أعزائي الشباب والشابات:
أهلا بكم في هذا العدد الجديد من مجلتكم ”رسالة الشباب“، والذي سيدور حديثنا فيه حول العروس.
تلك العروس التي اقترب جدًا ميعاد زفافها، لكنها لا تجد من يهتم بها!!
إنها لا تجد تلك الصويحبات المحبّات، اللواتي اعتدنا أن نراهن يجرين ويعملن بكل جدٍّ ونشاط، ليشاركن العروس في كل التفصيلات، ولا سيما حينما يقترب موعد الزفاف؛ لكي تكون صديقتهن على أتمّ استعداد لعريسها في يوم زفافها.
إلا أن هذه العروس الكريمة، وعلى الرغم من سمو مقامها وعراقة منبتها، قد أصابها الضعف والإعياء والترهل من شدة الإهمال! فقد تركها محبّوها وصاروا يطلبون كل واحد ما هو لنفسه! وهم لا يدرون أن إهمال العروس هو خطأ جسيم في حق عريسها!
وربما نتج هذا الإهمال عن نسياننا، أو تجاهلنا، لقيمة هذه العروس عند عريسها! ربما نسينا أن عريسها المُحبّ قد مَهَرَها لا بفضة ولا بذهب لكن بدمه الكريم! وعن قريب سيأتي بنفسه من السماء هاتفًا ليخطفها، لا على فرس، بل على السحب!! في مشهد كوني مهيب، ستقف له، اندهاشًا وإعجابًا، كل ملائكة السماء. وعندئذ تملأ الأغاني جنبات السماء على اتساعها غير المحدود!! وربما نسينا أو تجاهلنا أنه سيأتي وأجرته معه؛ ليكافئ بغنى كل من شعر بمشاعره نحو محبوبته، فخدمها في فترة خطبتها. وعلى الجانب الاخر، حتمًا سيخجل منه في مجيئه كل من لم يهتم له بعروسه واهتم فقط بنفسه.
أعزائي:
بالطبع قد عرفتم من تكون هذه العروس؟ إنها كنيسة الله التي اقتناها بدمه.
والسؤال الهام الذي نطرحه في هذا العدد هو: ما هو موقف شبابنا اليوم من الكنيسة؟ هل يدركون معناها، ويقدِّرون قيمتها، ويقومون بواجبهم نحوها؟
اسمحوا لي أن أستعرض لكم، في عُجالة، الموقف الذهني والنفسي تجاه الكنيسة، عند الشباب بصفة عامة، وعند شباب الإخوة بصفة خاصة.
- إنها عند التقليدين تعني رجال الدين بملابسهم المميَّزة. تعني الطقوس والفرائض والأحكام التي سنّتها الكنيسة. أما عن المشاعر التي تستثيرها فيهم، فكلها مرتبطة برائحة البخور وروعة القباب وجمال الصور وصوت الألحان! هذه هي الكنيسة! لقد اختُزلت الكنيسة في أذهانهم إلى الإكليروس والطقوس والمكان. وصار هذا هو التعليم الخاص بالكنيسة هناك، وقد استقروا واستراحوا على هذا بغض النظر إن كان يتفق مع الكتاب أم لا!
- أما عند الطوائف البروتستانتية، بصفة عامة، فقد تم اختزال الكنيسة لمجرّد المبنى الذي تُقام فيه الأنشطة الدينية المختلفة! وهذا كان من المحتَّم حدوثه بعد التفتيت الذي أصاب جماعة المؤمنين من خلال إقامة كيانات صغيرة تحلّ محل الكنيسة. فإذا سألت أحدهم، أو إحداهن، عن ما تستحضره كلمة ”الكنيسة“ من معانٍ إلى ذهنك، تجده لا يعرف شيئًا عن الجماعة التي تجتمع معًا، كجسد واحد، حول الرب يسوع الحاضر في الوسط! ويذهب فكره بسرعة إلى مبنى الكنيسة. هذا لأنه نشأ وهو يذهب لحضور مدارس الأحد، وعندما كبر ارتبط باجتماع إعدادي، ثم اجتماع ثانوي، ثم اجتماع جامعة، ثم اجتماع الخريجين، ثم ارتبط باجتماع الأسر الحديثة، ثم الأسر القديمة، ثم اجتماع الأطباء أو رجال الأعمال، ثم اجتماع المعاشات! وكل هذه الاجتماعات تتم تحت سقف مكان واحد؛ هو ما يسمى ”الكنيسة“!!!
