نفهم من كلمة الله أن المحبة الأخوية هي السمة التي تميّز وتُعلن كل من التلمذة للرب (يو13: 35)، والانتقال من الموت للحياة (1يو3: 14)، وكوننا أولاد الله (1يو3: 10)، والثبات في الرب وطاعة وصاياه (يو15: 7-12)، والسلوك في النور (1يو2: 10)، وثبات محبة الله فينا (1يو3: 17)، ومحبتنا لله (1يو4: 20)، وغير ذلك من الأمور الإلهية. على أنه من اللافت للنظر أن المحبة الأخوية ”فيلادلفيا“، والتي ذُكرت كصفة في 5 مواضع في الكتاب، لم تُنعَت إلا بسمة واحدة؛ أنها «عديمة الرياء» ”philadelphias anupokritos“ (1بط1: 22). ولا بد أن تنشيء فينا هذه الملاحظة انطباعًا بأهمية هذه الصفة بالارتباط بالمحبة الأخوية. ولذا لزم أن نتحذر هذا التحذير: لتكن محبتنا عديمة الرياء.
تعريف الرياء
”الرياء“ في اللغة العربية مصدر الفعل ”راءى“، والذي نجد معناه في المعاجم : ”أَرَاه أَنَّهُ عَلَى خِلاَفِ مَا هُوَ عَلَيْهِ“ أو ”مَدَحَه على صلاح وخير هو (أي المرائي) لا يراه“ أو ”أظهرَ غير ما يُبطِن“. وفي كل المعاجم، ضد ”الرياء“ هو ”الصدق“.
أما الكلمة اليونانية التي استُعملت في 1بطرس1: 22 ”عديمة الرياء“ هي ”أنوبوكريتوس anupokritos“ وتعني ”غير متنكر (في ثياب آخر)“ أو ”صادق“. وهي من مقطعين: الأول ”an“، وهو مقطع ينفي ما بعده. أما المقطع الثاني ”upokritos“ فمشتق من كلمة ”هُبوكرينوماي hupokrinomai“ والتي تذخر بالمعاني مثل: ”يتظاهر“، ”يلعب دورًا على المسرح“، ”يتقمّص شخصية أو يحاكيها“، ”يخفي مشاعره لغرض مكسب“. وتُطلق بصفة خاصة على لبس الأقنعة التي كانت تُستعمل في تمثيل المسرحيات قديمًا.
أما الكلمة العبرية التي استُعملت لهذا فسأُجِّل الحديث عنها لنقطة قادمة لخطورة ما تحمله من معنى.
أن الرياء هو إظهار غير الباطن، وإعلان عكس ما نحن مقتنعون داخليًا أنه الحقيقة، هو إخفاء الحق لمنفعة ما، وكلمات إطراء ليست في محلها وعن
غير اقتناع
لعل المعنى يكون قد وصل؛ أن الرياء هو إظهار غير الباطن، وإعلان عكس ما نحن مقتنعون داخليًا أنه الحقيقة، هو إخفاء الحق لمنفعة ما، وكلمات إطراء ليست في محلها وعن غير اقتناع، هو أن نقول ما لا نعني ونعني غير ما نقول، وقد يكون كلمة حق يُراد بها باطل!! بالإجمال هو العكس، على طول الخط، لكلمات مثل: الصدق، والإخلاص، والأمانة، والشفافية، والاستقامة.
وفي تطبيقه على المحبة؛ فالرياء له شِقَّان: 1- إما إغراق المحبوب بصفات أيجابية موجودة لكن مبالغ فيها، أو غير موجودة على الإطلاق، أو 2- إخفاء عيوب واضحة فيه.
وقد نُعتَ بعدم الرياء، بالإضافة للمحبة (1بط1: 22؛ رو12: 9؛ 2كو6: 3)، كل من الإيمان (1تي1: 5؛ 2تي1: 5)، والحكمة (يع3: 17). فهذه الأمور الإلهية: المحبة، التي هي طبيعة الله؛ والإيمان، عطية الله؛ والحكمة، النازلة من عند الله؛ كلّها معرّضة للعطب بسبب الرياء. على أن أكثرهم عُرضة هي المحبة. ومن الشواهد المذكورة يمكننا أن نجد عدم الرياء في نفس كفّة الميزان مع: القلب الطاهر، والضمير صالح، والمسالَمة، والترفّق، والخضوع، والرحمة، والأثمار الصالحة، وطاعة الحق، وكراهية الشر، وإكرام الآخرين، والطهارة، والعلم، واللطف.
