من القديم وهذا هو فكر الله: أن يعبده شعبه كله؛ الأب مع الابن والابنه والحفيد، فلم يَقصِر عبادته على جيل معين.  ولم يفترض مطلقًا تمييزًا بين كبير وصغير في الوجود في محضره فاعلاً ومشاركًا، وإن كان بالطبع هناك تباين في حمل المسؤولية طبقًا لطول وعمق الاختبار والمواهب المختلفة.

ونستطيع أن نرى هذا الفكر في كل أسفار العهد القديم بداية من التوراة.  فمثلاً في سفر الخروج نرى رفض موسى لمحاولة فرعون أن يخرج الرجال فقط للذبح والتعييد للرب، إذ قال «نذهب بفتياننا وشيوخنا، نذهب ببنينا وبناتنا، بغنمنا وبقرنا؛ لان لنا عيدًا للرب» (خر10: 9).  إنها، إذًا، محاولة عدو البرِّ منذ القديم؛ فينبغي أن يكون موقف إنسان الله منها، على مر العصور كموقف موسى.

ثم اسمع الوحي، في تثنية 12، يؤكِّد على فرح كل الأجيال أمام الرب بالقول «تفرحون أمام الرب إلهكم؛ أنتم وبنوكم وبناتكم...» ثم يؤكِّد هذا الأمر فائق الأهمية «احترز من أن تُصعد محرقاتك في كل مكان تراه؛ بل في المكان الذي يختاره الرب في احد اسباطك.  هناك تُصعد محرقاتك وهناك تعمل كل ما انا اوصيك به...  بل امام الرب الهك تاكلها في المكان الذي يختاره الرب الهك انت وابنك وابنتك».  فهي ليست، هنا، مسألة أن يتمتع كل واحد بالرب حيثما شاء، وهذا حق أصيل لكل شعب الله، لكنه هنا يتكلم عن اجتماع الجماعة إلى الله، في المكان وبالطريقة التي يختارها هو، والتي نعلم - في ضوء العهد الجديد - أنها اجتماع الكنيسة إلى اسم الرب.

وفي تثنية 16 إذ يعيد الرب تذكير شعبه بأهم ما تشمله عبادتهم له، طبقًا لتدبير الناموس .  في هذا الأصحاح يتكرر التعبير «أنت وابنك وابنتك» بالارتباط مع العيد.  فمرة يقول «وتفرح أمام الرب الهك أنت وابنك وابنتك» (ع11)، «وتفرح في عيدك أنت وابنك وابنتك» (ع14).  ثم يوضح المبدأ في ع16، 17 بالقول «ثلاث مرات في السنة يحضر جميع ذكورك أمام الرب إلهك».  هل تعني كلمة «جميع» هنا معنى سوى أن كل من يمكن أن يُطلق عليهم ذكورًا كانوا موجودين .  ثم يردف بالقول «ولا يحضروا أمام الرب فارغين»؛ فليس واحد من هؤلاء الـ”جميع“ سيأتي ليكون متفرِّجًا، بل ليقدِّم، وإن كان «كل واحد حسبما تعطي يده كبركة الرب إلهك التي أعطاك»؛ فكل واحد سيعطي حسب إدراكه وفهمة واختباره وتأثره؛ فليس المهم مقاس أو ”فورمة“ ما ستقدِّم، بل التواجد في محضر الله بنيّة أن تقدِّم.

في لاويين 10 يعطي الرب بعض التعليمات للعائلة الكهنوتية**؛ فلا نراه يتحدث لهارون بصفته فردًا بل يكرِّر القول «أنت وبنوك» (ع9، 13، 15) ويضيف «وبناتك» في ع14، وكذلك في حمل المسؤولية (عد18: 1).

فليس واحدًا سيأتي ليكون متفرِّجًا، بل ليقدِّم، وإن كان كل واحد سيعطي حسب إدراكه وفهمة واختباره وتأثره.

وهكذا إذا تجوّلننا في باقي العهد القديم سنرى روعة تطبيق هذا الأمر في مواقف رجال عظماء كيشوع وبيته، ونتيجة فشل بعض الأفاضل، كداود وسليمان من بعده، في هذا الأمر؛ فكانت النتيجة واحد كرحبعام الذي على يده انقسم الشعب.

*   *   *

ثم إذ نصل إلى العهد الجديد، يلفت النظر، من مطلع الأناجيل، أنه عند مجيء سيدنا الكريم إلى الأرض كان منتظروه، كالمسيا، بين شيخ كحنة النبية (لو2) وشاب كأندراوس ورفقائه (يو1)، وكما نرى شهادة زكريا الشيخ (لو2) نرى أيضًا شهادة ابنه الشاب (يو1) في نفس الصدد.