- أما عندنا، كجماعة إخوة، إذا سألت الشباب والشابات عن ما تستحضره كلمة الكنيسة من معانٍ ومشاعر إلى ذهنك، فإنك ستندهش، بل ربما تُصدم، بسبب الكم الهائل من التشويش الذي هُم فيه من جهة حقيقة هامة كهذه! هذا التشويش الذي يتمثل في الاتي:
إهمال العروس هو خطأ جسيم في حق عريسها؛ ربما نتج عن نسياننا، أو تجاهلنا، لقيمة هذه العروس عند عريسها!
- التباين الشديد بين الحق النظري والممارسة العملية: بمعنى أن معظمهم يعرف نظريًا أن الكنيسة هي جماعة المؤمنين الحقيقين، وبالتالي هو يرى نفسه - نظريًا - من الكنيسة لكونه مؤمن. لكنه في الواقع العملي لا يمارس أي ارتباط فعلي بالكنيسة ككنيسة! هذا لأن كل نشاطه الروحي قد انحصر في اجتماع الشبان أو الشابات، وكل الخدمة صارت موجَّهة للاجتماعات النوعية أوالفرص الكرازية أو المؤتمرات!!
- الخلط وعدم التمييز بين ارتباطه بكل المؤمنين الحقيقين من كل الطوائف باعتبارهم جسد المسيح، وبين ارتباطه بالكنيسة المحلية كالتعبير العملي لوحدة الجسد، وما لهذا الارتباط من امتيازات ومسؤوليات.
- التباين الشديد بين الحق النظري والممارسة العملية من جهة مفهوم سلطة الكنيسة المحلية. وهنا تجد العجب العجاب:
- فالبعض لم يسمع من الأصل أن هناك سلطة لكنيسة الله أعطاها إياها المسيح!
- والبعض سمع عنها، لكنه لا يفهمها ولا يرغب في أن يفهمها!
- والبعض سمع عنها، وفهمها، لكنه يكرهها ويرفض أن يكون تحتها!
- والبعض سمع عنها، وفهمها، ولا ينكرها، لكنه حصرها في عدد قليل من الشيوخ في الكنيسة، وبالتالي لم تَعُد عنده سلطة الكنيسة، بل سلطة فرد أو بضعة أفراد وبالتالي فهو له تحفظات عليها.
- والبعض سمع عنها، وفهمها، ولا ينكرها لكنه لا يشعر بأي مسؤولية أن يشارك فيها.
- الغياب الكامل لمفهوم الشهادة الجماعية عند الغالبية العظمى من الشباب، والخلط بين الشهادة والكرازة.
- غياب الرغبة لدى الكثير من الشباب في استماع التعليم الخاص بالكنيسة وممارسته، والنظر إليه على أنه كلام نظري لا يؤدي إلا إلى تعطيل الخدمة والنشاط!!
- التضاد الوهمي، الذي امتلأت به أذهانهم، بين الحق الخاص بالكنيسة وبين الكرازة بالإنجيل. فهم يعتبرون أن من يكرز بالإنجيل لا يهتم بالكنيسة!! وأن من يهتم بالكنيسة يقاوم الكرازة بالإنجيل!!!
