممدوحًا من الجسارة والوداعة. إنها تطلب من أبيها، لكنها تبدأ بإخبار رجلها بذلك باعتبار أنه رأسها. ثم عندما طلبت من أبيها يسجل الوحي هذه الملاحظة أنها: «نزلت من على الحمار» فمع أنها اقترنت برجل، لكنها ما زالت تقدر أباها وتحترمه، تمامًا كما كانت تفعل وهي فتاة في رعايته.  وهي في هذا تذكرنا بفتاة أخرى، هي رفقة، عندما تقابلت مع رجلها إسحاق في الحقل نزلت عن الجمل، مهابة واحترامًا له (قارن تك24: 64).  ونحن نؤكد هنا إن هذه ليست عادة شرقية، أهملها الغرب بالأسف، ولا هي عادة قديمة نبذها الجيل الجديد بحكم التطور الاجتماعي السريع، بل إنها تعليم سماوي وكتابي. فيقول الناموس: «من أمام الأشيب تقوم، وتحترم وجه الشيخ، وتخشى إلهك، أنا الرب» (لا19: 32).

واسم عكسة معناه زينة، أو مزينة. ولقد كانت كذلك اسمًا على مُسَمَّى، إذ إنها بسلوكها الوديع هذا زينت «تعليم مخلصنا الله في كل شيء» (تي2: 10).

وأما عن جسارتها وثقتها في أبيها، فلقد كان عند عكسة القناعة أنها وقد تزوجت في طاعة أبيها، فإن أباها لن يؤخر لها طلبًا. وهكذا معنا.  فمتى كنا طائعين لإلهنا، متممين فكره في حياتنا، تصبح لدينا الثقة في أنه يستجيب صلواتنا وطلباتنا. «أيها الأحباء إن لم تلمنا قلوبنا فلنا ثقة من نحو الله، ومهما سألنا ننال منه، لأننا نحفظ وصاياه، ونعمل الأعمال المرضية أمامه» (1يو3: 21،22).

ثالثًا: ماذا طلبت؟

لاحظ نوعية الطلبة التي طلبتها عكسة من أبيها، إنها لم تطلب جواهر أو ذهبًا تتزين بها، كي تتباهى بها على الآخرين، ولا طلبت خدمًا وحشمًا لتتكاسل أو لتستريح، بل إنها حقًا امرأة فاضلة «تتأمل حقلاً فتأخذه» (أم31: 10و16).  ولقد أخذت الحقل فعلاً، ولذلك فإنها طلبت ينابيع ماء لتروي ذلك الحقل، ليكون حقلاً مثمرًا. 

فارق كبير بين عاخان وعكسة، وكل منهما نقرأ عنه في سفر يشوع: الأول شخص يطمع في أمور الدنيا، ويأخذ من الحرام (يش7)، وأما عكسة فإنها تسعى لامتلاك المزيد من بركات الله، وتطلب من أبيها فيعطيها ويغنيها.

لقد كانت عكسة شخصية عطشانة، لكنها عطشانة لبركات أرض عمانوئيل.  أن يسعى المؤمن إلى أمور الدنيا فإن هذا لا يمثل شيئًا حسنًا، يقول الرسول: «كونوا مكتفين بما عندكم» (عب13: 5)، وأما العطش إلى الأمور الروحية فالله يشجعنا عليه.  قال المسيح في موعظة الجبل: «طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يشبعون» (مت5: 6)، وقال في الموعظة عينها: «اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره، وهذه كلها تزاد لكم» (مت6: 33)، وهكذا قال الرسول بولس: «اطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق لا بما على الأرض» (كو3: 1،2). 

طلب يعبيص قديمًا البركة من الله، والحفظ من الشر «فآتاه الله بما سأل» (1أخ4: 10)، وطلب سليمان الحكمة من الله فأعطاه الله إياها (1مل3: 5-13)، وهنا طلبت عكسة ينابيع المياه فأعطاها كالب الينابيع التي طلبتها.  

تُرى ماذا نحن طالبون؟

هل نحن غير راضيين على حالتنا العملية في القداسة؟  دعنا نصلي للرب قائلين: أعطني مزيدًا من القداسة. «وحِّد قلبي لخوف اسمك» (مز86: 11). هل نشتاق أن نفهم الكلمة أكثر ونغترف من كنوزها؟  دعنا نطلب من الآب «كل غنى يقين الفهم» (كو2: 2). هل نحن نرغب في أن يستخدمنا الرب بركة للنفوس المسكينة؟  دعنا نقول للرب: هبنا نفوسًا واستخدمنا لمجدك. وكما أن أبا العروس عكسة، في كرم وسخاء أعطى ابنته المحبوبة ما طلبته، بل وفوق ما طلبت، هكذا أبونا السماوي سيفعل معنا.