أما في سفر الأعمال، سفر قوة الكنيسة ووضعها المثالي، فلا تغيب عنا كلمة الجميع  أيضًا في كل ما يتعلق بكنيسة الله.  فهو يرى الكل معًا فيما يخص الله.  ودعونا نتجول جولة سريعة في هذا السفر عند بعض الأحداث الهامة فيه. 

في حادثة حنانيا وسفيرة الشهيرة (ص5) نقرأ هذا القول عندما وقع القضاء على حنانيا فمات «فنهض الأحداث ولفّوه وحملوه خارجًا ودفنوه».  يقول الكتاب «نهضوا» ولم يتم استدعائهم من مكان آخر، فلقد كانوا حضورًا في هذا الحدث الهام، وهي جلسة كان يُناقش فيها أمور تدبيرية.  إذًا فهم موجودون في كل اجتماع للكنيسة.  ثم يتكرر القول ثانية عند وقوع القضاء على سفيرة أيضًا «فدخل الشباب ووجدوها ميتة فحملوها خارجًا ودفنوها بجانب رجلها».  فهم، بعد أن تحملوا المسؤولية الثقيلة في حمل حنانيا ميتًا، لم يستعفوا بل عادوا مرة أخرى لمكانهم، الذي يجعلنا نستنتج أنهم كانوا يعتبرونه مكانهم الطبيعي.  وهم إذًا منوطين بتنفيذ أمر تدبيري.  ثم لاحظ أنه دعاهم مرة «أحداث» ومرة «شباب» والأولى تتكلم عن قلة السن والخبرة والثانية تتحدث عن القوة.  ومنه يمكننا استنتاج أن الأولى ليست مانعًا على الإطلاق والثانية مطلوبة جدًا.

ثم إذ نتقدم في قراءتنا نقرأ عن «شاب يقال له شاول» هذا هو وصف بولس وقت الأحداث الأولى في سفر الأعمال (آخر ص8).  ثم مباشرة (ص9)، بعد تعرّفه على الرب، وهو بعد شاب، نراه مع التلاميذ الذين في دمشق (ع19)، ثم يحاول الالتصاق بالتلاميذ في أورشليم (26)، ثم مع الرسل يدخل ويخرج (ع27، 28).  وعقب وصف تحرك الشاب شاول وسط الكنيسة نقرأ تقرير الروح القدس: «وأما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة فكان لها سلام، وكانت تُبنى وتسير في خوف الرب وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر» (أع9: 31)؛ ولا يفوت اللبيب تلك الإشارة وارتباطها بما قبلها.

وفي أصحاح 20 نقرأ عن «شاب اسمه أفتيخوس».  إن الدرس الأساسي من هذه القصة - على ما أرى - أن أفتيخوس جلس بالطاقة في الدور الثالث، في صورة لذهن مقسَّم، جزء لما يدور بالداخل، وجزء مع ما خارج الطاقة، لقد جلس في موقف المتفرج، وربما الناقد، وليس المشارك، رغم أنه كان يوم الأحد ولا بد أن العواطف تكون ملتهبة بالذكرى، كما أن المصابيح كانت كثيرة في العلية فالجو يدعو لليقظة لا للنوم.  فكانت النتيجة: النعاس، ثم الكارثة.  ولعل هذا التسلسل، روحيًا، هو العلّة الأساسية في تدهور كثير من الأمور حتى يومنا هذا.  لكن السؤال: لماذا ذكر لنا أن أفتيخوس كان شابًا؟!  أعتقد ليرسم لنا صورة لشاب في وضع خاطئ وسط كنيسة الله، اعتبر نفسه ضيفًا في الكنيسة وذهنه منصرف للخارج؛ وربما أن الوحي أراد أن يعطينا انطباعًا أن الشباب أكثر عرضة لهذا الأمر.  واحد مثل هذا تجده خاملاً في وسط الجماعة، متفرجًا، ثم نائمًا، ثم...

لكن اسمع لما «أتوا بالفتى حيّا» أي لما عاد ثانية، وبالتأكيد لم يعُد للطاقة في الطبقة الثالثة بل إلى مكانه الصحيح وسط جماعة الرب، ماذا كانت النتيجة؟  «تعزّوا تعزية ليست بقليلة».  ألا نرى في ذلك مقدار التعزية التي يسبِّبها شاب إذ يوجد في مكانه الصحيح وسط الكنيسة فيكون سبب بركة حقيقية؟!

ألا نرى مقدار التعزية التي يسبِّبها شاب
إذ يوجد في مكانه الصحيح وسط الكنيسة فيكون سبب بركة حقيقية؟!