- وأشد ما يُحزن هو غياب أي مشاعر إيجابية مبهجة تجاه ما يخصّ الكنيسة! بل على العكس، توفّر قدر ليس بقليل من المشاعر السلبية تجاهها، ولا سيما من جهة اجتماعات الكنيسة، تصل عند البعض منهم إلى حد الشعور بأنها مضيعة للوقت، لأنهم لا يستفيدون منها أي شيء! فهم يقيسون هذه الاجتماعات من جهة فائدتها لهم؛ وحيث أنها لا تحمل لهم فائدة، من وجهة نظرهم، فهي بالتالي في نظرهم بلا قيمة. والواقع الذي ينبغي أن نُقِرّ به، هو أنه، فعلاً وحقًّا، أحيانا تكون هذه الاجتماعات بلا فائدة روحية حقيقية للشباب، لأسباب مختلفة؛ أهمها هو إساءة استعمال حرية الحركة في اجتماع الكنيسة، متجاهلين أن هذه الحرية ليست على الإطلاق هي حريتنا نحن في أن نتحرك كما نشاء، بل هي حرية الروح القدس ليحرِّك هو من يشاء. وما ينتج عن هذا من تسرّع وعدم انتظار إرشاد وقيادة الروح القدس ، وبالتالي إفساد للاجتماع. إلا أن هذا الواقع المؤلم ليس عذرًا للشباب لكي يتبنّوا هذا التوجّه السلبي تجاه اجتماعات الكنيسة، بل على العكس، هذا الواقع يستذنبهم ويدينهم بشدة، إذ هو يؤكِّد تكاسلهم وتجاهلهم لمسؤوليتهم في الحضور والمشاركة الفعالة، بل ويؤكِّد أيضًا سلبيتهم وصمتهم تجاه هذا الواقع المؤلم الذي وصل إليه حال الكنيسة عندهم، والذي لم يفعلوا شيئًا حياله لكي يغيّروه، إلا كونهم اكتفوا بالانسحاب او بالانتقاد.
- أما أشد ما يُخيف، فهو موقف القادة بين الشباب في وسطنا، والذين أراهم يتبنّون أحد اتجاهين، كلاهما مُرّ ومرعب لي، ويجعلني لا أتوقع خيرًا إن استمر هكذا:-
- بعض من القادة يتبنى بشدة الحقائق الخاصة بالكنيسة، لكن للأسف دون وضوح كامل لهذا الحق في أذهانهم ، بحيث إذا طلب شاب من أحدهم أن يشرح له ماذا يُقصد بهذا الأمر أو ذاك، تجده لا يعرف كيف يصيغه في عبارات واضحة تحمل كلامًا يُفهم بلغة سهلة. وإذا اعترض الشاب لأنه لم يفهم ما قيل تجد هذا الأخ يستبدل الوضوح بعلو الصوت والغضب على من يسأل! وهذا على الأرجح يرجع لكونه ”حافظ مش فاهم“، أو لأن الدفاع عن هذا الحق يمثِّل بالنسبة له شيئًا شخصيًا، وليس أنه يبحث به عن خير هذا الشاب الذي لم يفهم. وبعض هؤلاء يتبنّون موقفًا عدائيًا تجاه الشباب لإهمالهم هذا الحق، وكل ما يعملونه إزاء هذا الإهمال هو الإكثار من لومهم وتوبيخهم! بينما الشباب، من وجهة نظري، ليس هم الذين يستحق اللوم والتوبيخ، بل نحن الذين عشنا عشرات السنين لم نُخرج هذا الحق عن طور التنظير والكلام، وعند الممارسة الفعلية تجدنا عاجزين ونتمحك في فشل الإنسان! ليتنا نعترف بأننا لم نمارس الحق الكنسي بالصورة الصحيحة التي تجعل الشباب يراه مفهومًا وواضحًا محبوبًا ومرغوبًا، حتى قبل أن يُشرح نظريًا. فأعظم وسيلة، من وجهة نظري، تجعل هذا الحق مفهومًا ومحبوبًا، هي ممارسته بالصورة