عدد رقم 4 لسنة 2007
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
فيلادلفيا المحبة الأخوية  

منابعها والمناخ الذي تنمو فيه

”فيلادلفيا“ هي كلمة مبهجة لقلب كل من يعرف شيئًا عن مفردات الكتاب المقدس.  وهي تعبِّر عن علاقة الود القوية التي تربط الأشخاص الذين خرجوا من البطن ذاته.  بكلمات أكثر بساطة ووضوح هي ”المحبة الأخوية“. 

وأجمل شيء على هذه الأرض، التي تسودها الأنانية وتعُمّ فيها الشهوة، هي أن تُحِب وأن تُحَب.  قيل إن المحبة هي الشيء الوحيد الذي لا تقدر السُلْطة أن تفرضه، ولا المال أن يشتريه.  وإن من يعيش في هذا الجو المقدس، جو المحبة، كأنه يعيش السماء على الأرض.

ولقد وردت الكلمة اليونانية ”فيلادلفيا“ 8 مرات في العهد الجديد: 6 مرات في الرسائل، ومرتان كاسم لمدينة أشار إليها يوحنا الرائي في سفر الرؤيا أصحاح 1؛ 3.  كان في تلك المدينة كنيسة مباركة ومثالية، لدرجة أن الرب لم يجد ما يوبّخهم عليه، بل على العكس مدحهم، وطلب منهم التمسك بما عندهم، لئلا يأخذ أحد إكليلهم (رؤ3: 11).
وأما عن المرات الست في الرسائل، فهي ثلاث مرات في رسائل الرسول بولس (رو12: 10؛ 1تس4: 9؛ عب13: 1)؛ وثلاث مرات في رسائل الرسول بطرس (1بط1: 22؛ 2بط1: 7 مرتان). 

*  *  *  *

والمحبة الأخوية هي العلامة الأولى على نبض الحياة الإلهية في النفس (قارن مع أعمال 16: 33)، كما أنها النتيجة الختامية للنعمة الإلهية في القلب (2بطرس 1: 7). 

والواقع إن فضيلة المحبة تُعتبر أروع نبتة في بستان الفضائل المسيحية.  لكنها مع هذا نبتة حساسة، تحتاج إلى عناية خاصة، لكي تنمو وتزدهر.  وفي هذا المقال سنتحدث - بنعمة الرب - عن منابع تلك المحبة، وعن جوها أو المناخ الذي تزدهر فيه:

المحبة الأخوية هي العلامة الأولى على نبض الحياة الإلهية في النفس، كما أنها النتيجة الختامية للنعمة الإلهية
في القلب.

منابع المحبة الأخوية

لا خلاف على أن المحبة الأخوية ليست فينا بالطبيعة، ولا هي شيء يعرفه العالم الذي نشأنا فيه وترعرعنا.  عندما سرد الرسول بولس صفات البشر قبل تغييرهم، فقد ذكر في خاتمة سباعية شريرة، ميَّزت الإنسان بصفة عامة، أننا كنا ”مبغِضين بعضنا بعضًا“ (تي3: 3).  فالبغضة هي سمة الإنسان العتيق.  ولهذا فلقد قام قايين على أخيه وذبحه (تكوين 4؛ 1يوحنا3: 12).  وعيسو، توأم يعقوب، كان مُتَسَلّ من جهة أخيه بقتله (تكوين 27)، وإخوة يوسف العشرة، بعد أن قرّروا التخلص من أخيهم بقتله، فإنهم غيَّروا خطتهم وباعوه للإسماعيليين (تكوين 37)؛ وأبشالوم قتل أمنون أخاه بغدرٍ (2صموئيل 13).  وتطول بنا القائمة القاتمة التي تتتضمن لا كراهية الأخ لأخيه فحسب، بل أيضًا قتله؛ فأين إذًا هذه المحبة الأخوية؟  أين نجد ”فيلادلفيا“ في الإنسان الطبيعي؟

ولكن شكرًا لله، فلقد حصلنا على طبيعة جديدة عندما وُلدنا من الله، وعلى حياة جديدة، هي ذات حياة الله، سَرَت فينا من لحظة قبول المسيح مخلِّصًا لنا.  وعلى قمة سمات هذه الطبيعة وهذه الحياة أننا نحب الإخوة. 