لماذا نرائي في محبتنا؟
1- رغبة في أن يرد الآخرون بالمثل
في داخل كل منا احتياج أن يشعر بالقبول ممن حوله، وهو احتياج مكفول بكلمة الله التي تحرّضنا على قبول بعضنا البعض، كما قبلنا هو تبارك اسمه (رو15: 7)، قبول، نفهم من القرينة، أنه غير مشروط وبلا مقابل، بل ولأضعف النوعيات. لكن الجسد البغيض الذي فينا يتفنن في أن يحوِّل الاحتياجات المشروعة إلى شطحات سخيفة تتيح له أن يتخذ مجاله في العمل؛ فيحوِّل الاحتياج إلى القبول إلى رغبة دفينة في أن ينال الشخص المديح المستمر، على ما يستحق المديح، وعلى ما لا يستحقه أيضًا!! وواحدة من أكثر الطرق استعمالاً في هذا المضمار هي طريقة المديح المقابل، على نهج ”اللي يقدِّم السبت يلاقي الأحد“. فأنا أمدحك في مقابل أن أنال المدح منك، لا لأني أرى فيك ما يستحق المدح. فأجتهد لإقناعك بمحاسن فيك أنا غير مقتنع بوجودها، وأغضّ الطرف تمامًا عن نقائصك!! وهكذا انتظر منك الرد بالمثل: مديحًا، سواء كنت مستحقًا أم لا، وحتى إن كنت أنا نفسي غير مقتنع بما ستمدحني فيه!! وكذا عليك أن تتناسى نقائصي فلا نتحدّث فيها. ونظرًا لرغبة الطرفين في الأمرين: المديح وتغافل الأخطاء، يستفحل الرياء بيننا. وبالطبع أنا انتظر منك الردَّ بالمثل، وإلا... وهذا ما حوَّل أحباء الأمس إلى لُدداء اليوم!!
مثل هذه المحبة يمكن أن يُقال عنها: «بشدة»، لكن هل يمكن أن يُقال عنها: ”من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء“؟ ليتنا نحكم في أنفسنا!
2- آلية دفاع
من الناحية الأخرى، قد تكون المحبة ناشئة عن نقيضها!! دعني أشرح ما أقول. في بعض الأحيان نشعر بمشاعر غيرة قد تتطور إلى حسد تجاه ما يتمتع به أحد إخوتنا، سواء من أمور زمنية أو روحية أو شخصية، وقد يصل الأمر إلى بعض البغضة. ونظرًا لأن الحاسد، لوجوده في مجتمع قواعده ترفض البغضة، لا يستطيع إعلان بغضته هذه، والضمير يأبى أن يتصوَّر أنه في هذه الحالة المنافية لكلمة الله، وبدلاً من أن يلجأ للرب باتضاع ليعالجه شافيًا من هذا الداء العضال؛ فإن الحاسد يلجأ إلى حيلة نفسية defense mechanism تُعرف في علم النفس باسم ”التكوين العكسي Reaction formation“. وهي أن يتصرف الإنسان بطريقة عكس مشاعره المُدانة من ضميره والتي يرفضها، ويبالغ في ذلك فيتفنن في إظهار المحبة تجاه الأخ الذي لا يحبه. وقد يُرهق نفسه كثيرًا ويتكلف الكثير في سبيل ذلك، وهو يعتبر هذا التعب والتكلفة زهيدان في مقابل إراحة ضميره المُتعَب. مثل هذه المحبة هي من أصلها رياء في رياء. دعني فقط أتساءل: مثل هذه المحبة يمكن أن يُقال عنها: «بشدة»، لكن هل يمكن أن يُقال عنها: ”من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء“ (1بط1: 22؛ 1تي1: 5)؟ ليتنا نحكم في أنفسنا!