الصحيحة. وبعض هؤلاء الذين يوبّخون الشباب قد تناسوا تحركاتهم الجسدية في الاجتماعات التي جعلت الشباب ينفر منهم ومن الاجتماعات. هؤلاء يتناسون تنافسهم وصراعاتهم مع غيرهم من الكبار في الاجتماع دون ان يراعوا أنهم هكذا يعثرون الصغار. هؤلاء تناسوا أن صلواتهم يوم الأحد قد صارت محفوظة عند الشباب. هؤلاء ربما لا يدرون أن الشباب يسخرون بمرارة عندما يسمعون هؤلاء القادة يتكلمون عن قيادة الروح القدس في الاجتماع، بينما قد صار محفوظا لدى الشباب الترتيب الذي ستتم به التشكرات! أو ما هو رقم الترنيمة التالية إذا رُنِّمت الترنيمة الفلانية! أو من الذي سيعظ ما دام فلان قد شكر على المائدة! هؤلاء تناسوا أنهم لم يرعوا، ولم يحتضنوا، ولم يذهبوا للبيوت ليخدموا الشباب ليقدِّموا المعنى العملي للكنيسة بل اختزلوا معنى الكنيسة لمجرد حضور الاجتماع! وبعض هؤلاء إنما تبنى هذا الاتجاه، ليس حُبًّا في الرب وفي كنيسة الله، بل لمجرّد التعبير عن رفضه لاتجاهات أخرى عند الشباب كالاهتمام بالكرازة مثلاً. وما يزيد الطين بلّة، هو أن بعض هؤلاء الذين يتبّنون الدفاع عن الحق الخاص بالكنيسة ومهاجمة الشباب لإهمالهم إياه، إنما ينطلقون من دوافع نفسية مرضية! وربما لا يستطيع الشباب أن يشخِّص أمراضهم ويعرفها؛ لكنهم بذكائهم الفطري يستشعرون شيئًا غريبًا وثقيلاً في هؤلاء الأشخاص يجعلهم ينفرون منهم. والمصيبة أن يفسِّر هؤلاء القادة نفور الشباب منهم على أنه نفس نفور الفريسيين من أقوال المسيح!!! متناسين أنهم هم ليسوا المسيح، ولا هؤلاء الشباب هم الفريسيون. هؤلاء القادة عليهم أن يكونوا أمناء في اكتشاف خطيتهم تجاه كنيسة الله قبل أن يوجِّهوا اللوم للشباب على إهمالهم لها.
الحق الخاص بالكنيسة يحتاج لقدر كبير من الشركة مع الرب ليكون لمن يشرحه قلب المسيح من نحو الكنيسة وروح المسيح في تقديمه
- أما الاتجاه الآخر المرعب، وسط القادة، فهو تبني البعض منهم لتوجّهات فكرية وتعليمية تُسخِّف من الحق الخاص بالكنيسة! وتدعو الشباب لعدم إضاعة الوقت فيه!! وربما يرجع هذا لخبرات سلبية متراكمة عندهم نتجت من اصطدامهم بالفريق السابق، لكنه ينُمّ أيضًا عن جهل وعدم فهم للحق. هؤلاء، دون أن يَدْروا، يهدمون الكيان الوحيد المُعترف به من الرب الذي يضمن استمرارية شهادة الله ونجاحها هنا على الأرض. فالله لم يدعُنا على الأرض لكي نقيم اجتماعات نوعية، بل لنقيم كنائس محلية، والتي كانت سبب خلاص وبنيان وتعليم هؤلاء الذين يسخِّفون منها الآن. وإن تناسى هؤلاء أن الفائدة الوحيدة من وراء الاجتماعات النوعية هو دعم أركان الكنيسة المحلية وتقوية شهادتها، إذا جهلوا أو تناسوا هذا، وبالتالي جعلوا هذه الاجتماعات تحل في اهتمام الشباب محل كنيسة الله، فهُم بهذا يُجرمون في حق هذه النفوس ويحزنون قلب المسيح.