لقد أكد كل من الرسل الثلاثة: بولس وبطرس ويوحنا، على المحبة الأخوية، واعتبروها برهان الولادة من الله. 

قال الرسول يوحنا: «نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الإخوة» (1يو3: 14).  وعلى العكس اعتبر أن غيابها دليل قاطع على عدم امتلاك تلك الحياة الإلهية.  فقال: «مَنْ قَالَ إِنَّهُ فِي النُّورِ وَهُوَ يُبْغِضُ أَخَاهُ، فَهُوَ إِلَى الآنَ فِي الظُّلْمَةِ... مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَفِي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ» (1يو2: 9، 11)

وقال أيضًا: «كُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ قَاتِلِ نَفْسٍ لَيْسَ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ ثَابِتَةٌ فِيهِ» (1يو3: 15).

وقال أيضًا: «أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ.  وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ» (1يو4: 7، 8).

كما قال أيضًا: «إِنْ قَالَ أَحَدٌ: ”إِنِّي أُحِبُّ اللهَ“ وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ.  لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟  وَلَنَا هَذِهِ الْوَصِيَّةُ مِنْهُ: أَنَّ مَنْ يُحِبُّ اللهَ يُحِبُّ أَخَاهُ أَيْضاً» (1يو4: 20، 21).

وأما الرسول بولس فإنه يفترض أنه لا يوجد مؤمن لا يُحِب، ذلك لأننا متعلمون من الله أن يحب بعضنا بعضًا.  فقال: «وأما المحبة الأخوية (فيلادلفيا) فلا حاجة لكم أن أكتب إليكم عنها، لأنكم أنفسكم متعلمون من الله أن يحب بعضكم بعضًا...  وإنما أطلب إليكم أن تزدادوا أكثر» (1تس4: 9، 10).  كما قال أيضًا: «لتثبت المحبة الأخوية» (عب13: 1).  لاحظ أنه لم يقل: ”لتكن المحبة الأخوية“، كأنها غير موجودة، وهو يطلب وجودها في المؤمنين، بل قال ”لتثبت“، وهذا يفترض وجودها بالفعل في كل أولاد الله. 

وأما الرسول بطرس فقد أكَّد أيضًا على حصول المؤمنين عليها عندما قال: «طهِّروا نفوسكم في طاعة الحق بالروح للمحبة الإخوية العديمة الرياء، فأحبوا بعضكم بعضًا من قلب طاهر بشدة» (1بط1: 22).  وأشار إلى المحبة الأخوية في كل أصحاح من الأصحاحات الخمسة في رسالته الأولى (انظر 1: 22؛ 2: 17؛ 3: 8؛ 4: 8؛ 5: 14).

ومن الآيات التي سردناها في ما سبق يمكن القول إنه طالما هناك حياة إلهية، فهناك محبة أخوية.  إن روح الله يعتبر أن المؤمن الحقيقي المولود من الله لا يمكن أن يكون خلوًا من هذه المحبة، التي حصلنا عليها لحظة التغيير. 

هذه المحبة من نحو أولاد الله ليست مجرد توافق بشري مزاجي، فهذا النوع من التوافق والانسجام قد نجده أيضًا في العالم؛ بل هي محبة منبعها الله الذي صار أبًا لنا. 

والمؤمنون أولاد الله مرتبطون معًا برباط أقوى من الروابط العائلية البشرية.  ومع أن المؤمن الحقيقي - بحسب طاقته - يسالم جميع الناس، وكما علّمنا المسيح نحن نحب حتى الأعداء، ولكن هناك علاقة محبة خاصة لأولاد الله، باعتبارهم إخوة لنا، هي علاقة المحبة الأخوية التي نتحدث عنها الآن.

إننا نحب الإخوة لأن الله علمنا هذه المحبة، ولأن الروح القدس هو منشئ هذه المحبة فينا، ولأن المسيح هو مثالنا الأكمل في هذه المحبة.

إننا نحب الإخوة لأن الله، الذي ولدنا ثانية، علمنا هذه المحبة، ولأن الروح القدس، الذي سكن فينا بعد الإيمان، هو منشئ هذه المحبة فينا، ولأن المسيح، مخلِّصنا وربّنا، هو مثالنا الأكمل في هذه المحبة.

