"إذا تسلَّط على الناس بار ٌيتسلَّط بخوف الله" (2صم 23: 3)
"إذا ساد الصديقون فرح الشعب، وإذا تسلَّط الشرير يئن الشعب" (أم 29: 2)
لا أعني بهذا المقال مَنْ كانوا في موضع سلطة في البلاد وأفسدوا أو أفسدتهم السلطة، وزُجَّ بهم في السجون في مشاهد درامية لم يكن يتخيلها عقل، بل المقال يهم أيضًا كل مَنْ هم في منصب أو موضع قيادة أو موقع مسؤولية، سواء مدير عمل، أو رئيس مصلحة، أو أب في أسرة، ... الخ. دعونا نتجول في الكلمة لنأخذ بعض الدروس والعِبر سواء من الناحية السلبية أو الإيجابية من خلال حياة بعض الشخصيات الكتابية لنخرج بتصور عن مَنْ هو الرئيس البار:
1- يخاف الله: وارد أن مَنْ هم في منصب، هم أصحاب سلطة ومقدرة بالمقارنة بمن يسودون عليهم؛ لكن الرئيس البار هو مَنْ يضع الله حَكَمًا بينه وبين المرؤوسين، ويعرف أن فوق العالي عاليًا يلاحظ، وأنه سيُعطي له حسابًا عن كل ما قال وفعل، فلا يستبد مهما كان ضعف موقف المرؤوس. وهذا ما عمله يوسف، فكان بيده أن ينتقم من إخوته عندما جاءوا إلى مصر، ولن يراجعه أحد، إذ معه كافة الصلاحيات من فرعون، لكنه قال لهم: «أنا خائفٌ الله» (تك 42: 18).
2- يضحي بحقوقه المشروعة: نحميا في أيامه كان له حق على إخوته يُسمَّى ”خبز الوالي“، لكن نحميا من واقع شعوره بالمسؤولية ضحَّى بهذا الحق قائلاً: «لم آكل أنا ولا إخوتي خبز الوالي» (نح 5: 14)، وذلك بسبب العبودية الثقيلة على الشعب (ع 18). أي أنه كان يتحد نفسه بمعاناة الشعب، ولا يستغل منصبه في التربح والتميُّز.
3- يتحمَّل نتيجة أخطائه ولا يُحمِّلها للشعب: عندما وقع القضاء على الشعب نتيجة خطأ داود في إحصائه للشعب، ماذا كان رد فعل داود الملك؟ «كلَّم داود الرب عندما رأى الملاك الضارب الشعب وقال: ها أنا أخطأت وأنا أذنبت، وأما هؤلاء الخراف فماذا فعلوا؟ فلتكن يدك عليَّ وعلى بيت أبي لا على شعبك لضربهم» (2صم24: 17).
4- لا يقسو: مثلما قسى رحبعام على الشعب الصارخ إليه وقال: «الآن أبي حمَّلكم نيرًا ثقيلاً وأنا أزيد على نيركم، أبي أدبكم بالسياط وأما أنا فبالعقارب» (2أخ 10: 11) فلم يراع أنفسهم المرة وصراخهم له، فكانت النتيجة تمزق المملكة.
5- لا يختلس نجاحات الآخرين: ما أسهل أن يُنسب نجاح المرؤوس للرئيس، وما أردأ اختلاس الرئيس لنجاح المرؤوس، وهذا ما عمله شاول. مع أن ابنه هو صاحب النجاح والنصرة، لكنه اختلس هذا لنفسه. «وضرب يوناثان نصب الفلسطينيين الذي في جبع، فسمع الفلسطينيون. وضرب شاول بالبوق في جميع الأرض قائلاً: ليسمع العبرانيون» (1صم 13: 3).
6- لا يسعَى لتخليد اسمه: قد تُخلِّد أعمالنا أسماءنا، لكن ليس من المُستحَب أن نسعى نحن لذلك، كالذين قالوا: «نصنع لأنفسنا اسمًا». «فبكَّر صموئيل للقاء شاول صباحًا فأُخبر صموئيل وقيل له قد جاء شاول إلى الكرمل وهوذا قد نصب لنفسه نصبًا ودار وعبر ونزل إلى الجلجال» (1صم 15: 12). وهذا أيضًا ما عمله أبشالوم (2صم18:18).
7- مُستمع جيد: أسوأ شيء أن لا يستمع الرئيس لمرؤوسيه، وهذا ما فعله داود في يوم من الأيام نتيجة مشغولياته الكثيرة عن هموم الناس، فأعطى بذلك الفرصة لأبشالوم لأن يسترق قلوب الشعب. «فيقول أبشالوم: انظر أمورك صالحة ومستقيمة ولكن ليس من يسمع لك من قبل الملك» (2صم 15: 3).