لهذا كله خصَّصنا هذا العدد لكي نلمس، ولو قليلاً، وعلى قدر المساحة المتاحة، بعضًا من هذه الأمراض، ونقدِّم لها العلاج. لكن قبل أن ننطلق إلى هذا، أقف معك - عزيزي القارئ - وقفة قصيرة أمام المعنى الكتابي للكنيسة. وسأقدِّم لك تعريفًا بسيطًا ومختصَرًا، مستمَّدًا فقط من المعنى اللغوي للكلمات التي تسمَّت بها الكنيسة. ولضيق المساحة سأقصِر بحثي على كلمتين فقط هما: الكنيسة والجسد.
الكنيسة
إن أول من أطلق هذا الاسم، ”كنيسة“، هو الرب يسوع نفسه! عندما أعلن عنها لأول مرة في حديثه مع بطرس في متى16: 18؛ إذ قال: «وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها». وهنا كان يعلن عنها ككيان لم يُبنَ بعد، إذ كان هو شخصيًا عتيدًا أن يشرع في بنائه. ولهذا يأتي الفعل «أبني» في اليونانية، وفي كل الترجمات، في صيغة المستقبل ”سأبني“. أما كلمة «كنيسة» فقد جاءت في النص اليوناني ”إكليسيا“. وهي تكتب هكذا إذا كتبناها بحروف إنجليزية: ”Ek Klesia“. ومن الواضح أنها تتكون من مقطعين؛ الأول: Ek، وهو مقطع عندما ياتي في بداية أي كلمة يونانية يعني دائمًا نقطة تبدأ منها الحركة للخارج، هذا حسب قاموس سترونج للكلمات اليونانية، وتُترجَم في الانجليزية Out، وفي العربية ”خارجًا“. أما المقطع الثاني: Klesia، فهو اشتقاق من فعل يوناني هو Kaleo ويعني ”يدعو“ أو ”ينادي“. وعليه، إذا جمعنا المقطعين معًا، يمكننا القول إن الكلمة ”إكليسيا“ تعني ”جماعة مدعوة لتخرج عن المجموع الذي هي منه“. أو هي ”جماعة مُنتخَبَة لتخرج خارج الإطار الذي يضم الباقي كله“.
ولذا أعتقد أن هذا الاسم يهتم بالأكثر بوصف الكنيسة من الخارج، أي من جهة علاقتها بالعالم؛ بينما كلمة الجسد، كما سنرى، تصف الكنيسة من الداخل، من جهة علاقة أعضائها ببعض وعلاقتهم بالرأس الذي هو المسيح.
الجسد
هذا الاسم لم يستعمله الرب يسوع، لكنه أشار إليه في أول لقاء له مع بولس عندما قال له: «لماذا تضطهدني؟» (أع9: 4)، فآلام جسده هي آلامه! ولذلك تفرَّد بولس باستعمال هذا الاسم في رسائله، ولا سيما رسائله إلى رومية وكورنثوس وأفسس وكولوسي. ولقد أشار إلى الكنيسة على أنها جسد المسيح بثلاث معاني تساعدنا كثيرا في تعريف الكنيسة:-
- في أفسس 1: 22، 23؛ يقول «وإياه جعل رأسًا فوق كل شيء للكنيسة، التي هي جسده، ملء الذي يملء الكل في الكل». وهنا يأخذنا الرسول للمستقبل، عندما تكتمل الكنيسة، وتكون إلى أبد الآبدين ملء المسيح، وهذا لن يحدث إلا بعد اكتمال الكنيسة في لحظة الاختطاف. وبالتالي يمكننا القول إن الجسد هنا، وبالتالي الكنيسة، يشمل كل أعضاء جسد المسيح، من يوم الخمسين وحتى لحظة الاختطاف.