3- المقابل المباشر
وبئس الدافع!! ففي عالم تسوده المصالح الشخصية والرغبات، حتى في وسط المجتمع الكنسي، بكل أسف، تتغلب المصالح الشخصية على المبادئ كثيرًا!! فلاحتياجي إليك في أمر ما، أو لنفع مادي، أو لأصل عن طريقك لوضع أفضل، أو حتى لأتّقي بطشك؛ أنا أظهر لك محبتي. ومثل هذه المحاولة المنفعية لإظهار المحبة لا بد وأن تتسم بالرياء، فأتغنى بفضلك وأتحاشى نقدك!!
4- المحبة غير الواعية
أحيانًا تكون المحبة شديدة، لكن ينقصها الفهم الواعي لحقيقة الإنسان. فبعضنا، في محبته، يرى المحبوب كشخص لا يمكن أن تعتريه العيوب، وحتى يحقق هذا يبالغ في فضائله، والتي قد تكون موجودة بالفعل، لكن على حساب أن يتناسى النقائص والعيوب، وإن كانت واضحة وضوح الشمس. وربما أن هذا ما يمليه علينا مجتمعنا الذي علّمنا أن ”حبيبك يبلعلك الظلط“، ولأننا تعلّمنا المحبة من المجتمع، وليس من الله مصدرها، تكون النتيجة أن الذين نتعامل معهم مصنَّفون إلى قائمة الأحباء الذين نقبلهم بعلاتهم ولا ننظر إليها، وإلى من ”نتمنى لهم الغلط“!
لماذا ينبغي ألا نرائي في المحبة الأخوية
1- لنتوافق مع طبيعة الله
نحن نعلم أن «الله محبة»، وقد أظهر هذه المحبة في أجلى بيان في الصليب؛ فهل راءانا الله في محبته فتغاضى عن أخطائنا كأنها غير موجودة؟ أم أنه في الصليب كان يعلن بوضوح كل تقصيراتنا، ومن ثمَّ يضعها على الابن الحبيب ليحملها عنَّا؟! وهكذا الحال الآن، بعد أن عرفنا المسيح مخلّصًا من تقصيرات الماضي، يبقى المبدأ أن «الذي يحبّه الرب يؤدِّبه» (عب12: 6)، ويدعم الحكيم هذا بالقول «يا ابني لا تحتقر تاديب الرب ولا تكره توبيخه» (أم3: 11). فما أنزه محبة الله عن الرياء.
وهنا يلزمني أن أذكر معنى الكلمة العبرية التي تتكلم عن الرياء، وهي ”خاوناف“. وجاءت في العهد القديم 12 مرة: تُرجمت 3 مرات إلى ”منافق“ في كل من الترجمة العربية وترجمة داربي وغالبية الترجمات الإنجليزية، بينما تُرجمت 8 مرات إلى ”فاجر“ ويقابلها ”ungodly بلا إله“ أو ”profane دنس أو غير مبالٍ بالله“!! هل يحتاج التعريف إلى تعليق؟! اسمع في أي زمرة يضع الكتاب المرائين: «يجعل نصيبه مع المرائين. هناك يكون البكاء وصرير الاسنان» (مت24: 51). «ابتدا يقول لتلاميذه أولا تحرّزوا لأنفسكم من خمير الفريسيين الذي هو الرياء» (لو12: 1). إنه صفة سكان الجحيم، والفريسيين؛ إنه يليق بامرأة شمشون الأممية (قض14: 15)، أو بهيرودس الشرير (مت2: 8)؛ لكنه، بكل يقين، لا يليق بالقديسين.
