عدد رقم 3 لسنة 2011
أعداد سابقة سنة:   عدد رقم:
 
    أرسل المقالة لصديق   أضف المقالة للمفضلة Share
رفقة ... عروسٌ مُزَيَّنَةٌ لإسحاق  

(تكوين24)
تحدثنا فيما سبق عن رفقة؛ العروس التي توافرت فيها كل الصفات الروحية والأدبية الرائعة التي تجعل منها عروسًا تليق بإسحاق.  وتكلّمنا عن:
(1) رفقة المؤمنة (تك24: 4)
(2) رفقة المُعيَّنة (تك24: 14)
(3) رفقة المُخصَّصة (تك24: 16)
(4) رابعًا: رفقة المُزَيَّنَة (تك24: 22، 47، 53)
ونواصل في هذا العدد تأملاتنا، فنقول:
خامسًا:
 رفقة الخادمة الفاضلة المضيافة
(تك24: 14-25؛ 42-46)
عندما وصل عبد إبراهيم إلى مدينة ناحور، أناخ الجمال خارج المدينة عند بئر الماء، وقت المساء، وقت خروج المُسْتَقِيَاتِ، وصلى إلى الرب ليُرشده،  ووضع علامة ليعرف بها المُعيَّنة من الرب لإسحاق، وهي أن الفتاة التي سيقول لها: «أَمِيلِي جَرَّتَكِ لأَشْرَبَ فَتَقُولَ: اشْرَبْ وَأَنَا أَسْقِي جِمَالَكَ أَيْضًا»، هي المُعيَّنة من الرب عروسًا لإسحاق.

ولم تكن العلامة التي وضعها العبد مجرد علامة حسبما اتُفق، بل كانت تحمل دلالات هامة ومباركة.  كل فتاة على الأرجح كانت ستسقيه بناءً على طلبه، لكن مَنْ التي كانت ستتطوع لأن تسقي عشرة جِمَال مُتعَبة من رحلة طويلة عبر الصحراء؟ مَنْ هي التي لن تكتفي فقط بتنفيذ ما عليها مِنْ واجبات نحو مسافر غريب مُتعب، ولكن ستعمل فوق المطلوب منها؟

كانت رفقة فتاة ذات نعمة (أم11: 16)،
 تتميَّز بالتواضع والوداعة، وبالشفقة المُستعدة للتضحية، وبالنشاط الوفير والإيمان.  وكانت على استعداد لا أن تسقي العبد ورجاله فقط، بل وتسقي جِماله أيضًا.  لقد برهنت أنها صِدِّيقة وبارة، لأن «الصِّدِّيقُ يُرَاعِي نَفْسَ بَهِيمَتِهِ» (أم12: 10).

وكانت رفقة مجتهدة ونشيطة، وما وضعته على نفسها من مسؤوليات استطاعت أن تُتمّمه، بيدين ممدوتين بالعطاء، وبقلب مملوء بالفرح، إذ أنها كانت «تَشْتَغِلُ بِيَدَيْنِ رَاضِيَتَيْنِ» (أم31: 13).  وهكذا برهنت أنها تمتلك تلك الصفات الرائعة التي ذكرها الحكيم في ما بعد عن المرأة الفاضلة، التي «ثَمَنَهَا يَفُوقُ اللَّآلِئَ» (أم31)،
 وكان فيها كل ما يتمنى الرجل الفاضل في زوجته.
ابنتي الغالية:
 إن المرأة الفاضلة لا تكتفي فقط بتنفيذ ما عليها من واجبات نحو زوجها وأولادها، لأنها إن فعلت ذلك فقط فأيُّ فَضْلٍ لها؟! فلا شكر على واجب كما يقولون.  لكن “الفضل” هو أن تعمل المرأة فوق المطلوب منها، حُبًّا في إلهها وزوجها.  وهكذا كان أبطال داود الذين لم يُؤمروا من داود بإحضار ماء له من بئر بيت لحم، لكن حبهم لداود جعل رغبته أوامر صادرة لهم لينفذوها، وهذا هو “الفضل” (قارني مِنْ فضلك هوشع 14: 4؛ متى5: 47؛ لوقا6: 32-34؛ 17: 7-10؛ 1بطرس2: 19, 20).  

إن المرأة الفاضلة تعمل باجتهاد ونشاط أولاً من أجل الذين في دائرة بيتها، ثم من أجل الذين هم من خارج.  وهكذا فهي تعتبر نفسها مسؤولة عن كل مَن هو في متناول يديها.  وهي تعرف أن الحياة الشاهدة الحقيقية ليست شيئًا هينًا، بل هي أمر مُكلّف؛ إنها تعني الحب، والحب العميق، الحب الذي يُسرّ بالبذل والتضحية، ويبتهج بالإيثار والعطاء.  لذلك هي تعطي الجهد والتعب، والمال والقوة لأجل الآخرين.  والمحبة عندها أكثر من مجرد شعور أو عاطفة؛ إنها مبدأ يحرك اليد، ويفتح الجيب والبيت لأجل جميع من حولها.

وهكذا فالمرأة الفاضلة تتشبَّه بالله الآب، وقدوتها الرب يسوع المسيح، ويُحركها الروح القدس.  

وكانت رفقة “كريمة ومضيّافة”، وكانت ودودة ورحيمة.  طلب منها العبد قليل ماء، فسقته، ثم استقت لكل جِمَالِه العشرة! وبعد ذلك سألها: «هَلْ فِي بَيْتِ أَبِيكِ مَكَانٌ لَنَا لِنَبِيتَ؟»  فَقَالَتْ لَهُ: «عَِنْدَنَا تِبْنٌ وَعَلَفٌ كَثِيرٌ، وَمَكَانٌ لِتَبِيتُوا أَيْضًا». 