أما تيموثاوس فهو واحد من الأمثلة القوية على ذلك.  ففي أعمال 16 نراه يبدأ في مرافقة الرسول بولس، وإن كان بولس قال له «لا يستهن أحد بحداثتك» في الرسالة الأولى إليه، بعد ذلك بسنوات طوال، فيمكننا أن نستنتج أنه في أعمال 16 كان بعد فتىً يافعًا، على أنه جال مع بولس وسيلا، وإذ يتكلم عنهم الوحي نراه يستخدم الجمع «كانوا يجتازون...  يسلمونهم...  منعهم الروح القدس...  لما اتوا...  حاولوا...  فلم يدعهم الروح».  فلا نلمح نغمة تفريق بين الرسول العظيم وتلميذه، فإنهم في ما يؤدّونه من عمل لصالح كنيسة الله سواء، وإن اختلف - بالطبع - حجم عمل كل منهما طبقًا للموهبة المعطاة.  ومرة أخرى نسمع القول «فكانت الكنائس تتشدد في الايمان وتزداد في العدد كل يوم» (أع16: 5)؛ وليعطنا الرب فهمًا في كل شيء.  وباقي الأحداث المتتالية يؤكِّد ذلك.

ثم باستمرار التاريخ المدوَّن بالوحي، يقرن الرسول بولس، بوحي الروح القدس، نفسه مع تيموثاوس، ليس فقط من باب التواضع، بل تكرارها يؤكِّد أنه مبدأ يحتاج للتقرير (اقرأ مثلاً رو16: 21؛ 1كو16: 10؛ 2كو1:1، 19؛ في1: 1؛ كو1: 1؛ 1تس1:1؛ 2تس1:1).

وإذ نصل إلى تيموثاوس الأولى، والتي يصدِّرها بولس إلى «الابن تيموثاوس» (1: 18) والذي يقول له «لا يستهن احد بحداثتك» (4: 12)؛ نجد الرسول يتحدث إليه عن أمور الكنيسة بإسهاب وبلهجة تؤكد أنه شريك في موضوع الحديث وليس متفرِّجًا، فيحدّثه عن تفاصيل اجتماعات الصلوات، ودور المرأة في الكنيسة، وصفات الأسقف والشمامسة، والتعليم الصحيح...الخ.  ثم نسمعه يلخِّص بالقول «ولكن إن كنت أبطىء فلكي تعلم كيف يجب أن تتصرف في بيت الله الذي هو كنيسة الله الحي عمود الحق وقاعدته» (3: 15).  إذا فعلى تيموثاوس، لا أن يسمع فقط عن كنيسة الله، بل أن يتصرف، أي يفعل ويشارك في كل ما فيها.  ثم في الرسالة الثانية يزيد بالقول «وما سمعته مني بشهود كثيرين أودعه أناسًا أمناء يكونون أكفاء أن يعلّموا آخرين أيضًا» (2تي2: 2).  فعليه أن ينقل هذا الفكر مجدَّدًا إلى آخرين، لتتناقله الأجيال، ويصبح واقع كنيسة الله في كل زمان: الكبير مع الصغير في محضر الله، فرحين، عابدين، مشاركين.

ويعوزنا الوقت للحديث عن تيطس الذي يقول له الرسول صراحة «من أجل هذا تركتك في كريت لكي تكمل ترتيب الأمور الناقصة...» (تي 1: 5) ثم يكمل الحديث في كل الرسالة عما ينبغي أن يعمله في وسط كنيسة الله.  وكذلك عن غايس، والذي يمكننا أن نستنتج من سياق 3يوحنا أنه كان شابًا، نجد يوحنا يقول عنه إنه مشهود بمحبته «أمام الكنيسة»، فهذا هو مكانه المختار.  ثم نراه يحدّثه، عن أمور كنسية، كشريك فيها.

أخي الشاب المؤمن..  أختي الشابة المؤمنة..  ما هذا إلا بعض من كل فيما يتعلق بالموضوع.  فهل أدركنا مكاننا في كنيسة الله؟ 

وهل ستبقى بعد مُحجِمًا عن هذا الأمر الذي يمجِّد الله ويفرِّح قلبك؟ 

«افهم ما أقول.  فليعطك الرب فهمًا في كل شيء» (2تي2: 7).

  من أهمية هذا الأمر بالنسبة للرب، نراه يتكرر سردًا في خروج 23؛ 34 بنفس التعبيرات تقريبًا.
  لم يذكر هنا بناتك لأن الكلام هنا عن التقديم في العبادة، لكن الفرح يشترك فيه الجميع.
** هم، الآن، كل عائلة المؤمنين (1بط2: 5).

  ”جميع“ في العربية يقابلها باليونانية كلمتان ”هاباس ἅπας“ مثل أعمال2: 1 وتعني ”الكل معًا“ أي تجمع كل من يحويهم الحدث؛ و”باس πᾶς“ مثل أعمال 2: 7 وتعني ”كل واحد“ بصفته الشخصية، وتحتمل الاستقلال عن غيره في الحدث.  وفي كل ما يتعلق بالعبادة والروحيات في سفر الأعمال استُعملت الكلمة الأولى.