عدد رقم 6 لسنة 2016
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
المطوبة مريم (12)  

                           شهادة بقوة جديدة

ها قد وصلنا في تأملاتنا إلى الختام في حياة هذه المرأة الفاضلة، المطوبة مريم، بعد نحو عامين كاملين، فيهما توقفنا أمام العديد من الصفات الجميلة والمواقف المشرفة لواحدة من فضليات التاريخ المقدس، بل لعلها تأتي في مقدمتهن جميعًا من حيث اختيار الله لها ليأتي منها المسيح حسب الجسد، طبقًا للنبوة «ها العذراء تحبل وتلد ابنًا ويدعون اسمه عمانوئيل» (إش7: 14)، وهو ما عبرت عنه هي بالقول «مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي» (لو1: 48).

توقفنا عند اتضاعها الحقيقي الواضح، وروح الشكر والتسبيح التي غمرت كيانها، وهي تقول: «تعظم نفسي الرب .. لأنه نظر إلى اتضاع أمته».  تأملنا في كتابية أفكارها وترنيماتها، وفي كيف تقبلت الكثير من الظروف المعاكسة من يد القدير بخضوع وشكر ودون تذمر وهي تقول: «هوذا أنا أمة الرب، ليكن لي كقولك».

كما رأينا طاعتها المتميزة في العديد من المواقف، ولعل عبارتها الشهيرة للخدام بصدد تعليمات المسيح في عُرس قانا الجليل «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ» أصدق دليل على ذلك.

وتوقفنا أمام تفكيرها العميق في كلمات قيلت عن الصبي يسوع أو قالها هو – له المجد – وتأثرنا بتأثيرها الايجابي في محيطها الأسري والعائلي.  ثم توقفنا طويلاً أمام مشهد صليب المسيح حيث اجتاز في نفسها السيف (لو2: 35) بينما نراها واقفة عند الصليب مع المريمات في شموخ وخشوع (يو19: 25).

وأخيرًا تأملنا في العدد الماضي في الشركة الحبية التي جمعتها مع الأتقياء الذين ارتبطوا بالمسيح الذي قام وصعد وكيف مكثت معهم في انتظار موعد الآب؛ مجيء الروح القدس.

وعندما جاء يوم الخمسين تحققت فيها ما تحقق مع جميع الأتقياء الذين معها « وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، .. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ .. وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ، وَالشَّرِكَةِ، وَكَسْرِ الْخُبْزِ، وَالصَّلَوَاتِ .. وَجَمِيعُ الَّذِينَ آمَنُوا كَانُوا مَعًا، وَكَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا.. وَكَانُوا كُلَّ يَوْمٍ يُواظِبُونَ فِي الْهَيْكَلِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ الْخُبْزَ فِي الْبُيُوتِ، كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِابْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ قَلْبٍ مُسَبِّحِينَ اللهَ، وَلَهُمْ نِعْمَةٌ لَدَى جَمِيعِ الشَّعْبِ.  وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ» (أع2: 1، 42-47).

ويالها من بداية شهادة جديدة هي «الكنيسة» تؤدي بقوة جديدة هي قوة «الروح القدس» والمطوبة في الطليعة ومن الجيل الأول، جيل الرواد في الكنيسة الأولى!  أهناك أروع من ذلك؟

نعم لقد ولى وقت الأحزان والأتراح ، وجاء وقت القوة والأفراح «الَّذِينَ يَزْرَعُونَ بِالدُّمُوعِ يَحْصُدُونَ بِالابْتِهَاجِ» (مز126: 5) والذين ينتظرون الرب لا يمكن أن يخزوا بل يجددون قوة ويرفعون أجنحة كالنسور.

