عدد رقم 4 لسنة 2007
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
عوائق نفسية تعوق المحبة الاخوية  

مما لا شك فيه أن المحبة الاخوية هي من عمل روح الله داخل المؤمن، «لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا» (رو5:5)، والكتاب يعلّمنا أن المحبة هي ثمر الروح القدس.  لكن يبقى أن الإناء الخزفي، الذي هو شخصياتنا، يؤثِّر بشدّة على استقبالنا لهذه المحبة من إخوتنا وتجاوبنا معها وإظهارها أيضا لإخوتنا.  فعندما يكون لدينا بعض الضعفات النفسية في شخصياتنا، يتعطّل سريان المحبة الأخوية منا وإلينا.

وهنا ياتي هذا السؤال: ماهي الشخصية وكيف تتكوَّن؟

الشخصية هي عبارة عن السمات والخصائص الفكرية والوجدانية والسلوكية التي تميّز الشخص عن غيره.

وهذه السمات والخصائص التي تميز شخصياتنا تتكون وتتبلور من خلال عدة مصادر أهمها:

  1.  الجينات والوراثة
  2.  التنشئة الاجتماعية وأسلوب التربية الأسرية
  3.  التعليم والثقافة
  4.  البيئة المحيطة والخبرات الحياتية المكتسبة

وكنتيجة لخلل ما في أي من هذه المصادر، قد تظهر بعض العيوب في شخصياتنا مما قد يعوّق محبتنا الأخوية.

ويمكننا تقسيم هذه العيوب أو الضعفات النفسية الى ثلاثة أمور أساسية هي كالأتي:-

أولاً: عيوب التفسير، أي وجود عيوب أو خلل في إدراكنا واستقبالنا لمحبة الآخرين وتفسيرنا لسلوكياتهم وتصرفاتهم نحونا.

ثانيًا: عيوب التفكير، أي وجود عيوب في طريقة تفكيرنا ومفاهيمنا عن أنفسنا وعن إخوتنا وكيفية التعامل معهم.  فوراء كل سلوك بشري هناك تفكير بشري

ثالثًا: عيوب التعبير، أي وجود عيوب أو عجز في إسلوب التعبير عن مشاعرنا ومحبتنا للآخرين.

وللتبسيط أضع هذا التشبيه: تخيَّل أن هناك مصنع لإنتاج منتج معين، هو في حالتنا المحبة الاخوية، فإن كان هذا المصنع يعجز عن تحقيق الانتاج المطلوب فإن السبب سيكون واحدًا أو أكثر من الأسباب الأتية:-

أولاً: عيوب في المواد الخام التي تدخل لهذا المصنع (عيوب التفسير).

ثانيًا: عيوب في عملية التصنيع نفسها (عيوب التفكير).

ثالثاُ: عيوب في التشطيب النهائي للمُنتَج الخارج من المصنع أو تغليفه وتعبئته وتوصيله للآخرين (عيوب التعبير).

لذا دعنا نلقي نظرة على هذه الأسباب الثلاثة.

أولاً: عيوب التفسير

1- الميل لتضخيم العيوب والسلبيات

فبعض الناس يميلون، بتكوين شخصياتهم، إلى التركيز على العيوب وانتقاد الآخرين؛ وقد يكون هذا بسبب الانتقاد المستمر الذي عانوا منه في طفولتهم.

هؤلاء تجدهم دائمًا يتصيّدون الأخطاء للآخرين، ويتكلمون عنها، ويتعثرون بها، ويضخمون فيها.

2- الميل للتقليل من المميزات والإيجابيات

فبعض الناس يميلون إلى تجاهل إيجابيات الآخرين والتقليل من شأنهم.

انظر إلى الرب عندما قدَّمت السامرية اعترافًا بسيطًا غير كامل «ليس لي زوج»، ومع أنها لم تعترف بماضيها كله أو حاضرها كله، لكنه قال لها «حسنًا قلت... هذا قلت بالصدق».