1- الله هو المُعلِّم

قال أحد القديسين إن المسيحيين يحبون بعضهم بعضًا حتى قبل أن يتعارفوا.  وسبب ذلك أوضحه الرسول بولس عندما قال إننا متعلمون من الله أن يحب بعضنا بعضًا (1تس4: 9).  ليس فقط متعلمون منه باعتباره المعلم، وليس مثله معلّمًا (أي36: 22)، بل باعتباره الآب مصدر حياتنا والطبيعة الجديدة التي فينا.  فقد يتعلم المرء أشياء من مُعلِّمه، لا يكون المعلم قدوة فيها، وهو إذ يتلقّاها منه ذهنيًا فقط، لا تنطبع فيه كما ينبغي؛ وأما بالنسبة لنا فقد تعلّمنا المحبة من الله، إذ وُلدنا منه فأخذنا طبيعته.  قال الرسول بولس أيضًا: «فكونوا متمثلين بالله كأولاد أحباء واسلكوا في المحبة» (أف5: 1).  ولقد علَّق الأخ ”هول“ على هذه الآية بالقول: ”إننا عندما نرى ممثِّلاً يقوم بدور الملك، في مسرحية، فمهما كان تمثيله مُقنعًا، وكانت ملابسه تُشبه زي الملوك، فإننا نحس أنه مجرد تمثيل.  ولكن عندما ترى ابنًا يُشبه أباه في الشكل والصوت والحركات لا نستطيع أن نتهمه بالتصنع، فتقليده لأبيه طبيعي وغير مُتَعمَّد لأنه ابنه، أخذ عنه حياته وطبيعته“. 

2- الروح القدس هو المنشئ

إن المؤمن الحقيقي ليس فقط حصل على الطبيعة الإلهية بالولادة من الله، بل قد سكن في قلبه الروح القدس، الذي من أهم أغراض سكناه في قلوبنا أن يأخذ مما للمسيح ويخبرنا.  بكلمات أخرى أن يجعلنا ننشغل بشخص المسيح وبأموره، وهذه المشغولية من شأنها أن تجعلنا نتغيَّر من مجد إلى مجد، حتى نكون مشابهين صورة المسيح (2كو3: 18؛ غل4: 19). 

والرسول بولس في غلاطية 5 بعد أن تحدَّث عن ”أعمال الجسد“، أي أعمال الطبيعة العتيقة التي في المؤمن، والتي من ضمنها العداوة والخصام والغيرة والقتل، فإنه أعقب ذلك مباشرة بالحديث عن ”ثمر الروح“ (غل5: 19-23).  وبينما أعمال الجسد تصوِّر لنا كل الرذائل التي تميِّز الإنسان العتيق الفاسد، فإن ثمر الروح هو طابع الحياة الرائعة التي ظهرت في كمالها في الإنسان الثاني، الرب يسوع المسيح.  ويضع الرسول على قمة ثمر الروح: ”المحبة“.

لاحظ أن الوحي استخدم هنا تعبيرين غير متوازيين فقال: ”أعمال الجسد“، ثم قال: ”وأما ثمر الروح“.  والأعمال تقتضي من الإنسان دورًا إيجابيًا نَشطًا، بينما الثمر كل الفضل فيه لله (1كو3: 7).  وهكذا مع المؤمنين، فأن نوجد في مناخ صالح، ونُروي تربة قلوبنا بمحبة المسيح، أو بلغة المسيح أن نثبت كالأغصان في الكرمة (يو15: 4، 5)، فإن هذا سيجعل حياة المسيح تظهر فينا.  إن الروح القدس، الذي هو فينا بمثابة عُصارة الحياة بالنسبة للكرمة، سيُظهر فينا حياة المسيح نفسها. 

ونلاحظ أن المسيح، عندما تحدَّث لتلاميذه في عظة العُلّية عن الإتيان بالثمر، فإنه تحدّث بعدها مباشرة عن المحبة (يو15).  ولذلك فحسن أن تأتي المحبة على رأس قائمة ثمر الروح.  وحقًا إنه بدون المحبة لا مسيحية.

3- المسيح هو النموذج

لقد قال المسيح لتلاميذه، في الليلة التي أُسلم فيها، قُبيل مضيه إلى الصليب: «بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي (ليس إن كان لكم إيمان بالله، أو إن كان لكم رجاء في السماء، بل) إن كان لكم حب بعضًا لبعض» (يو13: 35).  فالمحبة هي شارة التملذة للمسيح.  وقبل ذلك مباشرة كان المسيح قد أوضح أنه هو شخصيًا نموذج ومقياس محبتهم بعضهم لبعض (ع34).  ويا له من مقياس!