- في 1كورنثوس12: 13؛ يقول «لأننا جميعا اعتمدنا بروح واحد إلى جسد واحد، يهودًا كنا أم يونانيين، عبيدًا أم أحرارًا»، وهنا هو يضم نفسه مع إخوته في كورنثوس، ثم يواصل كلامه عن تنوّع المواهب في الجسد الواحد، فيقول إن الله مزج الجسد، وإن الجسد يحوي الرسل والأنبياء، كما يحوي بقية المواهب والتي كان منها الكثير في كنيسة كورنثوس، ومنها الكثير أيضًا في بقية الكنائس؛ وبالتالي فهو يشير إلى الجسد باعتباره يشمل كل أعضاء جسد المسيح الموجودين على الأرض في وقت ما.
- في 1كورنثوس12: 27؛ يقول لإخوة كورنثوس «وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفرادًا». وهنا لا يتكلم عن كل الأعضاء في الأرض وفي السماء، ولا عن كل الأعضاء الذين على الأرض، بل عن الأعضاء الموجودين فقط في مدينة كورنثوس؛ أي الكنيسة المحلّية. وعن هذا يقول ف.ب.هول، في شرحه لكورنثوس الأولى، إن الروح القدس لم يضع في النص الأصلي اليوناني أداة تعريف قبل كلمة جسد، ويعلق على هذا فيقول: وعندما نترجمها إلى الإنجليزية بدون اداة التعريف لن تكون اللغة صحيحة، لكن إذا اضفناها لن يكون المعنى صحيحًا؛ لأننا إذا أضفنا أداة التعريف 'the' سيكون أعضاء الجسد في كورنثوس هم وحدهم الجسد!! وإذا وضعنا أداة التعريف 'a' سيكون الأعضاء في كورنثوس جسد من ضمن أجساد كثيرة، وعندئذ نكون نتكلم عن شيء غريب وشاذ اسمه وحدة الأجساد، وبالطبع هذا مستحيل. إذًا الإخوة في كورنثوس هم مِن جسد المسيح، ويحملون شخصية الجسد، ويمثّلونه في مدينة كورنثوس، وبالتالي هذا هو وصف جماعة المؤمنين في كل كنيسة محلية.
وبناء على ما سبق عزيزي المؤمن يمكنك، إن كنت مؤمنًا حقيقيًا، أن تصف نفسك فتقول:
- أنا من الكنيسة إذًا أنا لست من العالم، وإن كنت أسكن في العالم. لقد قُطع انتمائي للعالم وصار انتمائي للجسد.
- أنا من الجسد إذًا أنا مُرتبط:-
- ببقية أعضاء الجسد في ”الكنيسة المحلية“، وهذا يُشعرني بعظمة المسؤولية
- ببقية أعضاء الجسد في العالم كله، وهذا يُشعرني بعظمة الوحدة والانتماء.
- بكل أعضاء الجسد، من يوم الخمسين وحتى لحظة الاختطاف، وهذا يُشعرني بعظمة وسمو المقام.
أحبائي هذا ما نتعلّمه باختصار شديد عن معنى ”الكنيسة“. وقبل أن أترككم مع بقية المقالات، اسمحوا لي أن أقول عن هذه العروس الرائعة:
وعندما ينتهي العالم بالزوال، تظل الكنيسة لتكون دُرّة الخلائق ولؤلؤة المسيح التي ستلمع بمجد الله إلى أبد الأبدين.
- إنها أروع كيان أقامه الله، من الناس، وبين الناس، على الأرض، في كل تاريخ الجنس البشري.
- إنها الكيان الوحيد بين الناس الذي كان في فِكر الله من قبل تأسيس العالم، وقد أُقيم في العالم لكن ليكون منفصلاً عنه، وعندما ينتهي العالم بالزوال، تظل هي لتكون دُرّة الخلائق ولؤلؤة المسيح التي ستلمع بمجد الله إلى أبد الأبدين.