أما المؤمنون، فيقول عنهم بطرس (حسب الترجمة التفسيرية - للتوضيح) «وَإِذْ قَدْ خَضَعْتُمْ لِلْحَقِّ، فَتَطَهَّرَتْ نُفُوسُكُمْ وَصِرْتُمْ قَادِرِينَ أَنْ تُحِبُّوا الآخَرِينَ مَحَبَّةً أَخَوِيَّةً لاَ رِيَاءَ فِيهَا». ولأننا مولودون من الله، وقد تعلّمنا المحبة منه، فينبغي أن نتوافق مع صفاته في محبتنا، فتكون بلا رياء. يُختم الأصحاح الأول من 1بطرس بالقول «مولودين ثانية... بكلمة الله»، وبعد سرد صفات هذه الكلمة مباشرة يخاطب بالقول «فاطرحوا... الرياء» (1بط2: 1).
2- الرياء مضر والمحبة لا تصنع شرًّا للقريب
يقول الكتاب «المحبة لا تصنع شرًّا للقريب» (رو13: 10). وما أضرَّ الرياء للذي نرائيه، يقول الروح القدس على فم الحكيم «بالفم يخرب المنافق صاحبه وبالمعرفة ينجو الصدّيقون» (أم11: 9)، والتي يمكننا أن نقرأها في الترجمة التفسيرية هكذا: «يُدَمِّرُ الْمُنَافِقُ صَاحِبَهُ بِأَقْوَالِهِ، وَيَنْجُو الصِّدِّيقُ بِالْمَعْرِفَةِ»!!
والرياء مدمِّر لأسباب كثيرة، دعني أسرد بعضها.
الرياء يعمي عن الحق، بينما المحبة «لا تفرح بالاثم بل تفرح بالحق» (1كو13: 6). فحين أقول لأخي إن فيه ما ليس فيه من فضائل، أو أخفي عنه ما فيه من عيوب، أو أسايره على هواه؛ فإني أحرمه من فرصة مراجعة نفسه وتصحيح مساره، وأمنعه عن طريق الحق؛ فقد أخفيت عنه معالم هذا الطريق، فضلّلته!! فهل نتخيل أننا بريائنا نقود إخوتنا إلى الضلال!!
حين أقول لأخي إن فيه ما ليس فيه من فضائل، أو أخفي عنه ما فيه من عيوب، أو أسايره على هواه؛ فإني أمنعه عن طريق الحق؛ فقد أخفيت عنه معالم هذا الطريق، فضلّلته!!
الرياء يقود إلى الكبرياء. عندما يهب الرب أحد قديسيه الفضائل والمميزات الحقيقية، فإنه يصحبها بقدر من الاتضاع يتناسب معها، وإن اضطر للشوكة في الجسد (2كو12: 7). لكن حين أنسب لأخي فضائل وميزات ليست فيه، وبالتالي لا تكون مصحوبة بنعمة الاتضاع، بالإضافة إلى أني أغفل عيوبه؛ فلا بد أني أقوده إلى الكبرياء المدمّرة.
الرياء ينتج ازدواجية ويحوِّل الحياة إلى تمثيلية. لقد أدان السيد الحياة ذات اللونين، أن يكون المظهر غير القلب (انظر مثلاً مت23: 27، 28)، فما أخطرها! والرياء يقود الطرفين، الذي راءى والذي قَبِلَ الرياء، إلى الازدواجية. فالثاني يقع في خدعة يصدِّق فيها مظهرًا كاذبًا لا يتناسب مع الحقيقة، والذي راءى يحاول التعايش مع هذا الشكل الذي اختلقه فيتحرك بناءً عليه في شكل خارجي غير ما يضمره. وهكذا يتحول الأمر إلى تمثيلية هزلية لا مجال للحقيقة فيها!!