لقد تميَّزت محبة المسيح بأمرين على الأقل:

أولاً: أنها كانت لمن لا يستحقون المحبة في ذواتهم.  فهي لم تكن ردًّا لفعل صدر منهم، ولا هي تستمد جذورها فيمن تحبهم.  إن المسيح هو صاحب القول: «أنا... أحبهم فضلاً» (هو14: 4).

ثانيًا: أن محبة الرب لم تكن بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق.  وفي هذا السياق قال رسول المحبة: «بهذا قد عرفنا المحبة، أن ذاك وضع نفسه لأجلنا، فنحن ينبغي لنا أن نضع نفوسنا لأجل الإخوة» (1يو3: 16). 

ومن أعظم الأقوال التي قيلت عن المحبة، ذلك الأصحاح المسمى ”أصحاح المحبة“ (1كونثوس 13)، الذي ينبغي أن يُكتب بالذهب، وأن يُنقَش على قلب كل مؤمن حقيقي.  ولقد لاحظ أحد الأفاضل أن أصحاح المحبة الشهير هذا يحدثنا لا عن صفات، بل عن أفعال؛ وهي تلك الأفعال التي يجب أن تميّز كل المؤمنين.  فالمحبة الحقيقية هي أفعال لا انفعال، هي تضحيات وليست مجرد تمنّيات.

فالمحبة الحقيقية هي أفعال
لا انفعال،
هي تضحيات
وليست مجرد تمنّيات.

عزيزي: تذكَّر كيف كانت محبة الرب يسوع المسيح؟  ما أرقّ عواطفه!  كيف كان يحب الذي لا يستحق المحبة!  ثم تذكَّر كيف تعامل مع بطرس عندما أنكره!  حقًا إنه هو الصدِّيق الذي يحب في كل وقت.

المناخ الذي تنمو فيه المحبة الأخوية:

1- القداسة

أمران ميّزا الجماعة المسيحية من بدايتها عن باقي الجماعات المحيطة بها، هما: طهارة السلوك، والمحبة الأخوية (راجع 1تسالونيكي4: 1-10).  ولا عجب فإن ”الله نور“، كما أن ”الله محبة“ (1يو1: 5؛ 4: 8، 16). 

ودعنا نتذكَّر أنه لا شيء يعيق ظهور المحبة فينا مثل وجود الخطية في القلب.  لهذا فإن الرسول بطرس، قبل أن يوصي بأن نحب بعضنا بعضًا من قلب طاهر بشدة، قال: «طهرِّوا نفوسكم في طاعة الحق بالروح للمحبة الإخوية العديمة الرياء، فأحبوا بعضكم بعضًا من قلب طاهر بشدة» (1بط1: 22).  وزمن الفعل ”طهِّروا“ في العبارة الأولى، بحسب الأصل اليوناني، يفيد شيئًا حدث، وما زال يحدث.  بمعنى أنه عمل تم مرة عند تغييرهم، ويستمر طول الحياة.  لقد حدث تطهيرنا الأدبي عندما وُلدنا من الله، ومع ذلك فإنه يلزمنا التطهير كل يوم من أيام غربتنا على هذه الأرض، ليمكننا أن نحب المحبة الأخوية العديمة الرياء.  والفكرة عينها نجدها في يوحنا 13، فقبل أن يتحدّث المسيح إلى تلاميذه عن المحبة، قام بغسل أرجلهم، وقال لهم: «الذي قد اغتسل (وهذا هو التطهير الذي حصل عند ولادتهم من الله)، ليس له حاجة إلا إلى غسل رجليه، بل هو طاهر كله» (يو13: 10).  ومن هذا نتعلم أننا نحتاج إلى نظافة الرجلين، حتى ما يمكن للقلب أن يحب.  نعم نحتاج إلى طهارة القلب ليمكن لهذا القلب أن يحب.  وإذا سألنا: لماذا نحن لا نحب كما ينبغي؟ نجد السبب في أن قلوبنا ليست طاهرة كما يجب، بل فيها دنس الطبيعة الساقطة، وفيها محبة للعالم.  وهذه تحتاج إلى التطهير بموجب الكلمة الإلهية المقدّسة، والتي يقول عنها بطرس «طاعة الحق».