8- لا يتكبر: الكبرياء هي عِلة سقوط كل عظيم؛ لأنه قبل الكسر الكبرياء. والأمثلة كثيرة لكبرياء الرؤساء وتعظُّمهم، فعلى سبيل المثال نبوخذ نصر: «أجاب الملك فقال: أليست هذه بابل العظيمة التي بنيتها لبيت المُلك بقوة اقتداري ولجلال مجدي» (دا 4: 27)، وفي كبريائه ظن أن سلطانه ليس له حدود فتجبَّر في حُكمه للدرجة التي فيها قيل عنه: «وللعظمة التي أعطاه إياها (الله)، كانت ترتعد وتفزع قدامه جميع الشعوب والأمم والألسنة. فأيًا شاء قتل وأيًا شاء استحيا، وأيًا شاء رفع وأيًا شاء وضع» (دا 5: 19)، ومن ثم كان السقوط عظيمًا. «فلما ارتفع قلبه وقَسَتْ روحُه تجبُّرًا، انحط عن كرسي مُلكه ونزعوا عنه جلاله» (دا 5: 20). وكذلك عزيا من كبريائه تعدى الحدود وعمل ما لا يجب عمله، «ولما تشدد ارتفع قلبه للهلاك وخان الرب إلهه ودخل هيكل الرب ليوقد على مذبح البخور» (2أخ 26: 16)، والنتيجة أنه ضُرب بالبرص إلى يوم موته.
9- لا يُميِّز أسرته عن بقية الشعب: مع كل ما لشاول من عيوب وأخطاء، إلاّ أنه في موقف ما قال قدام الشعب: «لأنه حي هو الرب مخلِّص إسرائيل ولو كانت في يوناثان ابني فإنه يموت موتًا، ولم يكن مَنْ يجيبه من كل الشعب» (1صم 14: 39).
10- يعتبر المنصب تكليفًا قبل أن يكون تشريفًا: وفي يوسف خير مثال لذلك. فبعدما تبوأ منصب الرجل الثاني في مصر بعد سنوات الذل الكثيرة، لم يعتبر المنصب مغنمًا يعوضه عن كل خسائر أدبية خسرها في سنوات السجن، بل أخذ مركبة وجال كل أرض مصر ليدرس بنفسه الموقف، وحتى في أثناء متابعة عمله قليلاً ما كان يستريح في البيت فكان يُتابع بنفسه كل شيء ويبيع بنفسه القمح للناس. وعندما جاء إلى مصر مجموعة من العبرانيين ( كانوا هم إخوته)، تعامل معهم بصورة توضح أنه يعرف كل كبيرة وصغيرة ويُتابعها بنفسه.
11- يتولى المسؤولية معتمدًا على حكمة يطلبها من الله: عندما سأل الله سليمان: «اسأل ماذا أعطيك؟» لم يطلب غنى ولا نفوس أعدائه بل طلب حكمة من الرب قائلاً: «فأعط عبدك قلبًا فهيمًا لأحكم على شعبك وأميِّز بين الخير والشر لأنه مَنْ يقدر أن يحكم على شعبك العظيم هذا» (1مل 3: 9).
12- يفوض الاختصاصات ولا يتحكَّم في كل شيء: لاقى اقتراح حمي موسى - وهو ما يُعرَف بتفويض الاختصاصات في العلم الحديث عن الإدارة - قبولاً لدى موسى عندما قال له في (خروج 18: 17- 23): «ليس جيدًا الأمر الذي أنت صانع ... لأن الأمر أعظم منك لا تستطيع أن تصنعه وحدك. الآن اسمع لصوتي فأنصحك فليكن الله معك، كن أنت للشعب أمام الله وقدِّم أنت الدعاوي إلى الله، وعلِّمهم الفرائض والشرائع وعرفهم الطريق الذي يسلكونه والعمل الذي يعملونه. وأنت تنظر من جميع الشعب ذوي قدرة خائفين الله أمناء مبغضين الرشوة وتقيمهم عليهم رؤساء ألوف ورؤساء مئات ورؤساء خماسين ورؤساء عشرات. فيقضون للشعب كل حين ويكون أن كل الدعاوي الكبيرة يجيئون بها إليك وكل الدعاوي الصغيرة يقضون هم فيها».
ولا نجد نصيحة أفضل من كلمة الوحي للرؤساء لنختم به هذا المقال «وأنتم أيها السادة افعلوا لهم هذه الأمور تاركين التهديد، عالمين أن سيدكم أنتم أيضًا في السماوات وليس عنده محاباة» (أف 6: 9).