3- الميل للتعميم

فإن أخطأ واحد من عائلة معينة، نعمِّم هذا الخطأ على كل العائلة.  وإن اخطأ أحد المؤمنين، فكل المؤمنين هكذا.  وإن اخطأ واحد في الماضي، نعمِّم على حاضره ومستقبله.  وإن أخطأ أحد في جانب من حياته، نعمِّم على حياته كلها.

4- الميل للتفسير السلبي للسلوكيات

الميل للتشكيك في سلوكيات الآخرين ودوافعهم ونيّاتهم، والاتجاه للظنون السيئة، مع أن المحبة لا تظن السوء.
فعالى الكاهن، عندما رأى حنه أم صموئيل في هيكل الله تصلي وشفتاها فقط تتحركان، لم يمِل إلى تفسير ذلك على أنها تصلّي، مع أن هذا هو التفسير الأقرب، لكنه ظنّها سكرى وأنها ابنة بليعال، لأن ذهنه البشري تنجّس بما يحدث حوله وما حدث من أبنائه!

5- الميل للانتقاء

بمعنى أن أبحث عن شيء معيَّن، إذا وجدّته أحب هذا الشخص واتجاهل كل شيء، وأذ لم أجده لا أستطيع أن أحب هذا الشخص.

فالفريسيون رفضوا المسيح وتلاميذه لسبب أنهم لم يغتسلوا قبل الأكل!

ثانيًا: عيوب التفكير

1- الميل للتمركز حول الذات

ربما، نتيجة للتنشئة الاجتماعية وأسلوب التربية، أو التدليل الزائد، يكون الشخص محصورًا في ذاته.  ويرى أن المحبة هي أن يُحَبُّ من الناس لا أن يحب هو الناس.  وأن يكون هو مركز اهتمامهم ورعايتهم بدلاً من أن يهتم هو بهم ويرعاهم.  فلا يستطيع أن يقدِّم ويضحّي، بل يريد أن يأخذ، ويأخذ فقط.

2- الميل للعُجب والكبرياء

هذا الفكر يقود الإنسان للاعتداد بذاته، والافتخار بقدراته، واحتقار الآخرين؛ فلا يستطيع أن يحترمهم الاحترام اللائق، ولا أن يحبهم ويكرمهم.

3- الميل للرثاء للنفس والشفقة على الذات

هو التفكير المشوب بالشعور بالظلم والرفض والترك والاضطهاد من الآخرين، وأن الناس لا يحبونه ولا يقدرونه، ويقصّرون في التعامل معه؛ فيشكو دائمًا من تقصير الآخرين وإهمالهم له، ويكثر الشكوي دائمًا من إخوته.

4- الميل لصغر النفس والشعور بالنقص

مما يؤدي أحيانًا إلى الغيرة والحسد للآخرين أو الخوف من الدخول في علاقة مع الآخرين، والانسحاب بعيدًا عنهم.  أو قد يقوده إلى القسوة والعنف في التعامل مع الآخرين.

5- الميل للتحيز والتعصب

فلا يكون تفكير الشخص عادلاً محايدًا، بل تكون لديه تحيُّزات داخلية نحو شخصيات معيَّنة أو علاقات محدّدة.  فهناك من يحب الأذكى، أو الأجمل، أو صاحب الشخصية الجذّابة.  أو يتعصب لنفسه، أو لعائلته، أو لمبدإٍ أو رأي؛ فلا يستطيع أن يقبل أو يتجاوب أو يحب من يختلف عنه.

ثالثًا: عيوب التعبير

1- ضعف المهارات الاجتماعية

نتيجة لأسلوب التربية والتنشئة الاجتماعية، قد ينتج قصور لدى الشخص في المهارات الاجتماعية؛ مما يؤدّي إلى انسحابه الاجتماعي، وشعوره بالخجل، ويختصر علاقاته مع إخوته، فلا يستطيع أن يكون في شركة قويه معهم، أو أن يشاركهم أفراحهم وأحزانهم أو أن يظهر محبته لهم.