3- حتى نستطيع علاج الآخرين وبنيانهم
حتى نستطيع بنيان أحدنا الأخر؛ فعلينا بالصدق. الصِدق في تحديد المميّزات دون مجاملة، أو مبالغة، ولا إخفاء. والصدق أيضًا في تحديد الخطإ والتقصير، ومن ثمَّ توجيه الأخ، بكل محبة، إلى الصواب، وإن اقتضى الأمر بعض التوبيخ النابع من المحبة. يقول الكتاب: «من يوبِّخ إنسانًا يجد أخيرًا نعمة أكثر من المُطري باللسان» (أم28: 23). ولنلاحظ كلمة «أخيرًا»؛ فقد يُعجبني الإطراء النابع من رياء في البداية، إذ يداعب الجسد فيَّ، لكن الضرر في النهاية سيعكس الحال. أما تقويم المحبة، فإن أوجَعَ اليوم؛ لكنه في النهاية ينشئ وضعًا صحيحًا أقدّره من نتائجه (عب12: 11). هل نبغي أن نفيد أم نقبل أن نضرّ؟! ولنتذكَّر قول سيدنا الكريم: «ليس مكتوم لن يُستعلن ولا خفي لن يعرف» (لو12: 2)، فلا بد أن ينكشف الرياء المكتوم لأخي، وغالبًا ما يسمح الرب أن يكون هذا هنا على الأرض، وإن لم يكن، فأمام كرسي المسيح. فيوم ينكشف ويعلم أخي بحجم الضلال والضرر الذي سبّبته له، فماذا أستطيع أن أقوله له؟! والأهم؛ ماذا عن كشف الحساب الذي أنا مزمع أن أقدِّمه لسيدي.
خطوات للوصول إلى محبة عديمة الرياء
الآن، ولعلنا قد وصلنا إلى قناعة بضرورة أن تكون محبتنا الأخوية بلا رياء، سنجتهد أن نجد بعض الخطوات العملية لبلوغ هذا النوع من المحبة، من خلال بعض العبارات في قرينة كل من المواضع الخمس التى جاء فيها ذكر المحبة الأخوية.
1- التعلم في مدرسة الله
في 1تسالونيكي4: 9 يقول الرسول بولس للمؤمنين هناك «وأما المحبة الاخوية فلا حاجة لكم أن أكتب إليكم عنها لأنّكم أنفسكم متعلّمون من الله أن يحب بعضكم بعضًا». وبكل يقين ليس من يمكنه تعليم المحبة كمصدرها.
وكخطوة عملية لذلك، دعونا نتأمل في محبة الله تجاهنا، والتي أُعلنت في شخص المسيح: كيف كان، في حبه، يتعب، ويبحث، ويقدِّم، ويشفي، لكن أبدًا لم يراءِ في محبته، بل كان بكل الحب يكشف الحق ويعالج الداء في الداخل . وعلى قدر تمتُّعنا وتشبُّعنا بهذه المحبة، نسعى أن نعيش على مثالها مع إخوتنا. «فكونوا متمثّلين بالله كأولاد أحباء. واسلكوا في المحبة كما أحبَّنا المسيح أيضا» (أف5: 1، 2).
ليت صلاتنا للرب أن يعلمنا هو صنف المحبة التي يريدنا أن نحياها. وإذ ذاك فستكون محبتنا بلا رياء، وسنزداد فيها أكثر.
علينا أن نتدرَّب أن تكون المحبة الأخوية تَوَجُّه حياة، تجاه كل عائلة الله، حتى الذين يُعتَبرون «غرباء» عنّا،
بمعنى أو بآخر.
2- محبة كل عائلة الله والتركيز على احتياجهم
أما في عبرانيين 13: 1-3، فبعد أن يقول «لتثبت المحبة الاخوية»، يضيف موضِّحًا: «لا تنسوا اضافة الغرباء»، ونرى هنا إشارة إلى محبة جميع القديسين دون أن نحتاج إلى أي أمر أرضي يجمعنا. وعلينا أن نتدرَّب أن تكون المحبة الأخوية تَوَجُّه حياة، تجاه كل عائلة الله، حتى الذين يُعتبرون «غرباء» عنّا، بمعنى أو بآخر: غرباء عن المكان، في الأفكار، في المستوى الاجتماعي أو العلمي،...؛ ولنتذكَّر أننا جميعًا غرباء هنا في هذه الأرض. وهكذا إذ تُفعَّل المحبة للجميع سينتفي منها الرياء.