ولعلنا نلاحظ أن الرسول بولس بين حديثه عن المحبة التي يجب أن تكون بلا رياء، وحديثه عن أن نودّ بعضنا بعضًا بالمحبة الإخوية، فقد تحدَّث عن كُره الشر (رو12: 9، 10)؛ وقبل أن يقول «لتثبت المحبة الأخوية» (عب13: 1)، كان قد قال: «إلهنا نار آكلة (في قداسته)» (عب12: 29).

2- شركة القديسين

من الناحية الفردية والسلبية نحتاج إلى القداسة العملية لكي نحب الإخوة، ولكن لكي تنمو وتترعرع هذه المحبة، نحتاج أن نمارسها عن طريق شركة القديسين.  وعلينا أن نتذكر أن المحبة الأخوية زرع حسّاس يحتاج إلى الكثير من العناية، فإذا لم يُعتنَ به ويُروى باستمرار، فإنه سرعان ما يذبل. 

إن المحبة زرع حساس، يتأثر بجو الجفاء البارد، وبرياح اللامبالاة القاسية، وكل الخطر أن تسقط عليه ثلوج الكلمات الجارحة.

لهذا قال الرسول للعبرانيين: «لتثبت المبحة الأخوية» (عب13: 1).  أي لتستمر في مجراها ولا ندع معوّقًا ما يعوّقها.  ذلك أن الرسول كان يخشى من أن تعوِّق الظروف الصعبة التي اجتاز فيها الأخوة العبرانيون سبيل المحبة.  فكما ذكرنا إن المحبة زرع حساس، يتأثر بجو الجفاء البارد، وبرياح اللامبالاة القاسية، وكل الخطر أن تسقط عليه ثلوج الكلمات الجارحة.  قال الحكيم: «الأخ أمنع من مدينة محصّنة» (أم18: 19).  وقد ترجم رجل الله داربي هذه الآية هكذا: ”الأخ المُخطَئ في حقه (أو المُساء إليه) أصعب في ربحه، من أخذ مدينة محصنة“.  لذلك فلنكن حذرين، ولنتعامل مع بعضنا البعض بالرقة التي ميَّزت المسيح في تعامله مع تلاميذه. 

وليتنا نوجَد في جو الشركة مع الله ومع بعضنا البعض.  قال الرسول: «لتثبت المبحة الأخوية»، وبعدها مباشرة قال: «لا تنسوا إضافة الغرباء».  والغرباء بحسب رسالة العبرانيين هم كل المؤمنين الحقيقيين (انظر عبرانيين 11: 13-16؛ 13: 14).  والشيء ذاته فعله الرسول بطرس، فبعد أن حدَّثنا عن المحبة الشديدة بعضنا لبعض، أردف ذلك بالقول: «كونوا مضيفين بعضكم بعضًا بلا دمدمة» (1بط4: 8، 9).

في إحدى ترنيمات المصاعد يقول المرنم: «هوذا ما أحسن وما أجمل أن يسكن الإخوة معًا (بالاتحاد)» (مز133: 1).  لعلّ المرنم في المزمور لاحظ كيف كان يتلاقى شعب الله قديمًا، إذ كانوا يذهبون من سنة إلى سنة إلى الهيكل في أورشليم، واعتبر أن سُكنى الإخوة معًا بالاتحاد كافٍ ليعوِّض المسافرين عن متاعب رحلتهم.  والمسيح، في عِظَة العلية اعتبر أن المحبة الإخوية بعضنا لبعض من شأنها تعويضنا عن كراهية العالم غير المبرَّرة من نحونا.  ويا له من تعويض!

إن المحبة هي جو الأبدية المنعش الذي لا يعرفه العالم.  وما أجمل اجتماعًا يميّزه المحبة، حتى لو حُرم من المواهب!  إن اجتماعًا بدون المواهب أفضل بكثير من اجتماعات يميزها المواهب وخالية من المحبة.


قال أحدهم: ”هناك أرض الأموات، وهناك أرض الأحياء، والجسر الذي يفصل بينهما يسمى المحبة“.  ترى على أي من جانبي الجسر يعيش كل من الكاتب والقارئ العزيز؟

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com