2- ضعف القدرة على التعبير اللفظي وغير اللفظي

أحيانًا يكون الشخص، بسبب التنشئة الاجتماعية، وعدم التدريب، عاجزًا عن التعبير كلاميًا (لفظيًا) أو غير لفظي من خلال تعبيراته وتصرفاته وخدمته وتضحياته وغيرها.  فهو لا تنقصه المحبة، ولكن تنقصه القدرة علي التعبير عن هذه المحبة.  فقد يعبِّر عن محبته بطريقة سلبية، فيجرح مشاعر الآخرين بكلماته وتصرفاته دون أن يقصد.

3- ضعف القدرة على المواجهة والعتاب

أحيانًا يكون من عيوب شخصياتنا، التي تربينا وتعودنا عليها، عدم القدرة على مواجهة الآخرين وعتابهم عند حدوث خطإ، مع أن الكتاب يأمرنا قائلاً «ان اخطأ إليك أخوك فاذهب إليه وعاتبه بينك وبينه وحدكما» (مت18: 15).  لكننا لم نعتَد ولم نتدرب على هذا؛ فنحتفظ بالمرارة بداخلنا، أو قد نتكلم على من أساء إلينا في غيابهم ومن ورائهم، أو قد نواجه بطريقة غير سليمة، فبدلاً من أن نعاتب، نهاجم أو نحاكم أو نتهم؛ فتسوء العلاقة أكثر.

4- ضعف القدرة على الاعتذار أو الاعتراف بالخطإ

أحيانًا نتربى على أن الاعتذار يعتبر ضعفًا، والاعتراف بالخطإ والتراجع عنه نوعًا من الهزيمة.  فلا يقدر هذا الشخص أبدًا على الاعتراف بخطئه وتقديم الاعتذار وطلب المسامحة.  وهذا العيب كثيرًا ما يعطِّل المحبة الأخوية، وأحيانًا يدمِّر حتى العلاقات الزوجية.

5- ضعف القدرة على الغفران والمسامحة

أحيانًا نتربى في أسر تميل إلى عدم الغفران والمسامحة للآخرين، وتشجِّع على الخصام.  فلا يستطيع هذا الشخص أن يقدِّم الغفران لإخوته، كما لا يستطيع أن يسامح على ما يصدر من أخطاء تجاهه، ولا يقبل اعترافهم واعتذارهم.

ولكن هل من علاج لهذه الضعفات؟!

علاج عيوب التفسير

علينا أن نطبِّق هذا المبدأ المبارك الذي قاله الرب يسوع:

«لاَ تَحْكُمُوا حَسَبَ الظَّاهِرِ بَلِ احْكُمُوا حُكْمًا عَادِلاً».

نحتاج ألا نعتمد على حكمنا البشري والسطحي على الآخرين، أو على تفسيرنا القاصر لظواهر الأمور، بل أن نصلي للرب ونتضع أمامه ليصحِّح افكارنا وتفسيراتنا؛ فنرى إخواتنا بعيني المسيح، ونستطيع أن نستُر كثرة من الخطايا.

علاج عيوب التفكير

علينا أن نختبر، ونمتلئ، بهذا الفكر المبارك فكر المسيح:

«فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ».

لنصلِّ للربّ كل يوم لكي يتجدَّد ذهننا، ونمتلئ بفكر المسيح، فكر الإخلاء والاتضاع والمحبة والتضحية والاحتمال والعطاء، فنستطيع أن نحب إخواتنا كما أحبّنا المسيح أيضًا، وأحبهم.

علاج عيوب التعبير

علينا أن نتدرَّب كل يوم على تطبيق هذا الأمر الإلهي:

«وَادِّينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ، مُقَدِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْكَرَامَةِ». 

فهناك فرق بين أن تُحب، وبين أن تودّ وتعلن محبتك وتظهرها للآخرين.  فلنصلِّ للرب كل يوم لكي يعلِّمنا ويدرِّبنا كيف نعبِّر عن محبتنا لإخوتنا بأسلوب مسيحي سليم.

ليت الرب الصالح يشفي قلوبنا وشخصياتنا من كل عيوب أو ضعفات، فنكون جميعنا متعلمون من الله ان يحب بعضنا بعضًا، لمجد اسمه القدوس.

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com