ثم يردف: «اذكروا المقيَّدين كأنَّكم مقيَّدون معهم، والمُذَلّين كأنَّكم أنتم أيضًا في الجسد». فهو يوجِّهنا إلى النظر إلى احتياجات الآخرين المُلِحة. وإذ نهتم بأحمال إخوتنا، وقيودهم، وذلّهم، وباحتياجاتهم بشكل عام، أكثر من صفاتهم ومميزاتهم وما لهم وما عليهم، ونهتم بأن نساعدهم لسداد احتياجاتهم هذه بقدر استطاعتنا، وأن نعطيهم أكثر مما نأخذ منهم، ونجتهد أن نساعدهم في حياتهم الروحية حتى يتصوَّر فيهم المسيح؛ لن يكون هناك مجال للرياء.
3- التوافق مع مشيئة الله
وفي رومية12: 3-10 يقول «أن لا يرتئي فوق ما ينبغي أن يرتئي، بل يرتئي إلى التعقّل كما قسم الله لكل واحد مقدارًا من الإيمان. فإنه كما في جسد واحد لنا أعضاء كثيرة ولكن ليس جميع الاعضاء لها عمل واحد». فمتى علم كل واحد منا أن الإله الحكيم قد قسم الأمور بحكمته حسب إرادته، وحدَّد لكل عضو عمله المتميّز، وموقعه الفريد الذي لا يحتاج أن يُزاد إليه شيئًا؛ سأرى الحقيقة أفضل كل شيء، فأقبل أخي بما هو عليه ويقبلني أخي بنفس الطريقة، ولن يلجأ كلينا للرياء.
ثم يضيف «كونوا كارهين الشر ملتصقين بالخير»، والطبيعة الجديدة فينا تنفر من الشر وتميل إلى الخير، فدعونا نُفعِّلها. وبعدها يقدّم لنا هذه النصيحة: «مقدّمين بعضكم بعضًا في الكرامة» دون قيد ولا شرط، فلأنه أخي يستأهل الكرامة مني دون الحاجة إلى البحث عن ما هو غير موجود ولا التغافل عن الموجود؛ سأقدِّمه وأكرمه دون اللجوء للرياء.
4- التمسك بالصفات الــتي ترضي الله
ومن 1بطرس1: 22 نتعلم أن «طاعة الحق» تقود إلى محبة إلهية صحيحة، فليتنا نطيعه في كل صغيرة وكبيرة، ونزن أمورنا في ضوئه؛ فلا نسمح لكلمة تفتقد الصدق أن تخرج منّا، ولا لتصرّف لا ينبع عن حقيقة أن يصدر عنا. بل لتكن نعمنا ”نعم“ ولانا ”لا“ (يع5: 12)، وبالحق نحب إخوتنا، بالحق نبنيهم، وبالحق نصلحهم.
لكن كان لا بد من إضافة القول «أحبوا بعضكم بعضًا من قلب طاهر»، فلنسأل أنفسنا تجاه علاقتنا بإخوتنا: هل نستطيع أن نقول بضمير صالح إنها تصدر عن قلب طاهر، أم من دافع شابته شوائب غير مقدسة؟! ولنسعَ لأن تكون محبتنا من قلب طاهر حتى لا تتعوق شركتنا مع الله الذي لا يعاينه إلا أنقياء القلب.
لنسعَ لأن تكون محبتنا من
قلب طاهر
حتى لا تتعوق شركتنا مع الله
الذي لا يعاينه
إلا أنقياء القلب.
وكذا في 2بطرس1: 5-8 يربط «التقوى» بالمودة الأخوية. والذي يتقي الله يراه في كل أموره، ويعلم أنه يرى قلبه وأفكاره، ويفحص دوافعه، ويعيش في ضوء هذه الحقيقة، فلا يصدر منه إلا ما يعرف أنه الحقيقة التي يعلمها الله. وهكذا يمتنع عن الرياء في المحبة، لأنه إن أخفى ما في قلبه عن الآخر، فهو يعلم أنه لا يستطيع أن يفعل مع الله.
ليت صلاتنا تكون: يا رب افحص قلوبنا، وامتحن دواخلنا، ونقِّ دوافعنا، واخضعنا لحقِّك، واربطنا بشخصك؛ فنتعلم كيف نحب إخوتنا حبًّا يليق بشخصك الذي يربطنا، نحبهم حبًّا «من قلب طاهر وبشدة».