إن الشهادة المسيحية هي أروع شهادة لله على الأرض بطول تاريخها السابق على الكنيسة (الشعب الأرضي)، واللاحق لها (البقية التقية في المستقبل).  كيف لا وهؤلاء هم أعضاء جسد المسيح من لحمه ومن عظامه؟ (أف5: 30).  وهي ذات الشهادة التي يشرفنا انتماؤنا إليها نحن اليوم بالإيمان بشخص المسيح حيث يُعترف به ربًا ومخلصًا.  فهل نقدر هذا الامتياز العظيم؟ وهل نقدر ما يرتبط به من مسؤولية كبيرة كذلك؟  ليتنا نفعل ونكون أمناء؛ نأخذ مكاننا الصحيح بين إخوتنا كيفما كان عددهم وكيفما كانت خلفيتهم، فقط يكفي أنهم يحبون ربنا يسوع المسيح في عدم فساد، وإننا جميعًا ننتظر، لا مجيء الروح القدس الموجود فعلاً في الكنيسة الآن، لكن مجيء الرب يسوع القريب ليأخذنا من هذا المشهد نهائيًا وندخل معه إلى بيت الآب وهكذا نكون كل حين مع الرب..آمين تعال أيها الرب يسوع!

--

ملاحظات ختامية

وقبل أن نصل إلى نهاية تأملاتنا في هذه الشخصية المباركة والرائعة «مريم أم يسوع».  نود فقط أن نذكر القارئ العزيز، بأن كثيرين في المسيحية نتيجة التحول عن كلمة الله النقية والواضحة، ونتيجة بالتالي للافتتان بأقوال الناس وتقاليدهم وتعاليمهم أساءوا تقدير المطوبة مريم أيما إساءة!

   فالبعض في سبيل رفع شأنها أبلغها مرحلة "التأليه" حيث تتلى لها الصلوات وتنشد لها التسبيحات بكل أسف وهو فكر بعيد كل البعد عن كلمة الله، ويحوي في باطنه روحًا وثنية مقنعة (حتى ولو لم يدرك أصحابه ذلك أو أنكروه) وفيه من الإساءة البالغة لها الشيء الكثير.  هذه الفاضلة التي لطالما تحدثت عن نفسها باتضاع حقيقي أنها بالنسبة للرب (أمة) (لو1: 38) والرب بالنسبة إليها هو الله مخلصها (لو1: 47).  وهذا إن حمل إساءة بالغة إليها فهو يحمل إهانة عظمى لشخص المسيح الذي ينبغي أنه هو يزيد وأن الجميع حوله ينقصون، كقول يوحنا المعمدان أعظم المولودين بين النساء(يو3: 30).

   والبعض الآخر أراد أن يرفض الفكر الأول فذهب إلى النقيض الآخر، واعتبر أن العذراء المطوبة مريم هي مجرد "وعاء" تجسد فيه المسيح.  وهي نظرة دونية غير كتابية بالمرة لتلك التي أقرت بأن جميع الأجيال تطوبها (أي تقول عنها: المباركة من قبل الرب أو السعيدة أو المغبوطة لا أن نسبحها بالطبع فالتسبيح يليق بالله وحده).

   أما الذين ليسوا مع النقيضين السابقين، ويلتزمون بنصوص الكلمة المقدسة دون تهويل الفريق الأول أو تهوين الفريق الثاني فقد وقعوا هم أيضًا في خطأ ثالث وهو قلة التوقف والتأمل في حياتها الرائعة إلى درجة الإهمال، وأحيانًا بغرض التحاشي منعًا للانتقادات؛ وهو خطأ كبير حاولنا قدر استطاعتنا أن نكون ايجابيين  بصدده ونحن نطرح حياتها المتميزة بالبحث والدراسة والتأمل العميق على صفحات المجلة التي تخاطب الشبان والشابات.  لننظر إلى نهاية سيرة هذه البطلة في الإيمان ونتمثل بإيمانها العظيم.

-----

أخيرًا نقول ليتنا نتمسك بالحق في محبة، وبصورة الكلام الصحيح في اتضاع، وأن نجتهد أن نعيش ما نعرف، «إِذْ لَنَا سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُودِ مِقْدَارُ هذِهِ مُحِيطَةٌ بِنَا، لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْل، وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ، وَلْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا» (عب12: 1).  ولنتعلم أخي الشاب وأختي الشابة أن الفرصة متاحة لكل منا بالسوية أن نكون مؤثرين في جيلنا لمجد إلهنا ولبركة من حولنا مهما كانت مواقفنا وكيفما كانت إمكانياتنا متى وضعنا أنفسنا في خضوع بين يدي السيد؛ الفخاري الأعظم ليتمم مقاصد نعمته فينا وبنا كما يتممها من نحونا.

له كل المجد

آمين


 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com