وفُتحت أبواب بيت بتوئيل لإضافة عبد إبراهيم الغريب المسافر، فأُعطيت له الفرصة للتحدث عن إسحاق، ليربط عواطف رفقة به، ويقودها إليه.  وإضافة الغرباء هي إحدى الفضائل الجميلة، وعليها يُحرضنا الكتاب وباستمرار (رو12: 13).
  إن الترحاب السخي بإخوتنا مع شمولهم بالعناية وكرم الضيافة يُعتبر مجد البيت وزهرة الحياة العائلية.  إنه تطبيق وتزيين لتعليم مُخلِّصنا الله.  ورسائل العهد الجديد التي تشرح وتُفصِّل نعمة الله العجيبة، تحض على ممارسة كرم الضيافة كأمر حيوي من أمور المسيحية العملية. 

ففي رومية12: 9-21 نجد أن من بين الفضائل التي يتسربل بها المؤمن في عيشته المسيحية، أن يكون عاكفًا على إضافة الغرباء (رو12: 13).  وأيضًا إحدى الصفات التي يجب أن يتحلى بها الأسقف أو الناظر أن يكون «مُضِيفًا لِلْغُرَبَاءِ» (1تي3: 2؛ تي1: 8).  ومن أحلى المواقف أن الأرملة «تُكْتَتَبْأَرْمَلَةٌ» إذا كانت «قَدْ ... أَضَافَتِ الْغُرَبَاءَ، غَسَّلَتْ أَرْجُلَ الْقِدِّيسِينَ، سَاعَدَتِ الْمُتَضَايِقِينَ، اتَّبَعَتْ كُلَّ عَمَلٍ صَالِحٍ» (1تي5: 9، 10).  فليس معنى الكرم أن نُظهره فقط لمن نعرفهم ونُحبَّهم، بل للغرباء أيضًا.  ولذلك في عبرانيين 13: 2 نقرأ القول «لاَ تَنْسُوا إِضَافَةَ الْغُرَبَاءِ، لأَنْ بِهَا أَضَافَ أُنَاسٌ مَلاَئِكَةً وَهُمْ لاَ يَدْرُونَ».  والكلمة الإنجليزية المستعملة في هذا الصدد هي“Hospitality” أي كرم الضيافة؛ البيت المفتوح للاستضافة نظير «بَيْتَ اسْتِفَانَاسَ» الذييُقال عنهم أَنَّهُمْ «رَتَّبُوا أَنْفُسَهُمْ لِخِدْمَةِ الْقِدِّيسِينَ» (1كو16: 15).
 كما نقرأ في جدول الكرام والمكارم الذي في نهاية رسالة رومية «يُسَلِّمُ عَلَيْكُمغَايُسمُضَيِّفِي وَمُضَيِّفُ الْكَنِيسَةِ كُلِّهَا» (رو16: 23).  وكانت إحدى صفات أيوب الجميلة أنه «غَرِيبٌ لَمْ يَبِتْ فِي الْخَارِجِ.  فَتَحْتُ لِلْمُسَافِرِ أَبْوَابِي(أي31: 32).

وفي أيام اللاودكية – أيام الفتور والاكتفاء الذاتي – نحتاج إلى الحرص لئلا تُصبح صفة عدم المبالاة بإضافة الغرباء هي التي تُميّز بيوتنا.  فلنتفحص الأمر جديًا من جديد، ولنتحل بتلك الصفة الجميلة الفاضلة؛ صفة إضافة الغرباء.

وكرم الضيافة لا يرتبط بيسر الحال بقدر ما يرتبط بحالة قلب شبعان بالرب، وفي روح المحبة يهتم بما للآخرين ويتذكَّر أعوازهم.  وإنه لشرف عظيم أن نُشارك الله أبونا في عواطف قلبه من نحو إخوتنا.

فلا تنسِ – ابنتي الفاضلة – إضافة الغرباء، واعكفي عليها.  تنفتح الأبواب، ووراء فتح الأبواب هناك أبواب تُفتح أمامنا ولحسابنا.  وكم نخسر كثيرًا بسبب الأبواب المُغلقة والأحشاء المُغلقة.  أين نحن من الذين كَانُوا «يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِابْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ قَلْبٍ» (أع2: 46)؟! كم فترت محبتنا، وضعفت شركتنا بعضنا مع بعض! كم قصَّرنا من نحو إخوتنا! وكم حُرمت بيوتنا وأولادنا من أفراح الشركة والولائم المحبية، والالتقاط من كلمة الله من بين الأحاديث، والانتعاش بالمحبة الأخوية.  

ليتنا جميعًا نهتم بدوام المحبة الأخوية التي تُظهر نفسها عمليًا في إضافة الإخوة الغرباء، كما فعلت رفقة مع عبد إبراهيم، ومن معه.  ولا شك أن هذه كانت رغبة إبراهيم وإسحاق أيضًا، حيث تربى في بيت مفتوح وتعلَّم من أمه سارة الأميرة كيف كانت تستضيف الغرباء، وعرف بركة وقيمة هذا البيت المفتوح.
 

© جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة - كنائس الأخوة بجمهورية مصر العربية
للإقتراحات والآراء بخصوص موقعنا على الأنترنت راسلنا على webmaster@rshabab.com