لقد وقعت قرعتنا في الأيام الأخيرة، أيام الجدب الروحي، التي قد نرى فيها صورة لأرض الجنوب. فهلا ذهبنا إلى الآب السماوي قائلين له: «إنك أعطيتني أرض الجنوب، فأعطني ينابيع ماء»؟  وقد يمكننا أن نرى صورة لأرض الجنوب في رسالة تيموثاوس الثانية، رسالة الخيبة والفشل من كل حدب وصوب، لكن لاحظ كثرة المشجعات والمعونات الإلهية في هذه الرسالة.

أو قد تكون أرض الجنوب بالنسبة لنا ظروفًا صعبة نجتاز فيها.  لنطلب من الله ينابيع الماء، فنتمثل بالقديسين الذين يجتازون في وادي البكاء لكنهم يصيرونه ينبوعًا، وليس ذلك فقط بل إن الأمطار تملأ بقاعهم، وتغطيهم البركات والأمطار (مز84: 6و7). 

رابعًا: ماذا نالت؟

بداية نقول إن عكسة نالت «أكثر جدًا مما طلبت أو افتكرت».  فلقد قالت لأبيها أعطني ينابيع ماء، فأعطاها كالب الينابيع العليا والينابيع السفلى.

قد نرى في الينابيع العليا صورة للبركات الروحية في السماويات، وفي الينابيع السفلى صورة لملء كل الاحتياجات الجسدية والزمنية. فنحن من الجانب الواحد لنا الأفراح الروحية، كما أن الآب لا يمنع خيرًا عن السالكين بالكمال.  ونحن كثيرًا ما اختبرنا جفاف الينابيع السفلي، فلقد جفت تلك الينابيع بالنسبة للرسول بولس في سجن رومية، إذ تخلى الجميع عنه، لكن بقيت له الينابيع العليا، لم تجف على الإطلاق «الجميع تركوني .. لكن الرب وقف معي وقواني، لكي تتم بي الكرازة ويسمع جميع الأمم، فأنقذت من فم الأسد، وسينقذني الرب من كل عمل رديء، ويخلصني لملكوته السماوي» (2تي4: 16-18).  ولقد جفت الينابيع السفلى مع حبقوق في يومه، وقبلهما جفت بالنسبة لأيوب عندما حرم من المال والبنين، ثم من الصحة، ولكن الينابيع العليا لم تجف أبدًا. فأمكن لأيوب أن يقول: «ليكن اسم الرب مباركًا» (أي1: 21)، وأمكن لحبقوق أن يقول: «إني أبتهج بالرب، وأفرح بإله خلاصي» (حب3: 18).

أو قد تكون الينابيع العليا تمثل لنا شركتنا مع الآب ومع ابنه بقوة الروح القدس (2كو13: 14)، والينابيع السفلى تمثل شركتنا بعضنا مع بعض بقوة الروح القدس أيضًا (في2: 1).  ونحن نقرأ عن هذين الأمرين معًا في رسالة يوحنا الأولى 1: 3، 7.

أو قد نرى في الينابيع العليا والينابيع السفلى رمزًا للروح القدس في يوحنا4؛ 7.  ففي يوحنا 4 يقودنا الروح القدس إلى أعلا لنقدم السجود للآب، وفي يوحنا 7 يقودنا الروح القدس إلى الخارج لنقدم المياه المروية للنفوس المحرومة والقلوب العطشى.

ونحن في كل هذا يمكننا أن نرى في عكسة رمزًا للكنيسة، فهي حصلت على الينابيع العليا والينابيع السفلى قبل الاستمتاع بأسد الله، رجل قرية سفر، الذي هو رمز للمسيح.  وهكذا نحن حصلنا على عطية الروح القدس، قبل أن نزف إلى المسيح، الأمر الذي دنا جدًا.

كأن أقانيم اللاهوت الثلاثة واضحة في قصتنا: في طلبها إلى أبيها نرى الآب، وفي اقترانها برجل معركة سفر نرى الابن، وفي عطية الينابيع العليا والينابيع السفلى نرى الروح القدس

أخيرًا أقول إن الرجل في الكتاب يمثل القوة الديناميكية، بينما المرأة تمثل الحالة الاستاتيكية.  ولهذا فإننا في عثنيئيل نرى الطاقة، وفي عكسة نرى النفس المشتاقة.  وما أجمل اقترانهما معًا!

ثم إننا في عكسة نرى الجهاد في الدائرة الداخلية، وفي عثنيئيل نرى الجهاد في الدائرة الخارجية.  نحن نتعلم من عكسة دروسًا عن الخشوع واللجاجة في الصلاة، ومن عثنيئيل نتعلم دروس التقدم والانتصار بقوة الله!

بل ما أعظم هذا الخيط المثلوث الذي لا ينقطع سريعا!  كالب رجل الإيمان، وعثنيئيل رجل الكتاب، وعكسة امرأة الصلاة. وآه عندما تجتمع هذه الثلاثة معًا في حياتنا كشباب: الإيمان والكتاب والصلاة، كم ستتغير حالتنا إلى الأفضل!  نقرأ الكتاب فنعرف ما لنا، وبالإيمان نطالب الله بتحقيقه فيكون لنا.    (تمت) 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com