- إنها الخارجة من جنب المسيح بالموت، وهي أقرب الكلِّ لقلبه، إذ هي لحمه وعظمه، وهي الحائزة على أسمى الدرجات والألقاب منه؛ فهي البيت، والمسكن، والهيكل، والمدينة، والعروس، والجسد، والمنارة.
- هي الوحيدة، بين كل من أنعم الله عليهم بامتيازات، من ستبقى امتيازاتها إلى أبد الآبدين؛ إذ أنها، وامتيازاتها، ليس لها علاقة بالزمن!
- إنها جماعة المؤمنين، لكنها ليست أي جماعة ولا أي مؤمنين!
ففي كل العصور كان لله مؤمنون حقيقيون على الأرض، خلصوا على أساس الكفارة التي لم تكن قد قُدِّمت بعد، ويقينًا أرواحهم الآن في الفردوس، لكنهم ليسوا الكنيسة!
وهم ليسوا أي جماعة، لأنّ ما يجمعهم ويوحِّدهم ويجعلهم جماعة واحدة، ليس هو أيّ من العناصر التي جمعت أو تجمع أي جماعة على وجه الأرض! فلا هي صلة الدم، أو الجنس، ولا وحدة العقيدة، أو الغرض، ولا وحدة الديانة، أو اللغة، ولا وحدة الفكر، أو الثقافة، ولا ولا... الخ.
إنهم ببساطة جسد واحد!!!
ولذلك فإنهم ليسوا شبَّانًا فقط، ولا شيوخًا فقط،
ليسوا رجالاً فقط ولا نساء فقط،
ليسوا بيضًا فقط ولا سودًا فقط،
إنهم جماعة المخلَّصين المغسولين بدم المسيح، والذين سكن فيهم الروح القدس من كل قبيلة وشعب ولسان وأمة منذ يوم الخمسين وحتى لحظة الاختطاف.
فهل تحبّها؟
هل تبدأ بنفسك بأن تحبّ شيوخها وعجائزها كآباء وأمهات؟
هل تبدأ بنفسك فتحبّ كبارها وصغارها كإخوة لك وأخوات؟
هل تبدأ بنفسك فتحضر اجتماعاتها، وتهتم بمشاكلها، وعلى قدر إمكانياتك تشارك في مسؤولياتها؟
إني استودعك لله، ولكلمة نعمته، ولبقية مقالات هذا العدد؛ لعلّها تساعك على هذا.
هذا الإرشاد يستلزم قدرًا كبيرًا من الاتضاع، بل والمسكنة الروحية التي تجعل الأخ ينتظر الرب فعلاً وحقًّا. ويستلزم أن يكون الشحص معتادًا ومتدرّبًا في الخفاء على الشركة مع الرب، لكي يعرف كيف يميّز بين أحاسيسه وانفعالاته وبين صوت الروح القدس الذي يرشده. ويستلزم أيضا قدرًا من النضوج النفسي والذهني الذي يُكسب صاحبه التفكير النقدي، والذي بدوره يحفظ صاحبه من السقوط في فخ الروتين أوالاندفاع بالإنفعال.
لا أعتقد أني ابالغ إذ قلت إن هذا الحق بالذات (الحق الخاص بالكنيسة) يحتاج لقدر كبير للغاية من الشركة مع الرب ليكون لمن يشرحه قلب المسيح من نحو الكنيسة وروح المسيح في تقديمه؛ حتى يستطيع أن يضع هذا الحق موضع التطبيق العملي. ولذا فليس كل من قرأ بضع كتب عن الكنيسة قد صار فاهمًا للحق الخاص بها. ولا أبالغ إذا قلت إن الحق الذي اختار الله بولس لكشفه وداربي لشرحه يستلزم قُربًا خاصًا من الربِّ لفهمه.